وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ القول في تأويل قوله تعالى : { والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصية لأزواجهم متاعا إلى الحول غير إخراج } يعني تعالى ذكره بذلك : والذين يتوفون منكم أيها الرجال , { ويذرون أزواجا } يعني زوجات كن له نساء في حياته , بنكاح لا ملك يمين . ثم صرف الخبر عن ذكر من ابتدأ الخبر بذكره , نظير الذي مضى من ذلك في قوله : { والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا } إلى الخبر عن ذكر أزواجهم . وقد ذكرنا وجه ذلك , ودللنا على صحة القول فيه في نظيره الذي قد تقدم قبله , فأغنى ذلك عن إعادته في هذا الموضع . ثم قال تعالى ذكره : { وصية لأزواجهم } فاختلفت القراء في قراءة ذلك , فقرأ بعضهم : { وصية لأزواجهم } بنصب الوصية ; بمعنى : فليوصوا وصية لأزواجهم , أو عليهم وصية لأزواجهم . وقرأ آخرون : " وصية ولأزواجهم " برفع " الوصية " . ثم اختلف أهل العربية في وجه رفع الوصية ؟ فقال بعضهم : رفعت بمعنى : كتبت عليهم الوصية , واعتل في ذلك بأنها كذلك في قراءة عبد الله . فتأويل الكلام على ما قاله هذا القائل : والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا كتبت عليهم وصية لأزواجهم , ثم ترك ذكر " كتبت " , ورفعت الوصية وبذلك المعنى وإن كان متروكا ذكره . وقال آخرون منهم : بل الوصية مرفوعة بقوله : { لأزواجهم } فتأول : لأزواجهم وصية . والقول الأول أولى بالصواب في ذلك , وهو أن تكون الوصية إذا رفعت مرفوعة بمعنى : كتبت عليكم وصية لأزواجكم , لأن العرب تضمر النكرات مرافعها قبلها إذا أضمرت , فإذا أظهرت بدأت به قبلها , فتقول : جاءني رجل اليوم , وإذا قالوا : رجل جاءني اليوم , لم يكادوا أن يقولوه إلا والرجل حاضر يشيرون إليه بهذا , أو غائب قد علم المخبر عنه خبره , أو بحذف " هذا " وإضماره , إن حذفوه لمعرفة السامع بمعنى المتكلم , كما قال الله تعالى ذكره : { سورة أنزلناها } 24 1 و { براءة من الله ورسوله } 9 1 فكذلك ذلك في قوله : { وصية لأزواجهم } وأولى القراءتين بالصواب في ذلك عندنا قراءة من قرأه رفعا لدلالة ظاهر القرآن على أن مقام المتوفى عنها زوجها في بيت زوجها المتوفى حولا كاملا , كان حقا لها قبل نزول قوله : { والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا } 2 234 وقبل نزول آية الميراث . ولتظاهر الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بنحو الذي دل عليه الظاهر من ذلك , أوصى لهن أزواجهن بذلك قبل وفاتهن أو لم يوصوا لهن به . فإن قال قائل : وما الدلالة على ذلك ؟ قيل : لما قال الله تعالى ذكره . { والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصية لأزواجهم } وكان الموصي لا شك إنما يوصي في حياته بما يؤمر بإنفاذه بعد وفاته , وكان محالا أن يوصي بعد وفاته , كان تعالى ذكره إنما جعل لامرأة الميت سكنى الحول بعد وفاته ; علما بأنه حق لها وجب في ماله بغير وصية منه لها , إذ كان الميت مستحيلا أن يكون منه وصية بعد وفاته . ولو كان معنى الكلام على ما تأوله من قال : فليوص وصية , لكان التنزيل : والذين يحضرهم الوفاة ويذرون أزواجا وصية لأزواجهم , كما قال : { كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية } وبعد , فلو كان ذلك واجبا لهن بوصية من أزواجهن المتوفين , لم يكن ذلك حلا لهن إذا لم يوص أزواجهن لهن قبل وفاتهم , ولكان لورثتهم إخراجهن قبل الحول , وقد قال الله تعالى ذكره : { غير إخراج } ولكن الأمر في ذلك بخلاف ما ظنه في تأويله قارئه : { وصية لأزواجهم } بمعنى : أن الله تعالى كان أمر أزواجهن بالوصية لهن , وإنما تأويل ذلك : { والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا } كتب الله لأزواجهم عليكم وصية منه لهن أيها المؤمنون أن لا تخرجوهن من منازل أزواجهن حولا , كما قال تعالى ذكره في سورة النساء : { غير مضار وصية من الله } 4 12 ثم ترك ذكر " كتب الله " اكتفاء بدلالة الكلام عليه , ورفعت " الوصية " بالمعنى الذي قلنا قبل . فإن قال قائل : فهل يجوز نصب الوصية . . .. لهن وصية ؟ قيل : لا , لأن ذلك إنما كان يكون جائزا لو تقدم الوصية من الكلام ما يصلح أن تكون الوصية خارجة منه , فأما ولم يتقدمه ما يحسن أن تكون منصوبة بخروجها منه , فغير جائز نصبها بذلك المعنى . ذكر بعض من قال : إن سكنى حول كامل كان حلا لأزواج المتوفين بعد موتهم على ما قلنا , أوصى بذلك أزواجهن لهن أو لم يوصوا لهن به , وأن ذلك نسخ بما ذكرنا من الأربعة الأشهر والعشر والميراث : 4341 - حدثني المثنى , قال : ثنا الحجاج بن منهال , قال : ثنا همام بن يحيى , قال : سألت قتادة عن قوله : - { والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصية لأزواجهم متاعا إلى الحول غير إخراج } ; فقال : كانت المرأة إذا توفي عنها زوجها كان لها السكنى والنفقة حولا في مال زوجها ما لم تخرج , ثم نسخ ذلك بعد في سورة النساء , فجعل لها فريضة معلومة الثمن إن كان له ولد , والربع إن لم يكن له ولد , وعدتها أربعة أشهر وعشرا , فقال تعالى ذكره : { والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا } فنسخت هذه الآية ما كان قبلها من أمر الحول . 4342 - حدثني المثنى , قال : ثنا إسحاق , قال : ثنا ابن أبي جعفر , عن أبيه , عن الربيع . في قوله : { والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصية لأزواجهم متاعا إلى الحول غير إخراج } الآية . قال : كان هذا من قبل أن تنزل آية الميراث , فكانت المرأة إذا توفي عنها زوجها , كان لها السكنى والنفقة حولا إن شاءت , فنسخ ذلك في سورة النساء , فجعل لها فريضة معلومة : جعل لها الثمن إن كان له ولد , وإن لم يكن له ولد فلها الربع وجعل عدتها أربعة أشهر وعشرا , فقال : { والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا } . 4343 - حدثني المثنى , قال : ثنا عبد الله بن صالح , قال : ثني معاوية بن صالح , عن علي بن أبي طلحة , عن ابن عباس قوله : { والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصية لأزواجهم متاعا إلى الحول غير إخراج } فكان الرجل إذا مات وترك امرأته , اعتدت سنة في بيته , ينفق عليها من ماله ; ثم أنزل الله تعالى ذكره بعد : { والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا } 2 234 فهذه عدة المتوفى عنها زوجها , إلا أن تكون حاملا , فعدتها أن تضع ما في بطنها , وقال في ميراثها : { ولهن الربع مما تركتم إن لم يكن لكم ولد فإن كان لكم ولد فلهن الثمن } 4 12 فبين الله ميراث المرأة , وترك الوصية والنفقة . 4344 - حدثنا عن الحسين بن الفرج , قال : سمعت أبا معاذ , قال : سمعت عبيد الله بن سليمان , قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : { وصية لأزواجهم متاعا إلى الحول غير إخراج } كان الرجل إذا توفي أنفق على امرأته في عامه إلى الحول , ولا تزوج حتى تستكمل الحول . وهذا منسوخ , نسخ النفقة عليها الربع والثمن من الميراث , ونسخ الحول أربعة أشهر وعشرا . * وحدثني المثنى , قال : ثنا إسحاق , قال : ثنا أبو زهير , عن جويبر , عن الضحاك في قوله : { والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصيه لأزواجهم متاعا إلى الحول غير إخراج } قال : الرجل إذا توفي أنفق على امرأته إلى الحول , ولا تزوج حتى يمضي الحول , فأنزل الله تعالى ذكره : { والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا } 2 234 فنسخ الأجل الحول , ونسخ النفقة الميراث الربع والثمن . 4345 - حدثنا القاسم , قال : ثنا الحسين , قال : ثني حجاج , عن ابن جريج , قال : سألت عطاء عن قوله : { والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصية لأزواجهم متاعا إلى الحول غير إخراج } قال : كان ميراث المرأة من زوجها من ريعه أن تسكن إن شاءت من يوم يموت زوجها إلى الحول , يقول : { فإن خرجن فلا جناح عليكم } الآية . ثم نسخها ما فرض الله من الميراث . قال : وقال مجاهد : وصية لأزواجهم , سكنى الحول , ثم نسخ هذه الآية بالميراث . 