وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا القول في تأويل قوله تعالى : { وإذ قال موسى لقومه يا قوم إنكم ظلمتم أنفسكم } تأويل ذلك اذكروا أيضا إذ قال موسى لقومه من بني إسرائيل : يا قوم إنكم ظلمتم أنفسكم . وظلمهم إياها كان فعلهم بها ما لم يكن لهم أن يفعلوه بها مما أوجب لهم العقوبة من الله تعالى , وكذلك كل فاعل فعلا يستوجب به العقوبة من الله تعالى فهو ظالم لنفسه بإيجابه العقوبة لها من الله تعالى . وكان الفعل الذي فعلوه فظلموا به أنفسهم , هو ما أخبر الله عنهم من ارتدادهم باتخاذهم العجل ربا بعد فراق موسى إياهم , ثم أمرهم موسى بالمراجعة من ذنبهم والإنابة إلى الله من ردتهم بالتوبة إليه , والتسليم لطاعته فيما أمرهم به وأخبرهم أن توبتهم من الذنب الذي ركبوه قتلهم أنفسهم . وقد دللنا فيما مضى على أن معنى التوبة : الأوبة مما يكرهه الله إلى ما يرضاه من طاعته . فاستجاب القوم لما أمرهم به موسى من التوبة مما ركبوا من ذنوبهم إلى ربهم على ما أمرهم به . كما : 784 - حدثنا محمد بن المثنى , قال : حدثنا محمد بن جعفر , قال . حدثنا شعبة , عن أبي إسحاق , عن أبي عبد الرحمن , أنه قال في هذه الآية : { فاقتلوا أنفسكم } قال : عمدوا إلى الخناجر , فجعل يطعن بعضهم بعضا . 785 - حدثني عباس بن محمد , قال : حدثنا حجاج بن محمد , قال ابن جريج , أخبر في القاسم بن أبي بزة أنه سمع سعيد بن جبير ومجاهدا قالا : قام بعضهم إلى بعض بالخناجر يقتل بعضهم بعضا لا يحن رجل على رجل قريب ولا بعيد , حتى ألوى موسى بثوبه , فطرحوا ما بأيديهم , فتكشف عن سبعين ألف قتيل , وإن الله أوحى إلى موسى أن حسبي قد اكتفيت , فذلك حين ألوى بثوبه . 786 - حدثني عبد الكريم بن الهيثم , قال : حدثنا إبراهيم بن بشار , قال : حدثنا سفيان بن عينة , قال : قال أبو سعيد , عن عكرمة , عن ابن عباس , قال : قال موسى لقومه : { توبوا إلى بارئكم فاقتلوا أنفسكم ذلكم خير لكم عند بارئكم فتاب عليكم إنه هو التواب الرحيم } قال : أمر موسى قومه عن أمر ربه عز وجل أن يقتلوا أنفسهم , قال : فاحتبى الذين عكفوا على العجل فجلسوا , وقام الذين لم يعكفوا على العجل وأخذوا الخناجر بأيديهم وأصابتهم ظلمة شديدة , فجعل يقتل بعضهم بعضا . فانجلت الظلمة عنهم , وقد أجلوا عن سبعين ألف قتيل , كل من قتل منهم كانت له توبة , وكل من بقي كانت له توبة . 787 - وحدثني موسى بن هارون , قال : حدثنا عمرو بن حماد , قال : حدثنا أسباط , عن السدي , قال : لما رجع موسى إلى قومه { قال يا قوم ألم يعدكم ربكم وعدا حسنا } إلى قوله : { فكذلك ألقى السامري } 20 86 : 87 { وألقى } موسى { الألواح وأخذ برأس أخيه يجره إليه } { قال يا ابن أم لا تأخذ بلحيتي ولا برأسي إني خشيت أن تقول فرقت بين بني إسرائيل ولم ترقب قولي } 20 94 فترك هارون ومال إلى السامري , ف { قال