وَقَالُوا قُلُوبُنَا غُلْفٌ القول في تأويل قوله تعالى : { وقالوا قلوبنا غلف } اختلفت القراء في قراءة ذلك , فقرأه بعضهم : { وقالوا قلوبنا غلف } مخففة اللام ساكنة , وهي قراءة عامة الأمصار في جميع الأقطار . وقرأه بعضهم : " وقالوا قلوبنا غلف " مثقلة اللام مضمومة . فأما الذين قرءوها بسكون اللام وتخفيفها , فإنهم تأولوها أنهم قالوا قلوبنا في أكنة وأغطية وغلف . والغلف على قراءة هؤلاء , جمع أغلف , وهو الذي في غلاف وغطاء ; كما يقال للرجل الذي لم يختتن : أغلف , والمرأة غلفاء , وكما يقال للسيف إذا كان في غلافه : سيف أغلف , وقوس غلفاء , وجمعها " غلف " , وكذلك جمع ما كان من النعوت ذكره على أفعل وأنثاه على فعلاء , يجمع على " فعل " مضمومة الأول ساكنة الثاني , مثل أحمر وحمر , وأصفر وصفر , فيكون ذلك جماعا للتأنيث والتذكير , ولا يجوز تثقيل عين " فعل " منه إلا في ضرورة شعر , كما قال طرفة بن العبد : أيها الفتيان في مجلسنا جردوا منها ورادا وشقر يريد : شقرا , لأن الشعر اضطره إلى تحريك ثانيه فحركه . ومنه الخبر الذي : 1238 - حدثنا ابن حميد , قال : ثنا الحكم بن بشير بن سلمان , قال : ثنا عمرو بن قيس الملائي , عن عمرو بن مرة الجملي , عن أبي البختري , عن حذيفة قال : القلوب أربعة . ثم ذكرها , فقال فيما ذكر : وقلب أغلف : معصوب عليه , فذلك قلب الكافر . ذكر من قال ذلك , يعني أنها في أغطية . 1239 - حدثنا ابن حميد , قال : ثنا سلمة , قال : حدثني ابن إسحاق , قال : حدثني محمد بن أبي محمد , عن سعيد بن جبير أو عكرمة , عن ابن عباس : { وقالوا قلوبنا غلف } أي في أكنة . * - حدثني المثنى , قال : ثنا أبو صالح , قال : ثنا معاوية بن صالح , عن أبي طلحة , عن ابن عباس قوله : { قلوبنا غلف } أي في غطاء . * - حدثني محمد بن سعد , قال : حدثني أبي , قال : حدثني عمي , قال : حدثني أبي , عن أبيه , عن ابن عباس , : { وقالوا قلوبنا غلف } فهي القلوب المطبوع عليها . 1240 - حدثني عباس بن محمد , قال : ثنا حجاج , قال : قال ابن جريج , أخبرني عبد الله بن كثير , عن مجاهد قوله : { وقالوا قلوبنا غلف } عليها غشاوة . * - حدثني المثنى , قال : ثنا أبو حذيفة , قال : ثنا شبل , قال : أخبرني عبد الله بن كثير , عن مجاهد : { وقالوا قلوبنا غلف } عليها غشاوة . 1241 - حدثنا أحمد بن إسحاق الأهوازي , قال : ثنا أبو أحمد الزبيري , قال : ثنا شريك عن الأعمش قوله : { قلوبنا غلف } قال : هي في غلف . 1242 - حدثنا بشر بن معاذ , قال : ثنا يزيد بن زريع , قال : ثنا سعيد , عن قتادة : { وقالوا قلوبنا غلف } أي لا تفقه . 1243 - حدثنا الحسن بن يحيى , قال : أخبرنا عبد الرزاق , قال : أخبرنا معمر , عن قتادة : { وقالوا قلوبنا غلف } قال : هو كقوله : { قلوبنا في أكنة } . * - حدثني المثنى , قال : ثنا إسحاق , قال : ثنا عبد الرزاق , عن معمر , عن قتادة في قوله : { قلوبنا غلف } قال : عليها طابع , قال هو كقوله : { قلوبنا في أكنة } . 