وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ القول في تأويل قوله تعالى : { واستعينوا بالصبر والصلاة } قال أبو جعفر : يعني بقوله جل ثناؤه : { واستعينوا بالصبر } : استعينوا على الوفاء بعهدي الذي عاهدتموني في كتابكم - من طاعتي واتباع أمري , وترك ما تهوونه من الرياسة وحب الدنيا إلى ما تكرهونه من التسليم لأمري , واتباع رسولي محمد صلى الله عليه وسلم - بالصبر عليه والصلاة . وقد قيل : إن معنى الصبر في هذا الموضع : الصوم , والصوم بعض معاني الصبر عندنا . بل تأويل ذلك عندنا : أن الله تعالى ذكره أمرهم بالصبر على ما كرهته نفوسهم من طاعة الله , وترك معاصيه . وأصل الصبر : منع النفس محابها وكفها عن هواها ; ولذلك قيل للصابر على المصيبة : صابر , لكفه نفسه عن الجزع ; وقيل لشهر رمضان : شهر الصبر , لصبر صائمه عن المطاعم والمشارب نهارا , وصبره إياهم عن ذلك : حبسه لهم , وكفه إياهم عنه , كما يصبر الرجل المسيء للقتل فتحبسه عليه حتى تقتله . ولذلك قيل : قتل فلان فلانا صبرا , يعني به حبسه عليه حتى قتله , فالمقتول مصبور , والقاتل صابر . وأما الصلاة فقد ذكرنا معناها فيما مضى فإن قال لنا قائل : قد علمنا معنى الأمر بالاستعانة بالصبر على الوفاء بالعهد والمحافظة على الطاعة , فما معنى الأمر بالاستعانة بالصلاة على طاعة الله , وترك معاصيه , والتعري عن الرياسة , وترك الدنيا ؟ قيل : إن الصلاة فيها تلاوة كتاب الله , الداعية آياته إلى رفض الدنيا وهجر نعيمها , المسلية النفوس عن زينتها وغرورها , المذكرة الآخرة وما أعد الله فيها لأهلها . ففي الاعتبار بها المعونة لأهل طاعة الله على الجد فيها , كما روي عن نبينا صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة . 711 - حدثني بذلك إسماعيل بن موسى الفزاري , قال : حدثنا الحسين بن رتاق الهمداني , عن ابن جرير , عن عكرمة بن عمار , عن محمد بن عبيد بن أبي قدامة , عن عبد العزيز بن اليمان , عن حذيفة قال : " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم , إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة " . * وحدثني سليمان بن عبد الجبار , قال : حدثنا خلف بن الوليد الأزدي , قال : حدثنا يحيى بن زكريا عن عكرمة بن عمار , عن محمد بن عبد الله الدؤلي , قال : قال عبد العزيز أخو حذيفة , قال حذيفة : " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمر صلى " . وكذلك روي عنه صلى الله عليه وسلم " أنه رأى أبا هريرة منبطحا على بطنه فقال له : " اشكنب درد " ؟ قال : نعم , قال : " قم فصل فإن في الصلاة شفاء " . فأمر الله جل ثناؤه الذين وصف أمرهم من أحبار بني إسرائيل أن يجعلوا مفزعهم في الوفاء بعهد الله الذي عاهدوه إلى الاستعانة بالصبر والصلاة كما أمر نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم بذلك , فقال له : { فاصبر } يا محمد { على ما يقولون وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل غروبها ومن آناء الليل فسبح وأطراف النهار لعلك ترضى } 20 130 فأمره جل ثناؤه في نوائبه بالفزع إلى الصبر والصلاة . 