ما خطبك يا سامري } إلى قوله : { ثم لننسفنه في اليم نسفا } 20 95 : 97 ثم أخذه فذبحه , ثم حرقه بالمبرد , ثم ذراه في اليم , فلم يبق بحر يجري يومئذ إلا وقع فيه شيء منه . ثم قال لهم موسى : اشربوا منه ! فشربوا , فمن كان يحبه خرج على شاربيه الذهب , فذلك حين يقول : { وأشربوا في قلوبهم العجل بكفرهم } 2 93 . فلما سقط في أيدي بني إسرائيل حين جاء موسى , { ورأوا أنهم قد ضلوا قالوا لئن لم يرحمنا ربنا ويغفر لنا لنكونن من الخاسرين } 7 149 فأبى الله أن يقبل توبة بني إسرائيل إلا بالحال التي كرهوا أن يقاتلوهم حين عبدوا العجل , فقال لهم موسى : { يا قوم إنكم ظلمتم أنفسكم باتخاذكم العجل فتوبوا إلى بارئكم فاقتلوا أنفسكم } قال : فصفوا صفين ثم اجتلدوا بالسيوف . فاجتلد الذين عبدوه والذين لم يعبدوه بالسيوف , فكان من قتل من الفريقين شهيدا , حتى كثر القتل حتى كادوا أن يهلكوا حتى قتل بينهم سبعون ألفا , وحتى دعا موسى وهارون : ربنا هلكت بنو إسرائيل , ربنا البقية البقية ! فأمرهم أن يضعوا السلاح , وتاب عليهم . فكان من قتل شهيدا , ومن يقي كان مكفرا عنه . فذلك قوله : { فتاب عليكم إنه هو التواب الرحيم } 788 - حدثني محمد بن عمرو الباهلي , قال : حدثنا أبو عاصم , قال : حدثنا عيسى , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد في قول الله تعالى : { باتخاذكم العجل } قال : كان موسى أمر قومه - عن أمر ربه - أن يقتل بعضهم بعضا بالخناجر , فجعل الرجل يقتل أباه ويقتل ولده , فتاب الله عليهم . 789 - حدثني المثنى , قال : حدثنا آدم , قال : حدثنا أبو جعفر , عن الربيع , عن أبي العالية في قوله : { وإذ قال موسى لقومه يا قوم إنكم ظلمتم أنفسكم } الآية . قال : فصاروا صفين , فجعل يقتل بعضهم بعضا , فبلغ القتلى ما شاء الله , ثم قيل لهم : قد تيب على القاتل والمقتول . 790 - حدثنا المثنى , قال : حدثنا أبو صالح , قال : حدثني الليث , قال : حدثني عقيل , عن ابن شهاب , قال : لما أمرت بنو إسرائيل بقتل أنفسها برزوا ومعهم موسى , فتضاربوا بالسيوف , وتطاعنوا بالخناجر , وموسى رافع يديه . حتى إذا فتر أتاه بعضهم قالوا : يا نبي الله ادع الله لنا ! وأخذوا بعضديه يشدون يديه , فلم يزل أمرهم على ذلك حتى إذا قبل الله توبتهم قبض أيدي بعضهم عن بعض , فألقوا السلاح . وحزن موسى وبنو إسرائيل للذي كان من القتل فيهم , فأوحى الله جل ثناؤه إلى موسى : لا يحزنك , أما من قتل منكم فحي عندي يرزق , وأما من بقي فقد قبلت توبته . فسر بذلك موسى وبنو إسرائيل . 791 - حدثنا الحسن بن يحيى , قال : أخبرنا عبد الرزاق , قال : أخبرنا معمر , عن الزهري وقتادة في قوله : { فاقتلوا أنفسكم } قال : قاموا صفين فقتل بعضهم بعضا حتى قيل لهم كفوا . قال قتادة : كانت شهادة للمقتول وتوبة للحي . 