وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ القول في تأويل قوله تعالى : { ويسألونك عن المحيض } يعني تعالى ذكره بقوله : { ويسألونك عن المحيض } ويسألك يا محمد أصحابك عن الحيض وقيل " المحيض " لأن ما كان من الفعل ماضيه بفتح عين الفعل وكسرها في الاستقبال , مثل قول القائل : ضرب يضرب , وحبس يحبس , ونزل ينزل , فإن العرب تبني مصدره على المفعل والاسم على المفعل مثل المضرب والمضرب من ضربت , ونزلت منزلا ومنزلا . ومسموع في ذوات الياء والألف المعيش والمعاش والمعيب والمعاب , كما قال رؤية في المعيش : إليك أشكو شدة المعيش ومر أعوام نتفن ريشي وإنما كان القوم سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما ذكر لنا عن الحيض , لأنهم كانوا قبل بيان الله لهم ما يتبينون من أمره , لا يساكنون حائضا في بيت , ولا يؤاكلونهن في إناء , ولا يشاربونهن , فعرفهم الله بهذه الآية أن الذي عليهم في أيام حيض نسائهم أن يجتنبوا جماعهن فقط دون ما عدا ذلك من مضاجعتهن ومؤاكلتهن ومشاربتهن . كما : 3385 - حدثنا بشر بن معاذ , قال : ثنا يزيد , قال : ثنا سعيد , عن قتادة قوله : { ويسألونك عن المحيض } حتى بلغ : { حتى يطهرن } فكان أهل الجاهلية لا تساكنهم حائض في بيت , ولا تؤاكلهم في إناء , فأنزل الله تعالى ذكره في ذلك , فحرم فرجها ما دامت حائضا , وأحل ما سوى ذلك : أن تصبغ لك رأسك , وتؤاكلك من طعامك , وأن تضاجعك في فراشك إذا كان عليها إزار محتجزة به دونك . 3386 - حدثت عن عمار , قال : ثنا ابن أبي جعفر , عن أبيه , عن الربيع , مثله . وقد قيل : إنهم سألوا عن ذلك , لأنهم كانوا في أيام حيضهن يجتنبون إتيانهن في مخرج الدم ويأتونهن في أدبارهن . فنهاهم الله عن أن يقربوهن في أيام حيضهن حتى يطهرن , ثم أذن لهم إذا تطهرن من حيضهن في إتيانهن من حيث أمرهم باعتزالهن , وحرم إتيانهن في أدبارهن بكل حال . ذكر من قال ذلك : 3387 - حدثنا محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب , قال : ثنا عبد الواحد , قال : ثنا خصيف , قال : ثني مجاهد , قال : كانوا يجتنبون النساء في المحيض , ويأتونهن في أدبارهن , فسألوا النبي عن ذلك , فأنزل الله : { ويسألونك عن المحيض } إلى : { فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله } في الفرج ولا تعدوه . وقيل : إن السائل الذي سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك كان ثابت بن الدحداح الأنصاري . 3388 - حدثني بذلك موسى بن هارون , قال : ثنا عمرو بن حماد , قال : ثنا أسباط , عن السدي . قُلْ هُوَ أَذًى القول في تأويل قوله تعالى : { قل هو أذى } يعني تعالى ذكره بذلك : قل لمن سألك من أصحابك يا محمد عن المحيض هو أذى . والأذى : هو ما يؤذى به من مكروه فيه , وهو في هذا الموضع يسمى أذى لنتن ريحه وقذره ونجاسته , وهو جامع لمعان شتى من خلال الأذى غير واحدة . وقد اختلف أهل التأويل في البيان عن تأويل ذلك على تقارب معاني بعض ما قالوا فيه من بعض , فقال بعضهم قوله : { قل هو أذى } قل هو قذر . ذكر من قال ذلك : 3389 - حدثني موسى بن هارون , قال : ثنا عمرو , قال : ثنا أسباط , عن السدي قوله : { قل هو أذى } قال : أما أذى : فقذر . 3390 - حدثنا الحسن بن يحيى , قال : أخبرنا عبد الرزاق , قال : أخبرنا معمر , عن قتادة في قوله : { قل هو أذى } قال : قل هو أذى , قال : قذر . وقال آخرون : قل هو دم . ذكر من قال ذلك : 3391 - حدثنا محمد بن بشار , قال : ثنا مؤمل , قال : ثنا سفيان , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد في قوله : { ويسألونك عن المحيض قل هو أذى } قال : الأذى : الدم . فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ القول في تأويل قوله تعالى : { فاعتزلوا النساء في المحيض } يعني تعالى ذكره بقوله : { فاعتزلوا النساء في المحيض } فاعتزلوا جماع النساء ونكاحهن في محيضهن . كما : 3392 - حدثني علي بن داود , قال : ثنا أبو صالح , قال : ثني معاوية , عن علي , عن ابن عباس قوله : { فاعتزلوا النساء في المحيض } يقول : اعتزلوا نكاح فروجهن . واختلف أهل العلم في الذي يجب على الرجل اعتزاله من الحائض , فقال بعضهم : الواجب على الرجل اعتزال جميع بدنها أن يباشره بشيء من بدنه . ذكر من قال ذلك : 3393 - حدثنا ابن بشار , قال : ثنا حماد بن مسعدة , قال : ثنا عوف , عن محمد , قال : قلت لعبيدة : ما يحل لي من امرأتي إذا كانت حائضا ؟ قال : الفراش واحد , واللحاف شتى . 3394 - حدثني تميم بن المنتصر , قال : أخبرنا يزيد , قال : ثنا محمد , عن الزهري , عن عروة , عن ندبة , مولاة آل عباس قالت : بعثتني ميمونة ابنة الحارث , أو حفصة ابنة عمر , إلى امرأة عبد الله بن عباس , وكانت بينهما قرابة من قبل النساء , فوجدت فراشها معتزلا فراشه , فظنت أن ذلك عن الهجران , فسألتها عن اعتزال فراشه فراشها , فقالت : إني طامث , وإذا طمثت اعتزل فراشي . فرجعت فأخبرت بذلك ميمونة أو حفصة , فردتني إلى ابن عباس , تقول لك أمك : أرغبت عن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ! فوالله لقد كان النبي صلى الله عليه وسلم ينام مع المرأة من نسائه , وإنها لحائض , وما بينه وبينها إلا ثوب ما يجاوز الركبتين . 3395 - حدثني يعقوب بن إبراهيم , قال : ثنا ابن علية , عن أيوب وابن عون , عن محمد , قالت لعبيدة : ما للرجل من امرأته إذا كانت حائضا ؟ قال : الفراش واحد , واللحاف شتى , فإن لم يجد إلا أن يرد عليها من ثوبه رد عليها منه . واعتل قائلو هذه المقالة بأن الله تعالى ذكره أمر باعتزال النساء في حال حيضهن , ولم يخصصن منهن شيئا دون شيء , وذلك عام على جميع أجسادهن واجب اعتزال كل شيء من أبدانهن في حيضهن . وقال آخرون : بل الذي أمر الله تعالى ذكره باعتزاله منهن موضع الأذى , وذلك موضع مخرج الدم . ذكر من قال ذلك : 3396 - حدثنا حميد بن مسعدة , قال : ثنا يزيد بن زريع , قال : حدثني عيينة بن عبد الرحمن بن جوشن , قال : ثنا مروان الأصغر , عن مسروق بن الأجدع , قال : قلت لعائشة : ما يحل للرجل من امرأته إذا كانت حائضا ؟ قالت : كل شيء إلا الجماع . 3397 - حدثنا بشر بن معاذ , قال : ثنا سعيد بن زريع , قال : ثنا سعيد , وحدثنا ابن بشار قال : ثنا عبد الأعلى , قال : ثنا سعيد , عن قتادة , قال : ذكر لنا عن عائشة أنها قالت : وأين كان ذو الفراشين وذو اللحافين ؟ 3398 - حدثنا ابن بشار , قال : ثنا عبد الأعلى , قال : ثنا سعيد , عن قتادة , عن سالم بن أبي الجعد , عن مسروق قال : قلت لعائشة : ما يحرم على الرجل من امرأته إذا كانت حائضا ؟ قالت . فرجها . 3399 - حدثنا ابن بشار , قال : ثنا عبد الوهاب , قال : ثنا أيوب , عن كتاب أبي قلابة : أن مسروقا ركب إلى عائشة , فقال : السلام على النبي وعلى أهل بيته فقالت عائشة : أبو عائشة مرحبا ! فأذنوا له , فدخل فقال : إني أريد أن أسألك عن شيء وأنا أستحيي فقالت : إنما أنا أمك وأنت ابني . فقال , ما للرجل من امرأته وهي حائض ؟ قالت له : كل شيء إلا فرجها . 3400 - حدثنا أبو كريب , قال : ثنا ابن أبي زائدة , قال : ثنا حجاج , عن ميمون بن مهران , عن عائشة قالت له : ما فوق الإزار . 3401 - حدثني يعقوب , قال : ثنا ابن علية , قال : أخبرنا أيوب , عن نافع : أن عائشة قالت في مضاجعة الحائض : لا بأس بذلك إذا كان عليها إزار . 3402 - حدثني يعقوب , قال : ثنا ابن علية , عن أيوب , عن أبي معشر قال : سألت عائشة : ما للرجل من امرأته إذا كانت حائضا ؟ فقالت : كل شيء إلا الفرج . 3430 - حدثنا أبو كريب , قال : ثنا ابن أبي زائدة , عن محمد بن عمرو , عن محمد بن إبراهيم بن الحادث قال : قال ابن عباس : إذا جعلت الحائض على فرجها ثوبا أو ما يكف الأذى , فلا بأس أن يباشر جلدها زوجها . 3404 - حدثنا أبو كريب , قال : ثنا ابن إدريس , قال : ثنا يزيد , عن سعيد بن جبير , عن ابن عباس أنه سئل : ما للرجل من امرأته إذا كانت حائضا ؟ قال : ما فوق الإزار . 3405 - حدثنا يعقوب بن إبراهيم , قال : ثنا هاشم بن القاسم , قال : ثنا الحكم بن فضيل , عن خالد الحذاء , عن عكرمة , عن ابن عباس , قال : اتق من الدم مثل موضع النعل . 3406 - حدثني يعقوب , قال : ثنا ابن علية , قال : أخبرنا أيوب , عن عكرمة , عن أم سلمة : قالت في مضاجعة الحائض : لا بأس بذلك إذا كان على فرجها خرقة . 3407 - حدثنا ابن بشار , قال : ثنا عبد الأعلى , عن سعيد , عن قتادة , عن الحسن , قال : للرجل من امرأته كل شيء ما خلا الفرج ( يعني وهي حائض ) قال : يبيتان في لحاف واحد , يعني الحائض إذا كان على الفرج ثوب . 3408 - حدثنا ابن بشار , قال : ثنا ابن أبي عدي عن عوف عن الحسن , قال : يبيتان في لحاف واحد - يعني الحائض - إذا كان على الفرج ثوب . 3409 - حدثنا تميم , قال : أخبرنا إسحاق , عن شريك , عن ليث , قال : تذاكرنا عند مجاهد الرجل يلاعب امرأته وهي حائض , قال : اطعن بذكرك حيثما شئت فيما بين الفخذين والأليتين والسرة , ما لم يكن في الدبر أو الحيض . 3409 - حدثنا أبو كريب , قال : ثنا ابن أبي زائدة , عن إسماعيل بن أبي خالد , عن عامر , قال : يباشر الرجل امرأته وهي حائض ؟ قال : إذا كفت الأذى . 3411 - حدثنا حميد بن مسعدة , قال : ثنا يزيد بن زريع , قال : ثني عمران بن حدير , قال : سمعت عكرمة يقول : كل شيء من الحائض لك حلال غير مجرى الدم . وعلة قائل هذه المقالة , قيام الحجة بالأخبار المتواترة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يباشر نساءه وهن حيض , ولو كان الواجب اعتزال جميعهن لما فعل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم , فلما صح ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم , علم أن مراد الله تعالى ذكره بقوله : { فاعتزلوا النساء في المحيض } هو اعتزال بعض جسدها دون بعض . وإذا كان ذلك كذلك , وجب أن يكون ذلك هو الجماع المجمع على تحريمه على الزوج في قبلها دون ما كان فيه اختلاف من جماعها في سائر بدنها . وقال آخرون : بل الذي أمر الله تعالى ذكره باعتزاله منهن في حال حيضهن ما بين السرة إلى الركبة , وما فوق ذلك ودونه منها . ذكر من قال ذلك : 3412 - حدثنا أبو كريب , قال : ثنا ابن أبي زائدة , عن ابن عون , عن ابن سيرين , عن شريح , قال له : ما فوق السرة , وذكر الحائض . 3413 - حدثنا أبو كريب وأبو السائب قالا : ثنا ابن إدريس , قال : أخبرنا يزيد , عن سعيد بن جبير , قال : سئل ابن عباس عن الحائض : ما لزوجها منها ؟ فقال : ما فوق الإزار . * - حدثني يعقوب , قال : ثنا ابن علية , عن أيوب وابن عون , عن محمد , قال : قال شريح : له ما فوق سرتها . 3414 - حدثنا ابن المثنى , قال : ثنا ابن أبي عدي , عن شعبة , عن واقد بن محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر , قال : سئل سعيد بن المسيب : ما للرجل من الحائض ؟ قال : ما فوق الإزار . وعلة من قال هذه المقالة صحة الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بما : 3415 - حدثني به ابن أبي الشوارب , قال : ثنا عبد الواحد بن زياد , قال : ثنا سليمان الشيباني وحدثني أبو السائب , قال : حدثنا حفص , قال : ثنا الشيباني , قال : ثنا عبد الله بن شداد بن الهاد , قال : سمعت ميمونة , تقول : " وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يباشر امرأة من نسائه وهي حائض أمرها فاتزرت " . * - حدثنا المثنى , قال : ثنا عبد الرحمن بن مهدي , قال : ثنا سفيان , عن الشيباني , عن عبد الله بن شداد , عن ميمونة : " أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يباشرها وهي حائض فوق الإزار " . 3416 - حدثني سفيان بن وكيع , قال : ثنا جرير , عن منصور , عن إبراهيم , عن الأسود , عن عائشة , قالت : كانت إحدانا إذا كانت حائضا أمرها فاتزرت بإزار ثم يباشرها . * - حدثنا سفيان بن وكيع , قال : ثنا المحاربي , عن الشيباني , عن عبد الرحمن بن الأسود , عن أبيه , عن عائشة , قالت : كانت إحدانا إذا كانت حائضا أمرها النبي صلى الله عليه وسلم أن تأتزر ثم يباشرها . ونظائر ذلك من الأخبار التي يطول باستيعاب ذكر جميعها الكتاب قالوا : فما فعل النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك فجائز , وهو مباشرة الحائض ما دون الإزار وفوقه , وذلك دون الركبة وفوق السرة , وما عدا ذلك من جسد الحائض فواجب اعتزاله لعموم الآية . وأولى الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال : إن للرجل من امرأته الحائض ما فوق المؤتزر ودونه لما ذكرنا من العلة لهم . وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ القول في تأويل قوله تعالى : { ولا تقربوهن حتى يطهرن } اختلف القراء في قراءة ذلك , فقرأه بعضهم : { حتى يطهرن } بضم الهاء وتخفيفها , وقرأه آخرون بتشديد الهاء وفتحها . وأما الذين قرءوه بتخفيف الهاء وضمها فإنهم وجهوا معناه إلى : ولا تقربوا النساء في حال حيضهن حتى ينقطع عنهن دم الحيض ويطهرن . وقال بهذا التأويل جماعة من أهل التأويل . ذكر من قال ذلك : 3417 - حدثنا ابن بشار , قال : ثنا ابن مهدي ومؤمل , قالا : ثنا سفيان , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد في قوله : { ولا تقربوهن حتى يطهرن } قال : انقطاع الدم . 3418 - حدثني محمد بن عمرو , قال : ثنا أبو عاصم , عن سفيان أو عثمان بن الأسود : { ولا تقربوهن حتى يطهرن } حتى ينقطع الدم عنهن . 3419 - حدثنا ابن حميد , قال : ثنا يحيى بن واضح , قال : ثنا عبيد الله العتكي , عن عكرمة في قوله : { ولا تقربوهن حتى يطهرن } قال : حتى ينقطع الدم . وأما الذين قرءوا ذلك بتشديد الهاء وفتحها , فإنهم عنوا به : حتى يغتسلن بالماء وشددوا الطاء لأنهم قالوا : معنى الكلمة : حتى يتطهرن أدغمت التاء في الطاء لتقارب مخرجيهما . وأولى القراءتين بالصواب في ذلك قراءة من قرأ : " حتى يطهرن " بتشديدها وفتحها , بمعنى : حتى يغتسلن , لإجماع الجميع على أن حراما على الرجل أن يقرب امرأته بعد انقطاع دم حيضها حتى تطهر . وإنما اختلف في التطهر الذي عناه الله تعالى ذكره , فأحل له جماعها , فقال بعضهم : هو الاغتسال بالماء , ولا يحل لزوجها أن يقربها حتى تغسل جميع بدنها . وقال بعضهم : هو الوضوء للصلاة . وقال آخرون : بل هو غسل الفرج , فإذا غسلت فرجها فذلك تطهرها الذي يحل به لزوجها غشيانها . فإذا كان إجماع من الجميع أنها لا تحل لزوجها بانقطاع الدم حتى تطهر , كان بينا أن أولى القراءتين بالصواب أنفاهما للبس عن فهم سامعها , وذلك هو الذي اخترنا , إذ كان في قراءة قارئها بتخفيف الهاء وضمها ما لا يؤمن معه اللبس على سامعها من الخطأ في تأويلها , فيرى أن للزوج غشيانها بعد انقطاع دم حيضها عنها وقبل اغتسالها وتطهرها . فتأويل الآية إذا : ويسألونك عن المحيض , قل هو أذى , فاعتزلوا جماع نسائكم في وقت حيضهن , ولا تقربوهن حتى يغتسلن فيتطهرن من حيضهن بعد انقطاعه . فَإِذَا تَطَهَّرْنَ القول في تأويل قوله تعالى : { فإذا تطهرن } يعني تعالى ذكره بقوله : { فإذا تطهرن فأتوهن } فإذا اغتسلن فتطهرن بالماء فجامعوهن . فإن قال قائل : أففرض جماعهن حينئذ ؟ قيل : لا . فإن قال : فما معنى قوله إذا : { فأتوهن } ؟ قيل : ذلك إباحة ما كان منع قبل ذلك من جماعهن وإطلاق لما كان حظر في حال الحيض , وذلك كقوله : { وإذا حللتم فاصطادوا } 5 2 وقوله { فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض } 62 10 وما أشبه ذلك . واختلف أهل التأويل في تأويل قوله { فإذا تطهرن } فقال بعضهم : معنى ذلك , فإذا اغتسلن . ذكر من قال ذلك : 3420 - حدثني المثنى , قال : ثنا أبو صالح , قال : ثني معاوية بن صالح , عن علي بن أبي طلحة , عن ابن عباس : { فإذا تطهرن } يقول : فإذا طهرت من الدم وتطهرت بالماء . 3421 - حدثنا محمد بن بشار , قال : ثني محمد بن مهدي ومؤمل , قالا : ثنا سفيان , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد : { فإذا تطهرن } فإذا اغتسلن . 3422 - حدثنا ابن حميد , قال : ثنا محيي بن واضح , قال : ثنا عبيد الله العتكي . عن عكرمة في قوله : { فإذا تطهرن } يقول : اغتسلن . 3423 - حدثني محمد بن عمرو , قال : ثنا أبو عاصم , عن سفيان أو عثمان بن الأسود : { فإذا تطهرن } إذا اغتسلن . 3424 - حدثنا عمران بن موسى , ثنا عبد الوارث , ثنا عامر , عن الحسن : في الحائض ترى الطهر , قال : لا يغشاها زوجها حتى تغتسل وتحل لها الصلاة . 3424 - حدثني يعقوب بن إبراهيم , قال , ثنا هشيم , عن مغيرة , عن إبراهيم : أنه كره أن يطأها حتى تغتسل ; يعني المرأة إذا طهرت . وقال آخرون : معنى ذلك فإذا تطهرن للصلاة . ذكر من قال ذلك : 3426 - حدثني يعقوب بن إبراهيم , قال : ثنا هشيم , قال , أخبرنا ليث . عن طاوس ومجاهد أنهما قالا : إذا طهرت المرأة من الدم فشاء زوجها أن يأمرها بالوضوء قبل أن تغتسل إذا أدركه الشبق فليصب . وأولى التأويلين بتأويل الآية قول من قال , معنى قوله , { فإذا تطهرن } فإذا اغتسلن لإجماع الجميع على أنها لا تصير بالوضوء بالماء طاهرا الطهر للذي يحل لها به الصلاة , وأن القول لا يخلو في ذلك من أحد أمرين . إما أن يكون معناه : فإذا تطهرن من النجاسة فأتوهن . وإن كان ذلك معناه , فقد ينبغي أن يكون متى انقطع عنها الدم فجائز لزوجها جماعها إذا لم تكن هنالك نجاسة ظاهرة , هذا إن كان قوله : { فإذا تطهرن } جائزا استعماله في التطهر من النجاسة , ولا أعلمه جائزا إلا على استكراه الكلام أو يكون معناه : فإذا تطهرن للصلاة في إجماع الجميع من الحجة على أنه غير جائز لزوجها غشيانها بانقطاع دم حيضها , إذا لم يكن هنالك نجاسة دون التطهر بالماء إذا كانت واجدته أدل الدليل على أن معناه : فإذا تطهرن الطهر الذي يحزيهن به الصلاة . وفي إجماع الجميع من الأمة على أن الصلاة لا تحل لها إلا بالاغتسال أوضح الدلالة على صحة ما قلنا من أن غشيانها حرام إلا بعد الاغتسال , وأن معنى قوله : { فإذا تطهرن } فإذا اغتسلن فصرن طواهر الطهر الذي يجزيهن به الصلاة . فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ القول في تأويل قوله تعالى : { فأتوهن من حيث أمركم الله } اختلف أهل التأويل في تأويل قوله : { فأتوهن من حيث أمركم الله } فقال بعضهم : معنى ذلك : فأتوا نساءكم إذا تطهرن من الوجه الذي نهيتكم عن إتيانهن منه في حال حيضهن , وذلك الفرج الذي أمر الله بترك جماعهن فيه في حال الحيض . ذكر من قال ذلك : 3427 - حدثني يعقوب بن إبراهيم , قال : ثنا ابن علية , عن محمد بن إسحاق , قال : ثني أبان بن صالح , عن مجاهد , قال : قال ابن عباس في قوله : { فأتوهن من حيث أمركم الله } قال : من حيث أمركم أن تعتزلوهن . 3428 - حدثني المثنى , قال : ثنا أبو صالح , قال : ثنا معاوية بن صالح , عن علي بن أبي طلحة , عن ابن عباس قوله : { فأتوهن من حيث أمركم الله } يقول : في الفرج لا تعدوه إلى غيره , فمن فعل شيئا من ذلك فقد اعتدى . 3429 - حدثني يعقوب , قال : ثنا ابن علية , قال : ثنا خالد الحذاء , عن عكرمة في قوله : { فأتوهن من حيث أمركم الله } قال : من حيث أمركم أن تعتزلوا . 3430 - حدثني يونس , قال : أخبرنا ابن وهب , قال : ثنا أبو صخر , عن أبي معاوية البجلي , عن سعيد بن جبير أنه قال : بينا أنا ومجاهد جالسان عند ابن عباس أتاه رجل فوقف على رأسه , فقال : يا أبا العباس أو يا أبا الفضل ألا تشفيني عن آية المحيض ؟ قال : بلى ! فقرأ : { ويسألونك عن المحيض } حتى بلغ آخر الآية , فقال ابن عباس : من حيث جاء الدم , من ثم أمرت أن تأتي . 3431 - حدثنا أبو كريب , قال : ثنا ابن أبي زائدة , عن عمرة , عن مجاهد , قال : دبر المرأة مثله من الرجل , ثم قرأ : { ويسألونك عن المحيض } إلى : { فأتوهن من حيث أمركم الله } قال : من حيث أمركم أن تعتزلوهن . * - حدثنا ابن بشار , قال : ثنا مؤمل , قال : ثنا سفيان , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد : { فأتوهن من حيث أمركم الله } قال : أمروا أن يأتوهن من حيث نهوا عنه . * - حدثنا ابن أبي الشوارب , قال : ثنا عبد الواحد , قال : ثنا خصيف , قال : ثني مجاهد : { فأتوهن من حيث أمركم الله } في الفرج , ولا تعدوه . * - حدثنا محمد بن عمرو , قال : ثنا أبو عاصم , قال : ثنا عيسى , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد : { فأتوهن من حيث أمركم الله } يقول : إذا تطهرن فأتوهن من حيث نهى عنه في المحيض . 3432 - حدثني محمد بن عمرو , قال : ثنا أبو عاصم , عن سفيان أو عثمان بن الأسود : { فأتوهن من حيث أمركم الله } باعتزالهن منه . 3433 - حدثنا بشر , قال : ثنا يزيد , قال : ثنا سعيد , عن قتادة قوله : { فأتوهن من حيث أمركم الله } أي من الوجه الذي يأتي منه المحيض طاهرا غير حائض , ولا تعدوا ذلك إلى غيره . * - حدثنا محمد بن بشار , قال : ثنا عبد الأعلى , قال : ثنا سعيد , عن قتادة في قوله : { فأتوهن من حيث أمركم الله } قال : طواهر من غير جماع ومن غير حيض من الوجه الذي يأتي المحيض ولا يتعدى إلى غيره , قال سعيد : ولا أعلمه إلا عن ابن عباس . 3434 - حدثت عن عمار , قال : ثنا ابن أبي جعفر , عن أبيه , عن الربيع في قوله : { فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله } من حيث نهيتم عنه في المحيض . وعن أبيه عن ليث , عن مجاهد في قوله : { فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله } من حيث نهيتم عنه , واتقوا الأدبار . 3435 - حدثنا محمد بن المثنى , قال : ثنا ابن إدريس , قال : سمعت أبي , عن يزيد بن الوليد , عن إبراهيم في قوله : { فأتوهن من حيث أمركم الله } قال : في الفرج . وقال آخرون : معناه : فأتوهن من الوجه الذي أمركم الله فيه أن تأتوهن منه , وذلك الوجه هو الطهر دون الحيض . فكان معنى قائل ذلك في الآية : فأتوهن من قبل طهرهن لا من قبل حيضهن . ذكر من قال ذلك : 3436 - حدثني محمد بن سعد , قال : ثني أبي , قال : ثني عمي , قال : ثني أبي , عن أبيه , عن ابن عباس : { فأتوهن من حيث أمركم الله } يعني أن يأتيها طاهرا غير حائض . 3437 - حدثنا محمد بن بشار , قال : ثنا أبو أحمد , قال : ثنا سفيان , عن منصور , عن أبي رزين في قوله : { فأتوهن من حيث أمركم الله } قال : من قبل الطهر . * - حدثنا محمد بن بشار , قال : ثنا محمد بن يحيى , قال : ثنا سفيان , عن الأعمش , عن أبي رزين بمثله . * - حدثنا ابن حميد , قال : ثنا حكام , عن عمرو , عن منصور , عن أبي رزين : { فأتوهن من حيث أمركم الله } يقول : ائتوهن من عند الطهر . * - حدثني محمد بن عبيد المحاربي , قال : ثنا علي بن هاشم , عن الزبرقان , عن أبي رزين : { فأتوهن من حيث أمركم الله } قال : من قبل الطهر , ولا تأتوهن من قبل الحيض . 