تفسير بن كثير - سورة البقرة - الآية 124

الناقل : elmasry | المصدر : quran.al-islam.com

وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ

القول في تأويل قوله تعالى : { وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات } يعني جل ثناؤه بقوله : { وإذ ابتلى } وإذا اختبر , يقال منه : ابتليت فلانا أبتليه ابتلاء . ومنه قول الله عز وجل { وابتلوا اليتامى } 4 6 يعني به : اختبروهم . وكان اختبار الله تعالى ذكره إبراهيم اختبارا بفرائض فرضها عليه , وأمر أمره به , وذلك هو الكلمات التي أوحاهن إليه وكلفه العمل بهن امتحانا منه له واختبارا . ثم اختلف أهل التأويل في صفة الكلمات التي ابتلى الله بها إبراهيم نبيه وخليله صلوات الله عليه , فقال بعضهم : هي شرائع الإسلام , وهي ثلاثون سهما . ذكر من قال ذلك : 1577 - حدثنا محمد بن المثنى , قال : ثنا عبد الأعلى , قال : ثنا داود , عن عكرمة , عن ابن عباس في قوله : { وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات } قال : قال ابن عباس : لم يبتل أحد بهذا الدين فأقامه إلا إبراهيم , ابتلاه الله بكلمات فأتمهن ; قال : فكتب الله له البراءة , فقال : { وإبراهيم الذي وفى } 53 37 قال : عشر منها في الأحزاب , وعشر منها في براءة , وعشر منها في المؤمنين ; وسأل سائل . وقال : إن هذا الإسلام ثلاثون سهما . 1578 - حدثنا إسحاق بن شاهين , قال : ثنا خالد الطحان , عن داود , عن عكرمة , عن ابن عباس , قال : ما ابتلي أحد بهذا الدين فقام به كله غير إبراهيم ; ابتلي بالإسلام فأتمه , فكتب الله له البراءة , فقال : { وإبراهيم الذي وفى } 53 37 فذكر عشرا في براءة , فقال : { التائبون العابدون الحامدون } 9 112 إلى آخر الآيات , وعشرا في الأحزاب : { إن المسلمين والمسلمات } , 33 35 وعشرا في سورة المؤمنين , إلى قوله : { والذين هم على صلواتهم يحافظون } , 23 9 وعشرا في سأل سائل : { والذين هم على صلاتهم يحافظون } . 70 34 1579 - حدثنا عبيد الله بن أحمد بن شبرمة , قال : ثنا علي بن الحسن , قال : ثنا خارجة بن مصعب , عن داود بن أبي هند , عن عكرمة , عن ابن عباس قال : الإسلام ثلاثون سهما , وما ابتلي بهذا الدين أحد فأقامه إلا إبراهيم , قال الله { وإبراهيم الذي وفى } 53 37 فكتب الله له براءة من النار . وقال آخرون : هي خصال عشر من سنن الإسلام . ذكر من قال ذلك : 1580 - حدثنا الحسن بن يحيى , قال : أخبرنا عبد الرزاق , قال : أخبرنا معمر عن ابن طاوس , عن أبيه , عن ابن عباس : { وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات } قال : ابتلاه الله بالطهارة : خمس في الرأس , وخمس في الجسد . في الرأس : قص الشارب , والمضمضة , والاستنشاق , والسواك , وفرق الرأس . وفي الجسد : تقليم الأظفار , وحلق العانة , والختان , ونتف الإبط , وغسل أثر الغائط والبول بالماء . * حدثني المثنى , قال : ثنا إسحاق , قال : ثنا عبد الرزاق , عن معمر , عن الحكم بن أبان , عن القاسم بن أبي بزة , عن ابن عباس بمثله , ولم يذكر أثر البول . 1581 - حدثنا محمد بن بشار , قال : ثنا سليمان , قال : ثنا أبو هلال , قال : ثنا قتادة في قوله : { وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات } قال : ابتلاه بالختان , وحلق العانة , وغسل القبل والدبر , والسواك , وقص الشارب , وتقليم الأظافر , ونتف الإبط . قال أبو هلال : ونسيت خصلة . 