تفسير بن كثير - سورة البقرة - الأية 58

الناقل : elmasry | المصدر : quran.al-islam.com

وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ

القول في تأويل قوله تعالى : { وإذ قلنا ادخلوا هذه القرية } والقرية التي أمرهم الله جل ثناؤه أن يدخلوها , فيأكلوا منها رغدا حيث شاءوا فيما ذكر لنا : بيت المقدس . ذكر الرواية بذلك : 837 - حدثنا الحسن بن يحيى , قال : أنبأنا عبد الرزاق , قال : أنبأنا معمر , عن قتادة في قوله : { ادخلوا هذه القرية } قال : بيت المقدس . 838 - حدثني موسى بن هارون , قال : حدثني عمرو بن حماد , قال : ثنا أسباط , عن السدي : { وإذ قلنا ادخلوا هذه القرية } أما القرية فقرية بيت المقدس . 839 - حدثنا عن عمار بن الحسن , قال : ثنا عبد الله بن أبي جعفر , عن أبيه , عن الربيع : { وإذ قلنا ادخلوا هذه القرية } يعني بيت المقدس . 840 - حدثني يونس , قال : أخبرنا ابن وهب , قال : سألته يعني ابن زيد عن قوله : { ادخلوا هذه القرية فكلوا منها } قال : هي أريحا , وهي قرية من بيت المقدس .

فَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَدًا

القول في تأويل قوله تعالى : { فكلوا منها حيث شئتم رغدا } يعني بذلك : فكلوا من هذه القرية حيث شئتم عيشا هنيا واسعا بغير حساب . وقد بينا معنى الرغد فيما مضى من كتابنا , وذكرنا أقوال أهل التأويل فيه .

وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا

القول في تأويل قوله تعالى : { وادخلوا الباب سجدا } أما الباب الذي أمروا أن يدخلوه , فإنه قيل : هو باب الحطة من بيت المقدس . ذكر من قال ذلك : 841 - حدثني محمد بن عمرو الباهلي , قال : ثنا أبو عاصم , قال : ثنا عيسى , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد : { ادخلوا الباب سجدا } قال : باب الحطة من باب إيلياء من بيت المقدس . * حدثني المثنى , قال : ثنا أبو حذيفة , قال : ثنا شبل , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد , مثله . 842 - حدثني موسى بن هارون , قال : ثنا عمرو بن حماد , قال : ثنا أسباط , عن السدي : { وادخلوا الباب سجدا } أما الباب فباب من أبواب بيت المقدس . 843 - حدثني محمد بن سعد , قال : حدثني أبي , قال : حدثني عمي , قال حدثني أبي عن أبيه , عن ابن عباس قوله : { وادخلوا الباب سجدا } أنه أحد أبواب بيت المقدس , وهو يدعى باب حطة . وأما قوله : { سجدا } فإن ابن عباس كان يتأوله بمعنى الركع . 844 - حدثني محمد بن بشار , قال : ثنا أبو أحمد الزبيري , قال : ثنا سفيان عن الأعمش , عن المنهال بن عمرو , عن سعيد بن جبير , عن ابن عباس في قوله : { ادخلوا الباب سجدا } قال : ركعا من باب صغير . * حدثنا الحسن بن الزبرقان النخعي , قال : ثنا أبو أسامة , عن سفيان , عن الأعمش , عن المنهال , عن سعيد , عن ابن عباس . في قوله : { ادخلوا الباب سجدا } قال : أمروا أن يدخلوا ركعا . وأصل السجود : الانحناء لمن سجد له معظما بذلك , فكل منحن لشيء تعظيما له فهو ساجد , ومنه قول الشاعر : بجمع تضل البلق في حجراته ترى الأكم فيه سجدا للحوافر يعني بقوله : سجدا : خاشعة خاضعة . ومن ذلك قول أعشى بني قيس بن ثعلبة : يراوح من صلوات المليك طورا سجودا وطورا جؤارا فذلك تأويل ابن عباس قوله : { سجدا } ركعا , لأن الراكع منحن , وإن كان الساجد أشد انحناء منه .