3438 - حدثنا ابن حميد , قال : ثنا يحيى بن واضح , قال : ثنا عبيد الله العتكي , عن عكرمة قوله : { فأتوهن من حيث أمركم الله } يقول : إذا اغتسلن فأتوهن من حيث أمركم الله يقول : طواهر غير حيض . 3439 - حدثنا الحسن بن يحيى , قال : أخبرنا عبد الرزاق , قال : أخبرنا معمر , عن قتادة في قوله : { فأتوهن من حيث أمركم الله } قال : يقول طواهر غير حيض . 3440 - حدثني موسى بن هارون , قال : ثنا عمرو بن حماد , قال : ثنا أسباط , عن السدي قوله : { من حيث أمركم الله } من الطهر . 3441 - حدثنا ابن وكيع قال : ثنا أبي , عن سلمة بن نبيط , عن الضحاك : فأتوهن طهرا غير حيض . * - حدثنا عن الحسين بن الفرج , قال : سمعت أبا معاذ , قال : ثنا عبيد بن سليمان , عن الضحاك قوله : { فأتوهن من حيث أمركم الله } قال : ائتوهن طاهرات غير حيض . * - حدثنا عمرو بن علي , قال : ثنا وكيع , قال : ثنا سلمة بن نبيط , عن الضحاك : { فأتوهن من حيث أمركم الله } قال : طهرا غير حيض في القبل . وقال آخرون : بلى معنى ذلك : فأتوا النساء من قبل النكاح لا من قبل الفجور . ذكر من قال ذلك : 3442 - حدثنا عمرو بن علي قال : ثنا وكيع , قال : ثنا إسماعيل الأزرق , عن أبي عمر الأسدي , عن ابن الحنفية : { فأتوهن من حيث أمركم الله } قال : من قبل الحلال من قبل التزويج . وأولى الأقوال بالصواب في تأويل ذلك عندي قول من قال : معنى ذلك : فأتوهن من قبل طهرهن ; وذلك أن كل أمر بمعنى فنهي عن خلافه وضده , وكذلك النهي عن الشيء أمر بضده وخلافه . فلو كان معنى قوله : { فأتوهن من حيث أمركم الله } فأتوهن من قبل مخرج الدم الذي نهيتكم أن تأتوهن من قبله في حال حيضهن , لوجب أن يكون قوله : { ولا تقربوهن حتى يطهرن } تأويله : ولا تقربوهن في مخرج الدم دون ما عدا ذلك من أماكن جسدها , فيكون مطلقا في حال حيضها إتيانهن في أدبارهن . وفي إجماع الجميع على أن الله تعالى ذكره لم يطلق في حال الحيض من إتيانهن في أدبارهن شيئا حرمه في حال الطهر ولا حرم من ذلك في حال الطهر شيئا أحله في حال الحيض , ما يعلم به فساد هذا القول . وبعد : فلو كان معنى ذلك على ما تأوله قائلو هذه المقالة لوجب أن يكون الكلام : فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله , حتى يكون معنى الكلام حينئذ على التأويل الذي تأوله , ويكون ذلك أمرا بإتيانهن في فروجهن , لأن الكلام المعروف إذا أريد ذلك أن يقال : أتى فلان زوجته من قبل فرجها , ولا يقال : أتاها من فرجها إلا أن يكون أتاها من قبل فرجها في مكان غير الفرج . فإن قال لنا قائل : فإن ذلك وإن كان كذلك , فليس معنى الكلام : فأتوهن في فروجهن , وإنما معناه , فأتوهن من قبل قبلهن في فروجهن , كما يقال : أتيت هذا الأمر من مأتاه , قيل له : إن كان ذلك كذلك , فلا شك أن مأتى الأمر ووجهه غيره , وأن ذلك مطلبه . فإن كان ذلك على ما زعمتم , فقد يجب أن يكون معنى قوله : { فأتوهن من حيث أمركم الله } غير الذي زعمتم أنه معناه بقولكم : ائتوهن من قبل مخرج الدم ومن حيث أمرتم باعتزالهن , ولكن الواجب أن يكون تأويله على ذلك : فأتوهن من قبل وجوههن في أقبالهن , كما كان قول القائل ائت الأمر من مأتاه إنما معناه : اطلبه من مطلبه , ومطلب الأمر غير الأمر المطلوب , فكذلك يجب أن مأتى الفرج الذي أمر الله في قولهم بإتيانه غير الفرج . وإذا كان كذلك وكان معنى الكلام عندهم : فأتوهن من قبل وجوههن في فروجهن , وجب أن يكون على قولهم محرما إتيانهن في فروجهن من قبل أدبارهن , وذلك إن قالوه خرج من قاله من قيل أهل الإسلام , وخالف نص كتاب الله تعالى ذكره وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم . وذلك أن الله يقول : { نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم } 2 223 وأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في إتيانهن في فروجهن من قبل أدبارهن . فقد تبين إذا إذ كان الأمر على ما وصفنا فساد تأويل من قال ذلك : فأتوهن في فروجهن حيث نهيتكم عن إتيانهن في حال حيضهن , وصحة القول الذي قلناه , وهو أن معناه : فأتوهن في فروجهن من الوجه الذي أذن الله لكم بإتيانهن , وذلك حال طهرهن وتطهرهن دون حال حيضهن . إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ القول في تأويل قوله تعالى : { إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين } يعني تعالى ذكره بقوله : { إن الله يحب التوابين } المنيبين من الإدبار عن الله وعن طاعته إليه وإلى طاعته وقد بينا معنى التوبة قبل . واختلف في معنى قوله : { ويحب المتطهرين } فقال بعضهم : هم المتطهرون بالماء . ذكر من قال ذلك : 3443 - حدثنا ابن حميد , قال : ثنا يحيى بن واضح , قال : ثنا طلحة , عن عطاء قوله : { إن الله يحب التوابين } قال : التوابين من الذنوب , { ويحب المتطهرين } قال : المتطهرين بالماء للصلاة . * - حدثني أحمد بن حازم , قال : ثنا أبو نعيم , قال : ثنا طلحة , عن عطاء , مثله . * - حدثنا أبو كريب , قال : حدثنا وكيع , عن طلحة بن عمرو , عن عطاء : { إن الله يحب التوابين } من الذنوب لم يصيبوها { ويحب المتطهرين } بالماء للصلاة . وقال آخرون : معنى ذلك أن الله يحب التوابين من الذنوب , ويحب المتطهرين من أدبار النساء أن يأتوها . ذكر من قال ذلك : 3444 - حدثنا أحمد بن حازم , قال : ثنا أبو نعيم , قال : ثنا إبراهيم بن نافع , قال : سمعت سليمان مولى أم علي , قال : سمعت مجاهدا يقول : من أتى امرأته في دبرها فليس من المتطهرين . وقال آخرون : معنى ذلك : " ويحب المتطهرين " من الذنوب أن يعودوا فيها بعد التوبة بها . ذكر من قال ذلك : 3445 - حدثنا القاسم , قال : ثنا الحسين , قال : ثني حجاج , عن ابن جريج , عن مجاهد : { يحب التوابين } من الذنوب لم يصيبوها , { ويحب المتطهرين } من الذنوب : لا يعودون فيها . وأولى الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال : إن الله يحب التوابين من الذنوب , ويحب المتطهرين بالماء للصلاة ; لأن ذلك هو الأغلب من ظاهر معانيه . وذلك أن الله تعالى ذكره ذكر أمر المحيض , فنهاهم عن أمور كانوا يفعلونها في جاهليتهم , من تركهم مساكنة الحائض ومؤاكلتها ومشاربتها , وأشياء غير ذلك مما كان تعالى ذكره يكرهها من عباده . فلما استفتى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك أوحى الله تعالى إليه في ذلك , فبين لهم ما يكرهه مما يرضاه ويحبه , وأخبرهم أنه يحب من خلقه من أناب إلى رضاه ومحبته , تائبا مما يكرهه . وكان مما بين لهم من ذلك أنه قد حرم عليهم إتيان نسائهم وإن طهرن من حيضهن حتى يغتسلن , ثم قال : { ولا تقربوهن حتى يطهرن فإذا تطهرن فأتوهن } فإن الله يحب المتطهرين , يعني بذلك المتطهرين من الجنابة والأحداث للصلاة , والمتطهرات بالماء من الحيض والنفاس والجنابة والأحداث من النساء . وإنما قال : ويحب المتطهرين , ولم يقل المتطهرات , وإنما جرى قبل ذلك ذكر التطهر للنساء ; لأن ذلك بذكر المتطهرين يجمع الرجال والنساء , ولو ذكر ذلك بذكر المتطهرات لم يكن للرجال في ذلك حظ , وكان للنساء خاصة , فذكر الله تعالى ذكره بالذكر العام جميع عباده المكلفين , إذ كان قد تعبد جميعهم بالتطهر بالماء , وإن اختلفت الأسباب التي توجب التطهر عليهم بالماء في بعض المعاني واتفقت في بعض .
