هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا فبدأ بعد تعديده عليهم ما عدد من نعمه التي هم فيها مقيمون بذكر أبينا وأبيهم آدم أبي البشر , صلوات الله عليه , وما سلف منه من كرامته إليه وآلائه لديه , وما أحل به وبعدوه إبليس من عاجل عقوبته بمعصيتهما التي كانت منهما , ومخالفتهما أمره الذي أمرهما به , وما كان من تغمده آدم برحمته إذ تاب وأناب إليه , وما كان من إحلاله بإبليس من لعنته في العاجل , وإعداده له ما أعد له من العذاب المقيم في الآجل إذ استكبر وأبى التوبة إليه والإنابة , منبها لهم على حكمه في المنيبين إليه بالتوبة , وقضائه في المستكبرين عن الإنابة , إعذارا من الله بذلك إليهم وإنذارا لهم , ليتدبروا آياته وليتذكر منهم أولو الألباب . وخاصا أهل الكتاب بما ذكر من قصص آدم وسائر القصص التي ذكرها معها وبعدها مما علمه أهل الكتاب وجهلته الأمة الأمية من مشركي عبدة الأوثان , بالاحتجاج عليهم دون غيرهم من سائر أصناف الأمم الذين لا علم عندهم بذلك لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم , ليعلموا بإخباره إياهم بذلك , أنه لله رسول مبعوث , وأن ما جاءهم به فمن عنده , إذ كان ما اقتص عليهم من هذه القصص من مكنون علومهم , ومصون ما في كتبهم , وخفي أمورهم التي لم يكن يدعي معرفة علمها غيرهم وغير من أخذ عنهم وقرأ كتبهم . وكان معلوما من محمد صلى الله عليه وسلم أنه لم يكن قط كاتبا ولا لأسفارهم تاليا , ولا لأحد منهم مصاحبا ولا مجالسا , فيمكنهم أن يدعوا أنه أخذ ذلك من كتبهم أو عن بعضهم , فقال جل ذكره في تعديده عليهم ما هم فيه مقيمون من نعمه مع كفرهم به , وتركهم شكره عليها مما يجب له عليهم من طاعته : { هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا ثم استوى إلى السماء فسواهن سبع سموات وهو بكل شيء عليم } . فأخبرهم جل ذكره أنه خلق لهم ما في الأرض جميعا , لأن الأرض وجميع ما فيها لبني آدم منافع . أما في الدين فدليل على وحدانية ربهم , وأما في الدنيا فمعاش وبلاغ لهم إلى طاعته وأداء فرائضه ; فلذلك قال جل ذكره : { هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا } وقوله : " هو " مكني من اسم الله جل ذكره , عائد على اسمه في قوله : { كيف تكفرون بالله } . ومعنى خلقه ما خلق جل ثناؤه : إنشاؤه عينه , وإخراجه من حال العدم إلى الوجود . و " ما " بمعنى " الذي " . فمعنى الكلام إذا : كيف تكفرون بالله وقد كنتم نطفا في أصلاب آبائكم , فجعلكم بشرا أحياء , ثم يميتكم , ثم هو محييكم بعد ذلك , وباعثكم يوم الحشر للثواب والعقاب , وهو المنعم عليكم بما خلق لكم في الأرض من معايشكم وأدلتكم على وحدانية ربكم . و " كيف " بمعنى التعجب والتوبيخ لا بمعنى الاستفهام , كأنه قال : ويحكم كيف تكفرون بالله , كما قال : { فأين تذهبون } 81 26 وحل قوله : { وكنتم أمواتا فأحياكم } محل الحال , وفيه إضمار " قد " , ولكنها حذفت لما في الكلام من الدليل عليها . وذلك أن " فعل " إذا حلت محل الحال كان معلوما أنها مقتضية " قد " , كما قال جل ثناؤه : { أو جاءوكم حصرت صدورهم } 4 90 بمعنى : قد حصرت صدورهم وكما تقول للرجل : أصبحت كثرت ماشيتك , تريد : قد كثرت ماشيتك . وبنحو الذي قلنا { هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا } في قوله : { هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا } كان قتادة يقول : 490 - حدثنا بشر بن معاذ , قال : حدثنا يزيد , عن سعيد , عن قتادة قوله : { هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا } نعم والله سخر لكم ما في الأرض . ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ القول في تأويل قوله تعالى : { ثم استوى إلى السماء فسواهن سبع سموات } قال أبو جعفر : اختلف في تأويل قوله : { ثم استوى إلى السماء } فقال بعضهم : معنى استوى إلى السماء , أقبل عليها , كما تقول : كان فلان مقبلا على فلان ثم استوى على يشاتمني واستوى إلي يشاتمني , بمعنى : أقبل علي وإلي يشاتمني . واستشهد على أن الاستواء بمعنى الإقبال بقول الشاعر : أقول وقد قطعن بنا شروري سوامد واستوين من الضجوع فزعم أنه عنى به أنهن خرجن من الضجوع , وكان ذلك عنده بمعنى أقبلن . وهذا من التأويل في هذا البيت خطأ , وإنما معنى قوله : " واستوين من الضجوع " عندي : استوين على الطريق من الضجوع خارجات , بمعنى استقمن عليه . وقال بعضهم : لم يكن ذلك من الله جل ذكره بتحول , ولكنه بمعنى فعله , كما تقول : كان الخليفة في أهل العراق يواليهم ثم تحول إلى الشام , إنما يريد تحول فعله . وقال بعضهم : قوله { ثم استوى إلى السماء } يعني به : استوت كما قال الشاعر : أقول له لما استوى في ترابه على أي دين قتل الناس مصعب وقال بعضهم : { ثم استوى إلى السماء } : عمد إليها . وقال : بل كل تارك عملا كان فيه إلى آخره فهو مستو لما عمد ومستو إليه . وقال بعضهم : الاستواء : هو العلو , والعلو : هو الارتفاع . وممن قال ذلك الربيع بن أنس . 491 - حدثت بذلك عن عمار بن الحسن , قال : حدثنا عبد الله بن أبي جعفر عن أبيه عن الربيع بن أنس : { ثم استوى إلى السماء } يقول : ارتفع إلى السماء . ثم اختلف متأولو الاستواء بمعنى العلو والارتفاع في الذي استوى إلى السماء , فقال بعضهم : الذي استوى إلى السماء وعلا عليها : هو خالقها ومنشئها . وقال بعضهم : بل العالي إليها الدخان الذي جعله الله للأرض سماء . قال أبو جعفر : الاستواء في كلام العرب منصرف على وجوه : منها انتهاء شباب الرجل وقوته , فيقال إذا صار كذلك : قد استوى الرجل , ومنها استقامة ما كان فيه أود من الأمور والأسباب , يقال منه : استوى لفلان أمره : إذا استقام له بعد أود . ومنه قول الطرماح بن حكيم : طال على رسم مهدد أبده وعفا واستوى به بلده يعني : استقام به . ومنها الإقبال على الشيء بالفعل , كما يقال : استوى فلان على فلان بما يكرهه ويسوءه بعد الإحسان إليه . ومنها الاحتياز والاستيلاء كقولهم : استوى فلان على المملكة , بمعنى احتوى عليها وحازها . ومنها العلو والارتفاع , كقول القائل : استوى فلان على سريره , يعني به علوه عليه . وأولى المعافي بقول الله جل ثناؤه : { ثم استوى إلى السماء فسواهن } علا عليهن وارتفع فدبرهن بقدرته وخلقهن سبع سموات . والعجب ممن أنكر المعنى المفهوم من كلام العرب في تأويل قول الله : { ثم استوى إلى السماء } الذي هو بمعنى العلو والارتفاع هربا عند نفسه من أن يلزمه بزعمه إذا تأوله بمعناه المفهم كذلك أن يكون إنما علا وارتفع بعد أن كان تحتها , إلى أن تأوله بالمجهول من تأويله المستنكر , ثم لم ينج مما هرب منه . فيقال له : زعمت أن تأويل قوله : { استوى } أقبل , أفكان مدبرا عن السماء فأقبل إليها ؟ فإن زعم أن ذلك ليس بإقبال فعل ولكنه إقبال تدبير , قيل له : فكذلك فقل : علا عليها علو ملك وسلطان لا علو انتقال وزوال . ثم لن يقول في شيء من ذلك قولا إلا ألزم في الآخر مثله , ولولا أنا كرهنا إطالة الكتاب بما ليس من جنسه لأنبأنا عن فساد قول كل قائل قال في ذلك قولا لقول أهل الحق فيه مخالفا , وفيما بينا منه ما يشرف بذي الفهم على ما فيه له الكفاية إنه شاء الله تعالى . قال أبو جعفر : وإن قال لنا قائل : أخبرنا عن استواء الله جل ثناؤه إلى السماء , كان قبل خلق السماء أم بعده ؟ قيل : بعده , وقبل أن يسويهن سبع سموات , كما قال جل ثناؤه : { ثم استوى إلى السماء وهي دخان فقال لها وللأرض ائتيا طوعا أو كرها } 41 11 والاستواء كان بعد أن خلقها دخانا , وقبل أن يسويها سبع سموات . وقال بعضهم : إنما قال استوى إلى السماء ولا سماء , كقول الرجل لآخر : " اعمل هذا الثوب " وإنما معه غزل . وأما قوله { فسواهن } فإنه يعني هيأهن وخلقهن ودبرهن وقومهن , والتسوية في كلام العرب : التقويم والإصلاح والتوطئة , كما يقال : سوى فلان لفلان هذا الأمر : إذا قومه وأصلحه ووطأه له . فكذلك تسوية الله جل ثناؤه سمواته : تقويمه إياهن على مشيئته , وتدبيره لهن على إرادته , وتفتيقهن بعد ارتتاقهن كما : 492 - حدثت عن عمار , قال : حدثنا ابن أبي جعفر , عن أبيه , عن الربيع بن أنس : { فسواهن سبع سموات } يقول : سوى خلقهن وهو بكل شيء عليم . وقال جل ذكره : { فسواهن } فأخرج مكنيهن مخرج مكني الجمع . وقد قال قبل : { ثم استوى إلى السماء } فأخرجها على تقدير الواحد . وإنما أخرج مكنيهن مخرج مكني الجمع ; لأن السماء جمع واحدها سماوة , فتقدير واحدتها وجمعها إذا تقدير بقرة وبقر ونخلة ونخل وما أشبه ذلك ; ولذلك أنثت مرة , فقيل : هذه سماء , وذكرت أخرى فقيل : { السماء منفطر به } 73 18 كما يفعل ذلك بالجمع الذي لا فرق بينه وبين واحدة غير دخول الهاء وخروجها , فيقال : هذا بقر وهذه بقر , وهذا نخل وهذه نخل , وما أشبه ذلك . وكان بعض أهل العربية يزعم أن السماء واحدة , غير أنها تدل على السموات , فقيل : { فسواهن } يراد بذلك التي ذكرت , وما دلت عليه من سائر السموات التي لم تذكر معها . قال : وإنما تذكر إذا ذكرت وهي مؤنثة , فيقال : { السماء منفطر به } كما يذكر المؤنث , وكما قال الشاعر : فلا مزنة ودقت ودقها ولا أرض أبقل إبقالها وكما قال أعشى بني ثعلبة : فإما تري لمتي بدلت فإن الحوادث أزرى بها وقال بعضهم : السماء وإن كانت سماء فوق سماء , وأرضا فوق أرض , فهي في التأويل واحدة إن شئت , ثم تكون تلك الواحدة جماعا , كما يقال : ثوب أخلاق وأسمال , وبرمة أعشار للمتكسرة , وبرمة أكسار وأجبار , وأخلاق : أي أن نواحيه أخلاق . فإن قال لنا قائل : فإنك قد قلت : إن الله جل ثناؤه استوى إلى السماء وهي دخان قبل أن يسويها سبع سموات , ثم سواها سبعا بعد استوائه إليها , فكيف زعمت أنها جماع ؟ قيل : إنهن كن سبعا غير مستويات , فلذلك قال جل ذكره : فسواهن سبعا ; كما : 493 - حدثني محمد بن حميد , قال : حدثنا سلمة بن الفضل , قال : قال محمد بن إسحاق : كان أول ما خلق الله تبارك وتعالى : النور والظلمة , ثم ميز بينهما فجعل الظلمة ليلا أسود مظلما , وجعل النور نهارا مضيئا مبصرا , ثم سمك السموات السبع من دخان - يقال والله أعلم من دخان الماء - حتى استقللن ولم يحبكهن , وقد أغطش في السماء الدنيا ليلها وأخرج ضحاها , فجرى فيها الليل والنهار , وليس فيها شمس ولا قمر ولا نجوم , ثم دحى الأرض , وأرساها بالجبال , وقدر فيها الأقوات , وبث فيها ما أراد من الخلق , ففرغ من الأرض وما قدر فيها من أقواتها في أربعة أيام . ثم استوى إلى السماء وهي دخان كما قال فحبكهن , وجعل في السماء الدنيا شمسها وقمرها ونجومها , وأوحى في كل سماء أمرها , فأكمل خلقهن في يومين . ففرغ من خلق السموات والأرض في ستة أيام , ثم استوى في اليوم السابع فوق سمواته , ثم قال للسموات والأرض : { ائتيا طوعا أو كرها } لما أردت بكما , فاطمئنا عليه طوعا أو كرها , قالتا : أتينا طائعين . فقد أخبر ابن إسحاق أن الله جل ثناؤه استوى إلى السماء بعد خلقه الأرض وما فيها وهن سبع من دخان , فسواهن كما وصف . وإنما استشهدنا لقولنا الذي قلنا في ذلك بقول ابن إسحاق لأنه أوضح بيانا عن خبر السموات أنهن كن سبعا من دخان قبل استواء ربنا إليها بتسويتها من غيره , وأحسن شرحا لما أردنا الاستدلال به من أن معنى السماء التي قال الله فيها : { ثم استوى إلى السماء } بمعنى الجمع على ما وصفنا , وأنه إنما قال جل ثناؤه : { فسواهن } إذ كانت السماء بمعنى الجمع على ما بينا . قال أبو جعفر : فإن قال لنا قائل : فما صفة تسوية الله جل ثناؤه السموات التي ذكرها في قوله : { فسواهن } إذ كن قد خلقن سبعا قبل تسويته إياهن ؟ وما وجه ذكر خلقهن بعد ذكر خلق الأرض , ألأنها خلقت قبلها , أم بمعنى غير ذلك ؟ قيل : قد ذكرنا ذلك في الخبر الذي رويناه عن ابن إسحاق , ونزيد ذلك توكيدا بما انضم إليه من أخبار بعض السلف المتقدمين وأقوالهم . 494 - فحدثني موسى بن هارون , قال : حدثنا عمرو بن حماد , قال : حدثنا أسباط عن السدي في خبر ذكره عن أبي مالك , وعن أبي صالح , عن ابن عباس , وعن مرة , عن ابن مسعود , وعن ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم : { هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا ثم استوى إلى السماء فسواهن سبع سموات } : قال : إن الله تبارك وتعالى كان عرشه على الماء , ولم يخلق شيئا غير ما خلق قبل الماء , فلما أراد أن يخلق الخلق أخرج من الماء دخانا , فارتفع فوق الماء فسما عليه , فسماه سماء , ثم أيبس الماء فجعله أرضا واحدة , ثم فتقها فجعل سبع أرضين في يومين في الأحد والاثنين , فخلق الأرض على حوت , والحوت هو النون الذي ذكره الله في القرآن : { ن والقلم } 68 1 والحوت في الماء والماء على ظهر صفاة , والصفاة على ظهر ملك , والملك على صخرة , والصخرة في الريح - وهي الصخرة التي ذكر لقمان - ليست في السماء ولا في الأرض . فتحرك الحوت فاضطرب , فتزلزلت الأرض , فأرسى عليها الجبال فقرت , فالجبال تفخر على الأرض , فذلك قوله : { وجعل لها رواسي أن تميد بكم } وخلق الجبال فيها وأقوات أهلها وشجرها وما ينبغي لها في يومين في الثلاثاء والأربعاء , وذلك حين يقول : { أإنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين وتجعلون له أندادا ذلك رب العالمين وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها } يقول : أنبت شجرها { وقدر فيها أقواتها } يقول أقواتها لأهلها { في أربعة أيام سواء للسائلين } يقول : قل لمن يسألك هكذا الأمر { ثم استوى إلى السماء وهي دخان } 41 11 وكان ذلك الدخان من تنفس الماء حين تنفس , فجعلها سماء واحدة , ثم فتقها فجعلها سبع سموات في يومين في الخميس والجمعة , وإنما سمي يوم الجمعة لأنه جمع فيه خلق السموات والأرض { وأوحى في كل سماء أمرها } قال : خلق في كل سماء خلقها من الملائكة والخلق الذي فيها , من البحار وجبال البرد وما لا يعلم . ثم زين السماء الدنيا بالكواكب , فجعلها زينة وحفظا تحفظ من الشياطين . فلما فرغ من خلق ما أحب استوى على العرش , فذلك حين يقول : { خلق السموات والأرض في ستة أيام } 7 54 يقول : { كانتا رتقا ففتقناهما } 21 30 495 - وحدثني الحسن بن يحيى , قال : أخبرنا عبد الرزاق , قال : أخبرنا معمر عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد في قوله : { هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا ثم استوى إلى السماء } قال : خلق الأرض قبل السماء , فلما خلق الأرض ثار منها دخان , فذلك حين يقول : { ثم استوى إلى السماء فسواهن سبع سموات } قال : بعضهن فوق بعض , وسبع أرضين بعضهن تحت بعض . 496 - وحدثنا الحسن بن يحيى , قال : أنبأنا عبد الرزاق , قال : أخبرنا معمر , عن قتادة في قوله : { فسواهن سبع سموات } قال : بعضهن فوق بعض , بين كل سماءين مسيرة خمسمائة عام . 497 - وحدثنا المثنى , قال : حدثنا أبو صالح , قال : حدثني معاوية بن صالح , عن علي بن أبي طلحة , عن ابن عباس في قوله حيث ذكر خلق الأرض قبل السماء , ثم ذكر السماء قبل الأرض , وذلك أن الله خلق الأرض بأقواتها من غير أن يدحوها قبل السماء , ثم استوى إلى السماء فسواهن سبع سموات , ثم دحا الأرض بعد ذلك فذلك قوله : { والأرض بعد ذلك دحاها } 79 30 498 - وحدثني المثنى , قال : حدثنا عبد الله بن صالح , قال : حدثني أبو معشر , عن سعيد بن أبي سعيد , عن عبد الله بن سلام أنه قال : إن الله بدأ الخلق يوم الأحد , فخلق الأرضين في الأحد والاثنين , وخلق الأقوات والرواسي في الثلاثاء والأربعاء , وخلق السموات في الخميس والجمعة , وفرغ في آخر ساعة من يوم الجمعة , فخلق فيها آدم على عجل ; فتلك الساعة التي تقوم فيها الساعة . قال أبو جعفر : فمعنى الكلام إذا : هو الذي أنعم عليكم , فخلق لكم ما في الأرض جميعا وسخره لكم تفضلا منه بذلك عليكم , ليكون لكم بلاغا في دنياكم , ومتاعا إلى موافاة آجالكم , ودليلا لكم على وحدانية ربكم . ثم علا إلى السموات السبع وهي دخان , فسواهن وحبكهن , وأجرى في بعضهن شمسه وقمره ونجومه , وقدر في كل واحدة منهن ما قدر من خلقه . وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ القول في تأويل قوله تعالى : { وهو بكل شيء عليم } . يعني بقوله جل جلاله : { وهو } نفسه وبقوله : { بكل شيء عليم } : أن الذي خلقكم وخلق لكم ما في الأرض جميعا , وسوى السموات السبع بما فيهن , فأحكمهن من دخان الماء وأتقن صنعهن , لا يخفى عليه أيها المنافقون والملحدون الكافرون به من أهل الكتاب , ما تبدون وما تكتمون في أنفسكم , وإن أبدى منافقوكم بألسنتهم قولهم : { آمنا بالله وباليوم الآخر } وهم على التكذيب به منطوون . وكذبت أحباركم بما أتاهم به رسولي من الهدى والنور وهم بصحته عارفون , وجحدوا وكتموا ما قد أخذت عليهم ببيانه لخلقي من أمر محمد ونبوته المواثيق , وهم به عالمون ; بل أنا عالم بذلك وغيره من أموركم , وأمور غيركم , إني بكل شيء عليم . وقوله : { عليم } بمعنى عالم . وروي عن ابن عباس أنه كان يقول : هو الذي قد كمل في علمه . 499 - حدثني المثنى , قال : حدثنا عبد الله بن صالح , قال : حدثنا معاوية بن صالح , قال : حدثني علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال : العالم الذي قد كمل في علمه .