712 - وقد حدثنا محمد بن العلاء ويعقوب بن إبراهيم قالا : حدثنا ابن علية , قال : حدثنا عيينة بن عبد الرحمن عن أبيه : أن ابن عباس نعي إليه أخوه قثم وهو في سفر , فاسترجع ثم تنحى عن الطريق , فأناخ فصلى ركعتين أطال فيهما الجلوس , ثم قام يمشي إلى راحلته وهو يقول : { واستعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين } . وأما أبو العالية فإنه كان يقول بما : 713 - حدثني به المثنى , قال : حدثنا آدم , قال : حدثنا أبو جعفر , عن الربيع , عن أبي العالية : { واستعينوا بالصبر والصلاة } قال يقول : استعينوا بالصبر والصلاة على مرضاة الله , واعلموا أنهما من طاعة الله . وقال ابن جريج بما : 714 - حدثنا به القاسم , قال : حدثنا الحسين , قال : حدثني حجاج , قال : قال ابن جريج في قوله : { واستعينوا بالصبر والصلاة } قال : إنهما معونتان على رحمة الله . 715 - وحدثني يونس , قال : أخبرنا ابن وهب , قال : قال ابن زيد في قوله : { واستعينوا بالصبر والصلاة } الآية , قال : قال المشركون : والله يا محمد إنك لتدعونا إلى أمر كبير , قال : إلى الصلاة والإيمان بالله . وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ القول في تأويل قوله تعالى : { وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين } قال أبو جعفر : يعني بقوله جل ثناؤه : { وإنها } وإن الصلاة , فالهاء والألف في " وإنها " عائدتان على " الصلاة " . وقد قال بعضهم : إن قوله : { وإنها } بمعنى : إن إجابة محمد صلى الله عليه وسلم , ولم يجر لذلك بلفظ الإجابة ذكر فتجعل الهاء والألف كناية عنه , وغير جائز ترك الظاهر المفهوم من الكلام إلى باطن لا دلالة على صحته . ويعني بقوله : { لكبيرة } : لشديدة ثقيلة . كما : 716 - حدثني يحيى بن أبي طالب , قال : أخبرنا ابن يزيد , قال : أخبرنا جويبر , عن الضحاك , في قوله : { وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين } قال : إنها لثقيلة . ويعني بقوله : { إلا على الخاشعين } : إلا على الخاضعين لطاعته , الخائفين سطواته , المصدقين بوعده ووعيده . كما : 717 - حدثني المثنى بن إبراهيم , قال : حدثنا عبد الله بن صالح , قال : حدثني معاوية بن صالح , عن علي بن أبي طلحة , عن ابن عباس : { إلا على الخاشعين } يعني المصدقين بما أنزل الله . 718 - وحدثني المثنى , قال : حدثنا آدم العسقلاني , قال : حدثنا أبو جعفر , عن الربيع , عن أبي العالية في قوله : { إلا على الخاشعين } قال : يعني الخائفين . 719 - وحدثني محمد بن جعفر , قال : حدثنا أبو عاصم , قال : حدثنا سفيان , عن جابر , عن مجاهد : { إلا على الخاشعين } قال : المؤمنين حقا . * وحدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة , قال : حدثنا شبل , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد , مثله . 720 - وحدثني يونس بن عبد الأعلى , قال : أخبرنا ابن وهب , قال : قال ابن زيد : الخشوع : الخوف والخشية لله . وقرأ قول الله : { خاشعين من الذل } 42 45 قال : قد أذلهم الخوف الذي نزل بهم , وخشعوا له . وأصل " الخشوع " : التواضع والتذلل والاستكانة , ومنه قول الشاعر : لما أتى خبر الزبير تواضعت سور المدينة والجبال الخشع يعني والجبال خشع متذللة لعظم المصيبة بفقده . فمعنى الآية : واستعينوا أيها الأحبار من أهل الكتاب بحبس أنفسكم على طاعة الله , وكفها عن معاصي الله , وبإقامة الصلاة المانعة من الفحشاء والمنكر , المقر به من مراضي الله , العظيمة إقامتها إلا على المتواضعين لله المستكينين لطاعته المتذللين من مخافته .