القول في تأويل قوله تعالى : { ويسألونك عن المحيض } يعني تعالى ذكره بقوله : { ويسألونك عن المحيض } ويسألك يا محمد أصحابك عن الحيض وقيل " المحيض " لأن ما كان من الفعل ماضيه بفتح عين الفعل وكسرها في الاستقبال , مثل قول القائل : ضرب يضرب , وحبس يحبس , ونزل ينزل , فإن العرب تبني مصدره على المفعل والاسم على المفعل مثل المضرب والمضرب من ضربت , ونزلت منزلا ومنزلا . ومسموع في ذوات الياء والألف المعيش والمعاش والمعيب والمعاب , كما قال رؤية في المعيش : إليك أشكو شدة المعيش ومر أعوام نتفن ريشي وإنما كان القوم سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما ذكر لنا عن الحيض , لأنهم كانوا قبل بيان الله لهم ما يتبينون من أمره , لا يساكنون حائضا في بيت , ولا يؤاكلونهن في إناء , ولا يشاربونهن , فعرفهم الله بهذه الآية أن الذي عليهم في أيام حيض نسائهم أن يجتنبوا جماعهن فقط دون ما عدا ذلك من مضاجعتهن ومؤاكلتهن ومشاربتهن . كما : 3385 - حدثنا بشر بن معاذ , قال : ثنا يزيد , قال : ثنا سعيد , عن قتادة قوله : { ويسألونك عن المحيض } حتى بلغ : { حتى يطهرن } فكان أهل الجاهلية لا تساكنهم حائض في بيت , ولا تؤاكلهم في إناء , فأنزل الله تعالى ذكره في ذلك , فحرم فرجها ما دامت حائضا , وأحل ما سوى ذلك : أن تصبغ لك رأسك , وتؤاكلك من طعامك , وأن تضاجعك في فراشك إذا كان عليها إزار محتجزة به دونك . 3386 - حدثت عن عمار , قال : ثنا ابن أبي جعفر , عن أبيه , عن الربيع , مثله . وقد قيل : إنهم سألوا عن ذلك , لأنهم كانوا في أيام حيضهن يجتنبون إتيانهن في مخرج الدم ويأتونهن في أدبارهن . فنهاهم الله عن أن يقربوهن في أيام حيضهن حتى يطهرن , ثم أذن لهم إذا تطهرن من حيضهن في إتيانهن من حيث أمرهم باعتزالهن , وحرم إتيانهن في أدبارهن بكل حال . ذكر من قال ذلك : 3387 - حدثنا محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب , قال : ثنا عبد الواحد , قال : ثنا خصيف , قال : ثني مجاهد , قال : كانوا يجتنبون النساء في المحيض , ويأتونهن في أدبارهن , فسألوا النبي عن ذلك , فأنزل الله : { ويسألونك عن المحيض } إلى : { فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله } في الفرج ولا تعدوه . وقيل : إن السائل الذي سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك كان ثابت بن الدحداح الأنصاري . 3388 - حدثني بذلك موسى بن هارون , قال : ثنا عمرو بن حماد , قال : ثنا أسباط , عن السدي .
القول في تأويل قوله تعالى : { قل هو أذى } يعني تعالى ذكره بذلك : قل لمن سألك من أصحابك يا محمد عن المحيض هو أذى . والأذى : هو ما يؤذى به من مكروه فيه , وهو في هذا الموضع يسمى أذى لنتن ريحه وقذره ونجاسته , وهو جامع لمعان شتى من خلال الأذى غير واحدة . وقد اختلف أهل التأويل في البيان عن تأويل ذلك على تقارب معاني بعض ما قالوا فيه من بعض , فقال بعضهم قوله : { قل هو أذى } قل هو قذر . ذكر من قال ذلك : 3389 - حدثني موسى بن هارون , قال : ثنا عمرو , قال : ثنا أسباط , عن السدي قوله : { قل هو أذى } قال : أما أذى : فقذر . 3390 - حدثنا الحسن بن يحيى , قال : أخبرنا عبد الرزاق , قال : أخبرنا معمر , عن قتادة في قوله : { قل هو أذى } قال : قل هو أذى , قال : قذر . وقال آخرون : قل هو دم . ذكر من قال ذلك : 3391 - حدثنا محمد بن بشار , قال : ثنا مؤمل , قال : ثنا سفيان , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد في قوله : { ويسألونك عن المحيض قل هو أذى } قال : الأذى : الدم .
القول في تأويل قوله تعالى : { فاعتزلوا النساء في المحيض } يعني تعالى ذكره بقوله : { فاعتزلوا النساء في المحيض } فاعتزلوا جماع النساء ونكاحهن في محيضهن . كما : 3392 - حدثني علي بن داود , قال : ثنا أبو صالح , قال : ثني معاوية , عن علي , عن ابن عباس قوله : { فاعتزلوا النساء في المحيض } يقول : اعتزلوا نكاح فروجهن . واختلف أهل العلم في الذي يجب على الرجل اعتزاله من الحائض , فقال بعضهم : الواجب على الرجل اعتزال جميع بدنها أن يباشره بشيء من بدنه . ذكر من قال ذلك : 3393 - حدثنا ابن بشار , قال : ثنا حماد بن مسعدة , قال : ثنا عوف , عن محمد , قال : قلت لعبيدة : ما يحل لي من امرأتي إذا كانت حائضا ؟ قال : الفراش واحد , واللحاف شتى . 3394 - حدثني تميم بن المنتصر , قال : أخبرنا يزيد , قال : ثنا محمد , عن الزهري , عن عروة , عن ندبة , مولاة آل عباس قالت : بعثتني ميمونة ابنة الحارث , أو حفصة ابنة عمر , إلى امرأة عبد الله بن عباس , وكانت بينهما قرابة من قبل النساء , فوجدت فراشها معتزلا فراشه , فظنت أن ذلك عن الهجران , فسألتها عن اعتزال فراشه فراشها , فقالت : إني طامث , وإذا طمثت اعتزل فراشي . فرجعت فأخبرت بذلك ميمونة أو حفصة , فردتني إلى ابن عباس , تقول لك أمك : أرغبت عن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ! فوالله لقد كان النبي صلى الله عليه وسلم ينام مع المرأة من نسائه , وإنها لحائض , وما بينه وبينها إلا ثوب ما يجاوز الركبتين . 3395 - حدثني يعقوب بن إبراهيم , قال : ثنا ابن علية , عن أيوب وابن عون , عن محمد , قالت لعبيدة : ما للرجل من امرأته إذا كانت حائضا ؟ قال : الفراش واحد , واللحاف شتى , فإن لم يجد إلا أن يرد عليها من ثوبه رد عليها منه . واعتل قائلو هذه المقالة بأن الله تعالى ذكره أمر باعتزال النساء في حال حيضهن , ولم يخصصن منهن شيئا دون شيء , وذلك عام على جميع أجسادهن واجب اعتزال كل شيء من أبدانهن في حيضهن . وقال آخرون : بل الذي أمر الله تعالى ذكره باعتزاله منهن موضع الأذى , وذلك موضع مخرج الدم . ذكر من قال ذلك : 3396 - حدثنا حميد بن مسعدة , قال : ثنا يزيد بن زريع , قال : حدثني عيينة بن عبد الرحمن بن جوشن , قال : ثنا مروان الأصغر , عن مسروق بن الأجدع , قال : قلت لعائشة : ما يحل للرجل من امرأته إذا كانت حائضا ؟ قالت : كل شيء إلا الجماع . 3397 - حدثنا بشر بن معاذ , قال : ثنا سعيد بن زريع , قال : ثنا سعيد , وحدثنا ابن بشار قال : ثنا عبد الأعلى , قال : ثنا سعيد , عن قتادة , قال : ذكر لنا عن عائشة أنها قالت : وأين كان ذو الفراشين وذو اللحافين ؟ 3398 - حدثنا ابن بشار , قال : ثنا عبد الأعلى , قال : ثنا سعيد , عن قتادة , عن سالم بن أبي الجعد , عن مسروق قال : قلت لعائشة : ما يحرم على الرجل من امرأته إذا كانت حائضا ؟ قالت . فرجها . 3399 - حدثنا ابن بشار , قال : ثنا عبد الوهاب , قال : ثنا أيوب , عن كتاب أبي قلابة : أن مسروقا ركب إلى عائشة , فقال : السلام على النبي وعلى أهل بيته فقالت عائشة : أبو عائشة مرحبا ! فأذنوا له , فدخل فقال : إني أريد أن أسألك عن شيء وأنا أستحيي فقالت : إنما أنا أمك وأنت ابني . فقال , ما للرجل من امرأته وهي حائض ؟ قالت له : كل شيء إلا فرجها . 3400 - حدثنا أبو كريب , قال : ثنا ابن أبي زائدة , قال : ثنا حجاج , عن ميمون بن مهران , عن عائشة قالت له : ما فوق الإزار . 3401 - حدثني يعقوب , قال : ثنا ابن علية , قال : أخبرنا أيوب , عن نافع : أن عائشة قالت في مضاجعة الحائض : لا بأس بذلك إذا كان عليها إزار . 3402 - حدثني يعقوب , قال : ثنا ابن علية , عن أيوب , عن أبي معشر قال : سألت عائشة : ما للرجل من امرأته إذا كانت حائضا ؟ فقالت : كل شيء إلا الفرج . 3430 - حدثنا أبو كريب , قال : ثنا ابن أبي زائدة , عن محمد بن عمرو , عن محمد بن إبراهيم بن الحادث قال : قال ابن عباس : إذا جعلت الحائض على فرجها ثوبا أو ما يكف الأذى , فلا بأس أن يباشر جلدها زوجها . 3404 - حدثنا أبو كريب , قال : ثنا ابن إدريس , قال : ثنا يزيد , عن سعيد بن جبير , عن ابن عباس أنه سئل : ما للرجل من امرأته إذا كانت حائضا ؟ قال : ما فوق الإزار . 3405 - حدثنا يعقوب بن إبراهيم , قال : ثنا هاشم بن القاسم , قال : ثنا الحكم بن فضيل , عن خالد الحذاء , عن عكرمة , عن ابن عباس , قال : اتق من الدم مثل موضع النعل . 3406 - حدثني يعقوب , قال : ثنا ابن علية , قال : أخبرنا أيوب , عن عكرمة , عن أم سلمة : قالت في مضاجعة الحائض : لا بأس بذلك إذا كان على فرجها خرقة . 3407 - حدثنا ابن بشار , قال : ثنا عبد الأعلى , عن سعيد , عن قتادة , عن الحسن , قال : للرجل من امرأته كل شيء ما خلا الفرج ( يعني وهي حائض ) قال : يبيتان في لحاف واحد , يعني الحائض إذا كان على الفرج ثوب . 3408 - حدثنا ابن بشار , قال : ثنا ابن أبي عدي عن عوف عن الحسن , قال : يبيتان في لحاف واحد - يعني الحائض - إذا كان على الفرج ثوب . 3409 - حدثنا تميم , قال : أخبرنا إسحاق , عن شريك , عن ليث , قال : تذاكرنا عند مجاهد الرجل يلاعب امرأته وهي حائض , قال : اطعن بذكرك حيثما شئت فيما بين الفخذين والأليتين والسرة , ما لم يكن في الدبر أو الحيض . 3409 - حدثنا أبو كريب , قال : ثنا ابن أبي زائدة , عن إسماعيل بن أبي خالد , عن عامر , قال : يباشر الرجل امرأته وهي حائض ؟ قال : إذا كفت الأذى . 3411 - حدثنا حميد بن مسعدة , قال : ثنا يزيد بن زريع , قال : ثني عمران بن حدير , قال : سمعت عكرمة يقول : كل شيء من الحائض لك حلال غير مجرى الدم . وعلة قائل هذه المقالة , قيام الحجة بالأخبار المتواترة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يباشر نساءه وهن حيض , ولو كان الواجب اعتزال جميعهن لما فعل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم , فلما صح ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم , علم أن مراد الله تعالى ذكره بقوله : { فاعتزلوا النساء في المحيض } هو اعتزال بعض جسدها دون بعض . وإذا كان ذلك كذلك , وجب أن يكون ذلك هو الجماع المجمع على تحريمه على الزوج في قبلها دون ما كان فيه اختلاف من جماعها في سائر بدنها . وقال آخرون : بل الذي أمر الله تعالى ذكره باعتزاله منهن في حال حيضهن ما بين السرة إلى الركبة , وما فوق ذلك ودونه منها . ذكر من قال ذلك : 3412 - حدثنا أبو كريب , قال : ثنا ابن أبي زائدة , عن ابن عون , عن ابن سيرين , عن شريح , قال له : ما فوق السرة , وذكر الحائض . 3413 - حدثنا أبو كريب وأبو السائب قالا : ثنا ابن إدريس , قال : أخبرنا يزيد , عن سعيد بن جبير , قال : سئل ابن عباس عن الحائض : ما لزوجها منها ؟ فقال : ما فوق الإزار . * - حدثني يعقوب , قال : ثنا ابن علية , عن أيوب وابن عون , عن محمد , قال : قال شريح : له ما فوق سرتها . 3414 - حدثنا ابن المثنى , قال : ثنا ابن أبي عدي , عن شعبة , عن واقد بن محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر , قال : سئل سعيد بن المسيب : ما للرجل من الحائض ؟ قال : ما فوق الإزار . وعلة من قال هذه المقالة صحة الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بما : 3415 - حدثني به ابن أبي الشوارب , قال : ثنا عبد الواحد بن زياد , قال : ثنا سليمان الشيباني وحدثني أبو السائب , قال : حدثنا حفص , قال : ثنا الشيباني , قال : ثنا عبد الله بن شداد بن الهاد , قال : سمعت ميمونة , تقول : " وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يباشر امرأة من نسائه وهي حائض أمرها فاتزرت " . * - حدثنا المثنى , قال : ثنا عبد الرحمن بن مهدي , قال : ثنا سفيان , عن الشيباني , عن عبد الله بن شداد , عن ميمونة : " أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يباشرها وهي حائض فوق الإزار " . 3416 - حدثني سفيان بن وكيع , قال : ثنا جرير , عن منصور , عن إبراهيم , عن الأسود , عن عائشة , قالت : كانت إحدانا إذا كانت حائضا أمرها فاتزرت بإزار ثم يباشرها . * - حدثنا سفيان بن وكيع , قال : ثنا المحاربي , عن الشيباني , عن عبد الرحمن بن الأسود , عن أبيه , عن عائشة , قالت : كانت إحدانا إذا كانت حائضا أمرها النبي صلى الله عليه وسلم أن تأتزر ثم يباشرها . ونظائر ذلك من الأخبار التي يطول باستيعاب ذكر جميعها الكتاب قالوا : فما فعل النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك فجائز , وهو مباشرة الحائض ما دون الإزار وفوقه , وذلك دون الركبة وفوق السرة , وما عدا ذلك من جسد الحائض فواجب اعتزاله لعموم الآية . وأولى الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال : إن للرجل من امرأته الحائض ما فوق المؤتزر ودونه لما ذكرنا من العلة لهم .
القول في تأويل قوله تعالى : { ولا تقربوهن حتى يطهرن } اختلف القراء في قراءة ذلك , فقرأه بعضهم : { حتى يطهرن } بضم الهاء وتخفيفها , وقرأه آخرون بتشديد الهاء وفتحها . وأما الذين قرءوه بتخفيف الهاء وضمها فإنهم وجهوا معناه إلى : ولا تقربوا النساء في حال حيضهن حتى ينقطع عنهن دم الحيض ويطهرن . وقال بهذا التأويل جماعة من أهل التأويل . ذكر من قال ذلك : 3417 - حدثنا ابن بشار , قال : ثنا ابن مهدي ومؤمل , قالا : ثنا سفيان , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد في قوله : { ولا تقربوهن حتى يطهرن } قال : انقطاع الدم . 3418 - حدثني محمد بن عمرو , قال : ثنا أبو عاصم , عن سفيان أو عثمان بن الأسود : { ولا تقربوهن حتى يطهرن } حتى ينقطع الدم عنهن . 3419 - حدثنا ابن حميد , قال : ثنا يحيى بن واضح , قال : ثنا عبيد الله العتكي , عن عكرمة في قوله : { ولا تقربوهن حتى يطهرن } قال : حتى ينقطع الدم . وأما الذين قرءوا ذلك بتشديد الهاء وفتحها , فإنهم عنوا به : حتى يغتسلن بالماء وشددوا الطاء لأنهم قالوا : معنى الكلمة : حتى يتطهرن أدغمت التاء في الطاء لتقارب مخرجيهما . وأولى القراءتين بالصواب في ذلك قراءة من قرأ : " حتى يطهرن " بتشديدها وفتحها , بمعنى : حتى يغتسلن , لإجماع الجميع على أن حراما على الرجل أن يقرب امرأته بعد انقطاع دم حيضها حتى تطهر . وإنما اختلف في التطهر الذي عناه الله تعالى ذكره , فأحل له جماعها , فقال بعضهم : هو الاغتسال بالماء , ولا يحل لزوجها أن يقربها حتى تغسل جميع بدنها . وقال بعضهم : هو الوضوء للصلاة . وقال آخرون : بل هو غسل الفرج , فإذا غسلت فرجها فذلك تطهرها الذي يحل به لزوجها غشيانها . فإذا كان إجماع من الجميع أنها لا تحل لزوجها بانقطاع الدم حتى تطهر , كان بينا أن أولى القراءتين بالصواب أنفاهما للبس عن فهم سامعها , وذلك هو الذي اخترنا , إذ كان في قراءة قارئها بتخفيف الهاء وضمها ما لا يؤمن معه اللبس على سامعها من الخطأ في تأويلها , فيرى أن للزوج غشيانها بعد انقطاع دم حيضها عنها وقبل اغتسالها وتطهرها . فتأويل الآية إذا : ويسألونك عن المحيض , قل هو أذى , فاعتزلوا جماع نسائكم في وقت حيضهن , ولا تقربوهن حتى يغتسلن فيتطهرن من حيضهن بعد انقطاعه .