فبدأ بعد تعديده عليهم ما عدد من نعمه التي هم فيها مقيمون بذكر أبينا وأبيهم آدم أبي البشر , صلوات الله عليه , وما سلف منه من كرامته إليه وآلائه لديه , وما أحل به وبعدوه إبليس من عاجل عقوبته بمعصيتهما التي كانت منهما , ومخالفتهما أمره الذي أمرهما به , وما كان من تغمده آدم برحمته إذ تاب وأناب إليه , وما كان من إحلاله بإبليس من لعنته في العاجل , وإعداده له ما أعد له من العذاب المقيم في الآجل إذ استكبر وأبى التوبة إليه والإنابة , منبها لهم على حكمه في المنيبين إليه بالتوبة , وقضائه في المستكبرين عن الإنابة , إعذارا من الله بذلك إليهم وإنذارا لهم , ليتدبروا آياته وليتذكر منهم أولو الألباب . وخاصا أهل الكتاب بما ذكر من قصص آدم وسائر القصص التي ذكرها معها وبعدها مما علمه أهل الكتاب وجهلته الأمة الأمية من مشركي عبدة الأوثان , بالاحتجاج عليهم دون غيرهم من سائر أصناف الأمم الذين لا علم عندهم بذلك لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم , ليعلموا بإخباره إياهم بذلك , أنه لله رسول مبعوث , وأن ما جاءهم به فمن عنده , إذ كان ما اقتص عليهم من هذه القصص من مكنون علومهم , ومصون ما في كتبهم , وخفي أمورهم التي لم يكن يدعي معرفة علمها غيرهم وغير من أخذ عنهم وقرأ كتبهم . وكان معلوما من محمد صلى الله عليه وسلم أنه لم يكن قط كاتبا ولا لأسفارهم تاليا , ولا لأحد منهم مصاحبا ولا مجالسا , فيمكنهم أن يدعوا أنه أخذ ذلك من كتبهم أو عن بعضهم , فقال جل ذكره في تعديده عليهم ما هم فيه مقيمون من نعمه مع كفرهم به , وتركهم شكره عليها مما يجب له عليهم من طاعته : { هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا ثم استوى إلى السماء فسواهن سبع سموات وهو بكل شيء عليم } . فأخبرهم جل ذكره أنه خلق لهم ما في الأرض جميعا , لأن الأرض وجميع ما فيها لبني آدم منافع . أما في الدين فدليل على وحدانية ربهم , وأما في الدنيا فمعاش وبلاغ لهم إلى طاعته وأداء فرائضه ; فلذلك قال جل ذكره : { هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا } وقوله : " هو " مكني من اسم الله جل ذكره , عائد على اسمه في قوله : { كيف تكفرون بالله } . ومعنى خلقه ما خلق جل ثناؤه : إنشاؤه عينه , وإخراجه من حال العدم إلى الوجود . و " ما " بمعنى " الذي " . فمعنى الكلام إذا : كيف تكفرون بالله وقد كنتم نطفا في أصلاب آبائكم , فجعلكم بشرا أحياء , ثم يميتكم , ثم هو محييكم بعد ذلك , وباعثكم يوم الحشر للثواب والعقاب , وهو المنعم عليكم بما خلق لكم في الأرض من معايشكم وأدلتكم على وحدانية ربكم . و " كيف " بمعنى التعجب والتوبيخ لا بمعنى الاستفهام , كأنه قال : ويحكم كيف تكفرون بالله , كما قال : { فأين تذهبون } 81 26 وحل قوله : { وكنتم أمواتا فأحياكم } محل الحال , وفيه إضمار " قد " , ولكنها حذفت لما في الكلام من الدليل عليها . وذلك أن " فعل " إذا حلت محل الحال كان معلوما أنها مقتضية " قد " , كما قال جل ثناؤه : { أو جاءوكم حصرت صدورهم } 4 90 بمعنى : قد حصرت صدورهم وكما تقول للرجل : أصبحت كثرت ماشيتك , تريد : قد كثرت ماشيتك . وبنحو الذي قلنا { هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا } في قوله : { هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا } كان قتادة يقول : 490 - حدثنا بشر بن معاذ , قال : حدثنا يزيد , عن سعيد , عن قتادة قوله : { هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا } نعم والله سخر لكم ما في الأرض .
