وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ بِكُلِّ آيَةٍ مَا تَبِعُوا قِبْلَتَكَ القول في تأويل قوله تعالى : { ولئن أتيت الذين أوتوا الكتاب بكل آية ما تبعوا قبلتك } يعني بذلك تبارك اسمه : ولئن جئت يا محمد اليهود والنصارى بكل برهان وحجة - وهي الآية - بأن الحق هو ما جئتهم به من فرض التحول من قبلة بيت المقدس في الصلاة إلى قبلة المسجد الحرام , ما صدقوا به ولا اتبعوا مع قيام الحجة عليهم بذلك قبلتك التي حولتك إليها وهي التوجه شطر المسجد الحرام . وأجيبت " لئن " بالماضي من الفعل وحكمها الجواب بالمستقبل تشبيها لها ب " ولو " , فأجيبت بما تجاب به لو لتقارب معنييهما ; وقد مضى البيان عن نظير ذلك فيما مضى . وأجيبت " لو " بجواب الأيمان , ولا تفعل العرب ذلك إلا في الجزاء خاصة ; لأن الجزاء مشابه اليمين في أن كل واحد منهما لا يتم أوله إلا بآخره , ولا يتم وحده , ولا يصح إلا بما يؤكد به بعده , فلما بدأ باليمين فأدخلت على الجزاء صارت اللام الأولى بمنزلة يمين والثانية بمنزلة جواب لها , كما قيل : لعمرك لتقومن , إذ كثرت اللام من ولعمرك " حتى صارت كحرف من حروفه , فأجيب بما يجاب به الأيمان , إذ كانت اللام تنوب في الأيمان عن الأيمان دون سائر الحروف غير التي هي أحق به الأيمان , فتدل على الأيمان وتعمل عمل الأجوبة ولا تدل سائر أجوبة الأيمان لنا على الأيمان ; فشبهت اللام التي في جواب الأيمان بالأيمان لما وصفنا , فأجيبت بأجوبتها . فكان معنى الكلام إذا كان الأمر على ما وصفنا : لو أتيت الذين أوتوا الكتاب بكل آية ما تبعوا قبلتك . وَمَا أَنْتَ بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُمْ وأما قوله : { وما أنت بتابع قبلتهم } يقول : وما لك من سبيل يا محمد إلى اتباع قبلتهم , وذلك أن اليهود تستقبل بيت المقدس بصلاتها , وأن النصارى تستقبل المشرق , فأنى يكون لك السبيل إلى اتباع قبلتهم مع اختلاف وجوهها . يقول : فالزم قبلتك التي أمرت بالتوجه إليها , ودع عنك ما تقوله اليهود والنصارى وتدعوك إليه من قبلتهم واستقبالها . وَمَا بَعْضُهُمْ بِتَابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ وأما قوله : { وما بعضهم بتابع قبلة بعض } فإنه يعني بقوله : وما اليهود بتابعة قبلة النصارى , ولا النصارى بتابعة قبلة اليهود فمتوجهة نحوها . كما : 1866 - حدثني موسى بن هارون , قال : ثنا عمرو بن حماد , قال : ثنا أسباط عن السدي : { وما بعضهم بتابع قبلة بعض } يقول : ما اليهود بتابعي قبلة النصارى , ولا النصارى بتابعي قبلة اليهود . قال : وإنما أنزلت هذه الآية من أجل أن النبي صلى الله عليه وسلم لما حول إلى الكعبة , قالت اليهود : إن محمدا اشتاق إلى بلد أبيه ومولده , ولو ثبت على قبلتنا لكنا نرجو أن يكون هو صاحبنا الذي ننتظر ! فأنزل الله عز وجل فيهم : { وإن الذين أوتوا الكتاب ليعلمون أنه الحق من ربهم } إلى قوله : { ليكتمون الحق وهم يعلمون } 1867 - حدثنا يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : { وما بعضهم بتابع قبلة بعض } مثل ذلك . وإنما يعني جل ثناؤه بذلك أن اليهود والنصارى لا تجتمع على قبلة واحدة مع إقامة كل حزب منهم على ملتهم , فقال تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : يا محمد لا تشعر نفسك رضا هؤلاء اليهود والنصارى , فإنه أمر لا سبيل إليه , لأنهم مع اختلاف مللهم لا سبيل لك إلى إرضاء كل حزب منهم , من أجل أنك إن اتبعت قبلة اليهود أسخطت النصارى , وإن اتبعت قبلة النصارى أسخطت اليهود , فدع ما لا سبيل إليه , وادعهم إلى ما لهم السبيل إليه من الاجتماع على ملتك الحنيفية المسلمة , وقبلتك قبلة إبراهيم والأنبياء من بعده . وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ يعني بقوله جل ثناؤه : { ولئن اتبعت أهواءهم } : ولئن التمست يا محمد رضا هؤلاء اليهود والنصارى الذين قالوا لك ولأصحابك : { كونوا هودا أو نصارى تهتدوا } 2 135 فاتبعت قبلتهم يعني فرجعت إلى قبلتهم . مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ ويعني بقوله : { من بعد ما جاءك من العلم } من بعد ما وصل إليك من العلم بإعلامي إياك أنهم مقيمون على باطل وعلى عناد منهم للحق , ومعرفة منهم أن القبلة التي وجهتك إليها هي القبلة التي فرضت على أبيك إبراهيم عليه السلام وسائر ولده من بعده من الرسل التوجه نحوها ; إِنَّكَ إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ يعني أنك إذا فعلت ذلك من عبادي الظلمة أنفسهم , المخالفين أمري , والتاركين طاعتي , وأحدهم وفي عدادهم .