1582 - حدثت عن عمار , قال : ثنا ابن أبي جعفر , عن أبيه , عن مطر , عن أبي الخلد قال : ابتلي إبراهيم بعشرة أشياء هن في الإنسان سنة : الاستنشاق , وقص الشارب , والسواك , ونتف الإبط , وقلم الأظفار , وغسل البراجم , والختان , وحلق العانة , وغسل الدبر والفرج . وقال بعضهم : بل الكلمات التي ابتلي بهن عشر خلال ; بعضهن في تطهير الجسد , وبعضهن في مناسك الحج . ذكر من قال ذلك : 1583 - حدثني المثنى , قال : ثنا إسحاق , قال : ثنا محمد بن حرب , قال : ثنا ابن لهيعة , عن ابن هبيرة , عن حنش , عن ابن عباس في قوله : { وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن } قال : ستة في الإنسان , وأربعة في المشاعر ; فالتي في الإنسان : حلق العانة , والختان , ونتف الإبط , وتقليم الأظفار , وقص الشارب , والغسل يوم الجمعة . وأربعة في المشاعر : الطواف , والسعي بين الصفا والمروة , ورمي الجمار , والإفاضة . وقال آخرون : بل ذلك : إني جاعلك للناس إماما في مناسك الحج . ذكر من قال ذلك : 1584 - حدثنا أبو كريب , قال : ثنا ابن إدريس , قال : سمعت إسماعيل بن أبي خالد , عتن أبي صالح في قوله : { وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن } فمنهن : { إني جاعلك للناس إماما } وآيات النسك . * حدثنا أبو السائب , قال : ثنا ابن إدريس , قال : سمعت إسماعيل بن أبي خالد , عن أبي صالح مولى أم هانئ في قوله : { وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات } قال منهن : { إني جاعلك للناس إماما } ومنهن آيات النسك : { وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت } . 2 127 1585 - حدثنا محمد بن عمرو , قال : ثنا أبو عاصم , قال : ثنا عيسى , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد في قوله : { وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن } قال الله لإبراهيم : إني مبتليك بأمر , فما هو ؟ قال : تجعلني للناس إماما . قال : نعم . قال : ومن ذريتي ؟ قال : لا ينال عهدي الظالمين . قال : تجعل البيت مثابة للناس ! قال : نعم . وأمنا ! قال : نعم . وتجعلنا مسلمين لك , ومن ذريتنا أمة مسلمة لك ! قال : نعم . وترينا مناسكنا وتتوب علينا ! قال : نعم . قال : وتجعل هذا البلد آمنا ! قال : نعم . قال : وترزق أهله من الثمرات من آمن منهم ! قال : نعم . * حدثني المثنى , قال : ثنا أبو حذيفة , قال : ثنا شبل , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد مثله . * حدثني المثنى , قال : ثنا أبو حذيفة , قال : ثنا شبل , عن ابن أبي نجيح أخبره به عن عكرمة فعرضته على مجاهد فلم ينكره . * حدثنا القاسم , قال : ثنا الحسين , قال : حدثني حجاج , عن ابن جريج , عن مجاهد بنحوه . قال ابن جريج : فاجتمع على هذا القول مجاهد وعكرمة جميعا . 1586 - حدثنا سفيان , قال : حدثني أبي , عن سفيان , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد : { وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن } قال : ابتلي بالآيات التي بعدها : { إني جاعلك للناس إماما قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين } . 1587 - حدثت عن عمار , قال : ثنا ابن أبي جعفر , عن أبيه , عن الربيع في قوله : { وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن } فالكلمات : { إني جاعلك للناس إماما } وقوله : { وإذ جعلنا البيت مثابة للناس } وقوله : { واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى } 2 125 وقوله : { وعهدنا إلى إبراهيم وإسماعيل } 2 125 الآية , وقوله : { وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت } 2 127 الآية قال : فذلك كلمة من الكلمات التي ابتلي بهن إبراهيم . 