792 - حدثنا القاسم بن الحسن , قال : حدثنا الحسين بن داود , قال : حدثني حجاج , عن ابن جريج , قال : قال لي عطاء : سمعت عبيد بن عمير يقول : قام بعضهم إلى بعض يقتل بعضهم بعضا , ما يتوقى الرجل أخاه ولا أباه ولا ابنه ولا أحدا حتى نزلت التوبة . قال ابن جريج , وقال ابن عباس : بلغ قتلاهم سبعين ألفا , ثم رفع الله عز وجل عنهم القتل , وتاب عليهم . قال ابن جريج : قاموا صفين , فاقتتلوا بينهم , فجعل الله القتل لمن قتل منهم شهادة , وكانت توبة لمن بقي . وكان قتل بعضهم بعضا أن الله علم أن ناسا منهم علموا أن العجل باطل فلم يمنعهم أن ينكروا عليهم إلا مخافة القتال , فلذلك أمر أن يقتل بعضهم بعضا . 793 - حدثنا ابن حميد , قال : حدثنا سلمة , عن ابن إسحاق , قال : لما رجع موسى إلى قومه , وأحرق العجل وذراه في اليم ; خرج إلى ربه بمن اختار من قومه , فأخذتهم الصاعقة , ثم بعثوا . سأل موسى ربه التوبة لبني إسرائيل من عبادة العجل , فقال : لا , إلا أن يقتلوا أنفسهم . قال : فبلغني أنهم قالوا لموسى : نصبر لأمر الله , فأمر موسى من لم يكن عبد العجل أن يقتل من عبده , فجلسوا بالأفنية وأصلت عليهم القوم السيوف , فحملوا يقتلونهم , وبكى موسى وبهش إليه النساء والصبيان يطلبون العفو عنهم , فتاب عليهم وعفا عنهم , وأمر موسى أن ترفع عنهم السيوف . 794 - حدثني يونس بن عبد الأعلى , قال : أخبرنا ابن وهب , قال : مال ابن زيد : لما رجع موسى إلى قومه , وكانوا سبعون رجلا قد اعتزلوا مع هارون العجل لم يعبدوه . فقال لهم موسى : انطلقوا إلى موعد ربكم , فقالوا : يا موسى أما من توبة ؟ قال : بلى { فاقتلوا أنفسكم ذلكم خير لكم عند بارئكم فتاب عليكم } الآية . . . . فاخترطوا السيوف والجرزة والخناجر والسكاكين . قال : وبعث عليهم ضبابة , قال : فجعلوا يتلامسون بالأيدي , ويقتل بعضهم بعضا . قال : ويلقى الرجل أباه وأخاه فيقتله ولا يدري , ويتنادون فيها : رحم الله عبدا صبر حتى يبلغ الله رضاه . وقرأ قول الله جل ثناؤه : { وآتيناهم من الآيات ما فيه بلاء مبين } 44 33 قال : فقتلاهم شهداء , وتيب على أحيائهم . وقرأ : { فتاب عليكم إنه هو التواب الرحيم } . فالذي ذكرنا عمن روينا عنه الأخبار التي رويناها كان توبة القوم من الذنب الذي أتوه فيما بينهم وبين ربهم بعبادتهم العجل مع ندمهم على ما سلف منهم من ذلك . وأما معنى قوله : { فتوبوا إلى بارئكم } فإنه يعني به : ارجعوا إلى طاعة خالقكم وإلى ما يرضيه عنكم . كما : 795 - حدثني به المثنى بن إبراهيم قال : ثنا آدم , قال : ثنا أبو جعفر , عن الربيع , عن أبي العالية : { فتوبوا إلى بارئكم } أي إلى خالقكم . وهو من برأ الله الخلق يبرؤه فهو بارئ . والبرية : الخلق , وهي فعيلة بمعنى مفعولة , غير أنها لا تهمز كما لا يهمز ملك , وهو من " ل ء ك " , لكنه جرى بترك الهمزة , كذلك قال نابغة بني ذبيان : إلا سليمان إذ قال