وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا القول في تأويل قوله تعالى : { وإذ قتلتم نفسا فادارأتم فيها } يعني بقوله جل ثناؤه : { وإذ قتلتم نفسا } واذكروا يا بني إسرائيل إذ قتلتم نفسا . والنفس التي قتلوها هي النفس التي ذكرنا قصتها في تأويل قوله , { وإذا قال موسى لقومه إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة } . وقوله : { فادارأتم فيها } يعني فاختلفتم وتنازعتم , وإنما هو " فتدارأتم فيها " على مثال تفاعلتم من الدرء , والدرء : العوج , ومنه قول أبي النجم العجلي : خشية طغام إذا هم جسر يأكل ذا الدرء ويقصي من حقر يعني ذا العوج والعسر . ومنه قول رؤبة بن العجاج : أدركتها قدام كل مدره بالدفع عني درء كل عنجه ومنه الخبر الذي : 1069 - حدثنا به أبو كريب , قال : ثنا مصعب بن المقدام , عن إسرائيل , عن إبراهيم بن المهاجر , عن مجاهد , عن السائب , قال : جاءني عثمان وزهير ابنا أمية , فاستأذنا لي على رسول الله صلى الله عليه وسلم , فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أنا أعلم به منكما , ألم تكن شريكي في الجاهلية ؟ " قلت : نعم بأبي أنت وأمي , فنعم الشريك كنت لا تماري ولا تداري " يعني بقوله : لا تداري : لا تخالف رفيقك وشريكك ولا تنازعه ولا تشاره . إنما أصل { فادارأتم } فتدارأتم , ولكن التاء قريبة من مخرج الدال , وذلك أن مخرج التاء من طرف اللسان وأصول الشفتين , ومخرج الدال من طرف اللسان وأطراف الثنيتين , فأدغمت التاء في الدال فجعلت دالا مشددة , كما قال الشاعر : تولي الضجيع إذا ما استافها خصرا عذب المذاق إذا ما اتابع القبل يريد إذا ما تتابع القبل , فأدغم إحدى التاءين في الأخرى . فلما أدغمت التاء في الدال فجعلت دالا مثلها سكنت , فجلبوا ألفا ليصلوا إلى الكلام بها , وذلك إذا كان قبله شيء ; لأن الإدغام لا يكون إلا وقبله شيء , ومنه قول الله جل ثناؤه : { حتى إذا اداركوا فيها جميعا } 7 38 إنما هو تداركوا , ولكن التاء منها أدغمت في الدال فصارت دالا مشددة , وجعلت فيها ألف إذا وصلت بكلام قبلها ليسلم الإدغام . وإذا لم يكن قبل ذلك ما يواصله , وابتدئ به , قيل : تداركوا وتثاقلوا , فأظهروا الإدغام . وقد قيل : يقال : اداركوا وادارءوا . وقد قيل إن معنى قوله : { فادارأتم فيها } فتدافعتم فيها , من قول القائل : درأت هذا الأمر عني , ومن قول الله : { ويدرأ عنها العذاب } 24 8 بمعنى يدفع عنها العذاب . وهذا قول قريب المعنى من القول الأول ; لأن القوم إنما تدافعوا قتل قتيل , فانتفى كل فريق منهم أن يكون قاتله , كما قد بينا قبل فيما مضى من كتابنا هذا . وبنحو الذي قلنا في معنى قوله : { فادارأتم فيها } قال أهل التأويل . 1070 - حدثني محمد بن عمرو , قال : ثنا أبو عاصم , قال : حدثني عيسى , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد في قول الله : { فادارأتم فيها } قال : اختلفتم فيها . * - حدثنا المثنى , قال : ثنا أبو حذيفة , قال : ثنا شبل , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد , مثله . 1071 - حدثنا القاسم , قال : ثنا الحسين , قال : حدثني حجاج , عن ابن جريج : { وإذ قتلتم نفسا فادارأتم فيها } قال بعضهم : أنتم قتلتموه , وقال الآخرون : أنتم قتلتموه . 