1588 - حدثني محمد بن سعيد , قال : حدثني أبي , قال : حدثني عمي , قال : حدثني أبي , عن أبيه , عن ابن عباس قوله : { وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن } فمنهن : { إني جاعلك للناس إماما } ومنهن : { وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت } 2 127 ومنهن الآيات في شأن النسك , والمقام الذي جعل لإبراهيم , والرزق الذي رزق ساكنو البيت ومحمد في ذريتهما عليهما السلام . وقال آخرون : بل ذلك مناسك الحج خاصة . ذكر من قال ذلك . 1589 - حدثنا ابن بشار , قال : ثنا سلم بن قتيبة , قال : ثنا عمرو بن نبهان , عن قتادة , عن ابن عباس في قوله : { وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات } قال : مناسك الحج . * حدثنا بشر بن معاذ , قال : ثنا يزيد بن زريع , قال : ثنا سعيد , عن قتادة , قال : كان ابن عباس يقول في قوله : { وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات } قال : المناسك . * حدثنا الحسن بن يحيى , قال : أخبرنا عبد الرزاق , قال : أخبرنا معمر , عن قتادة , قال : قال ابن عباس : ابتلاه بالمناسك . * حدثت عن عمار بن الحسن , قال : ثنا ابن أبي جعفر , عن أبيه , قال : بلغنا عن ابن عباس أنه قال : إن الكلمات التي ابتلي بها إبراهيم : المناسك . * حدثنا أحمد بن إسحاق , قال : ثنا أبو أحمد الزبيري , قال : ثنا شريك , عن أبي إسحاق , عن التميمي , عن ابن عباس قوله : { وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات } قال : مناسك الحج . * حدثني المثنى , قال : ثنا الحماني , قال : ثنا شريك , عن أبي إسحاق , عن التميمي , عن ابن عباس في قوله : { وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات } قال : منهن مناسك الحج . وقال آخرون : هي أمور منهن الختان . ذكر من قال ذلك : 1590 - حدثني محمد بن بشار , قال : ثنا سلم بن قتيبة عن يونس بن أبي إسحاق , عن الشعبي : { وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات } قال : منهن الختان . * حدثنا ابن حميد , قال : ثنا يحيى بن واضح , قال : ثنا يونس بن أبي إسحاق , قال : سمعت الشعبي يقول ; فذكر مثله . * حدثنا أحمد بن إسحاق , قال : ثنا أبو أحمد , قال : ثنا يونس بن أبي إسحاق , قال : سمعت الشعبي , وسأله أبو إسحاق عن قول الله : { وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات } قال : منهن الختان يا أبا إسحاق . وقال آخرون : بل ذلك الخلال الست : الكوكب , والقمر , والشمس , والنار , والهجرة , والختان , التي ابتلي بهن فصبر عليهن . ذكر من قال ذلك : 1591 - حدثني يعقوب بن إبراهيم , قال : ثنا ابن علية , عن أبي رجاء , قال : قلت للحسن : { وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن } قال : ابتلاه بالكوكب فرضي عنه , وابتلاه بالقمر فرضي عنه , وابتلاه بالشمس فرضي عنه , وابتلاه بالنار فرضي عنه , وابتلاه بالهجرة , وابتلاه بالختان . 1592 - حدثنا بشر بن معاذ , قال : ثنا يزيد بن زريع , قال : ثنا سعيد , عن قتادة , قال : كان الحسن يقول : إي والله ابتلاه بأمر فصبر عليه , ابتلاه بالكوكب , والشمس , والقمر , فأحسن في ذلك , وعرف أن ربه دائم لا يزول , فوجه وجهه للذي فطر السموات والأرض حنيفا وما كان من المشركين , ثم ابتلاه بالهجرة فخرج من بلاده وقومه حتى لحق بالشام مهاجرا إلى الله , ثم ابتلاه بالنار قبل الهجرة فصبر على ذلك , فابتلاه الله بذبح ابنه وبالختان فصبر على ذلك . 