القول في تأويل قوله تعالى : { فإذا تطهرن } يعني تعالى ذكره بقوله : { فإذا تطهرن فأتوهن } فإذا اغتسلن فتطهرن بالماء فجامعوهن . فإن قال قائل : أففرض جماعهن حينئذ ؟ قيل : لا . فإن قال : فما معنى قوله إذا : { فأتوهن } ؟ قيل : ذلك إباحة ما كان منع قبل ذلك من جماعهن وإطلاق لما كان حظر في حال الحيض , وذلك كقوله : { وإذا حللتم فاصطادوا } 5 2 وقوله { فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض } 62 10 وما أشبه ذلك . واختلف أهل التأويل في تأويل قوله { فإذا تطهرن } فقال بعضهم : معنى ذلك , فإذا اغتسلن . ذكر من قال ذلك : 3420 - حدثني المثنى , قال : ثنا أبو صالح , قال : ثني معاوية بن صالح , عن علي بن أبي طلحة , عن ابن عباس : { فإذا تطهرن } يقول : فإذا طهرت من الدم وتطهرت بالماء . 3421 - حدثنا محمد بن بشار , قال : ثني محمد بن مهدي ومؤمل , قالا : ثنا سفيان , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد : { فإذا تطهرن } فإذا اغتسلن . 3422 - حدثنا ابن حميد , قال : ثنا محيي بن واضح , قال : ثنا عبيد الله العتكي . عن عكرمة في قوله : { فإذا تطهرن } يقول : اغتسلن . 3423 - حدثني محمد بن عمرو , قال : ثنا أبو عاصم , عن سفيان أو عثمان بن الأسود : { فإذا تطهرن } إذا اغتسلن . 3424 - حدثنا عمران بن موسى , ثنا عبد الوارث , ثنا عامر , عن الحسن : في الحائض ترى الطهر , قال : لا يغشاها زوجها حتى تغتسل وتحل لها الصلاة . 3424 - حدثني يعقوب بن إبراهيم , قال , ثنا هشيم , عن مغيرة , عن إبراهيم : أنه كره أن يطأها حتى تغتسل ; يعني المرأة إذا طهرت . وقال آخرون : معنى ذلك فإذا تطهرن للصلاة . ذكر من قال ذلك : 3426 - حدثني يعقوب بن إبراهيم , قال : ثنا هشيم , قال , أخبرنا ليث . عن طاوس ومجاهد أنهما قالا : إذا طهرت المرأة من الدم فشاء زوجها أن يأمرها بالوضوء قبل أن تغتسل إذا أدركه الشبق فليصب . وأولى التأويلين بتأويل الآية قول من قال , معنى قوله , { فإذا تطهرن } فإذا اغتسلن لإجماع الجميع على أنها لا تصير بالوضوء بالماء طاهرا الطهر للذي يحل لها به الصلاة , وأن القول لا يخلو في ذلك من أحد أمرين . إما أن يكون معناه : فإذا تطهرن من النجاسة فأتوهن . وإن كان ذلك معناه , فقد ينبغي أن يكون متى انقطع عنها الدم فجائز لزوجها جماعها إذا لم تكن هنالك نجاسة ظاهرة , هذا إن كان قوله : { فإذا تطهرن } جائزا استعماله في التطهر من النجاسة , ولا أعلمه جائزا إلا على استكراه الكلام أو يكون معناه : فإذا تطهرن للصلاة في إجماع الجميع من الحجة على أنه غير جائز لزوجها غشيانها بانقطاع دم حيضها , إذا لم يكن هنالك نجاسة دون التطهر بالماء إذا كانت واجدته أدل الدليل على أن معناه : فإذا تطهرن الطهر الذي يحزيهن به الصلاة . وفي إجماع الجميع من الأمة على أن الصلاة لا تحل لها إلا بالاغتسال أوضح الدلالة على صحة ما قلنا من أن غشيانها حرام إلا بعد الاغتسال , وأن معنى قوله : { فإذا تطهرن } فإذا اغتسلن فصرن طواهر الطهر الذي يجزيهن به الصلاة .
القول في تأويل قوله تعالى : { فأتوهن من حيث أمركم الله } اختلف أهل التأويل في تأويل قوله : { فأتوهن من حيث أمركم الله } فقال بعضهم : معنى ذلك : فأتوا نساءكم إذا تطهرن من الوجه الذي نهيتكم عن إتيانهن منه في حال حيضهن , وذلك الفرج الذي أمر الله بترك جماعهن فيه في حال الحيض . ذكر من قال ذلك : 3427 - حدثني يعقوب بن إبراهيم , قال : ثنا ابن علية , عن محمد بن إسحاق , قال : ثني أبان بن صالح , عن مجاهد , قال : قال ابن عباس في قوله : { فأتوهن من حيث أمركم الله } قال : من حيث أمركم أن تعتزلوهن . 3428 - حدثني المثنى , قال : ثنا أبو صالح , قال : ثنا معاوية بن صالح , عن علي بن أبي طلحة , عن ابن عباس قوله : { فأتوهن من حيث أمركم الله } يقول : في الفرج لا تعدوه إلى غيره , فمن فعل شيئا من ذلك فقد اعتدى . 3429 - حدثني يعقوب , قال : ثنا ابن علية , قال : ثنا خالد الحذاء , عن عكرمة في قوله : { فأتوهن من حيث أمركم الله } قال : من حيث أمركم أن تعتزلوا . 3430 - حدثني يونس , قال : أخبرنا ابن وهب , قال : ثنا أبو صخر , عن أبي معاوية البجلي , عن سعيد بن جبير أنه قال : بينا أنا ومجاهد جالسان عند ابن عباس أتاه رجل فوقف على رأسه , فقال : يا أبا العباس أو يا أبا الفضل ألا تشفيني عن آية المحيض ؟ قال : بلى ! فقرأ : { ويسألونك عن المحيض } حتى بلغ آخر الآية , فقال ابن عباس : من حيث جاء الدم , من ثم أمرت أن تأتي . 3431 - حدثنا أبو كريب , قال : ثنا ابن أبي زائدة , عن عمرة , عن مجاهد , قال : دبر المرأة مثله من الرجل , ثم قرأ : { ويسألونك عن المحيض } إلى : { فأتوهن من حيث أمركم الله } قال : من حيث أمركم أن تعتزلوهن . * - حدثنا ابن بشار , قال : ثنا مؤمل , قال : ثنا سفيان , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد : { فأتوهن من حيث أمركم الله } قال : أمروا أن يأتوهن من حيث نهوا عنه . * - حدثنا ابن أبي الشوارب , قال : ثنا عبد الواحد , قال : ثنا خصيف , قال : ثني مجاهد : { فأتوهن من حيث أمركم الله } في الفرج , ولا تعدوه . * - حدثنا محمد بن عمرو , قال : ثنا أبو عاصم , قال : ثنا عيسى , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد : { فأتوهن من حيث أمركم الله } يقول : إذا تطهرن فأتوهن من حيث نهى عنه في المحيض . 3432 - حدثني محمد بن عمرو , قال : ثنا أبو عاصم , عن سفيان أو عثمان بن الأسود : { فأتوهن من حيث أمركم الله } باعتزالهن منه . 3433 - حدثنا بشر , قال : ثنا يزيد , قال : ثنا سعيد , عن قتادة قوله : { فأتوهن من حيث أمركم الله } أي من الوجه الذي يأتي منه المحيض طاهرا غير حائض , ولا تعدوا ذلك إلى غيره . * - حدثنا محمد بن بشار , قال : ثنا عبد الأعلى , قال : ثنا سعيد , عن قتادة في قوله : { فأتوهن من حيث أمركم الله } قال : طواهر من غير جماع ومن غير حيض من الوجه الذي يأتي المحيض ولا يتعدى إلى غيره , قال سعيد : ولا أعلمه إلا عن ابن عباس . 3434 - حدثت عن عمار , قال : ثنا ابن أبي جعفر , عن أبيه , عن الربيع في قوله : { فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله } من حيث نهيتم عنه في المحيض . وعن أبيه عن ليث , عن مجاهد في قوله : { فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله } من حيث نهيتم عنه , واتقوا الأدبار . 3435 - حدثنا محمد بن المثنى , قال : ثنا ابن إدريس , قال : سمعت أبي , عن يزيد بن الوليد , عن إبراهيم في قوله : { فأتوهن من حيث أمركم الله } قال : في الفرج . وقال آخرون : معناه : فأتوهن من الوجه الذي أمركم الله فيه أن تأتوهن منه , وذلك الوجه هو الطهر دون الحيض . فكان معنى قائل ذلك في الآية : فأتوهن من قبل طهرهن لا من قبل حيضهن . ذكر من قال ذلك : 3436 - حدثني محمد بن سعد , قال : ثني أبي , قال : ثني عمي , قال : ثني أبي , عن أبيه , عن ابن عباس : { فأتوهن من حيث أمركم الله } يعني أن يأتيها طاهرا غير حائض . 3437 - حدثنا محمد بن بشار , قال : ثنا أبو أحمد , قال : ثنا سفيان , عن منصور , عن أبي رزين في قوله : { فأتوهن من حيث أمركم الله } قال : من قبل الطهر . * - حدثنا محمد بن بشار , قال : ثنا محمد بن يحيى , قال : ثنا سفيان , عن الأعمش , عن أبي رزين بمثله . * - حدثنا ابن حميد , قال : ثنا حكام , عن عمرو , عن منصور , عن أبي رزين : { فأتوهن من حيث أمركم الله } يقول : ائتوهن من عند الطهر . * - حدثني محمد بن عبيد المحاربي , قال : ثنا علي بن هاشم , عن الزبرقان , عن أبي رزين : { فأتوهن من حيث أمركم الله } قال : من قبل الطهر , ولا تأتوهن من قبل الحيض . 