1072 - حدثني يونس , قال : أخبرنا ابن وهب , قال : قال ابن زيد في قوله : { فادارأتم فيها } قال : اختلفتم , وهو التنازع تنازعوا فيه . قال : قال هؤلاء : أنتم قتلتموه , وقال هؤلاء : لا . وكان تدارؤهم في النفس التي قتلوها . كما : 1073 - حدثني محمد بن عمرو , قال : حدثنا أبو عاصم , عن عيسى , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد , قال : صاحب البقرة رجل من بني إسرائيل قتله رجل فألقاه على باب ناس آخرين , فجاء أولياء المقتول فادعوا دمه عندهم فانتفوا أو انتقلوا منه ; شك أبو عاصم . * - حدثني المثنى , قال : ثنا أبو حذيفة , قال : ثنا شبل , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد بمثله سواء , إلا أنه قال : فادعوا دمه عندهم , فانتفوا - ولم يشك - منه . 1074 - حدثنا بشر , قال : ثنا يزيد , قال : ثنا سعيد , عن قتادة , قال : قتيل كان في بني إسرائيل فقذف كل سبط منهم حتى تفاقم بينهم الشر حتى ترافعوا في ذلك إلى نبي الله صلى الله عليه وسلم , فأوحى إلى موسى أن اذبح بقرة فاضربه ببعضها . فذكر لنا أن وليه الذي كان يطلب بدمه هو الذي قتله من أجل ميراث كان بينهم . 1075 - حدثني ابن سعد , قال : حدثني عمي , قال : حدثني أبي , عن أبيه , عن ابن عباس في شأن البقرة : وذلك أن شيخا من بني إسرائيل على عهد موسى كان مكثرا من المال , وكان بنو أخيه فقراء لا مال لهم , وكان الشيخ لا ولد له , وكان بنو أخيه ورثته , فقالوا : ليت عمنا قد مات فورثنا ماله . وإنه لما تطاول عليهم أن لا يموت عمهم أتاهم الشيطان , فقال : هل لكم إلي أن تقتلوا عمكم فترثوا ماله , وتغرموا أهل المدينة التي لستم بها ديته ؟ وذلك أنهما كانتا مدينتين كانوا في إحداهما , فكان القتيل إذا قتل وطرح بين المدينتين , قيس ما بين القتيل وما بين المدينتين , فأيهما كانت أقرب إليه غرمت الدية . وإنهم لما سول لهم الشيطان ذلك وتطاول عليهم أن لا يموت عمهم , عمدوا إليه فقتلوه , ثم عمدوا فطرحوه على باب المدينة التي ليسوا فيها . فلما أصبح أهل المدينة جاء بنو أخي الشيخ , فقالوا : عمنا قتل على باب مدينتكم , فوالله لتغرمن لنا دية عمنا ! قال أهل المدينة : نقسم بالله ما قتلنا ولا علمنا قاتلا ولا فتحنا باب مدينتنا منذ أغلق حتى أصبحنا ! وإنهم عمدوا إلى موسى , فلما أتوا قال بنو أخي الشيخ : عمنا وجدناه مقتولا على باب مدينتهم , وقال أهل المدينة : نقسم بالله ما قتلناه ولا فتحنا باب المدينة من حين أغلقناه حتى أصبحنا . وإن جبريل جاء بأمر ربنا السميع العليم إلى موسى , فقال : قل لهم : { إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة } فتضربوه ببعضها . 1076 - حدثنا القاسم , قال : ثنا حسين , قال : حدثني حجاج , عن ابن جريج , عن مجاهد , وحجاج عن أبي معشر , عن محمد بن كعب القرظي , ومحمد بن قيس , دخل حديث بعضهم في حديث بعض , قالوا : إن سبطا من بني إسرائيل لما رأوا كثرة شرور الناس بنوا مدينة فاعتزلوا شرور الناس , فكانوا إذا أمسوا لم يتركوا أحدا منهم خارجا إلا أدخلوه , وإذا أصبحوا قام رئيسهم فنظر وتشرف فإذا لم ير شيئا فتح المدينة فكانوا مع الناس حتى يمسوا . وكان رجل من بني إسرائيل له مال كثير , ولم يكن له وارث غير ابن أخيه , فطال عليه حياته , فقتله ليرثه . ثم حمله فوضعه على باب المدينة . ثم كمن في مكان هو