4346 - حدثني يونس , قال : أخبرنا ابن وهب , قال : قال ابن زيد : كان لأزواج الموتى حين كانت الوصية نفقة سنة , فنسخ الله ذلك الذي كتب للزوجة من نفقة السنة بالميراث , فجعل لها الربع أو الثمن , وفي قوله : { والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا } قال : هذه الناسخة . ذكر من قال : كان ذلك يكون لهن بوصية من أزواجهن لهن به : 4347 - حدثنا بشر بن معاذ , قال : ثنا يزيد , قال : ثنا سعيد , عن قتادة قوله : { والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا } الآية . قال : كانت هذه من قبل الفرائض , فكان الرجل يوصي لامرأته ولمن شاء , ثم نسخ ذلك بعد , فألحق الله تعالى بأهل المواريث ميراثهم , وجعل للمرأة إن كان له ولد الثمن , وإن لم يكن له ولد فلها الربع . وكان ينفق على المرأة حولا من مال زوجها , ثم تحول من بيته , فنسخته العدة أربعة أشهر وعشرا , ونسخ الربع أو الثمن الوصية لهن , فصارت الوصية لذوي القرابة الذين لا يرثون . 4348 - حدثني موسى , قال : ثنا عمرو , قال : ثنا أسباط , عن السدي : { والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصيه لأزواجهم } إلى : { فيما فعلن في أنفسهن من معروف } يوم نزلت هذه الآية كان الرجل إذا مات أوصى لامرأته بنفقتها وسكناها سنة , وكانت عدتها أربعة أشهر وعشرا , فإن هي خرجت حين تنقضي أربعة أشهر وعشر انقطعت عنها النفقة , فذلك قوله : { فإن خرجن } وهذا قبل أن تنزل آية الفرائض , فنسخه الربع والثمن , فأخذت نصيبها , ولم يكن لها سكنى ولا نفقة . 4349 - حدثني أحمد بن المقدام , قال : ثنا المعتمر , قال : سمعت أبي , قال : يزعم قتادة أنه كان يوصي للمرأة بنفقتها إلى رأس الحول . ذكر من قال نسخ ذلك ما كان لهن من المتاع إلى الحول من غير بينة على أي وجه كان ذلك لهن : 4350 - حدثنا محمد بن بشار , قال : ثنا عبد الرحمن , قال : ثنا سفيان , عن حبيب , عن إبراهيم في قوله : { والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصيه لأزواجهم متاعا إلى الحول } قال : هي منسوخة . * حدثنا الحسن بن الزبرقان , قال : ثنا أسامة , عن سفيان , عن حبيب بن أبي ثابت , قال : سمعت إبراهيم يقول , فذكر نحوه . 4351 - حدثنا ابن حميد , قال : ثنا يحيى بن واضح , عن حصين , عن يزيد النحوي , عن عكرمة والحسن البصري , قالا : { والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصية لأزواجهم متاعا إلى الحول غير إخراج } نسخ ذلك بآية الميراث , وما فرض لهن فيها من الربع والثمن , ونسخ أجل الحول أن جعل أجلها أربعة أشهر وعشرا . 4352 - حدثنا يعقوب بن إبراهيم , قال : ثنا ابن علية , عن يونس , عن ابن سيرين , عن ابن عباس أنه قام يخطب الناس ههنا , فقرأ لهم سورة البقرة , فبين لهم فيها , فأتى على هذه الآية : { إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين } 2 180 قال : فنسخت هذه . ثم قرأ حتى أتى على هذه الآية : { والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا } إلى قوله : { غير إخراج } فقال : وهذه . وقال آخرون : هذه الآية ثابتة الحكم لم ينسخ منها شيء . ذكر من قال ذلك : 4353 - حدثني محمد بن عمرو , قال : ثنا أبو عاصم , قال : ثنا عيسى , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد في قول الله : { والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا } 2 234 قال : كانت هذه للمعتدة تعتد عند أهل زوجها واجبا ذلك عليها , فأنزل الله : { والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصية لأزواجهم متاعا إلى الحول غير إخراج } إلى قوله : { من معروف } قال : جعل الله لهم تمام السنة سبعة أشهر وعشرين ليلة وصية , إن شاءت سكنت في وصيتها , وإن شاءت خرجت , وهو قول الله تعالى ذكره : { غير إخراج فإن خرجن فلا جناح عليكم } قال : والعدة كما هي واجبة . * حدثني المثنى , قال : ثنا أبو حذيفة , قال : ثنا شبل , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد , مثله . 