1244 - حدثني المثنى , قال : ثنا آدم , قال : ثنا أبو جعفر , عن الربيع , عن أبي العالية : { قلوبنا غلف } أي لا تفقه . 1245 - حدثني موسى , قال : ثنا عمرو , قال : ثنا أسباط , عن السدي : { وقالوا قلوبنا غلف } قال : يقولون : عليها غلاف وهو الغطاء . 1246 - حدثني يونس , قال : أخبرنا ابن وهب , قال : قال ابن زيد في قوله : { قلوبنا غلف } قال : يقول قلبي في غلاف , فلا يخلص إليه مما تقول . وقرأ : { وقالوا قلوبنا في أكنة مما تدعونا إليه } . 41 5 قال أبو جعفر : وأما الذين قرءوها : " غلف " بتحريك اللام وضمها , فإنهم تأولوها أنهم قالوا : قلوبنا غلف للعلم , بمعنى أنها أوعية . قال : والغلف على تأويل هؤلاء جمع غلاف , كما يجمع الكتاب كتب , والحجاب حجب , والشهاب شهب . فمعنى الكلام على تأويل قراءة من قرأ : " غلف " بتحريك اللام وضمها : وقالت اليهود قلوبنا غلف للعلم , وأوعية له ولغيره . ذكر من قال ذلك : 1247 - حدثني عبيد بن أسباط بن محمد , قال : ثنا أبي , عن فضيل بن مرزوق , عن عطية : { وقالوا قلوبنا غلف } قال : أوعية للذكر . * - حدثني محمد بن عمارة الأسدي , قال : ثنا عبيد الله بن موسى , قال : أخبرنا فضيل , عن عطية في قوله : { قلوبنا غلف } قال : أوعية للعلم . * - حدثنا أحمد بن إسحاق الأهوازي , قال : ثنا أبو أحمد , قال : ثنا فضيل , عن عطية , مثله . 1248 - حدثت عن المنجاب , قال : ثنا بشر بن عمارة , عن أبي روق , عن الضحاك , عن ابن عباس في قوله : { وقالوا قلوبنا غلف } . قال : مملوءة علما لا تحتاج إلى محمد صلى الله عليه وسلم ولا غيره . والقراءة التي لا يجوز غيرها في قوله : { قلوبنا غلف } هي قراءة من قرأ { غلف } بتسكين اللام بمعنى أنها في أغشية وأغطية ; لاجتماع الحجة من القراء وأهل التأويل على صحتها , وشذوذ من شذ عنهم بما خالفه من قراءة ذلك بضم اللام . وقد دللنا على أن ما جاءت به الحجة متفقة عليه حجة على من بلغه , وما جاء به المنفرد فغير جائز الاعتراض به على ما جاءت به الجماعة التي تقوم بها الحجة نقلا وقولا وعملا في غير هذا الموضع , فأغنى ذلك عن إعادته في هذا المكان . بَلْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ القول في تأويل قوله تعالى : { بل لعنهم الله بكفرهم } . يعني جل ثناؤه بقوله : { بل لعنهم الله } بل أقصاهم الله وأبعدهم وطردهم وأخزاهم وأهلكهم بكفرهم وجحودهم آيات الله وبيناته , وما ابتعث به رسله , وتكذيبهم أنبياءه . فأخبر تعالى ذكره أنه أبعدهم منه ومن رحمته بما كانوا يفعلون من ذلك . وأصل اللعن : الطرد والإبعاد والإقصاء , يقال : لعن الله فلانا يلعنه لعنا وهو ملعون , ثم يصرف مفعول فيقال هو لعين ; ومنه قول الشماخ بن ضرار : ذعرت به القطا ونفيت عنه