1593 - حدثنا الحسن بن يحيى , قال : أخبرنا عبد الرزاق , قال : أخبرنا معمر , عمن سمع الحسن يقول في قوله : { وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات } قال : ابتلاه الله بذبح ولده , وبالنار , وبالكوكب , والشمس , والقمر . 1594 - حدثنا ابن بشار , قال : ثنا سلم بن قتيبة , قال : ثنا أبو هلال , عن الحسن : { وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات } قال : ابتلاه بالكوكب , وبالشمس , والقمر , فوجده صابرا . وقال آخرون بما : 1595 - حدثنا به موسى بن هارون , قال : ثنا عمرو بن حماد , قال : ثنا أسباط , عن السدي : الكلمات التي ابتلى بهن إبراهيم ربه : { ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك وأرنا مناسكنا وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم ربنا وابعث فيهم رسولا منهم } . 2 127 : 129 والصواب من القول في ذلك عندنا أن يقال : إن الله عز وجل أخبر عباده أنه اختبر إبراهيم خليله بكلمات أوحاهن إليه , وأمره أن يعمل بهن وأتمهن , كما أخبر الله جل ثناؤه عنه أنه فعل . وجائز أن تكون تلك الكلمات جميع ما ذكره من ذكرنا قوله في تأويل الكلمات , وجائز أن تكون بعضه ; لأن إبراهيم صلوات الله عليه قد كان امتحن فيما بلغنا بكل ذلك , فعمل به وقام فيه بطاعة الله وأمره الواجب عليه فيه . وإذ كان ذلك كذلك , فغير جائز لأحد أن يقول : عنى الله بالكلمات التي ابتلي بهن إبراهيم شيئا من ذلك بعينه دون شيء , ولا عنى به كل ذلك إلا بحجة يجب التسليم لها من خبر عن الرسول صلى الله عليه وسلم , أو إجماع من الحجة ; ولم يصح فيه شيء من ذلك خبر عن الرسول بنقل الواحد , ولا بنقل الجماعة التي يجب التسليم لما نقلته . غير أنه روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في نظير معنى ذلك خبران لو ثبتا , أو أحدهما , كان القول به في تأويل ذلك هو الصواب . أحدهما ما : 1596 - حدثنا به أبو كريب , قال : ثنا راشد بن سعد , قال : حدثني ريان بن فائد , عن سهل بن معاذ بن أنس , عن أبيه , قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول : " ألا أخبركم لم سمى الله إبراهيم خليله الذي وفى ؟ لأنه كان يقول كلما أصبح وكلما أمسى : { فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون } حتى يختم الآية " . والآخر منهما ما : 1597 - حدثنا به أبو كريب , قال : ثنا الحسن بن عطية . قال : ثنا إسرائيل , عن جعفر بن الزبير , عن القاسم , عن أبي أمامة , قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { وإبراهيم الذي وفى } 53 37 قال : " أتدرون ما وفى " ؟ قالوا : الله ورسوله أعلم , قال : " وفي عمل يومه أربع ركعات في النهار " . فلو كان خبر سهل بن معاذ عن أبيه صحيحا سنده . كان بينا أن الكلمات التي ابتلي بهن إبراهيم فقام بهن هو قوله كلما أصبح وأمسى : { فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون وله الحمد في السموات والأرض وعشيا وحين تظهرون } . 30 17 : 18 أو كان خبر أبي أمامة عدولا نقلته , كان معلوما أن الكلمات التي أوحين إلى إبراهيم فابتلي بالعمل بهن أن يصلي كل يوم أربع ركعات . غير أنهما خبران في أسانيدهما نظر . والصواب من القول في معنى الكلمات التي أخبر الله أنه ابتلى بهن إبراهيم ما بينا آنفا . ولو قال قائل في ذلك : إن الذي قاله مجاهد وأبو صالح والربيع بن أنس أولى بالصواب من القول الذي قاله غيرهم ; كان مذهبا , لأن قوله : { إني جاعلك للناس إماما } وقوله : { وعهدنا إلى إبراهيم وإسماعيل أن طهرا بيتي للطائفين } 2 125 وسائر الآيات التي هي نظير ذلك كالبيان عن الكلمات التي ذكر الله أنه ابتلى بهن إبراهيم .