4354 - حدثني محمد بن عمرو , قال : ثنا أبو عاصم , عن عيسى وحدثني المثنى , قال : ثنا أبو حذيفة , قال ثنا شبل , عن ابن أبي نجيح , عن عطاء , عن ابن عباس أنه قال : نسخت هذه الآية عدتها عند أهله تعتد حيث شاءت , وهو قول الله : { غير إخراج } قال عطاء : إن شاءت اعتدت عند أهله وسكنت في وصية , وإن شاءت خرجت لقول الله تعالى ذكره : { فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهن } . قال عطاء : جاء الميراث بنسخ السكنى تعتد حيث شاءت , ولا سكنى لها . وأولى هذه الأقوال عندي في ذلك بالصواب أن يقال : إن الله تعالى ذكره كان جعل لأزواج من مات من الرجال بعد موتهم سكنى حول في منزله , ونفقتها في مال زوجها الميت إلى انقضاء السنة . ووجب على ورثة الميت أن لا يخرجوهن قبل تمام الحول من المسكن الذي يسكنه , وإن هن تركن حقهن من ذلك وخرجن لم تكن ورثة الميت خروجهن في حرج . ثم إن الله تعالى ذكره نسخ النفقة بآية الميراث , وأبطل مما كان جعل لهن من سكنى حول سبعة أشهر وعشرين ليلة , وردهن إلى أربعة أشهر وعشر على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم . 4355 - حدثني محمد بن عبد الله بن عبد الحكم , قال : ثنا حجاج , قال : أخبرنا حيوة بن شريح , عن ابن عجلان , عن سعيد بن إسحاق بن كعب بن عجرة , وأخبره عن عمته زينب ابنة كعب بن عجرة , عن فريعة أخت أبي سعيد الخدري : أن زوجها خرج في طلب عبد له , فلحقه بمكان قريب , فقاتله وأعانه عليه أعبد معه , فقتلوه . فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : إن زوجها خرج في طلب عبد له , فلقيه علوج فقتلوه , وإني في مكان ليس فيه أحد غيري , وإن أجمع لأمري أن أنتقل إلى أهلي . فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم : " بل امكثي مكانك حتى يبلغ الكتاب أجله " وأما قوله : { متاعا } فإن معناه : جعل ذلك لهن متاعا , أي الوصية التي كتبها الله لهن . وإنما نصب " المتاع " , لأن في قوله : { وصية لأزواجهم } معنى متعهن الله , فقيل متاعا مصدرا من معناه , لا من لفظه . وقوله : { غير إخراج } فإن معناه أن الله تعالى ذكره جعل ما جعل لهن من الوصية متاعا منه لهن إلى الحول لا إخراجا من مسكن زوجها , يعني لا إخراج فيه منه حتى ينقضي الحول , فنصب " غير " على النعت للمتاع كقول القائل : هذا قيام غير قعود , بمعنى : هذا قيام لا قعود معه , أو لا قعود فيه . وقد زعم بعضهم أنه منصوب بمعنى : لا تخرجوهن إخراجا . وذلك خطأ من القول , لأن ذلك إذا نصب على هذا التأويل كان نصبه من كلام آخر غير الأول , وإنما هو منصوب بما نصب المتاع على النعت له . فَإِنْ خَرَجْنَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِي مَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ مِنْ مَعْرُوفٍ القول في تأويل قوله تعالى : { فإن خرجن فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهن من معروف } / يعني تعالى ذكره بذلك : أن المتاع الذي جعله الله لهن إلى الحول في مال أزواجهن بعد وفاتهم وفي مساكنهم ونهى ورثته عن إخراجهن , إنما هو لهن ما أقمن في مساكن أزواجهن , وأن حقوقهن من ذلك تبطل بخروجهن إن خرجن من منازل أزواجهن قبل الحول من قبل أنفسهن بغير إخراج من ورثة الميت . ثم أخبر تعالى ذكره أنه لا حرج على أولياء الميت في خروجهن وتركهن الحداد على أزواجهن ; لأن المقام حولا في بيوت أزواجهن والحداد عليه تمام حول كامل لم يكن فرضا عليهن , وإنما كان ذلك إباحة من الله تعالى ذكره لهن إن أقمن تمام الحول محدات , فأما إن خرجن فلا جناح على أولياء الميت ولا عليهن فيما فعلن في أنفسهن من معروف , وذلك ترك الحداد . يقول : فلا حرج عليكم في التزين إن تزين وتطيبن وتزوجن , لأن ذلك لهن . وإنما قلنا : لا حرج عليهن في خروجهن , وإن كان إنما قال تعالى ذكره : { فلا جناح عليكم } لأن ذلك لو كان عليهن في جناح , لكان على أولياء الرجل فيه جناح بتركهم إياهن , والخروج مع قدرتهم على منعهن من ذلك . ولكن لما لم يكن عليهن جناح في خروجهن وترك الحداد , وضع عن أولياء الميت وغيرهم الحرج فيما فعلن من معروف , وذلك في أنفسهن . وقد مضت الرواية عن أهل التأويل بما قلناه . في ذلك قبل . وَاللَّهُ عَزِيزٌ وأما قوله : { والله عزيز حكيم } فإنه يعني تعالى ذكره : والله عزيز في انتقامه ممن خالف أمره ونهيه وتعدى حدوده من الرجال والنساء , فمنع من كان من الرجال نساءهم وأزواجهم ما فرض لهن عليهم في الآيات التي مضت قبل من المتعة والصداق والوصية وإخراجهن قبل انقضاء الحول وترك المحافظة على الصلوات وأوقاتها , ومنع من كان من النساء ما ألزمهن الله من التربص عند وفاة أزواجهن عن الأزواج وخالف أمره في المحافظة على أوقات الصلوات { حكيم } فيما قضى بين عباده من قضاياه التي قد تقدمت في الآيات قبل قوله . { والله عزيز حكيم } وفي غير ذلك من أحكامه وأقضيته .