مكان الذئب كالرجل اللعين قال أبو جعفر : في قول الله تعالى ذكره : { بل لعنهم الله بكفرهم } تكذيب منه للقائلين من اليهود : { قلوبنا غلف } لأن قوله : { بل } دلالة على جحده جل ذكره , وإنكاره ما ادعوا من ذلك ; إذ كانت " بل " لا تدخل في الكلام إلا نقضا لمجحود . فإذا كان ذلك كذلك , فبين أن معنى الآية : وقالت اليهود قلوبنا في أكنة مما تدعونا إليه يا محمد . فقال الله تعالى ذكره : ما ذلك كما زعموا , ولكن الله أقصى اليهود وأبعدهم من رحمته وطردهم عنها وأخزاهم بجحودهم له ولرسله فقليلا ما يؤمنون . فَقَلِيلًا مَا يُؤْمِنُونَ القول في تأويل قوله تعالى : { فقليلا ما يؤمنون } . اختلف أهل التأويل في تأويل قوله : { فقليلا ما يؤمنون } . فقال بعضهم : معناه : فقليل منهم من يؤمن , أي لا يؤمن منهم إلا قليل . ذكر من قال ذلك : 1249 - حدثنا بشر بن معاذ , قال : ثنا يزيد بن زريع , قال : ثنا سعيد , عن قتادة قوله : { بل لعنهم الله بكفرهم فقليلا ما يؤمنون } فلعمري لمن رجع من أهل الشرك أكثر ممن رجع من أهل الكتاب , إنما آمن من أهل الكتاب رهط يسير . 1250 - حدثنا الحسن بن يحيى , قال : أخبرنا عبد الرزاق , قال : أخبرنا معمر , عن قتادة : { فقليلا ما يؤمنون } قال : لا يؤمن منهم إلا قليل . وقال آخرون : بل معنى ذلك : فلا يؤمنون إلا بقليل مما في أيديهم . ذكر من قال ذلك : 1251 - حدثنا القاسم , قال : ثنا الحسين , قال : ثنا أبو سفيان , عن معمر , عن قتادة : { فقليلا ما يؤمنون } قال : لا يؤمن منهم إلا قليل . قال معمر : وقال غيره : لا يؤمنون إلا بقليل مما في أيديهم . وأولى التأويلات في قوله : { فقليلا ما يؤمنون } بالصواب ما نحن متقنوه إن شاء الله ; وهو أن الله جل ثناؤه أخبر أنه لعن الذين وصف صفتهم في هذه الآية , ثم أخبر عنهم أنهم قليلو الإيمان بما أنزل الله إلى نبيه محمد صلى الله عليه وسلم , ولذلك نصب قوله : { فقليلا } لأنه نعت للمصدر المتروك ذكره , ومعناه : بل لعنهم الله بكفرهم فإيمانا قليلا ما يؤمنون . فقد تبين إذا بما بينا فساد القول الذي روي عن قتادة في ذلك ; لأن معنى ذلك لو كان على ما روي من أنه يعني به : فلا يؤمن منهم إلا قليل , أو فقليل منهم من يؤمن , لكان القليل مرفوعا لا منصوبا ; لأنه إذا كان ذلك تأويله كان القليل حينئذ مرافعا " ما " وإن نصب القليل , و " ما " في معنى " من " أو " الذي " بقيت " ما " لا مرافع لها , وذلك غير جائز في لغة أحد من العرب . فأما أهل العربية فإنهم اختلفوا في معنى " ما " التي في قوله : { فقليلا ما يؤمنون } فقال بعضهم : هي زائدة لا معنى لها , وإنما تأويل الكلام : فقليلا يؤمنون , كما قال جل ذكره : { فبما رحمة من الله لنت لهم } 3 159 وما أشبه ذلك . فزعم أن " ما " في ذلك زائدة , وأن معنى الكلام : فبرحمة من الله لنت لهم ; وأنشد في ذلك محتجا لقوله ذلك