وأصحابه , قال : فتشرف رئيس المدينة على باب المدينة فنظر فلم ير شيئا , ففتح الباب , فلما رأى القتيل رد الباب فناداه ابن أخي المقتول وأصحابه : هيهات قتلتموه ثم تردون الباب ! وكان موسى لما رأى القتل كثيرا في أصحابه بني إسرائيل كان إذا رأى القتيل بين ظهري القوم آخذهم , فكاد يكون بين أخي المقتول وبين أهل المدينة قتال ; حتى لبس الفريقان السلاح , ثم كف بعضهم عن بعض , فأتوا موسى فذكروا له شأنهم فقالوا : يا رسول الله إن هؤلاء قتلوا قتيلا ثم ردوا الباب , وقال أهل المدينة : يا رسول الله قد عرفت اعتزالنا الشرور وبنينا مدينة كما رأيت نعتزل شرور الناس ما قتلنا ولا علمنا قاتلا . فأوحى الله تعالى ذكره إليه أن يذبحوا بقرة , فقال لهم موسى : { إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة } . 1077 - حدثني المثنى , قال : ثنا آدم , قال : ثنا أبو جعفر , عن هشام بن حسان , عن محمد بن سيرين , عن عبيدة , قال : كان في بني إسرائيل رجل عقيم وله مال كثير , فقتله ابن أخ له فجره فألقاه على باب ناس آخرين . ثم أصبحوا فادعاه عليهم حتى تسلح هؤلاء وهؤلاء , فأرادوا أن يقتتلوا , فقال ذوو النهى منهم : أتقتتلون وفيكم نبي الله ! فأمسكوا حتى أتوا موسى , فقصوا عليه القصة , فأمرهم أن يذبحوا بقرة فيضربوه ببعضها , فقالوا : { أتتخذنا هزوا قال أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين } 1078 - حدثني يونس , قال : أخبرنا ابن وهب , قال : قال ابن زيد : قتيل من بني إسرائيل طرح في سبط من الأسباط , فأتى أهل ذلك السبط إلى ذلك السبط , فقالوا : أنتم والله قتلتم صاحبنا , فقالوا : لا والله . فأتوا إلى موسى فقالوا : هذا قتيلنا بين أظهرهم , وهم والله قتلوه , فقالوا : لا والله يا نبي الله طرح علينا . فقال لهم موسى صلى الله عليه وسلم : { إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة } . قال أبو جعفر : فكان اختلافهم وتنازعهم وخصامهم بينهم في أمر القتيل الذي ذكرنا أمره على ما روينا من علمائنا من أهل التأويل هو الدرء الذي قال الله جل ثناؤه لذريتهم وبقايا أولادهم : { فادارأتم فيها والله مخرج ما كنتم تكتمون } . وَاللَّهُ مُخْرِجٌ مَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ القول في تأويل قوله تعالى : { والله مخرج ما كنتم تكتمون } . ويعني بقوله : { والله مخرج ما كنتم تكتمون } والله معلن ما كنتم تسرونه من قتل القتيل الذي قتلتم ثم ادارأتم فيه . ومعنى الإخراج في هذا الموضع : الإظهار والإعلان لمن خفي ذلك عنه وإطلاعهم عليه , كما قال الله تعالى ذكره : { ألا يسجدوا لله الذي يخرج الخبء في السموات الأرض } 27 25 يعني بذلك : يظهره ويطلعه من مخبئه بعد خفائه . والذي كانوا يكتمونه فأخرجه هو قتل القاتل القتيل , كما كتم ذلك القاتل ومن علمه ممن شايعه على ذلك حتى أظهره الله وأخرجه , فأعلن أمره لمن لا يعلم أمره . وعنى جل ثناؤه بقوله : { تكتمون } تسرون وتغيبون . كما : 1079 - حدثنا محمد بن عمرو , قال : ثنا أبو عاصم , قال : ثنا عيسى , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد في قول الله : { والله مخرج ما كنتم تكتمون } قال : تغيبون . 1080 - حدثني المثنى , قال : ثنا أبو حذيفة , قال : ثنا شيل , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد : { ما كنتم تكتمون } ما كنتم تغيبون .