القول في تأويل قوله تعالى : { والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصية لأزواجهم متاعا إلى الحول غير إخراج } يعني تعالى ذكره بذلك : والذين يتوفون منكم أيها الرجال , { ويذرون أزواجا } يعني زوجات كن له نساء في حياته , بنكاح لا ملك يمين . ثم صرف الخبر عن ذكر من ابتدأ الخبر بذكره , نظير الذي مضى من ذلك في قوله : { والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا } إلى الخبر عن ذكر أزواجهم . وقد ذكرنا وجه ذلك , ودللنا على صحة القول فيه في نظيره الذي قد تقدم قبله , فأغنى ذلك عن إعادته في هذا الموضع . ثم قال تعالى ذكره : { وصية لأزواجهم } فاختلفت القراء في قراءة ذلك , فقرأ بعضهم : { وصية لأزواجهم } بنصب الوصية ; بمعنى : فليوصوا وصية لأزواجهم , أو عليهم وصية لأزواجهم . وقرأ آخرون : " وصية ولأزواجهم " برفع " الوصية " . ثم اختلف أهل العربية في وجه رفع الوصية ؟ فقال بعضهم : رفعت بمعنى : كتبت عليهم الوصية , واعتل في ذلك بأنها كذلك في قراءة عبد الله . فتأويل الكلام على ما قاله هذا القائل : والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا كتبت عليهم وصية لأزواجهم , ثم ترك ذكر " كتبت " , ورفعت الوصية وبذلك المعنى وإن كان متروكا ذكره . وقال آخرون منهم : بل الوصية مرفوعة بقوله : { لأزواجهم } فتأول : لأزواجهم وصية . والقول الأول أولى بالصواب في ذلك , وهو أن تكون الوصية إذا رفعت مرفوعة بمعنى : كتبت عليكم وصية لأزواجكم , لأن العرب تضمر النكرات مرافعها قبلها إذا أضمرت , فإذا أظهرت بدأت به قبلها , فتقول : جاءني رجل اليوم , وإذا قالوا : رجل جاءني اليوم , لم يكادوا أن يقولوه إلا والرجل حاضر يشيرون إليه بهذا , أو غائب قد علم المخبر عنه خبره , أو بحذف " هذا " وإضماره , إن حذفوه لمعرفة السامع بمعنى المتكلم , كما قال الله تعالى ذكره : { سورة أنزلناها } 24 1 و { براءة من الله ورسوله } 9 1 فكذلك ذلك في قوله : { وصية لأزواجهم } وأولى القراءتين بالصواب في ذلك عندنا قراءة من قرأه رفعا لدلالة ظاهر القرآن على أن مقام المتوفى عنها زوجها في بيت زوجها المتوفى حولا كاملا , كان حقا لها قبل نزول قوله : { والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا } 2 234 وقبل نزول آية الميراث . ولتظاهر الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بنحو الذي دل عليه الظاهر من ذلك , أوصى لهن أزواجهن بذلك قبل وفاتهن أو لم يوصوا لهن به . فإن قال قائل : وما الدلالة على ذلك ؟ قيل : لما قال الله تعالى ذكره . { والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصية لأزواجهم } وكان الموصي لا شك إنما يوصي في حياته بما يؤمر بإنفاذه بعد وفاته , وكان محالا أن يوصي بعد وفاته , كان تعالى ذكره إنما جعل لامرأة الميت سكنى الحول بعد وفاته ; علما بأنه حق لها وجب في ماله بغير وصية منه لها , إذ كان الميت مستحيلا أن يكون منه وصية بعد وفاته . ولو كان معنى الكلام على ما تأوله من قال : فليوص وصية , لكان التنزيل : والذين يحضرهم الوفاة ويذرون أزواجا وصية لأزواجهم , كما قال : { كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية } وبعد , فلو كان ذلك واجبا لهن بوصية من أزواجهن المتوفين , لم يكن ذلك حلا لهن إذا لم يوص أزواجهن لهن قبل وفاتهم , ولكان لورثتهم إخراجهن قبل الحول , وقد قال الله تعالى ذكره : { غير إخراج } ولكن الأمر في ذلك بخلاف ما ظنه في تأويله قارئه : { وصية لأزواجهم } بمعنى : أن الله تعالى كان أمر أزواجهن بالوصية لهن , وإنما تأويل ذلك : { والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا } كتب الله لأزواجهم عليكم وصية منه لهن أيها المؤمنون أن لا تخرجوهن من منازل أزواجهن حولا , كما قال تعالى ذكره في سورة النساء : { غير مضار وصية من الله } 4 12 ثم ترك ذكر " كتب الله " اكتفاء بدلالة الكلام عليه , ورفعت " الوصية " بالمعنى الذي قلنا قبل . فإن قال قائل : فهل يجوز نصب الوصية . . .. لهن وصية ؟ قيل : لا , لأن ذلك إنما كان يكون جائزا لو تقدم الوصية من الكلام ما يصلح أن تكون الوصية خارجة منه , فأما ولم يتقدمه ما يحسن أن تكون منصوبة بخروجها منه , فغير جائز نصبها بذلك المعنى . ذكر بعض من قال : إن سكنى حول كامل كان حلا لأزواج المتوفين بعد موتهم على ما قلنا , أوصى بذلك أزواجهن لهن أو لم يوصوا لهن به , وأن ذلك نسخ بما ذكرنا من الأربعة الأشهر والعشر والميراث : 4341 - حدثني المثنى , قال : ثنا الحجاج بن منهال , قال : ثنا همام بن يحيى , قال : سألت قتادة عن قوله : - { والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصية لأزواجهم متاعا إلى الحول غير إخراج } ; فقال : كانت المرأة إذا توفي عنها زوجها كان لها السكنى والنفقة حولا في مال زوجها ما لم تخرج , ثم نسخ ذلك بعد في سورة النساء , فجعل لها فريضة معلومة الثمن إن كان له ولد , والربع إن لم يكن له ولد , وعدتها أربعة أشهر وعشرا , فقال تعالى ذكره : { والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا } فنسخت هذه الآية ما كان قبلها من أمر الحول . 4342 - حدثني المثنى , قال : ثنا إسحاق , قال : ثنا ابن أبي جعفر , عن أبيه , عن الربيع . في قوله : { والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصية لأزواجهم متاعا إلى الحول غير إخراج } الآية . قال : كان هذا من قبل أن تنزل آية الميراث , فكانت المرأة إذا توفي عنها زوجها , كان لها السكنى والنفقة حولا إن شاءت , فنسخ ذلك في سورة النساء , فجعل لها فريضة معلومة : جعل لها الثمن إن كان له ولد , وإن لم يكن له ولد فلها الربع وجعل عدتها أربعة أشهر وعشرا , فقال : { والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا } . 4343 - حدثني المثنى , قال : ثنا عبد الله بن صالح , قال : ثني معاوية بن صالح , عن علي بن أبي طلحة , عن ابن عباس قوله : { والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصية لأزواجهم متاعا إلى الحول غير إخراج } فكان الرجل إذا مات وترك امرأته , اعتدت سنة في بيته , ينفق عليها من ماله ; ثم أنزل الله تعالى ذكره بعد : { والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا } 2 234 فهذه عدة المتوفى عنها زوجها , إلا أن تكون حاملا , فعدتها أن تضع ما في بطنها , وقال في ميراثها : { ولهن الربع مما تركتم إن لم يكن لكم ولد فإن كان لكم ولد فلهن الثمن } 4 12 فبين الله ميراث المرأة , وترك الوصية والنفقة . 4344 - حدثنا عن الحسين بن الفرج , قال : سمعت أبا معاذ , قال : سمعت عبيد الله بن سليمان , قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : { وصية لأزواجهم متاعا إلى الحول غير إخراج } كان الرجل إذا توفي أنفق على امرأته في عامه إلى الحول , ولا تزوج حتى تستكمل الحول . وهذا منسوخ , نسخ النفقة عليها الربع والثمن من الميراث , ونسخ الحول أربعة أشهر وعشرا . * وحدثني المثنى , قال : ثنا إسحاق , قال : ثنا أبو زهير , عن جويبر , عن الضحاك في قوله : { والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصيه لأزواجهم متاعا إلى الحول غير إخراج } قال : الرجل إذا توفي أنفق على امرأته إلى الحول , ولا تزوج حتى يمضي الحول , فأنزل الله تعالى ذكره : { والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا } 2 234 فنسخ الأجل الحول , ونسخ النفقة الميراث الربع والثمن . 4345 - حدثنا القاسم , قال : ثنا الحسين , قال : ثني حجاج , عن ابن جريج , قال : سألت عطاء عن قوله : { والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصية لأزواجهم متاعا إلى الحول غير إخراج } قال : كان ميراث المرأة من زوجها من ريعه أن تسكن إن شاءت من يوم يموت زوجها إلى الحول , يقول : { فإن خرجن فلا جناح عليكم } الآية . ثم نسخها ما فرض الله من الميراث . قال : وقال مجاهد : وصية لأزواجهم , سكنى الحول , ثم نسخ هذه الآية بالميراث . 