ببيت مهلهل : لو بأبانين جاء يخطبها خضب ما أنف خاطب بدم وزعم أنه يعني : خضب أنف خاطب بدم , وأن " ما " زائدة . وأنكر آخرون ما قاله قائل هذا القول في " ما " في الآية , وفي البيت الذي أنشده , وقالوا : إنما ذلك من المتكلم على ابتداء الكلام بالخبر عن عموم جميع الأشياء , إذ كانت " ما " كلمة تجمع كل الأشياء ثم تخص وتعم ما عمته بما تذكره بعدها . وهذا القول عندنا أولى بالصواب ; لأن زيادة " ما " لا تفيد من الكلام معنى في الكلام غير جائز إضافته إلى الله جل ثناؤه . ولعل قائلا أن يقول : هل كان للذين أخبر الله عنهم أنهم قليلا ما يؤمنون من الإيمان قليل أو كثير فيقال فيهم فقليلا ما يؤمنون ؟ قيل : إن معنى الإيمان هو التصديق , وقد كانت اليهود التي أخبر الله عنها هذا الخبر تصدق بوحدانية الله وبالبعث والثواب والعقاب , وتكفر بمحمد صلى الله عليه وسلم ونبوته , وكل ذلك كان فرضا عليهم الإيمان به لأنه في كتبهم , ومما جاءهم به موسى ; فصدقوا ببعض هو ذلك القليل من إيمانهم , وكذبوا ببعض فذلك هو الكثير الذي أخبر الله عنهم أنهم يكفرون به . وقد قال بعضهم : إنهم كانوا غير مؤمنين بشيء , وإنما قيل : { فقليلا ما يؤمنون } وهم بالجميع كافرون , كما تقول العرب : قلما رأيت مثل هذا قط , وقد روي عنها سماعا منها : مررت ببلاد قلما تنبت إلا الكراث والبصل , يعني : ما تنبت غير الكراث والبصل , وما أشبه ذلك من الكلام الذي ينطق به بوصف الشيء بالقلة , والمعنى فيه نفي جميعه .
القول في تأويل قوله تعالى : { وقالوا قلوبنا غلف } اختلفت القراء في قراءة ذلك , فقرأه بعضهم : { وقالوا قلوبنا غلف } مخففة اللام ساكنة , وهي قراءة عامة الأمصار في جميع الأقطار . وقرأه بعضهم : " وقالوا قلوبنا غلف " مثقلة اللام مضمومة . فأما الذين قرءوها بسكون اللام وتخفيفها , فإنهم تأولوها أنهم قالوا قلوبنا في أكنة وأغطية وغلف . والغلف على قراءة هؤلاء , جمع أغلف , وهو الذي في غلاف وغطاء ; كما يقال للرجل الذي لم يختتن : أغلف , والمرأة غلفاء , وكما يقال للسيف إذا كان في غلافه : سيف أغلف , وقوس غلفاء , وجمعها " غلف " , وكذلك جمع ما كان من النعوت ذكره على أفعل وأنثاه على فعلاء , يجمع على " فعل " مضمومة الأول ساكنة الثاني , مثل أحمر وحمر , وأصفر وصفر , فيكون ذلك جماعا للتأنيث والتذكير , ولا يجوز تثقيل عين " فعل " منه إلا في ضرورة شعر , كما قال طرفة بن العبد : أيها الفتيان في مجلسنا جردوا منها ورادا وشقر يريد : شقرا , لأن الشعر اضطره إلى تحريك ثانيه فحركه . ومنه الخبر الذي : 1238 - حدثنا ابن حميد , قال : ثنا الحكم بن بشير بن سلمان , قال : ثنا عمرو بن قيس الملائي , عن عمرو بن مرة الجملي , عن أبي البختري , عن حذيفة قال : القلوب أربعة . ثم ذكرها , فقال فيما ذكر : وقلب أغلف : معصوب عليه , فذلك قلب الكافر . ذكر من قال ذلك , يعني أنها في أغطية . 