القول في تأويل قوله تعالى : { وإذ قتلتم نفسا فادارأتم فيها } يعني بقوله جل ثناؤه : { وإذ قتلتم نفسا } واذكروا يا بني إسرائيل إذ قتلتم نفسا . والنفس التي قتلوها هي النفس التي ذكرنا قصتها في تأويل قوله , { وإذا قال موسى لقومه إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة } . وقوله : { فادارأتم فيها } يعني فاختلفتم وتنازعتم , وإنما هو " فتدارأتم فيها " على مثال تفاعلتم من الدرء , والدرء : العوج , ومنه قول أبي النجم العجلي : خشية طغام إذا هم جسر يأكل ذا الدرء ويقصي من حقر يعني ذا العوج والعسر . ومنه قول رؤبة بن العجاج : أدركتها قدام كل مدره بالدفع عني درء كل عنجه ومنه الخبر الذي : 1069 - حدثنا به أبو كريب , قال : ثنا مصعب بن المقدام , عن إسرائيل , عن إبراهيم بن المهاجر , عن مجاهد , عن السائب , قال : جاءني عثمان وزهير ابنا أمية , فاستأذنا لي على رسول الله صلى الله عليه وسلم , فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أنا أعلم به منكما , ألم تكن شريكي في الجاهلية ؟ " قلت : نعم بأبي أنت وأمي , فنعم الشريك كنت لا تماري ولا تداري " يعني بقوله : لا تداري : لا تخالف رفيقك وشريكك ولا تنازعه ولا تشاره . إنما أصل { فادارأتم } فتدارأتم , ولكن التاء قريبة من مخرج الدال , وذلك أن مخرج التاء من طرف اللسان وأصول الشفتين , ومخرج الدال من طرف اللسان وأطراف الثنيتين , فأدغمت التاء في الدال فجعلت دالا مشددة , كما قال الشاعر : تولي الضجيع إذا ما استافها خصرا عذب المذاق إذا ما اتابع القبل يريد إذا ما تتابع القبل , فأدغم إحدى التاءين في الأخرى . فلما أدغمت التاء في الدال فجعلت دالا مثلها سكنت , فجلبوا ألفا ليصلوا إلى الكلام بها , وذلك إذا كان قبله شيء ; لأن الإدغام لا يكون إلا وقبله شيء , ومنه قول الله جل ثناؤه : { حتى إذا اداركوا فيها جميعا } 7 38 إنما هو تداركوا , ولكن التاء منها أدغمت في الدال فصارت دالا مشددة , وجعلت فيها ألف إذا وصلت بكلام قبلها ليسلم الإدغام . وإذا لم يكن قبل ذلك ما يواصله , وابتدئ به , قيل : تداركوا وتثاقلوا , فأظهروا الإدغام . وقد قيل : يقال : اداركوا وادارءوا . وقد قيل إن معنى قوله : { فادارأتم فيها } فتدافعتم فيها , من قول القائل : درأت هذا الأمر عني , ومن قول الله : { ويدرأ عنها العذاب } 24 8 بمعنى يدفع عنها العذاب . وهذا قول قريب المعنى من القول الأول ; لأن القوم إنما تدافعوا قتل قتيل , فانتفى كل فريق منهم أن يكون قاتله , كما قد بينا قبل فيما مضى من كتابنا هذا . وبنحو الذي قلنا في معنى قوله : { فادارأتم فيها } قال أهل التأويل . 1070 - حدثني محمد بن عمرو , قال : ثنا أبو عاصم , قال : حدثني عيسى , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد في قول الله : { فادارأتم فيها } قال : اختلفتم فيها . * - حدثنا المثنى , قال : ثنا أبو حذيفة , قال : ثنا شبل , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد , مثله . 1071 - حدثنا القاسم , قال : ثنا الحسين , قال : حدثني حجاج , عن ابن جريج : { وإذ قتلتم نفسا فادارأتم فيها } قال بعضهم : أنتم قتلتموه , وقال الآخرون : أنتم قتلتموه . 