4346 - حدثني يونس , قال : أخبرنا ابن وهب , قال : قال ابن زيد : كان لأزواج الموتى حين كانت الوصية نفقة سنة , فنسخ الله ذلك الذي كتب للزوجة من نفقة السنة بالميراث , فجعل لها الربع أو الثمن , وفي قوله : { والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا } قال : هذه الناسخة . ذكر من قال : كان ذلك يكون لهن بوصية من أزواجهن لهن به : 4347 - حدثنا بشر بن معاذ , قال : ثنا يزيد , قال : ثنا سعيد , عن قتادة قوله : { والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا } الآية . قال : كانت هذه من قبل الفرائض , فكان الرجل يوصي لامرأته ولمن شاء , ثم نسخ ذلك بعد , فألحق الله تعالى بأهل المواريث ميراثهم , وجعل للمرأة إن كان له ولد الثمن , وإن لم يكن له ولد فلها الربع . وكان ينفق على المرأة حولا من مال زوجها , ثم تحول من بيته , فنسخته العدة أربعة أشهر وعشرا , ونسخ الربع أو الثمن الوصية لهن , فصارت الوصية لذوي القرابة الذين لا يرثون . 4348 - حدثني موسى , قال : ثنا عمرو , قال : ثنا أسباط , عن السدي : { والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصيه لأزواجهم } إلى : { فيما فعلن في أنفسهن من معروف } يوم نزلت هذه الآية كان الرجل إذا مات أوصى لامرأته بنفقتها وسكناها سنة , وكانت عدتها أربعة أشهر وعشرا , فإن هي خرجت حين تنقضي أربعة أشهر وعشر انقطعت عنها النفقة , فذلك قوله : { فإن خرجن } وهذا قبل أن تنزل آية الفرائض , فنسخه الربع والثمن , فأخذت نصيبها , ولم يكن لها سكنى ولا نفقة . 4349 - حدثني أحمد بن المقدام , قال : ثنا المعتمر , قال : سمعت أبي , قال : يزعم قتادة أنه كان يوصي للمرأة بنفقتها إلى رأس الحول . ذكر من قال نسخ ذلك ما كان لهن من المتاع إلى الحول من غير بينة على أي وجه كان ذلك لهن : 4350 - حدثنا محمد بن بشار , قال : ثنا عبد الرحمن , قال : ثنا سفيان , عن حبيب , عن إبراهيم في قوله : { والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصيه لأزواجهم متاعا إلى الحول } قال : هي منسوخة . * حدثنا الحسن بن الزبرقان , قال : ثنا أسامة , عن سفيان , عن حبيب بن أبي ثابت , قال : سمعت إبراهيم يقول , فذكر نحوه . 4351 - حدثنا ابن حميد , قال : ثنا يحيى بن واضح , عن حصين , عن يزيد النحوي , عن عكرمة والحسن البصري , قالا : { والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصية لأزواجهم متاعا إلى الحول غير إخراج } نسخ ذلك بآية الميراث , وما فرض لهن فيها من الربع والثمن , ونسخ أجل الحول أن جعل أجلها أربعة أشهر وعشرا . 4352 - حدثنا يعقوب بن إبراهيم , قال : ثنا ابن علية , عن يونس , عن ابن سيرين , عن ابن عباس أنه قام يخطب الناس ههنا , فقرأ لهم سورة البقرة , فبين لهم فيها , فأتى على هذه الآية : { إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين } 2 180 قال : فنسخت هذه . ثم قرأ حتى أتى على هذه الآية : { والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا } إلى قوله : { غير إخراج } فقال : وهذه . وقال آخرون : هذه الآية ثابتة الحكم لم ينسخ منها شيء . ذكر من قال ذلك : 4353 - حدثني محمد بن عمرو , قال : ثنا أبو عاصم , قال : ثنا عيسى , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد في قول الله : { والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا } 2 234 قال : كانت هذه للمعتدة تعتد عند أهل زوجها واجبا ذلك عليها , فأنزل الله : { والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصية لأزواجهم متاعا إلى الحول غير إخراج } إلى قوله : { من معروف } قال : جعل الله لهم تمام السنة سبعة أشهر وعشرين ليلة وصية , إن شاءت سكنت في وصيتها , وإن شاءت خرجت , وهو قول الله تعالى ذكره : { غير إخراج فإن خرجن فلا جناح عليكم } قال : والعدة كما هي واجبة . * حدثني المثنى , قال : ثنا أبو حذيفة , قال : ثنا شبل , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد , مثله . 