المليك له قم في البرية فاحددها عن الفند وقد قيل : إن البرية إنما لم تهمز لأنها فعيلة من البرى , والبرى : التراب . فكأن تأويله على قول من تأوله كذلك أنه مخلوق من التراب . وقال بعضهم : إنما أخذت البرية من قولك بريت العود , فلذلك لم يهمز . قال أبو جعفر : وترك الهمز من بارئكم جائز , والإبدال منها جائز , فإذ كان ذلك جائزا في باريكم فغير مستنكر أن تكون البرية من برى الله الخلق بترك الهمزة . أَنْفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ وأما قوله : { ذلكم خير لكم عند بارئكم } فإنه يعني بذلك توبتكم بقتلكم أنفسكم وطاعتكم ربكم خير لكم عند بارئكم ; لأنكم تنجون بذلك من عقاب الله في الآخرة على ذنبكم , وتستوجبون به الثواب منه . بَارِئِكُمْ فَتَابَ وقوله : { فتاب عليكم } أي بما فعلتم مما أمركم به من قتل بعضكم بعضا . وهذا من المحذوف الذي استغني بالظاهر منه عن المتروك , لأن معنى الكلام : فتوبوا إلى بارئكم , فاقتلوا أنفسكم , ذلكم خير لكم عند بارئكم , فتبتم فتاب عليكم . فترك ذكر قوله " فتبتم " إذ كان في قوله : { فتاب عليكم } دلالة بينة على اقتضاء الكلام فتبتم . ويعني بقوله : { فتاب عليكم } رجع لكم وبكم إلى ما أحببتم من العفو عن ذنوبكم , وعظيم ما ركبتم , والصفح عن جرمكم . عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ { إنه هو التواب الرحيم } يعني الراجع لمن أناب إليه بطاعته إلى ما يحب من العفو عنه . ويعني بالرحيم : العائد إليه برحمته المنجية من عقوبته .
القول في تأويل قوله تعالى : { وإذ قال موسى لقومه يا قوم إنكم ظلمتم أنفسكم } تأويل ذلك اذكروا أيضا إذ قال موسى لقومه من بني إسرائيل : يا قوم إنكم ظلمتم أنفسكم . وظلمهم إياها كان فعلهم بها ما لم يكن لهم أن يفعلوه بها مما أوجب لهم العقوبة من الله تعالى , وكذلك كل فاعل فعلا يستوجب به العقوبة من الله تعالى فهو ظالم لنفسه بإيجابه العقوبة لها من الله تعالى . وكان الفعل الذي فعلوه فظلموا به أنفسهم , هو ما أخبر الله عنهم من ارتدادهم باتخاذهم العجل ربا بعد فراق موسى إياهم , ثم أمرهم موسى بالمراجعة من ذنبهم والإنابة إلى الله من ردتهم بالتوبة إليه , والتسليم لطاعته فيما أمرهم به وأخبرهم أن توبتهم من الذنب الذي ركبوه قتلهم أنفسهم . وقد دللنا فيما مضى على أن معنى التوبة : الأوبة مما يكرهه الله إلى ما يرضاه من طاعته . فاستجاب القوم لما أمرهم به موسى من التوبة مما ركبوا من ذنوبهم إلى ربهم على ما أمرهم به . كما : 784 - حدثنا محمد بن المثنى , قال : حدثنا محمد بن جعفر , قال . حدثنا شعبة , عن أبي إسحاق , عن أبي عبد الرحمن , أنه قال في هذه الآية : { فاقتلوا أنفسكم } قال : عمدوا إلى الخناجر , فجعل يطعن بعضهم بعضا . 