القول في تأويل قوله تعالى : { ثم استوى إلى السماء فسواهن سبع سموات } قال أبو جعفر : اختلف في تأويل قوله : { ثم استوى إلى السماء } فقال بعضهم : معنى استوى إلى السماء , أقبل عليها , كما تقول : كان فلان مقبلا على فلان ثم استوى على يشاتمني واستوى إلي يشاتمني , بمعنى : أقبل علي وإلي يشاتمني . واستشهد على أن الاستواء بمعنى الإقبال بقول الشاعر : أقول وقد قطعن بنا شروري سوامد واستوين من الضجوع فزعم أنه عنى به أنهن خرجن من الضجوع , وكان ذلك عنده بمعنى أقبلن . وهذا من التأويل في هذا البيت خطأ , وإنما معنى قوله : " واستوين من الضجوع " عندي : استوين على الطريق من الضجوع خارجات , بمعنى استقمن عليه . وقال بعضهم : لم يكن ذلك من الله جل ذكره بتحول , ولكنه بمعنى فعله , كما تقول : كان الخليفة في أهل العراق يواليهم ثم تحول إلى الشام , إنما يريد تحول فعله . وقال بعضهم : قوله { ثم استوى إلى السماء } يعني به : استوت كما قال الشاعر : أقول له لما استوى في ترابه على أي دين قتل الناس مصعب وقال بعضهم : { ثم استوى إلى السماء } : عمد إليها . وقال : بل كل تارك عملا كان فيه إلى آخره فهو مستو لما عمد ومستو إليه . وقال بعضهم : الاستواء : هو العلو , والعلو : هو الارتفاع . وممن قال ذلك الربيع بن أنس . 491 - حدثت بذلك عن عمار بن الحسن , قال : حدثنا عبد الله بن أبي جعفر عن أبيه عن الربيع بن أنس : { ثم استوى إلى السماء } يقول : ارتفع إلى السماء . ثم اختلف متأولو الاستواء بمعنى العلو والارتفاع في الذي استوى إلى السماء , فقال بعضهم : الذي استوى إلى السماء وعلا عليها : هو خالقها ومنشئها . وقال بعضهم : بل العالي إليها الدخان الذي جعله الله للأرض سماء . قال أبو جعفر : الاستواء في كلام العرب منصرف على وجوه : منها انتهاء شباب الرجل وقوته , فيقال إذا صار كذلك : قد استوى الرجل , ومنها استقامة ما كان فيه أود من الأمور والأسباب , يقال منه : استوى لفلان أمره : إذا استقام له بعد أود . ومنه قول الطرماح بن حكيم : طال على رسم مهدد أبده وعفا واستوى به بلده يعني : استقام به . ومنها الإقبال على الشيء بالفعل , كما يقال : استوى فلان على فلان بما يكرهه ويسوءه بعد الإحسان إليه . ومنها الاحتياز والاستيلاء كقولهم : استوى فلان على المملكة , بمعنى احتوى عليها وحازها . ومنها العلو والارتفاع , كقول القائل : استوى فلان على سريره , يعني به علوه عليه . وأولى المعافي بقول الله جل ثناؤه : { ثم استوى إلى السماء فسواهن } علا عليهن وارتفع فدبرهن بقدرته وخلقهن سبع سموات . والعجب ممن أنكر المعنى المفهوم من كلام العرب في تأويل قول الله : { ثم استوى إلى السماء } الذي هو بمعنى العلو والارتفاع هربا عند نفسه من أن يلزمه بزعمه إذا تأوله بمعناه المفهم كذلك أن يكون إنما علا وارتفع بعد أن كان تحتها , إلى أن تأوله بالمجهول من تأويله المستنكر , ثم لم ينج مما هرب منه . فيقال له : زعمت أن تأويل قوله : { استوى } أقبل , أفكان مدبرا عن السماء فأقبل إليها ؟ فإن زعم أن ذلك ليس بإقبال فعل ولكنه إقبال تدبير , قيل له : فكذلك فقل : علا عليها علو ملك وسلطان لا علو انتقال وزوال . ثم لن يقول في شيء من ذلك قولا إلا ألزم في الآخر مثله , ولولا أنا كرهنا إطالة الكتاب بما ليس من جنسه لأنبأنا عن فساد قول كل قائل قال في ذلك قولا لقول أهل الحق فيه مخالفا , وفيما بينا منه ما يشرف بذي الفهم على ما فيه له الكفاية إنه شاء الله تعالى . قال أبو جعفر : وإن قال لنا قائل : أخبرنا عن استواء الله جل ثناؤه إلى السماء , كان قبل خلق السماء أم بعده ؟ قيل : بعده , وقبل أن يسويهن سبع سموات , كما قال جل ثناؤه : { ثم استوى إلى السماء وهي دخان فقال لها وللأرض ائتيا طوعا أو كرها } 41 11 والاستواء كان بعد أن خلقها دخانا , وقبل أن يسويها سبع سموات . وقال بعضهم : إنما قال استوى إلى السماء ولا سماء , كقول الرجل لآخر : " اعمل هذا الثوب " وإنما معه غزل . وأما قوله { فسواهن } فإنه يعني هيأهن وخلقهن ودبرهن وقومهن , والتسوية في كلام العرب : التقويم والإصلاح والتوطئة , كما يقال : سوى فلان لفلان هذا الأمر : إذا قومه وأصلحه ووطأه له . فكذلك تسوية الله جل ثناؤه سمواته : تقويمه إياهن على مشيئته , وتدبيره لهن على إرادته , وتفتيقهن بعد ارتتاقهن كما : 492 - حدثت عن عمار , قال : حدثنا ابن أبي جعفر , عن أبيه , عن الربيع بن أنس : { فسواهن سبع سموات } يقول : سوى خلقهن وهو بكل شيء عليم . وقال جل ذكره : { فسواهن } فأخرج مكنيهن مخرج مكني الجمع . وقد قال قبل : { ثم استوى إلى السماء } فأخرجها على تقدير الواحد . وإنما أخرج مكنيهن مخرج مكني الجمع ; لأن السماء جمع واحدها سماوة , فتقدير واحدتها وجمعها إذا تقدير بقرة وبقر ونخلة ونخل وما أشبه ذلك ; ولذلك أنثت مرة , فقيل : هذه سماء , وذكرت