1239 - حدثنا ابن حميد , قال : ثنا سلمة , قال : حدثني ابن إسحاق , قال : حدثني محمد بن أبي محمد , عن سعيد بن جبير أو عكرمة , عن ابن عباس : { وقالوا قلوبنا غلف } أي في أكنة . * - حدثني المثنى , قال : ثنا أبو صالح , قال : ثنا معاوية بن صالح , عن أبي طلحة , عن ابن عباس قوله : { قلوبنا غلف } أي في غطاء . * - حدثني محمد بن سعد , قال : حدثني أبي , قال : حدثني عمي , قال : حدثني أبي , عن أبيه , عن ابن عباس , : { وقالوا قلوبنا غلف } فهي القلوب المطبوع عليها . 1240 - حدثني عباس بن محمد , قال : ثنا حجاج , قال : قال ابن جريج , أخبرني عبد الله بن كثير , عن مجاهد قوله : { وقالوا قلوبنا غلف } عليها غشاوة . * - حدثني المثنى , قال : ثنا أبو حذيفة , قال : ثنا شبل , قال : أخبرني عبد الله بن كثير , عن مجاهد : { وقالوا قلوبنا غلف } عليها غشاوة . 1241 - حدثنا أحمد بن إسحاق الأهوازي , قال : ثنا أبو أحمد الزبيري , قال : ثنا شريك عن الأعمش قوله : { قلوبنا غلف } قال : هي في غلف . 1242 - حدثنا بشر بن معاذ , قال : ثنا يزيد بن زريع , قال : ثنا سعيد , عن قتادة : { وقالوا قلوبنا غلف } أي لا تفقه . 1243 - حدثنا الحسن بن يحيى , قال : أخبرنا عبد الرزاق , قال : أخبرنا معمر , عن قتادة : { وقالوا قلوبنا غلف } قال : هو كقوله : { قلوبنا في أكنة } . * - حدثني المثنى , قال : ثنا إسحاق , قال : ثنا عبد الرزاق , عن معمر , عن قتادة في قوله : { قلوبنا غلف } قال : عليها طابع , قال هو كقوله : { قلوبنا في أكنة } . 1244 - حدثني المثنى , قال : ثنا آدم , قال : ثنا أبو جعفر , عن الربيع , عن أبي العالية : { قلوبنا غلف } أي لا تفقه . 1245 - حدثني موسى , قال : ثنا عمرو , قال : ثنا أسباط , عن السدي : { وقالوا قلوبنا غلف } قال : يقولون : عليها غلاف وهو الغطاء . 1246 - حدثني يونس , قال : أخبرنا ابن وهب , قال : قال ابن زيد في قوله : { قلوبنا غلف } قال : يقول قلبي في غلاف , فلا يخلص إليه مما تقول . وقرأ : { وقالوا قلوبنا في أكنة مما تدعونا إليه } . 41 5 قال أبو جعفر : وأما الذين قرءوها : " غلف " بتحريك اللام وضمها , فإنهم تأولوها أنهم قالوا : قلوبنا غلف للعلم , بمعنى أنها أوعية . قال : والغلف على تأويل هؤلاء جمع غلاف , كما يجمع الكتاب كتب , والحجاب حجب , والشهاب شهب . فمعنى الكلام على تأويل قراءة من قرأ : " غلف " بتحريك اللام وضمها : وقالت اليهود قلوبنا غلف للعلم , وأوعية له ولغيره . ذكر من قال ذلك : 1247 - حدثني عبيد بن أسباط بن محمد , قال : ثنا أبي , عن فضيل بن مرزوق , عن عطية : { وقالوا قلوبنا غلف } قال : أوعية للذكر . * - حدثني محمد بن عمارة الأسدي , قال : ثنا عبيد الله بن موسى , قال : أخبرنا فضيل , عن عطية في قوله : { قلوبنا غلف } قال : أوعية للعلم . * - حدثنا أحمد بن إسحاق الأهوازي , قال : ثنا أبو أحمد , قال : ثنا فضيل , عن عطية , مثله . 