785 - حدثني عباس بن محمد , قال : حدثنا حجاج بن محمد , قال ابن جريج , أخبر في القاسم بن أبي بزة أنه سمع سعيد بن جبير ومجاهدا قالا : قام بعضهم إلى بعض بالخناجر يقتل بعضهم بعضا لا يحن رجل على رجل قريب ولا بعيد , حتى ألوى موسى بثوبه , فطرحوا ما بأيديهم , فتكشف عن سبعين ألف قتيل , وإن الله أوحى إلى موسى أن حسبي قد اكتفيت , فذلك حين ألوى بثوبه . 786 - حدثني عبد الكريم بن الهيثم , قال : حدثنا إبراهيم بن بشار , قال : حدثنا سفيان بن عينة , قال : قال أبو سعيد , عن عكرمة , عن ابن عباس , قال : قال موسى لقومه : { توبوا إلى بارئكم فاقتلوا أنفسكم ذلكم خير لكم عند بارئكم فتاب عليكم إنه هو التواب الرحيم } قال : أمر موسى قومه عن أمر ربه عز وجل أن يقتلوا أنفسهم , قال : فاحتبى الذين عكفوا على العجل فجلسوا , وقام الذين لم يعكفوا على العجل وأخذوا الخناجر بأيديهم وأصابتهم ظلمة شديدة , فجعل يقتل بعضهم بعضا . فانجلت الظلمة عنهم , وقد أجلوا عن سبعين ألف قتيل , كل من قتل منهم كانت له توبة , وكل من بقي كانت له توبة . 787 - وحدثني موسى بن هارون , قال : حدثنا عمرو بن حماد , قال : حدثنا أسباط , عن السدي , قال : لما رجع موسى إلى قومه { قال يا قوم ألم يعدكم ربكم وعدا حسنا } إلى قوله : { فكذلك ألقى السامري } 20 86 : 87 { وألقى } موسى { الألواح وأخذ برأس أخيه يجره إليه } { قال يا ابن أم لا تأخذ بلحيتي ولا برأسي إني خشيت أن تقول فرقت بين بني إسرائيل ولم ترقب قولي } 20 94 فترك هارون ومال إلى السامري , ف { قال ما خطبك يا سامري } إلى قوله : { ثم لننسفنه في اليم نسفا } 20 95 : 97 ثم أخذه فذبحه , ثم حرقه بالمبرد , ثم ذراه في اليم , فلم يبق بحر يجري يومئذ إلا وقع فيه شيء منه . ثم قال لهم موسى : اشربوا منه ! فشربوا , فمن كان يحبه خرج على شاربيه الذهب , فذلك حين يقول : { وأشربوا في قلوبهم العجل بكفرهم } 2 93 . فلما سقط في أيدي بني إسرائيل حين جاء موسى , { ورأوا أنهم قد ضلوا قالوا لئن لم يرحمنا ربنا ويغفر لنا لنكونن من الخاسرين } 7 149 فأبى الله أن يقبل توبة بني إسرائيل إلا بالحال التي كرهوا أن يقاتلوهم حين عبدوا العجل , فقال لهم موسى : { يا قوم إنكم ظلمتم أنفسكم باتخاذكم العجل فتوبوا إلى بارئكم فاقتلوا أنفسكم } قال : فصفوا صفين ثم اجتلدوا بالسيوف . فاجتلد الذين عبدوه والذين لم يعبدوه بالسيوف , فكان من قتل من الفريقين شهيدا , حتى كثر القتل حتى كادوا أن يهلكوا حتى قتل بينهم سبعون ألفا , وحتى دعا موسى وهارون : ربنا هلكت بنو إسرائيل , ربنا البقية البقية ! فأمرهم أن يضعوا السلاح , وتاب عليهم . فكان من قتل شهيدا , ومن يقي كان مكفرا عنه . فذلك قوله : { فتاب عليكم إنه هو التواب الرحيم } 788 - حدثني محمد بن عمرو الباهلي , قال : حدثنا أبو عاصم , قال : حدثنا عيسى , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد في قول الله تعالى : { باتخاذكم العجل } قال : كان موسى أمر قومه - عن أمر ربه - أن يقتل بعضهم بعضا بالخناجر , فجعل الرجل يقتل أباه ويقتل ولده , فتاب الله عليهم . 