3438 - حدثنا ابن حميد , قال : ثنا يحيى بن واضح , قال : ثنا عبيد الله العتكي , عن عكرمة قوله : { فأتوهن من حيث أمركم الله } يقول : إذا اغتسلن فأتوهن من حيث أمركم الله يقول : طواهر غير حيض . 3439 - حدثنا الحسن بن يحيى , قال : أخبرنا عبد الرزاق , قال : أخبرنا معمر , عن قتادة في قوله : { فأتوهن من حيث أمركم الله } قال : يقول طواهر غير حيض . 3440 - حدثني موسى بن هارون , قال : ثنا عمرو بن حماد , قال : ثنا أسباط , عن السدي قوله : { من حيث أمركم الله } من الطهر . 3441 - حدثنا ابن وكيع قال : ثنا أبي , عن سلمة بن نبيط , عن الضحاك : فأتوهن طهرا غير حيض . * - حدثنا عن الحسين بن الفرج , قال : سمعت أبا معاذ , قال : ثنا عبيد بن سليمان , عن الضحاك قوله : { فأتوهن من حيث أمركم الله } قال : ائتوهن طاهرات غير حيض . * - حدثنا عمرو بن علي , قال : ثنا وكيع , قال : ثنا سلمة بن نبيط , عن الضحاك : { فأتوهن من حيث أمركم الله } قال : طهرا غير حيض في القبل . وقال آخرون : بلى معنى ذلك : فأتوا النساء من قبل النكاح لا من قبل الفجور . ذكر من قال ذلك : 3442 - حدثنا عمرو بن علي قال : ثنا وكيع , قال : ثنا إسماعيل الأزرق , عن أبي عمر الأسدي , عن ابن الحنفية : { فأتوهن من حيث أمركم الله } قال : من قبل الحلال من قبل التزويج . وأولى الأقوال بالصواب في تأويل ذلك عندي قول من قال : معنى ذلك : فأتوهن من قبل طهرهن ; وذلك أن كل أمر بمعنى فنهي عن خلافه وضده , وكذلك النهي عن الشيء أمر بضده وخلافه . فلو كان معنى قوله : { فأتوهن من حيث أمركم الله } فأتوهن من قبل مخرج الدم الذي نهيتكم أن تأتوهن من قبله في حال حيضهن , لوجب أن يكون قوله : { ولا تقربوهن حتى يطهرن } تأويله : ولا تقربوهن في مخرج الدم دون ما عدا ذلك من أماكن جسدها , فيكون مطلقا في حال حيضها إتيانهن في أدبارهن . وفي إجماع الجميع على أن الله تعالى ذكره لم يطلق في حال الحيض من إتيانهن في أدبارهن شيئا حرمه في حال الطهر ولا حرم من ذلك في حال الطهر شيئا أحله في حال الحيض , ما يعلم به فساد هذا القول . وبعد : فلو كان معنى ذلك على ما تأوله قائلو هذه المقالة لوجب أن يكون الكلام : فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله , حتى يكون معنى الكلام حينئذ على التأويل الذي تأوله , ويكون ذلك أمرا بإتيانهن في فروجهن , لأن الكلام المعروف إذا أريد ذلك أن يقال : أتى فلان زوجته من قبل فرجها , ولا يقال : أتاها من فرجها إلا أن يكون أتاها من قبل فرجها في مكان غير الفرج . فإن قال لنا قائل : فإن ذلك وإن كان كذلك , فليس معنى الكلام : فأتوهن في فروجهن , وإنما معناه , فأتوهن من قبل قبلهن في فروجهن , كما يقال : أتيت هذا الأمر من مأتاه , قيل له : إن كان ذلك كذلك , فلا شك أن مأتى الأمر ووجهه غيره , وأن ذلك مطلبه . فإن كان ذلك على ما زعمتم , فقد يجب أن يكون معنى قوله : { فأتوهن من حيث أمركم الله } غير الذي زعمتم أنه معناه بقولكم : ائتوهن من قبل مخرج الدم ومن حيث أمرتم باعتزالهن , ولكن الواجب أن يكون تأويله على ذلك : فأتوهن من قبل وجوههن في أقبالهن , كما كان قول القائل ائت الأمر من مأتاه إنما معناه : اطلبه من مطلبه , ومطلب الأمر غير الأمر المطلوب , فكذلك يجب أن مأتى الفرج الذي أمر الله في قولهم بإتيانه غير الفرج . وإذا كان كذلك وكان معنى الكلام عندهم : فأتوهن من قبل وجوههن في فروجهن , وجب أن يكون على قولهم محرما إتيانهن في فروجهن من قبل أدبارهن , وذلك إن قالوه خرج من قاله من قيل أهل الإسلام , وخالف نص كتاب الله تعالى ذكره وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم . وذلك أن الله يقول : { نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم } 2 223 وأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في إتيانهن في فروجهن من قبل أدبارهن . فقد تبين إذا إذ كان الأمر على ما وصفنا فساد تأويل من قال ذلك : فأتوهن في فروجهن حيث نهيتكم عن إتيانهن في حال حيضهن , وصحة القول الذي قلناه , وهو أن معناه : فأتوهن في فروجهن من الوجه الذي أذن الله لكم بإتيانهن , وذلك حال طهرهن وتطهرهن دون حال حيضهن .
القول في تأويل قوله تعالى : { إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين } يعني تعالى ذكره بقوله : { إن الله يحب التوابين } المنيبين من الإدبار عن الله وعن طاعته إليه وإلى طاعته وقد بينا معنى التوبة قبل . واختلف في معنى قوله : { ويحب المتطهرين } فقال بعضهم : هم المتطهرون بالماء . ذكر من قال ذلك : 3443 - حدثنا ابن حميد , قال : ثنا يحيى بن واضح , قال : ثنا طلحة , عن عطاء قوله : { إن الله يحب التوابين } قال : التوابين من الذنوب , { ويحب المتطهرين } قال : المتطهرين بالماء للصلاة . * - حدثني أحمد بن حازم , قال : ثنا أبو نعيم , قال : ثنا طلحة , عن عطاء , مثله . * - حدثنا أبو كريب , قال : حدثنا وكيع , عن طلحة بن عمرو , عن عطاء : { إن الله يحب التوابين } من الذنوب لم يصيبوها { ويحب المتطهرين } بالماء للصلاة . وقال آخرون : معنى ذلك أن الله يحب التوابين من الذنوب , ويحب المتطهرين من أدبار النساء أن يأتوها . ذكر من قال ذلك : 3444 - حدثنا أحمد بن حازم , قال : ثنا أبو نعيم , قال : ثنا إبراهيم بن نافع , قال : سمعت سليمان مولى أم علي , قال : سمعت مجاهدا يقول : من أتى امرأته في دبرها فليس من المتطهرين . وقال آخرون : معنى ذلك : " ويحب المتطهرين " من الذنوب أن يعودوا فيها بعد التوبة بها . ذكر من قال ذلك : 3445 - حدثنا القاسم , قال : ثنا الحسين , قال : ثني حجاج , عن ابن جريج , عن مجاهد : { يحب التوابين } من الذنوب لم يصيبوها , { ويحب المتطهرين } من الذنوب : لا يعودون فيها . وأولى الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال : إن الله يحب التوابين من الذنوب , ويحب المتطهرين بالماء للصلاة ; لأن ذلك هو الأغلب من ظاهر معانيه . وذلك أن الله تعالى ذكره ذكر أمر المحيض , فنهاهم عن أمور كانوا يفعلونها في جاهليتهم , من تركهم مساكنة الحائض ومؤاكلتها ومشاربتها , وأشياء غير ذلك مما كان تعالى ذكره يكرهها من عباده . فلما استفتى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك أوحى الله تعالى إليه في ذلك , فبين لهم ما يكرهه مما يرضاه ويحبه , وأخبرهم أنه يحب من خلقه من أناب إلى رضاه ومحبته , تائبا مما يكرهه . وكان مما بين لهم من ذلك أنه قد حرم عليهم إتيان نسائهم وإن طهرن من حيضهن حتى يغتسلن , ثم قال : { ولا تقربوهن حتى يطهرن فإذا تطهرن فأتوهن } فإن الله يحب المتطهرين , يعني بذلك المتطهرين من الجنابة والأحداث للصلاة , والمتطهرات بالماء من الحيض والنفاس والجنابة والأحداث من النساء . وإنما قال : ويحب المتطهرين , ولم يقل المتطهرات , وإنما جرى قبل ذلك ذكر التطهر للنساء ; لأن ذلك بذكر المتطهرين يجمع الرجال والنساء , ولو ذكر ذلك بذكر المتطهرات لم يكن للرجال في ذلك حظ , وكان للنساء خاصة , فذكر الله تعالى ذكره بالذكر العام جميع عباده المكلفين , إذ كان قد تعبد جميعهم بالتطهر بالماء , وإن اختلفت الأسباب التي توجب التطهر عليهم بالماء في بعض المعاني واتفقت في بعض .