وَقُولُوا حِطَّةٌ

القول في تأويل قوله تعالى : { وقولوا حطة } وتأويل قوله : { حطة } : فعلة , من قول القائل : حط الله عنك خطاياك فهو يحطها حطة , بمنزلة الردة والحدة والمدة من رددت وحددت ومددت . واختلف أهل التأويل في تأويله , فقال بعضهم بنحو الذي قلنا في ذلك . ذكر من قال ذلك منهم : 845 - حدثنا الحسن بن يحيى , قال : أخبرنا عبد الرزاق , قال أنا معمر : { وقولوا حطة } قال الحسن وقتادة : أي احطط عنا خطايانا . 846 - حدثنا يونس , قال : أخبرنا ابن وهب , قال : قال ابن زيد : { وقولوا حطة } : يحط الله بها عنكم ذنبكم وخطاياكم . 847 - حدثنا القاسم بن الحسن , قال : ثنا الحسين , قال : حدثني حجاج , قال : قال ابن جريج , قال ابن عباس : { قولوا حطة } قال : يحط عنكم خطاياكم . 848 - حدثنا أبو كريب , قال : حدثنا وكيع , عن سفيان , عن الأعمش , عن المنهال بن عمرو , عن سعيد بن جبير , عن ابن عباس قوله : { حطة } : مغفرة . 849 - حدثت عن عمار بن الحسن , قال : حدثنا ابن أبي جعفر , عن أبيه , عن الربيع قوله : { حطة } قال : يحط عنكم خطاياكم . 850 - حدثنا القاسم , قال : حدثنا الحسين , قال : أخبرني حجاج , عن ابن جريج , قال : قال لي عطاء في قوله : { وقولوا حطة } قال : سمعنا أنه يحط عنهم خطاياهم . وقال آخرون : معنى ذلك : قولوا لا إله إلا الله . كأنهم وجهوا تأويله : قولوا الذي يحط عنكم خطاياكم , وهو قول لا إله إلا الله . ذكر من قال ذلك : 851 - حدثني المثنى وسعد بن عبد الله بن عبد الحكم المصري , قالا : أخبرنا حفص بن عمر , ثنا الحكم بن أبان , عن عكرمة : { وقولوا حطة } قال : قولوا لا إله إلا الله . وقال آخرون بمثل معنى قول عكرمة , إلا أنهم جعلوا القول الذي أمروا بقيله الاستغفار . ذكر من قال ذلك : 852 - حدثنا الحسن بن الزبرقان النخعي , ثنا أبو أسامة , عن سفيان , عن الأعمش , عن المنهال , عن سعيد بن جبير , عن ابن عباس : { وقولوا حطة } قال : أمروا أن يستغفروا . وقال آخرون نظير قول عكرمة , إلا أنهم قالوا القول الذي أمروا أن يقولوه هو أن يقولوا هذا الأمر حق كما قيل لكم . ذكر من قال ذلك : 853 - حدثنا عن المنجاب , قال : ثنا بشر , عن أبي روق , عن الضحاك , عن ابن عباس في قوله : { وقولوا حطة } قال : قولوا هذا الأمر حق كما قيل لكم . واختلف أهل العربية في المعنى الذي من أجله رفعت الحطة , فقال بعض نحويي البصرة : رفعت الحطة بمعنى " قولوا " ليكن منكم حطة لذنوبنا , كما تقول للرجل سمعك . وقال آخرون منهم : هي كلمة أمرهم الله أن يقولوها مرفوعة , وفرض عليهم قيلها كذلك . وقال بعض نحويي الكوفيين : رفعت الحطة بضمير " هذه " , كأنه قال : وقولوا هذه حطة . وقال آخرون منهم : هي مرفوعة بضمير معناه الخبر , كأنه قال : قولوا ما هو حطة , فتكون حطة حينئذ خبرا ل " وما " . والذي هو أقرب عندي في ذلك إلى الصواب وأشبه بظاهر الكتاب , أن يكون رفع حطة بنية خبر محذوف قد دل عليه ظاهر التلاوة , وهو دخولنا الباب سجدا حطة , فكفى من تكريره بهذا اللفظ ما دل عليه الظاهر من التنزيل , وهو قوله : { وادخلوا الباب سجدا } كما قال جل ثناؤه : { وإذ قالت أمة منهم لم تعظون قوما الله مهلكهم أو معذبهم عذابا شديدا قالوا معذرة إلى ربكم } 7 164 يعني موعظتنا إياهم معذرة إلى ربكم . فكذلك عندي تأويل قوله : { وقولوا حطة } يعني بذلك : { وإذ قلنا ادخلوا هذه القرية . . . وادخلوا الباب سجدا وقولوا } دخولنا ذلك سجدا { حطة } لذنوبنا , وهذا القول على نحو تأويل الربيع بن أنس وابن جريج وابن زيد الذي ذكرناه آنفا . وأما على تأويل قول عكرمة , فإن الواجب أن تكون القراءة بالنصب في " حطة " , لأن القوم إن كانوا أمروا أن يقولوا : لا إله إلا الله , أو أن يقولوا : نستغفر الله , فقد قيل لهم : قولوا هذا القول , ف " قولوا " واقع حينئذ على الحطة , لأن الحطة على قول عكرمة هي قول لا إله إلا الله , وإذ كانت هي قول لا إله إلا الله , فالقول عليها واقع , كما لو أمر رجل رجلا بقول الخير , فقال له : " قل خيرا " نصبا , ولم يكن صوابا أن يقول له " قل خير " إلا على استكراه شديد . وفي إجماع القراء على رفع " الحطة " بيان واضح على خلاف الذي قاله عكرمة من التأويل في قوله : { وقولوا حطة } . وكذلك الواجب على التأويل الذي رويناه عن الحسن وقتادة في قوله : { وقولوا حطة } أن تكون القراءة في " حطة " نصبا , لأن من شأن العرب إذا وضعوا المصادر مواضع الأفعال وحذفوا الأفعال أن ينصبوا المصادر , كما قال الشاعر : أبيدوا بأيدي عصبة وسيوفهم على أمهات الهام ضربا شآميا وكقول القائل للرجل : سمعا وطاعة , بمعنى : أسمع سمعا وأطيع طاعة , وكما قال جل ثناؤه : { معاذ الله } 12 23 بمعنى نعوذ بالله.