789 - حدثني المثنى , قال : حدثنا آدم , قال : حدثنا أبو جعفر , عن الربيع , عن أبي العالية في قوله : { وإذ قال موسى لقومه يا قوم إنكم ظلمتم أنفسكم } الآية . قال : فصاروا صفين , فجعل يقتل بعضهم بعضا , فبلغ القتلى ما شاء الله , ثم قيل لهم : قد تيب على القاتل والمقتول . 790 - حدثنا المثنى , قال : حدثنا أبو صالح , قال : حدثني الليث , قال : حدثني عقيل , عن ابن شهاب , قال : لما أمرت بنو إسرائيل بقتل أنفسها برزوا ومعهم موسى , فتضاربوا بالسيوف , وتطاعنوا بالخناجر , وموسى رافع يديه . حتى إذا فتر أتاه بعضهم قالوا : يا نبي الله ادع الله لنا ! وأخذوا بعضديه يشدون يديه , فلم يزل أمرهم على ذلك حتى إذا قبل الله توبتهم قبض أيدي بعضهم عن بعض , فألقوا السلاح . وحزن موسى وبنو إسرائيل للذي كان من القتل فيهم , فأوحى الله جل ثناؤه إلى موسى : لا يحزنك , أما من قتل منكم فحي عندي يرزق , وأما من بقي فقد قبلت توبته . فسر بذلك موسى وبنو إسرائيل . 791 - حدثنا الحسن بن يحيى , قال : أخبرنا عبد الرزاق , قال : أخبرنا معمر , عن الزهري وقتادة في قوله : { فاقتلوا أنفسكم } قال : قاموا صفين فقتل بعضهم بعضا حتى قيل لهم كفوا . قال قتادة : كانت شهادة للمقتول وتوبة للحي . 792 - حدثنا القاسم بن الحسن , قال : حدثنا الحسين بن داود , قال : حدثني حجاج , عن ابن جريج , قال : قال لي عطاء : سمعت عبيد بن عمير يقول : قام بعضهم إلى بعض يقتل بعضهم بعضا , ما يتوقى الرجل أخاه ولا أباه ولا ابنه ولا أحدا حتى نزلت التوبة . قال ابن جريج , وقال ابن عباس : بلغ قتلاهم سبعين ألفا , ثم رفع الله عز وجل عنهم القتل , وتاب عليهم . قال ابن جريج : قاموا صفين , فاقتتلوا بينهم , فجعل الله القتل لمن قتل منهم شهادة , وكانت توبة لمن بقي . وكان قتل بعضهم بعضا أن الله علم أن ناسا منهم علموا أن العجل باطل فلم يمنعهم أن ينكروا عليهم إلا مخافة القتال , فلذلك أمر أن يقتل بعضهم بعضا . 793 - حدثنا ابن حميد , قال : حدثنا سلمة , عن ابن إسحاق , قال : لما رجع موسى إلى قومه , وأحرق العجل وذراه في اليم ; خرج إلى ربه بمن اختار من قومه , فأخذتهم الصاعقة , ثم بعثوا . سأل موسى ربه التوبة لبني إسرائيل من عبادة العجل , فقال : لا , إلا أن يقتلوا أنفسهم . قال : فبلغني أنهم قالوا لموسى : نصبر لأمر الله , فأمر موسى من لم يكن عبد العجل أن يقتل من عبده , فجلسوا بالأفنية وأصلت عليهم القوم السيوف , فحملوا يقتلونهم , وبكى موسى وبهش إليه النساء والصبيان يطلبون العفو عنهم , فتاب عليهم وعفا عنهم , وأمر موسى أن ترفع عنهم السيوف . 