القول في تأويل قوله تعالى : { ولئن أتيت الذين أوتوا الكتاب بكل آية ما تبعوا قبلتك } يعني بذلك تبارك اسمه : ولئن جئت يا محمد اليهود والنصارى بكل برهان وحجة - وهي الآية - بأن الحق هو ما جئتهم به من فرض التحول من قبلة بيت المقدس في الصلاة إلى قبلة المسجد الحرام , ما صدقوا به ولا اتبعوا مع قيام الحجة عليهم بذلك قبلتك التي حولتك إليها وهي التوجه شطر المسجد الحرام . وأجيبت " لئن " بالماضي من الفعل وحكمها الجواب بالمستقبل تشبيها لها ب " ولو " , فأجيبت بما تجاب به لو لتقارب معنييهما ; وقد مضى البيان عن نظير ذلك فيما مضى . وأجيبت " لو " بجواب الأيمان , ولا تفعل العرب ذلك إلا في الجزاء خاصة ; لأن الجزاء مشابه اليمين في أن كل واحد منهما لا يتم أوله إلا بآخره , ولا يتم وحده , ولا يصح إلا بما يؤكد به بعده , فلما بدأ باليمين فأدخلت على الجزاء صارت اللام الأولى بمنزلة يمين والثانية بمنزلة جواب لها , كما قيل : لعمرك لتقومن , إذ كثرت اللام من ولعمرك " حتى صارت كحرف من حروفه , فأجيب بما يجاب به الأيمان , إذ كانت اللام تنوب في الأيمان عن الأيمان دون سائر الحروف غير التي هي أحق به الأيمان , فتدل على الأيمان وتعمل عمل الأجوبة ولا تدل سائر أجوبة الأيمان لنا على الأيمان ; فشبهت اللام التي في جواب الأيمان بالأيمان لما وصفنا , فأجيبت بأجوبتها . فكان معنى الكلام إذا كان الأمر على ما وصفنا : لو أتيت الذين أوتوا الكتاب بكل آية ما تبعوا قبلتك .
وأما قوله : { وما أنت بتابع قبلتهم } يقول : وما لك من سبيل يا محمد إلى اتباع قبلتهم , وذلك أن اليهود تستقبل بيت المقدس بصلاتها , وأن النصارى تستقبل المشرق , فأنى يكون لك السبيل إلى اتباع قبلتهم مع اختلاف وجوهها . يقول : فالزم قبلتك التي أمرت بالتوجه إليها , ودع عنك ما تقوله اليهود والنصارى وتدعوك إليه من قبلتهم واستقبالها .
وأما قوله : { وما بعضهم بتابع قبلة بعض } فإنه يعني بقوله : وما اليهود بتابعة قبلة النصارى , ولا النصارى بتابعة قبلة اليهود فمتوجهة نحوها . كما : 1866 - حدثني موسى بن هارون , قال : ثنا عمرو بن حماد , قال : ثنا أسباط عن السدي : { وما بعضهم بتابع قبلة بعض } يقول : ما اليهود بتابعي قبلة النصارى , ولا النصارى بتابعي قبلة اليهود . قال : وإنما أنزلت هذه الآية من أجل أن النبي صلى الله عليه وسلم لما حول إلى الكعبة , قالت اليهود : إن محمدا اشتاق إلى بلد أبيه ومولده , ولو ثبت على قبلتنا لكنا نرجو أن يكون هو صاحبنا الذي ننتظر ! فأنزل الله عز وجل فيهم : { وإن الذين أوتوا الكتاب ليعلمون أنه الحق من ربهم } إلى قوله : { ليكتمون الحق وهم يعلمون } 1867 - حدثنا يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : { وما بعضهم بتابع قبلة بعض } مثل ذلك . وإنما يعني جل ثناؤه بذلك أن اليهود والنصارى لا تجتمع على قبلة واحدة مع إقامة كل حزب منهم على ملتهم , فقال تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : يا محمد لا تشعر نفسك رضا هؤلاء اليهود والنصارى , فإنه أمر لا سبيل إليه , لأنهم مع اختلاف مللهم لا سبيل لك إلى إرضاء كل حزب منهم , من أجل أنك إن اتبعت قبلة اليهود أسخطت النصارى , وإن اتبعت قبلة النصارى أسخطت اليهود , فدع ما لا سبيل إليه , وادعهم إلى ما لهم السبيل إليه من الاجتماع على ملتك الحنيفية المسلمة , وقبلتك قبلة إبراهيم والأنبياء من بعده .
يعني بقوله جل ثناؤه : { ولئن اتبعت أهواءهم } : ولئن التمست يا محمد رضا هؤلاء اليهود والنصارى الذين قالوا لك ولأصحابك : { كونوا هودا أو نصارى تهتدوا } 2 135 فاتبعت قبلتهم يعني فرجعت إلى قبلتهم .
ويعني بقوله : { من بعد ما جاءك من العلم } من بعد ما وصل إليك من العلم بإعلامي إياك أنهم مقيمون على باطل وعلى عناد منهم للحق , ومعرفة منهم أن القبلة التي وجهتك إليها هي القبلة التي فرضت على أبيك إبراهيم عليه السلام وسائر ولده من بعده من الرسل التوجه نحوها ;
يعني أنك إذا فعلت ذلك من عبادي الظلمة أنفسهم , المخالفين أمري , والتاركين طاعتي , وأحدهم وفي عدادهم .