1248 - حدثت عن المنجاب , قال : ثنا بشر بن عمارة , عن أبي روق , عن الضحاك , عن ابن عباس في قوله : { وقالوا قلوبنا غلف } . قال : مملوءة علما لا تحتاج إلى محمد صلى الله عليه وسلم ولا غيره . والقراءة التي لا يجوز غيرها في قوله : { قلوبنا غلف } هي قراءة من قرأ { غلف } بتسكين اللام بمعنى أنها في أغشية وأغطية ; لاجتماع الحجة من القراء وأهل التأويل على صحتها , وشذوذ من شذ عنهم بما خالفه من قراءة ذلك بضم اللام . وقد دللنا على أن ما جاءت به الحجة متفقة عليه حجة على من بلغه , وما جاء به المنفرد فغير جائز الاعتراض به على ما جاءت به الجماعة التي تقوم بها الحجة نقلا وقولا وعملا في غير هذا الموضع , فأغنى ذلك عن إعادته في هذا المكان .
القول في تأويل قوله تعالى : { بل لعنهم الله بكفرهم } . يعني جل ثناؤه بقوله : { بل لعنهم الله } بل أقصاهم الله وأبعدهم وطردهم وأخزاهم وأهلكهم بكفرهم وجحودهم آيات الله وبيناته , وما ابتعث به رسله , وتكذيبهم أنبياءه . فأخبر تعالى ذكره أنه أبعدهم منه ومن رحمته بما كانوا يفعلون من ذلك . وأصل اللعن : الطرد والإبعاد والإقصاء , يقال : لعن الله فلانا يلعنه لعنا وهو ملعون , ثم يصرف مفعول فيقال هو لعين ; ومنه قول الشماخ بن ضرار : ذعرت به القطا ونفيت عنه مكان الذئب كالرجل اللعين قال أبو جعفر : في قول الله تعالى ذكره : { بل لعنهم الله بكفرهم } تكذيب منه للقائلين من اليهود : { قلوبنا غلف } لأن قوله : { بل } دلالة على جحده جل ذكره , وإنكاره ما ادعوا من ذلك ; إذ كانت " بل " لا تدخل في الكلام إلا نقضا لمجحود . فإذا كان ذلك كذلك , فبين أن معنى الآية : وقالت اليهود قلوبنا في أكنة مما تدعونا إليه يا محمد . فقال الله تعالى ذكره : ما ذلك كما زعموا , ولكن الله أقصى اليهود وأبعدهم من رحمته وطردهم عنها وأخزاهم بجحودهم له ولرسله فقليلا ما يؤمنون .
القول في تأويل قوله تعالى : { فقليلا ما يؤمنون } . اختلف أهل التأويل في تأويل قوله : { فقليلا ما يؤمنون } . فقال بعضهم : معناه : فقليل منهم من يؤمن , أي لا يؤمن منهم إلا قليل . ذكر من قال ذلك : 1249 - حدثنا بشر بن معاذ , قال : ثنا يزيد بن زريع , قال : ثنا سعيد , عن قتادة قوله : { بل لعنهم الله بكفرهم فقليلا ما يؤمنون } فلعمري لمن رجع من أهل الشرك أكثر ممن رجع من أهل الكتاب , إنما آمن من أهل الكتاب رهط يسير . 