794 - حدثني يونس بن عبد الأعلى , قال : أخبرنا ابن وهب , قال : مال ابن زيد : لما رجع موسى إلى قومه , وكانوا سبعون رجلا قد اعتزلوا مع هارون العجل لم يعبدوه . فقال لهم موسى : انطلقوا إلى موعد ربكم , فقالوا : يا موسى أما من توبة ؟ قال : بلى { فاقتلوا أنفسكم ذلكم خير لكم عند بارئكم فتاب عليكم } الآية . . . . فاخترطوا السيوف والجرزة والخناجر والسكاكين . قال : وبعث عليهم ضبابة , قال : فجعلوا يتلامسون بالأيدي , ويقتل بعضهم بعضا . قال : ويلقى الرجل أباه وأخاه فيقتله ولا يدري , ويتنادون فيها : رحم الله عبدا صبر حتى يبلغ الله رضاه . وقرأ قول الله جل ثناؤه : { وآتيناهم من الآيات ما فيه بلاء مبين } 44 33 قال : فقتلاهم شهداء , وتيب على أحيائهم . وقرأ : { فتاب عليكم إنه هو التواب الرحيم } . فالذي ذكرنا عمن روينا عنه الأخبار التي رويناها كان توبة القوم من الذنب الذي أتوه فيما بينهم وبين ربهم بعبادتهم العجل مع ندمهم على ما سلف منهم من ذلك . وأما معنى قوله : { فتوبوا إلى بارئكم } فإنه يعني به : ارجعوا إلى طاعة خالقكم وإلى ما يرضيه عنكم . كما : 795 - حدثني به المثنى بن إبراهيم قال : ثنا آدم , قال : ثنا أبو جعفر , عن الربيع , عن أبي العالية : { فتوبوا إلى بارئكم } أي إلى خالقكم . وهو من برأ الله الخلق يبرؤه فهو بارئ . والبرية : الخلق , وهي فعيلة بمعنى مفعولة , غير أنها لا تهمز كما لا يهمز ملك , وهو من " ل ء ك " , لكنه جرى بترك الهمزة , كذلك قال نابغة بني ذبيان : إلا سليمان إذ قال المليك له قم في البرية فاحددها عن الفند وقد قيل : إن البرية إنما لم تهمز لأنها فعيلة من البرى , والبرى : التراب . فكأن تأويله على قول من تأوله كذلك أنه مخلوق من التراب . وقال بعضهم : إنما أخذت البرية من قولك بريت العود , فلذلك لم يهمز . قال أبو جعفر : وترك الهمز من بارئكم جائز , والإبدال منها جائز , فإذ كان ذلك جائزا في باريكم فغير مستنكر أن تكون البرية من برى الله الخلق بترك الهمزة .
وأما قوله : { ذلكم خير لكم عند بارئكم } فإنه يعني بذلك توبتكم بقتلكم أنفسكم وطاعتكم ربكم خير لكم عند بارئكم ; لأنكم تنجون بذلك من عقاب الله في الآخرة على ذنبكم , وتستوجبون به الثواب منه .
وقوله : { فتاب عليكم } أي بما فعلتم مما أمركم به من قتل بعضكم بعضا . وهذا من المحذوف الذي استغني بالظاهر منه عن المتروك , لأن معنى الكلام : فتوبوا إلى بارئكم , فاقتلوا أنفسكم , ذلكم خير لكم عند بارئكم , فتبتم فتاب عليكم . فترك ذكر قوله " فتبتم " إذ كان في قوله : { فتاب عليكم } دلالة بينة على اقتضاء الكلام فتبتم . ويعني بقوله : { فتاب عليكم } رجع لكم وبكم إلى ما أحببتم من العفو عن ذنوبكم , وعظيم ما ركبتم , والصفح عن جرمكم .
{ إنه هو التواب الرحيم } يعني الراجع لمن أناب إليه بطاعته إلى ما يحب من العفو عنه . ويعني بالرحيم : العائد إليه برحمته المنجية من عقوبته .