4354 - حدثني محمد بن عمرو , قال : ثنا أبو عاصم , عن عيسى وحدثني المثنى , قال : ثنا أبو حذيفة , قال ثنا شبل , عن ابن أبي نجيح , عن عطاء , عن ابن عباس أنه قال : نسخت هذه الآية عدتها عند أهله تعتد حيث شاءت , وهو قول الله : { غير إخراج } قال عطاء : إن شاءت اعتدت عند أهله وسكنت في وصية , وإن شاءت خرجت لقول الله تعالى ذكره : { فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهن } . قال عطاء : جاء الميراث بنسخ السكنى تعتد حيث شاءت , ولا سكنى لها . وأولى هذه الأقوال عندي في ذلك بالصواب أن يقال : إن الله تعالى ذكره كان جعل لأزواج من مات من الرجال بعد موتهم سكنى حول في منزله , ونفقتها في مال زوجها الميت إلى انقضاء السنة . ووجب على ورثة الميت أن لا يخرجوهن قبل تمام الحول من المسكن الذي يسكنه , وإن هن تركن حقهن من ذلك وخرجن لم تكن ورثة الميت خروجهن في حرج . ثم إن الله تعالى ذكره نسخ النفقة بآية الميراث , وأبطل مما كان جعل لهن من سكنى حول سبعة أشهر وعشرين ليلة , وردهن إلى أربعة أشهر وعشر على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم . 4355 - حدثني محمد بن عبد الله بن عبد الحكم , قال : ثنا حجاج , قال : أخبرنا حيوة بن شريح , عن ابن عجلان , عن سعيد بن إسحاق بن كعب بن عجرة , وأخبره عن عمته زينب ابنة كعب بن عجرة , عن فريعة أخت أبي سعيد الخدري : أن زوجها خرج في طلب عبد له , فلحقه بمكان قريب , فقاتله وأعانه عليه أعبد معه , فقتلوه . فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : إن زوجها خرج في طلب عبد له , فلقيه علوج فقتلوه , وإني في مكان ليس فيه أحد غيري , وإن أجمع لأمري أن أنتقل إلى أهلي . فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم : " بل امكثي مكانك حتى يبلغ الكتاب أجله " وأما قوله : { متاعا } فإن معناه : جعل ذلك لهن متاعا , أي الوصية التي كتبها الله لهن . وإنما نصب " المتاع " , لأن في قوله : { وصية لأزواجهم } معنى متعهن الله , فقيل متاعا مصدرا من معناه , لا من لفظه . وقوله : { غير إخراج } فإن معناه أن الله تعالى ذكره جعل ما جعل لهن من الوصية متاعا منه لهن إلى الحول لا إخراجا من مسكن زوجها , يعني لا إخراج فيه منه حتى ينقضي الحول , فنصب " غير " على النعت للمتاع كقول القائل : هذا قيام غير قعود , بمعنى : هذا قيام لا قعود معه , أو لا قعود فيه . وقد زعم بعضهم أنه منصوب بمعنى : لا تخرجوهن إخراجا . وذلك خطأ من القول , لأن ذلك إذا نصب على هذا التأويل كان نصبه من كلام آخر غير الأول , وإنما هو منصوب بما نصب المتاع على النعت له .
القول في تأويل قوله تعالى : { فإن خرجن فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهن من معروف } / يعني تعالى ذكره بذلك : أن المتاع الذي جعله الله لهن إلى الحول في مال أزواجهن بعد وفاتهم وفي مساكنهم ونهى ورثته عن إخراجهن , إنما هو لهن ما أقمن في مساكن أزواجهن , وأن حقوقهن من ذلك تبطل بخروجهن إن خرجن من منازل أزواجهن قبل الحول من قبل أنفسهن بغير إخراج من ورثة الميت . ثم أخبر تعالى ذكره أنه لا حرج على أولياء الميت في خروجهن وتركهن الحداد على أزواجهن ; لأن المقام حولا في بيوت أزواجهن والحداد عليه تمام حول كامل لم يكن فرضا عليهن , وإنما كان ذلك إباحة من الله تعالى ذكره لهن إن أقمن تمام الحول محدات , فأما إن خرجن فلا جناح على أولياء الميت ولا عليهن فيما فعلن في أنفسهن من معروف , وذلك ترك الحداد . يقول : فلا حرج عليكم في التزين إن تزين وتطيبن وتزوجن , لأن ذلك لهن . وإنما قلنا : لا حرج عليهن في خروجهن , وإن كان إنما قال تعالى ذكره : { فلا جناح عليكم } لأن ذلك لو كان عليهن في جناح , لكان على أولياء الرجل فيه جناح بتركهم إياهن , والخروج مع قدرتهم على منعهن من ذلك . ولكن لما لم يكن عليهن جناح في خروجهن وترك الحداد , وضع عن أولياء الميت وغيرهم الحرج فيما فعلن من معروف , وذلك في أنفسهن . وقد مضت الرواية عن أهل التأويل بما قلناه . في ذلك قبل .
وأما قوله : { والله عزيز حكيم } فإنه يعني تعالى ذكره : والله عزيز في انتقامه ممن خالف أمره ونهيه وتعدى حدوده من الرجال والنساء , فمنع من كان من الرجال نساءهم وأزواجهم ما فرض لهن عليهم في الآيات التي مضت قبل من المتعة والصداق والوصية وإخراجهن قبل انقضاء الحول وترك المحافظة على الصلوات وأوقاتها , ومنع من كان من النساء ما ألزمهن الله من التربص عند وفاة أزواجهن عن الأزواج وخالف أمره في المحافظة على أوقات الصلوات { حكيم } فيما قضى بين عباده من قضاياه التي قد تقدمت في الآيات قبل قوله . { والله عزيز حكيم } وفي غير ذلك من أحكامه وأقضيته .