فَأَتَمَّهُنَّ

القول في تأويل قوله تعالى : { فأتمهن } . يعني جل ثناؤه بقوله : { فأتمهن } فأتم إبراهيم الكلمات , وإتمامه إياهن إكماله إياهن بالقيام لله بما أوجب عليه فيهن وهو الوفاء الذي قال الله جل ثناؤه : { وإبراهيم الذي وفى } 53 37 يعني وفى بما عهد إليه بالكلمات , فأمره به من فرائضه ومحنه فيها . كما : 1598 - حدثني محمد بن المثنى , قال : ثنا عبد الأعلى , قال : ثنا داود , عن عكرمة , عن ابن عباس : { فأتمهن } أي فأداهن . 1599 - حدثنا بشر بن معاذ , قال : ثنا يزيد بن زريع , قال : ثنا سعيد , عن قتادة : { فأتمهن } أي عمل بهن , فأتمهن . 1600 - حدثت عن عمار , قال : حدثنا ابن أبي جعفر , عن أبيه , عن الربيع : { فأتمهن } أي عمل بهن فأتمهن .

قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا

القول في تأويل قوله تعالى : { قال إني جاعلك للناس إماما } . يعني جل ثناؤه بقوله : { إني جاعلك للناس إماما } فقال الله : يا إبراهيم إني مصيرك للناس إماما يؤتم به ويقتدى به . كما : 1601 - حدثت عن عمار , قال : ثنا ابن أبي جعفر , عن أبيه , عن الربيع : { إني جاعلك للناس إماما } ليؤتم به , ويقتدى به ; يقال منه : أممت القوم فأنا أؤمهم أما وإمامة إذا كنت إمامهم . وإنما أراد جل ثناؤه بقوله لإبراهيم : { إني جاعلك للناس إماما } إني مصيرك تؤم من بعدك من أهل الإيمان بي وبرسلي , فتقدمهم أنت , ويتبعون هديك , ويستنون بسنتك التي تعمل بها بأمري إياك ووحيي إليك .

قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي

القول في تأويل قوله تعالى : { قال ومن ذريتي } . يعني جل ثناؤه بذلك , قال إبراهيم لما رفع الله منزلته وكرمه , فأعلمه ما هو صانع به من تصييره إماما في الخيرات لمن في عصره ولمن جاء بعده من ذريته وسائر الناس غيرهم يهتدي بهديه ويقتدي بأفعاله وأخلاقه : يا رب ومن ذريتي فاجعل أئمة يقتدي بهم كالذي ) جعلتني إماما يؤتم به ويقتدى بي ! مسألة من إبراهيم ربه سأله إياها . كما : 1602 - حدثت عن عمار , قال : ثنا ابن أبي جعفر , عن أبيه , عن الربيع , قال : قال إبراهيم : { ومن ذريتي } يقول : فاجعل من ذريتي من يؤتم به ويقتدى به . وقد زعم بعض الناس أن قول إبراهيم : { ومن ذريتي } مسألة منه ربه لعقبه أن يكونوا على عهده ودينه , كما قال : { واجنبني وبني أن نعبد الأصنام } 14 35 فأخبر الله جل ثناؤه أن في عقبه الظالم المخالف له في دينه بقوله : { لا ينال عهدي الظالمين } . والظاهر من التنزيل يدل على غير الذي قاله صاحب هذه المقالة ; لأن قول إبراهيم صلوات الله عليه : { ومن ذريتي } في إثر قول الله جل ثناؤه : { إني جاعلك للناس إماما } فمعلوم أن الذي سأله إبراهيم لذريته لو كان غير الذي أخبر ربه أنه أعطاه إياه لكان مبينا ; ولكن المسألة لما كانت مما جرى ذكره , اكتفى بالذكر الذي قد مضى من تكريره وإعادته , فقال : { ومن ذريتي } بمعنى : ومن ذريتي فاجعل مثل الذي جعلتني به من الإمامة للناس .

قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ

القول في تأويل قوله تعالى : { قال لا ينال عهدي الظالمين } . هذا خبر من الله جل ثناؤه عن أن الظالم لا يكون إماما يقتدي به أهل الخير , وهو من الله جل ثناؤه جواب لما توهم في مسألته إياه أن يجعل من ذريته أئمة مثله , فأخبر أنه فاعل ذلك إلا بمن كان من أهل الظلم منهم , فإنه غير مصيره كذلك , ولا جاعله في محل أوليائه عنده بالتكرمة بالإمامة ; لأن الإمامة إنما هي لأوليائه وأهل طاعته دون أعدائه والكافرين به . واختلف أهل التأويل في العهد الذي حرم الله جل ثناؤه الظالمين أن ينالوه , فقال بعضهم : ذلك العهد هو النبوة . ذكر من قال ذلك : 1603 - حدثني موسى , قال : ثنا عمرو , قال : ثنا أسباط , عن السدي , قال : { لا ينال عهدي الظالمين } يقول : عهدي , نبوتي . فمعنى قائل هذا القول في تأويل الآية : لا ينال النبوة أهل الظلم والشرك . وقال آخرون : معنى العهد عهد الإمامة , فتأويل الآية على قولهم : لا أجعل من كان من ذريتك بأسرهم ظالما إماما لعبادي يقتدى به . ذكر من قال ذلك : 1604 - حدثني محمد بن عمرو , قال : ثنا أبو عاصم , قال : ثنا عيسى , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد : { قال لا ينال عهدي الظالمين } قال : لا يكون إمام ظالما . * حدثني المثنى , قال : ثنا أبو حذيفة , قال : ثنا شبل , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد : { قال } الله : { لا ينال عهدي الطالمين } قال : لا يكون إمام ظالما . 1605 - حدثنا المثنى , قال : ثنا أبو حذيفة , قال : ثنا شبل , عن ابن أبي نجيح , عن عكرمة بمثله . * حدثنا ابن بشار , قال : ثنا أبو عاصم , قال : ثنا سفيان , عن منصور , عن مجاهد في قوله { قال لا ينال عهدي الظالمين } قال : لا يكون إمام ظالم يقتدى به . * حدثنا أحمد بن إسحاق الأهوازي , قال : ثنا أبو أحمد الزبيري , قال : ثنا سفيان , عن منصور , عن مجاهد , مثله . * حدثنا مسروق بن أبان الحطاب , قال : ثنا وكيع , عن سفيان , عن خصيف , عن مجاهد في قوله : { لا ينال عهدي الظالمين } قال : لا أجعل إماما ظالما يقتدى به . * حدثنا محمد بن عبيد المحاربي , قال : ثنا مسلم بن خالد الزنجي , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد في قوله : { لا ينال عهدي الظالمين } قال : لا أجعل إماما ظالما يقتدى به . * حدثنا القاسم , قال : ثنا الحسين , قال : حدثني حجاج , عن ابن جريج , عن مجاهد : { لا ينال عهدي الظالمين } قال : لا يكون إماما ظالم . قال ابن جريج : وأما عطاء فإنه قال : { إني جاعلك للناس إماما قال ومن ذريتي } فأبى أن يجعل من ذريته ظالما إماما ; قلت لعطاء : ما عهده ؟ قال : أمره . وقال آخرون : معنى ذلك : أنه لا عهد عليك لظالم أن تطيعه في ظلمه . ذكر من قال ذلك : 1606 - حدثنا محمد بن سعد , قال : حدثني أبي , قال : حدثني عمي , قال : حدثني أبي , عن أبيه , عن ابن عباس قوله : { لا ينال عهدي الظالمين } يعني لا عهد لظالم عليك في ظلمه أن تطيعه فيه . * حدثني المثنى , قال : ثنا إسحاق , قال : ثنا عبد الرحمن بن عبد الله , عن إسرائيل , عن مسلم الأعور , عن مجاهد , عن ابن عباس : { قال لا ينال عهدي الظالمين } قال : ليس للظالمين عهد , وإن عاهدته فأنقضه . * حدثني القاسم , قال : ثنا الحسين , قال : حدثني حجاج , عن سفيان , عن هارون بن عنترة , عن أبيه , عن ابن عباس , قال : ليس لظالم عهد . وقال آخرون : معنى العهد في هذا الموضع : الأمان . فتأويل الكلام على معنى قولهم , قال الله : لا ينال أماني أعدائي , وأهل الظلم لعبادي ; أي لا أؤمنهم من عذابي في الآخرة . ذكر من قال ذلك : 1607 - حدثنا بشر بن معاذ , قال : ثنا يزيد بن زريع , قال : ثنا سعيد , عن قتادة : { قال لا ينال عهدي الظالمين } ذلكم عند الله يوم القيامة لا ينال عهده ظالم , فأما في الدنيا فقد نالوا عهد الله , فوارثوا به المسلمين وعادوهم وناكحوهم به , فلما كان يوم القيامة قصر الله عهده وكرامته على أوليائه . 1608 - حدثنا الحسن بن يحيى , قال : أخبرنا عبد الرزاق , قال : أخبرنا معمر , عن قتادة في قوله : { لا ينال عهدي الظالمين } قال : لا ينال عهد الله في الآخرة الظالمون , فأما في الدنيا فقد ناله الظالم وأكل به وعاش . 1609 - حدثني المثنى , قال : ثنا إسحاق , قال : ثنا عبد الرحمن , عن إسرائيل , عن منصور , عن إبراهيم : { قال لا ينال عهدي الظالمين } قال : لا ينال عهد الله في الآخرة الظالمون , فأما في الدنيا فقد ناله الظالم فأمن به وأكل وأبصر وعاش . وقال آخرون : بل العهد الذي ذكره الله في هذا الموضع : دين الله . ذكر من قال ذلك : 1610 - حدثت عن عمار , قال : ثنا ابن أبي جعفر , عن أبيه , عن الربيع , قال : قال الله لإبراهيم : { لا ينال عهدي الظالمين } فقال : فعهد الله الذي عهد إلى عباده : دينه . يقول : لا ينال دينه الظالمين , ألا ترى أنه قال : { وباركنا عليه وعلى إسحاق ومن ذريتهما محسن وظالم لنفسه مبين } 37 113 يقول : ليس كل ذريتك يا إبراهيم على الحق . 1611 - حدثني يحيى بن جعفر , قال : أخبرنا يزيد , قال : أخبرنا جويبر , عن الضحاك في قوله : { لا ينال عهدي الظالمين } قال : لا ينال عهدي عدو لي يعصيني , ولا أنحلها إلا وليا يطيعني . وهذا الكلام وإن كان ظاهره ظاهر خبر عن أنه لا ينال من ولد إبراهيم صلوات الله عليه عهد الله الذي هو النبوة والإمامة لأهل الخير , بمعنى الاقتداء به في الدنيا , والعهد الذي بالوفاء به ينجو في الآخرة , من وفى لله به في الدنيا , من كان منهم ظالما متعديا جائرا عن قصد سبيل الحق . فهو إعلام من الله تعالى ذكره لإبراهيم أن من ولده من يشرك به , ويجوز عن قصد السبيل , ويظلم نفسه وعباده . كالذي : 1612 - حدثني إسحاق بن إبراهيم بن حبيب بن الشهيد , قال : ثنا عتاب بن بشر , عن خصيف , عن مجاهد في قوله : { لا ينال عهدي الظالمين } قال : إنه سيكون في ذريتك ظالمون . وأما نصب الظالمين , فلأن العهد هو الذي لا ينال الظالمين . وذكر أنه في قراءة ابن مسعود : { لا ينال عهدي الظالمون } بمعنى أن الظالمين هم الذين لا ينالون عهد الله . وإنما جاز الرفع في الظالمين والنصب , وكذلك في العهد ; لأن كل ما نال المرء فقد ناله المرء , كما يقال : نالني خير فلان ونلت خيره , فيوجه الفعل مرة إلى الخير ومرة إلى نفسه . وقد بينا معنى الظلم فيما مضى فكرهنا إعادته .