القول في تأويل قوله تعالى : { واستعينوا بالصبر والصلاة } قال أبو جعفر : يعني بقوله جل ثناؤه : { واستعينوا بالصبر } : استعينوا على الوفاء بعهدي الذي عاهدتموني في كتابكم - من طاعتي واتباع أمري , وترك ما تهوونه من الرياسة وحب الدنيا إلى ما تكرهونه من التسليم لأمري , واتباع رسولي محمد صلى الله عليه وسلم - بالصبر عليه والصلاة . وقد قيل : إن معنى الصبر في هذا الموضع : الصوم , والصوم بعض معاني الصبر عندنا . بل تأويل ذلك عندنا : أن الله تعالى ذكره أمرهم بالصبر على ما كرهته نفوسهم من طاعة الله , وترك معاصيه . وأصل الصبر : منع النفس محابها وكفها عن هواها ; ولذلك قيل للصابر على المصيبة : صابر , لكفه نفسه عن الجزع ; وقيل لشهر رمضان : شهر الصبر , لصبر صائمه عن المطاعم والمشارب نهارا , وصبره إياهم عن ذلك : حبسه لهم , وكفه إياهم عنه , كما يصبر الرجل المسيء للقتل فتحبسه عليه حتى تقتله . ولذلك قيل : قتل فلان فلانا صبرا , يعني به حبسه عليه حتى قتله , فالمقتول مصبور , والقاتل صابر . وأما الصلاة فقد ذكرنا معناها فيما مضى فإن قال لنا قائل : قد علمنا معنى الأمر بالاستعانة بالصبر على الوفاء بالعهد والمحافظة على الطاعة , فما معنى الأمر بالاستعانة بالصلاة على طاعة الله , وترك معاصيه , والتعري عن الرياسة , وترك الدنيا ؟ قيل : إن الصلاة فيها تلاوة كتاب الله , الداعية آياته إلى رفض الدنيا وهجر نعيمها , المسلية النفوس عن زينتها وغرورها , المذكرة الآخرة وما أعد الله فيها لأهلها . ففي الاعتبار بها المعونة لأهل طاعة الله على الجد فيها , كما روي عن نبينا صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة . 711 - حدثني بذلك إسماعيل بن موسى الفزاري , قال : حدثنا الحسين بن رتاق الهمداني , عن ابن جرير , عن عكرمة بن عمار , عن محمد بن عبيد بن أبي قدامة , عن عبد العزيز بن اليمان , عن حذيفة قال : " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم , إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة " . * وحدثني سليمان بن عبد الجبار , قال : حدثنا خلف بن الوليد الأزدي , قال : حدثنا يحيى بن زكريا عن عكرمة بن عمار , عن محمد بن عبد الله الدؤلي , قال : قال عبد العزيز أخو حذيفة , قال حذيفة : " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمر صلى " . وكذلك روي عنه صلى الله عليه وسلم " أنه رأى أبا هريرة منبطحا على بطنه فقال له : " اشكنب درد " ؟ قال : نعم , قال : " قم فصل فإن في الصلاة شفاء " . فأمر الله جل ثناؤه الذين وصف أمرهم من أحبار بني إسرائيل أن يجعلوا مفزعهم في الوفاء بعهد الله الذي عاهدوه إلى الاستعانة بالصبر والصلاة كما أمر نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم بذلك , فقال له : { فاصبر } يا محمد { على ما يقولون وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل غروبها ومن آناء الليل فسبح وأطراف النهار لعلك ترضى } 20 130 فأمره جل ثناؤه في نوائبه بالفزع إلى الصبر والصلاة . 