1250 - حدثنا الحسن بن يحيى , قال : أخبرنا عبد الرزاق , قال : أخبرنا معمر , عن قتادة : { فقليلا ما يؤمنون } قال : لا يؤمن منهم إلا قليل . وقال آخرون : بل معنى ذلك : فلا يؤمنون إلا بقليل مما في أيديهم . ذكر من قال ذلك : 1251 - حدثنا القاسم , قال : ثنا الحسين , قال : ثنا أبو سفيان , عن معمر , عن قتادة : { فقليلا ما يؤمنون } قال : لا يؤمن منهم إلا قليل . قال معمر : وقال غيره : لا يؤمنون إلا بقليل مما في أيديهم . وأولى التأويلات في قوله : { فقليلا ما يؤمنون } بالصواب ما نحن متقنوه إن شاء الله ; وهو أن الله جل ثناؤه أخبر أنه لعن الذين وصف صفتهم في هذه الآية , ثم أخبر عنهم أنهم قليلو الإيمان بما أنزل الله إلى نبيه محمد صلى الله عليه وسلم , ولذلك نصب قوله : { فقليلا } لأنه نعت للمصدر المتروك ذكره , ومعناه : بل لعنهم الله بكفرهم فإيمانا قليلا ما يؤمنون . فقد تبين إذا بما بينا فساد القول الذي روي عن قتادة في ذلك ; لأن معنى ذلك لو كان على ما روي من أنه يعني به : فلا يؤمن منهم إلا قليل , أو فقليل منهم من يؤمن , لكان القليل مرفوعا لا منصوبا ; لأنه إذا كان ذلك تأويله كان القليل حينئذ مرافعا " ما " وإن نصب القليل , و " ما " في معنى " من " أو " الذي " بقيت " ما " لا مرافع لها , وذلك غير جائز في لغة أحد من العرب . فأما أهل العربية فإنهم اختلفوا في معنى " ما " التي في قوله : { فقليلا ما يؤمنون } فقال بعضهم : هي زائدة لا معنى لها , وإنما تأويل الكلام : فقليلا يؤمنون , كما قال جل ذكره : { فبما رحمة من الله لنت لهم } 3 159 وما أشبه ذلك . فزعم أن " ما " في ذلك زائدة , وأن معنى الكلام : فبرحمة من الله لنت لهم ; وأنشد في ذلك محتجا لقوله ذلك ببيت مهلهل : لو بأبانين جاء يخطبها خضب ما أنف خاطب بدم وزعم أنه يعني : خضب أنف خاطب بدم , وأن " ما " زائدة . وأنكر آخرون ما قاله قائل هذا القول في " ما " في الآية , وفي البيت الذي أنشده , وقالوا : إنما ذلك من المتكلم على ابتداء الكلام بالخبر عن عموم جميع الأشياء , إذ كانت " ما " كلمة تجمع كل الأشياء ثم تخص وتعم ما عمته بما تذكره بعدها . وهذا القول عندنا أولى بالصواب ; لأن زيادة " ما " لا تفيد من الكلام معنى في الكلام غير جائز إضافته إلى الله جل ثناؤه . ولعل قائلا أن يقول : هل كان للذين أخبر الله عنهم أنهم قليلا ما يؤمنون من الإيمان قليل أو كثير فيقال فيهم فقليلا ما يؤمنون ؟ قيل : إن معنى الإيمان هو التصديق , وقد كانت اليهود التي أخبر الله عنها هذا الخبر تصدق بوحدانية الله وبالبعث والثواب والعقاب , وتكفر بمحمد صلى الله عليه وسلم ونبوته , وكل ذلك كان فرضا عليهم الإيمان به لأنه في كتبهم , ومما جاءهم به موسى ; فصدقوا ببعض هو ذلك القليل من إيمانهم , وكذبوا ببعض فذلك هو الكثير الذي أخبر الله عنهم أنهم يكفرون به . وقد قال بعضهم : إنهم كانوا غير مؤمنين بشيء , وإنما قيل : { فقليلا ما يؤمنون } وهم بالجميع كافرون , كما تقول العرب : قلما رأيت مثل هذا قط , وقد روي عنها سماعا منها : مررت ببلاد قلما تنبت إلا الكراث والبصل , يعني : ما تنبت غير الكراث والبصل , وما أشبه ذلك من الكلام الذي ينطق به بوصف الشيء بالقلة , والمعنى فيه نفي جميعه .