نَغْفِرْ لَكُمْ

القول في تأويل قوله تعالى : { نغفر لكم } يعني بقوله : { نغفر لكم } نتغمد لكم بالرحمة خطاياكم ونسترها عليكم , فلا نفضحكم بالعقوبة عليها . وأصل الغفر : التغطية والستر , فكل ساتر شيئا فهو غافره . ومن ذلك قيل للبيضة من الحديد التي تتخذ جنة للرأس " مغفر " , لأنها تغطي الرأس وتجنه , ومثله غمد السيف , وهو ما يغمده فيواريه ; ولذلك قيل لزئبر الثوب " عفرة " , لتغطيته الثوب , وحوله بين الناظر والنظر إليها . ومنه قول أوس بن حجر : فلا أعتب ابن العم إن كان جاهلا وأغفر عنه الجهل إن كان أجهلا يعني بقوله : وأغفر عنه الجهل : أستر عليه جهله بحلمي عنه .

خَطَايَاكُمْ

القول في تأويل قوله تعالى : { خطاياكم } والخطايا جمع خطية بغير همز كما المطايا جمع مطية , والحشايا جمع حشية . وإنما ترك جمع الخطايا بالهمز , لأن ترك الهمز في خطيئة أكثر من الهمز , فجمع على خطايا , على أن واحدتها غير مهموزة . ولو كانت الخطايا مجموعة على خطيئة بالهمز لقيل خطائي على مثل قبيلة وقبائل , وصحيفة وصحائف . وقد تجمع خطيئة بالتاء فيهمز فيقال خطيئات , والخطيئة فعيلة من خطئ الرجل يخطأ خطئا , وذلك إذا عدل عن سبيل الحق . ومنه قول الشاعر : وإن مهاجرين تكنفاه لعمر الله قد خطئا وخابا يعني أضلا الحق وأثما .

وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ

القول في تأويل قوله تعالى : { وسنزيد المحسنين } وتأويل ذلك ما روي لنا عن ابن عباس , وهو ما : 854 - حدثنا به القاسم بن الحسن , قال ثنا الحسين , قال : حدثني حجاج , قال : قال ابن جريج , قال ابن عباس : { وسنزيد المحسنين } : من كان منكم محسنا زيد في إحسانه , ومن كان مخطئا نغفر له خطيئته . فتأويل الآية : وإذ قلنا ادخلوا هذه القرية مباحا لكم كل ما فيها من الطيبات , موسعا عليكم بغير حساب , وادخلوا الباب سجدا , وقولوا : سجودنا هذا لله حطة من ربنا لذنوبنا يحط به آثامنا , نتغمد لكم ذنوب المذنب منكم فنسترها عليه , ونحط أوزاره عنه , وسنزيد المحسنين منكم إلى إحساننا السالف عنده إحسانا . ثم أخبر الله جل ثناؤه عن عظيم جهالتهم , وسوء طاعتهم ربهم وعصيانهم لأنبيائهم واستهزائهم برسله , مع عظيم آلاء الله عز وجل عندهم , وعجائب ما أداهم من آياتهم عبرة , موبخا بذلك أبناءهم الذين خوطبوا بهذه الآيات , ومعلمهم أنهم إن تعدوا في تكذيبهم محمدا صلى الله عليه وسلم وجحودهم نبوته مع عظيم إحسان الله بمبعثه فيهم إليهم , وعجائب ما أظهر على يده من الحجج بين أظهرهم , أن يكونوا كأسلافهم الذين وصف صفتهم . وقص علينا أنباءهم في هذه الآيات , فقال جل ثناؤه : { فبدل الذين ظلموا قولا غير الذي قيل لهم فأنزلنا على الذين ظلموا رجزا من السماء } الآية .