1072 - حدثني يونس , قال : أخبرنا ابن وهب , قال : قال ابن زيد في قوله : { فادارأتم فيها } قال : اختلفتم , وهو التنازع تنازعوا فيه . قال : قال هؤلاء : أنتم قتلتموه , وقال هؤلاء : لا . وكان تدارؤهم في النفس التي قتلوها . كما : 1073 - حدثني محمد بن عمرو , قال : حدثنا أبو عاصم , عن عيسى , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد , قال : صاحب البقرة رجل من بني إسرائيل قتله رجل فألقاه على باب ناس آخرين , فجاء أولياء المقتول فادعوا دمه عندهم فانتفوا أو انتقلوا منه ; شك أبو عاصم . * - حدثني المثنى , قال : ثنا أبو حذيفة , قال : ثنا شبل , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد بمثله سواء , إلا أنه قال : فادعوا دمه عندهم , فانتفوا - ولم يشك - منه . 1074 - حدثنا بشر , قال : ثنا يزيد , قال : ثنا سعيد , عن قتادة , قال : قتيل كان في بني إسرائيل فقذف كل سبط منهم حتى تفاقم بينهم الشر حتى ترافعوا في ذلك إلى نبي الله صلى الله عليه وسلم , فأوحى إلى موسى أن اذبح بقرة فاضربه ببعضها . فذكر لنا أن وليه الذي كان يطلب بدمه هو الذي قتله من أجل ميراث كان بينهم . 1075 - حدثني ابن سعد , قال : حدثني عمي , قال : حدثني أبي , عن أبيه , عن ابن عباس في شأن البقرة : وذلك أن شيخا من بني إسرائيل على عهد موسى كان مكثرا من المال , وكان بنو أخيه فقراء لا مال لهم , وكان الشيخ لا ولد له , وكان بنو أخيه ورثته , فقالوا : ليت عمنا قد مات فورثنا ماله . وإنه لما تطاول عليهم أن لا يموت عمهم أتاهم الشيطان , فقال : هل لكم إلي أن تقتلوا عمكم فترثوا ماله , وتغرموا أهل المدينة التي لستم بها ديته ؟ وذلك أنهما كانتا مدينتين كانوا في إحداهما , فكان القتيل إذا قتل وطرح بين المدينتين , قيس ما بين القتيل وما بين المدينتين , فأيهما كانت أقرب إليه غرمت الدية . وإنهم لما سول لهم الشيطان ذلك وتطاول عليهم أن لا يموت عمهم , عمدوا إليه فقتلوه , ثم عمدوا فطرحوه على باب المدينة التي ليسوا فيها . فلما أصبح أهل المدينة جاء بنو أخي الشيخ , فقالوا : عمنا قتل على باب مدينتكم , فوالله لتغرمن لنا دية عمنا ! قال أهل المدينة : نقسم بالله ما قتلنا ولا علمنا قاتلا ولا فتحنا باب مدينتنا منذ أغلق حتى أصبحنا ! وإنهم عمدوا إلى موسى , فلما أتوا قال بنو أخي الشيخ : عمنا وجدناه مقتولا على باب مدينتهم , وقال أهل المدينة : نقسم بالله ما قتلناه ولا فتحنا باب المدينة من حين أغلقناه حتى أصبحنا . وإن جبريل جاء بأمر ربنا السميع العليم إلى موسى , فقال : قل لهم : { إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة } فتضربوه ببعضها . 1076 - حدثنا القاسم , قال : ثنا حسين , قال : حدثني حجاج , عن ابن جريج , عن مجاهد , وحجاج عن أبي معشر , عن محمد بن كعب القرظي , ومحمد بن قيس , دخل حديث بعضهم في حديث بعض , قالوا : إن سبطا من بني إسرائيل لما رأوا كثرة شرور الناس بنوا مدينة فاعتزلوا شرور الناس , فكانوا إذا أمسوا لم يتركوا أحدا منهم خارجا إلا أدخلوه , وإذا أصبحوا قام رئيسهم فنظر وتشرف فإذا لم ير شيئا فتح المدينة فكانوا مع الناس حتى يمسوا . وكان رجل من بني إسرائيل له مال كثير , ولم يكن له وارث غير ابن أخيه , فطال عليه حياته , فقتله ليرثه . ثم حمله فوضعه على باب المدينة . ثم كمن