712 - وقد حدثنا محمد بن العلاء ويعقوب بن إبراهيم قالا : حدثنا ابن علية , قال : حدثنا عيينة بن عبد الرحمن عن أبيه : أن ابن عباس نعي إليه أخوه قثم وهو في سفر , فاسترجع ثم تنحى عن الطريق , فأناخ فصلى ركعتين أطال فيهما الجلوس , ثم قام يمشي إلى راحلته وهو يقول : { واستعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين } . وأما أبو العالية فإنه كان يقول بما : 713 - حدثني به المثنى , قال : حدثنا آدم , قال : حدثنا أبو جعفر , عن الربيع , عن أبي العالية : { واستعينوا بالصبر والصلاة } قال يقول : استعينوا بالصبر والصلاة على مرضاة الله , واعلموا أنهما من طاعة الله . وقال ابن جريج بما : 714 - حدثنا به القاسم , قال : حدثنا الحسين , قال : حدثني حجاج , قال : قال ابن جريج في قوله : { واستعينوا بالصبر والصلاة } قال : إنهما معونتان على رحمة الله . 715 - وحدثني يونس , قال : أخبرنا ابن وهب , قال : قال ابن زيد في قوله : { واستعينوا بالصبر والصلاة } الآية , قال : قال المشركون : والله يا محمد إنك لتدعونا إلى أمر كبير , قال : إلى الصلاة والإيمان بالله .
القول في تأويل قوله تعالى : { وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين } قال أبو جعفر : يعني بقوله جل ثناؤه : { وإنها } وإن الصلاة , فالهاء والألف في " وإنها " عائدتان على " الصلاة " . وقد قال بعضهم : إن قوله : { وإنها } بمعنى : إن إجابة محمد صلى الله عليه وسلم , ولم يجر لذلك بلفظ الإجابة ذكر فتجعل الهاء والألف كناية عنه , وغير جائز ترك الظاهر المفهوم من الكلام إلى باطن لا دلالة على صحته . ويعني بقوله : { لكبيرة } : لشديدة ثقيلة . كما : 716 - حدثني يحيى بن أبي طالب , قال : أخبرنا ابن يزيد , قال : أخبرنا جويبر , عن الضحاك , في قوله : { وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين } قال : إنها لثقيلة . ويعني بقوله : { إلا على الخاشعين } : إلا على الخاضعين لطاعته , الخائفين سطواته , المصدقين بوعده ووعيده . كما : 717 - حدثني المثنى بن إبراهيم , قال : حدثنا عبد الله بن صالح , قال : حدثني معاوية بن صالح , عن علي بن أبي طلحة , عن ابن عباس : { إلا على الخاشعين } يعني المصدقين بما أنزل الله . 718 - وحدثني المثنى , قال : حدثنا آدم العسقلاني , قال : حدثنا أبو جعفر , عن الربيع , عن أبي العالية في قوله : { إلا على الخاشعين } قال : يعني الخائفين . 719 - وحدثني محمد بن جعفر , قال : حدثنا أبو عاصم , قال : حدثنا سفيان , عن جابر , عن مجاهد : { إلا على الخاشعين } قال : المؤمنين حقا . * وحدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة , قال : حدثنا شبل , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد , مثله . 720 - وحدثني يونس بن عبد الأعلى , قال : أخبرنا ابن وهب , قال : قال ابن زيد : الخشوع : الخوف والخشية لله . وقرأ قول الله : { خاشعين من الذل } 42 45 قال : قد أذلهم الخوف الذي نزل بهم , وخشعوا له . وأصل " الخشوع " : التواضع والتذلل والاستكانة , ومنه قول الشاعر : لما أتى خبر الزبير تواضعت سور المدينة والجبال الخشع يعني والجبال خشع متذللة لعظم المصيبة بفقده . فمعنى الآية : واستعينوا أيها الأحبار من أهل الكتاب بحبس أنفسكم على طاعة الله , وكفها عن معاصي الله , وبإقامة الصلاة المانعة من الفحشاء والمنكر , المقر به من مراضي الله , العظيمة إقامتها إلا على المتواضعين لله المستكينين لطاعته المتذللين من مخافته .