أخرى فقيل : { السماء منفطر به } 73 18 كما يفعل ذلك بالجمع الذي لا فرق بينه وبين واحدة غير دخول الهاء وخروجها , فيقال : هذا بقر وهذه بقر , وهذا نخل وهذه نخل , وما أشبه ذلك . وكان بعض أهل العربية يزعم أن السماء واحدة , غير أنها تدل على السموات , فقيل : { فسواهن } يراد بذلك التي ذكرت , وما دلت عليه من سائر السموات التي لم تذكر معها . قال : وإنما تذكر إذا ذكرت وهي مؤنثة , فيقال : { السماء منفطر به } كما يذكر المؤنث , وكما قال الشاعر : فلا مزنة ودقت ودقها ولا أرض أبقل إبقالها وكما قال أعشى بني ثعلبة : فإما تري لمتي بدلت فإن الحوادث أزرى بها وقال بعضهم : السماء وإن كانت سماء فوق سماء , وأرضا فوق أرض , فهي في التأويل واحدة إن شئت , ثم تكون تلك الواحدة جماعا , كما يقال : ثوب أخلاق وأسمال , وبرمة أعشار للمتكسرة , وبرمة أكسار وأجبار , وأخلاق : أي أن نواحيه أخلاق . فإن قال لنا قائل : فإنك قد قلت : إن الله جل ثناؤه استوى إلى السماء وهي دخان قبل أن يسويها سبع سموات , ثم سواها سبعا بعد استوائه إليها , فكيف زعمت أنها جماع ؟ قيل : إنهن كن سبعا غير مستويات , فلذلك قال جل ذكره : فسواهن سبعا ; كما : 493 - حدثني محمد بن حميد , قال : حدثنا سلمة بن الفضل , قال : قال محمد بن إسحاق : كان أول ما خلق الله تبارك وتعالى : النور والظلمة , ثم ميز بينهما فجعل الظلمة ليلا أسود مظلما , وجعل النور نهارا مضيئا مبصرا , ثم سمك السموات السبع من دخان - يقال والله أعلم من دخان الماء - حتى استقللن ولم يحبكهن , وقد أغطش في السماء الدنيا ليلها وأخرج ضحاها , فجرى فيها الليل والنهار , وليس فيها شمس ولا قمر ولا نجوم , ثم دحى الأرض , وأرساها بالجبال , وقدر فيها الأقوات , وبث فيها ما أراد من الخلق , ففرغ من الأرض وما قدر فيها من أقواتها في أربعة أيام . ثم استوى إلى السماء وهي دخان كما قال فحبكهن , وجعل في السماء الدنيا شمسها وقمرها ونجومها , وأوحى في كل سماء أمرها , فأكمل خلقهن في يومين . ففرغ من خلق السموات والأرض في ستة أيام , ثم استوى في اليوم السابع فوق سمواته , ثم قال للسموات والأرض : { ائتيا طوعا أو كرها } لما أردت بكما , فاطمئنا عليه طوعا أو كرها , قالتا : أتينا طائعين . فقد أخبر ابن إسحاق أن الله جل ثناؤه استوى إلى السماء بعد خلقه الأرض وما فيها وهن سبع من دخان , فسواهن كما وصف . وإنما استشهدنا لقولنا الذي قلنا في ذلك بقول ابن إسحاق لأنه أوضح بيانا عن خبر السموات أنهن كن سبعا من دخان قبل استواء ربنا إليها بتسويتها من غيره , وأحسن شرحا لما أردنا الاستدلال به من أن معنى السماء التي قال الله فيها : { ثم استوى إلى السماء } بمعنى الجمع على ما وصفنا , وأنه إنما قال جل ثناؤه : { فسواهن } إذ كانت السماء بمعنى الجمع على ما بينا . قال أبو جعفر : فإن قال لنا قائل : فما صفة تسوية الله جل ثناؤه السموات التي ذكرها في قوله : { فسواهن } إذ كن قد خلقن سبعا قبل تسويته إياهن ؟ وما وجه ذكر خلقهن بعد ذكر خلق الأرض , ألأنها خلقت قبلها , أم بمعنى غير ذلك ؟ قيل : قد ذكرنا ذلك في الخبر الذي رويناه عن ابن إسحاق , ونزيد ذلك توكيدا بما انضم إليه من أخبار بعض السلف المتقدمين وأقوالهم . 494 - فحدثني موسى بن هارون , قال : حدثنا عمرو بن حماد , قال : حدثنا أسباط عن السدي في خبر ذكره عن أبي مالك , وعن أبي صالح , عن ابن عباس , وعن مرة , عن ابن مسعود , وعن ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم : { هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا ثم استوى إلى السماء فسواهن سبع سموات } : قال : إن الله تبارك وتعالى كان عرشه على الماء , ولم يخلق شيئا غير ما خلق قبل الماء , فلما أراد أن يخلق الخلق أخرج من الماء دخانا , فارتفع فوق الماء فسما عليه , فسماه سماء , ثم أيبس الماء فجعله أرضا واحدة , ثم فتقها فجعل سبع أرضين في يومين في الأحد والاثنين , فخلق الأرض على حوت , والحوت هو النون الذي ذكره الله في القرآن : { ن والقلم } 68 1 والحوت في الماء والماء على ظهر صفاة , والصفاة على ظهر ملك , والملك على صخرة , والصخرة في الريح - وهي الصخرة التي ذكر لقمان - ليست في السماء ولا في الأرض . فتحرك الحوت فاضطرب , فتزلزلت الأرض , فأرسى عليها الجبال فقرت , فالجبال تفخر على الأرض , فذلك قوله : { وجعل لها رواسي أن تميد بكم } وخلق الجبال فيها وأقوات أهلها وشجرها وما ينبغي لها في يومين في الثلاثاء والأربعاء , وذلك حين يقول : { أإنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين وتجعلون له أندادا ذلك رب العالمين وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها } يقول : أنبت شجرها { وقدر فيها أقواتها } يقول أقواتها لأهلها { في أربعة أيام سواء للسائلين } يقول : قل لمن يسألك هكذا الأمر { ثم استوى إلى السماء وهي دخان } 41 11 وكان ذلك الدخان من تنفس الماء حين تنفس , فجعلها سماء واحدة , ثم فتقها فجعلها سبع سموات في يومين في الخميس والجمعة , وإنما سمي يوم الجمعة لأنه جمع فيه خلق السموات والأرض { وأوحى في كل سماء أمرها } قال : خلق في كل سماء خلقها من الملائكة والخلق الذي فيها , من البحار وجبال البرد وما لا يعلم . ثم زين السماء الدنيا بالكواكب , فجعلها زينة وحفظا تحفظ من الشياطين . فلما فرغ من خلق ما أحب استوى على العرش , فذلك حين يقول : { خلق السموات والأرض في ستة أيام } 7 54 يقول : { كانتا رتقا ففتقناهما } 21 30 495 - وحدثني الحسن بن يحيى , قال : أخبرنا عبد الرزاق , قال : أخبرنا معمر عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد في قوله : { هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا ثم استوى إلى السماء } قال : خلق الأرض قبل السماء , فلما خلق الأرض ثار منها دخان , فذلك حين يقول : { ثم استوى إلى السماء فسواهن سبع سموات } قال : بعضهن فوق بعض , وسبع أرضين بعضهن تحت بعض . 496 - وحدثنا الحسن بن يحيى , قال : أنبأنا عبد الرزاق , قال : أخبرنا معمر , عن قتادة في قوله : { فسواهن سبع سموات } قال : بعضهن فوق بعض , بين كل سماءين مسيرة خمسمائة عام . 497 - وحدثنا المثنى , قال : حدثنا أبو صالح , قال : حدثني معاوية بن صالح , عن علي بن أبي طلحة , عن ابن عباس في قوله حيث ذكر خلق الأرض قبل السماء , ثم ذكر السماء قبل الأرض , وذلك أن الله خلق الأرض بأقواتها من غير أن يدحوها قبل السماء , ثم استوى إلى السماء فسواهن سبع سموات , ثم دحا الأرض بعد ذلك فذلك قوله : { والأرض بعد ذلك دحاها } 79 30 498 - وحدثني المثنى , قال : حدثنا عبد الله بن صالح , قال : حدثني أبو معشر , عن سعيد بن أبي سعيد , عن عبد الله بن سلام أنه قال : إن الله بدأ الخلق يوم الأحد , فخلق الأرضين في الأحد والاثنين , وخلق الأقوات والرواسي في الثلاثاء والأربعاء , وخلق السموات في الخميس والجمعة , وفرغ في آخر ساعة من يوم الجمعة , فخلق فيها آدم على عجل ; فتلك الساعة التي تقوم فيها الساعة . قال أبو جعفر : فمعنى الكلام إذا : هو الذي أنعم عليكم , فخلق لكم ما في الأرض جميعا وسخره لكم تفضلا منه بذلك عليكم , ليكون لكم بلاغا في دنياكم , ومتاعا إلى موافاة آجالكم , ودليلا لكم على وحدانية ربكم . ثم علا إلى السموات السبع وهي دخان , فسواهن وحبكهن , وأجرى في بعضهن شمسه وقمره ونجومه , وقدر في كل واحدة منهن ما قدر من خلقه .
القول في تأويل قوله تعالى : { وهو بكل شيء عليم } . يعني بقوله جل جلاله : { وهو } نفسه وبقوله : { بكل شيء عليم } : أن الذي خلقكم وخلق لكم ما في الأرض جميعا , وسوى السموات السبع بما فيهن , فأحكمهن من دخان الماء وأتقن صنعهن , لا يخفى عليه أيها المنافقون والملحدون الكافرون به من أهل الكتاب , ما تبدون وما تكتمون في أنفسكم , وإن أبدى منافقوكم بألسنتهم قولهم : { آمنا بالله وباليوم الآخر } وهم على التكذيب به منطوون . وكذبت أحباركم بما أتاهم به رسولي من الهدى والنور وهم بصحته عارفون , وجحدوا وكتموا ما قد أخذت عليهم ببيانه لخلقي من أمر محمد ونبوته المواثيق , وهم به عالمون ; بل أنا عالم بذلك وغيره من أموركم , وأمور غيركم , إني بكل شيء عليم . وقوله : { عليم } بمعنى عالم . وروي عن ابن عباس أنه كان يقول : هو الذي قد كمل في علمه . 499 - حدثني المثنى , قال : حدثنا عبد الله بن صالح , قال : حدثنا معاوية بن صالح , قال : حدثني علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال : العالم الذي قد كمل في علمه .