في مكان هو وأصحابه , قال : فتشرف رئيس المدينة على باب المدينة فنظر فلم ير شيئا , ففتح الباب , فلما رأى القتيل رد الباب فناداه ابن أخي المقتول وأصحابه : هيهات قتلتموه ثم تردون الباب ! وكان موسى لما رأى القتل كثيرا في أصحابه بني إسرائيل كان إذا رأى القتيل بين ظهري القوم آخذهم , فكاد يكون بين أخي المقتول وبين أهل المدينة قتال ; حتى لبس الفريقان السلاح , ثم كف بعضهم عن بعض , فأتوا موسى فذكروا له شأنهم فقالوا : يا رسول الله إن هؤلاء قتلوا قتيلا ثم ردوا الباب , وقال أهل المدينة : يا رسول الله قد عرفت اعتزالنا الشرور وبنينا مدينة كما رأيت نعتزل شرور الناس ما قتلنا ولا علمنا قاتلا . فأوحى الله تعالى ذكره إليه أن يذبحوا بقرة , فقال لهم موسى : { إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة } . 1077 - حدثني المثنى , قال : ثنا آدم , قال : ثنا أبو جعفر , عن هشام بن حسان , عن محمد بن سيرين , عن عبيدة , قال : كان في بني إسرائيل رجل عقيم وله مال كثير , فقتله ابن أخ له فجره فألقاه على باب ناس آخرين . ثم أصبحوا فادعاه عليهم حتى تسلح هؤلاء وهؤلاء , فأرادوا أن يقتتلوا , فقال ذوو النهى منهم : أتقتتلون وفيكم نبي الله ! فأمسكوا حتى أتوا موسى , فقصوا عليه القصة , فأمرهم أن يذبحوا بقرة فيضربوه ببعضها , فقالوا : { أتتخذنا هزوا قال أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين } 1078 - حدثني يونس , قال : أخبرنا ابن وهب , قال : قال ابن زيد : قتيل من بني إسرائيل طرح في سبط من الأسباط , فأتى أهل ذلك السبط إلى ذلك السبط , فقالوا : أنتم والله قتلتم صاحبنا , فقالوا : لا والله . فأتوا إلى موسى فقالوا : هذا قتيلنا بين أظهرهم , وهم والله قتلوه , فقالوا : لا والله يا نبي الله طرح علينا . فقال لهم موسى صلى الله عليه وسلم : { إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة } . قال أبو جعفر : فكان اختلافهم وتنازعهم وخصامهم بينهم في أمر القتيل الذي ذكرنا أمره على ما روينا من علمائنا من أهل التأويل هو الدرء الذي قال الله جل ثناؤه لذريتهم وبقايا أولادهم : { فادارأتم فيها والله مخرج ما كنتم تكتمون } .
القول في تأويل قوله تعالى : { والله مخرج ما كنتم تكتمون } . ويعني بقوله : { والله مخرج ما كنتم تكتمون } والله معلن ما كنتم تسرونه من قتل القتيل الذي قتلتم ثم ادارأتم فيه . ومعنى الإخراج في هذا الموضع : الإظهار والإعلان لمن خفي ذلك عنه وإطلاعهم عليه , كما قال الله تعالى ذكره : { ألا يسجدوا لله الذي يخرج الخبء في السموات الأرض } 27 25 يعني بذلك : يظهره ويطلعه من مخبئه بعد خفائه . والذي كانوا يكتمونه فأخرجه هو قتل القاتل القتيل , كما كتم ذلك القاتل ومن علمه ممن شايعه على ذلك حتى أظهره الله وأخرجه , فأعلن أمره لمن لا يعلم أمره . وعنى جل ثناؤه بقوله : { تكتمون } تسرون وتغيبون . كما : 1079 - حدثنا محمد بن عمرو , قال : ثنا أبو عاصم , قال : ثنا عيسى , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد في قول الله : { والله مخرج ما كنتم تكتمون } قال : تغيبون . 1080 - حدثني المثنى , قال : ثنا أبو حذيفة , قال : ثنا شيل , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد : { ما كنتم تكتمون } ما كنتم تغيبون .