كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ يميتكم ثم يحييكم ثم إليه ترجعون " القول في تأويل قوله تعالى : { كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتا فأحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم ثم إليه ترجعون } اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك . فقال بعضهم بما : 480 - حدثني به موسى بن هارون , قال : حدثنا عمرو بن حماد , قال : حدثنا أسباط , عن السدي في خبر ذكره عن أبي مالك , وعن أبي صالح , عن ابن عباس , وعن مرة , عن ابن مسعود , وعن ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم : { كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتا فأحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم } يقول : لم تكونوا شيء فخلقكم ثم يميتكم ثم يحييكم يوم القيامة . 481 - وحدثنا محمد بن بشار , قال : حدثنا عبد الرحمن بن مهدي , قال : حدثنا سفيان , عن أبي إسحاق , عن أبي الأحوص , عن عبد الله في قوله : { أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين } 40 11 قال : هي كالتي في البقرة : { كنتم أمواتا فأحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم } 482 - وحدثني أبو حصين عبد الله بن أحمد بن عبد الله بن يونس , قال : حدثنا عبثر , قال : حدثنا حصين عن أبي مالك في قوله : { أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين } 40 11 قال : خلقتنا ولم نكن شيء , ثم أمتنا , ثم أحييتنا . * وحدثني يعقوب بن إبراهيم قال : حدثنا هشيم , عن حصين , عن أبي مالك في قوله : { أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين } 40 11 قال : كانوا أمواتا فأحياهم الله , ثم أماتهم , ثم أحياهم . 483 - وحدثنا القاسم , قال : حدثنا الحسين بن داود , قال : حدثني حجاج , عن ابن جريج , عن مجاهد في قوله : { كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتا فأحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم } قال : لم تكونوا شيئا حين خلقكم , ثم يميتكم الموتة الحق , ثم يحييكم . وقوله : { أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين } 40 11 مثلها . 484 - وحدثنا القاسم , قال : حدثنا الحسين , قال : حدثني حجاج عن ابن جريج قال : حدثني عطاء الخراساني , عن ابن عباس قال : هو قوله : { أمتنا اثنين وأحييتنا اثنين } 40 11 485 - وحدثت عن عمار بن الحسن , قال : حدثنا عبد الله بن أبي جعفر , عن أبيه , عن الربيع , قال : حدثني أبو العالية في قول الله : { كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتا } يقول : حين لم يكونوا شيئا , ثم أحياهم حين خلقهم , ثم أماتهم , ثم أحياهم يوم القيامة , ثم رجعوا إليه بعد الحياة . 486 - وحدثت عن المنجاب قال : حدثنا بشر بن عمارة , عن أبي روق , عن الضحاك , عن ابن عباس في قوله : { أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين } قال : كنتم ترابا قبل أن يخلقكم فهذه ميتة , ثم أحياكم فخلقكم فهذه إحياءة , ثم يميتكم فترجعون إلى القبور فهذه ميتة أخرى , ثم يبعثكم يوم القيامة فهذه إحياءة ; فهما ميتتان وحياتان , فهو قوله : { كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتا فأحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم ثم إليه ترجعون } . وقال آخرون بما 487 - حدثنا به أبو كريب , قال : حدثنا وكيع , عن سفيان , عن السدي , عن أبي صالح : { كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتا فأحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم ثم إليه ترجعون } قال : يحييكم في القبر , ثم يميتكم . وقال آخرون بما : 488 - حدثنا به بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد بن زريع , عن سعيد , عن قتادة قوله : { كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتا } الآية . قال : كانوا أمواتا في أصلاب آبائهم , فأحياهم الله وخلقهم , ثم أماتهم الموتة التي لا بد منها , ثم أحياهم للبعث يوم القيامة ; فهما حياتان وموتتان . وقال بعضهم بما : 489 - حدثني به يونس , قال : أنبأنا ابن وهب , قال : قال ابن زيد في قول الله تعالى : { ربنا أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين } 40 11 قال : خلقهم من ظهر آدم حين أخذ عليهم الميثاق . وقرأ : { وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم } حتى بلغ : { أو تقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم أفتهلكنا بما فعل المبطلون } 7 172 : 173 قال : فكسبهم العقل وأخذ عليهم الميثاق . قال : وانتزع ضلعا من أضلاع آدم القصيري , فخلق منه حواء , ذكره عن النبي صلى الله عليه وسلم . قال : وذلك قول الله تعالى : { يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء } 4 1 قال : وبث منهما بعد ذلك في الأرحام خلقا كثيرا , وقرأ : { يخلقكم في بطون أمهاتكم خلقا من بعد خلق } 39 6 قال : خلقا بعد ذلك . قال : فلما أخذ عليهم الميثاق أماتهم ثم خلقهم في الأرحام , ثم أماتهم ثم أحياهم يوم القيامة , فذلك قول الله : { ربنا أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين فاعترفنا بذنوبنا } 40 11 وقرأ قول الله : { وأخذنا منهم ميثاقا غليظا } 33 7 قال : يومئذ . قال : وقرأ قول الله : { واذكروا نعمة الله عليكم وميثاقه الذي واثقكم به إذ قلتم سمعنا وأطعنا } 5 7 قال أبو جعفر : ولكل قول من هذه الأقوال التي حكيناها عمن رويناها عنه وجه ومذهب من التأويل . فأما وجه تأويل من تأول قوله : { كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتا فأحياكم } أي لم تكونوا شيئا , فإنه ذهب إلى نحو قول العرب للشيء الدارس والأمر الخامل الذكر : هذا شيء ميت , وهذا أمر ميت ; يراد بوصفه بالموت خمول ذكره ودروس أثره من الناس . وكذلك يقال في ضد ذلك وخلافه : هذا أمر حي , وذكر حي ; يراد بوصفه بذلك أنه نابه متعالم في الناس كما قال أبو نخيلة السعدي : فأحييت لي ذكري وما كنت خاملا ولكن بعض الذكر أنبه من بعض يريد بقوله : " فأحييت لي ذكري " : أي رفعته وشهرته في الناس حتى نبه فصار مذكورا حيا بعد أن كان خاملا ميتا . فكذلك تأويل قول من قال في قوله : { وكنتم أمواتا } لم تكونوا شيئا : أي كنتم خمولا لا ذكر لكم , وذلك كان موتكم , فأحياكم فجعلكم بشرا أحياء تذكرون وتعرفون , ثم يميتكم بقبض أرواحكم وإعادتكم كالذي كنتم قبل أن يحييكم من دروس ذكركم , وتعفي آثاركم , وخمول أموركم ; ثم يحييكم بإعادة أجسامكم إلى هيئاتها ونفخ الروح فيها وتصييركم بشرا كالذي كنتم قبل الإماتة لتعارفوا في بعثكم وعند حشركم . وأما وجه تأويل من تأول ذلك أنه الإماتة التي هي خروج الروح من الجسد , فإنه ينبغي أن يكون ذهب بقوله : { وكنتم أمواتا } إلى أنه خطاب لأهل القبور بعد إحيائهم في قبورهم . وذلك معنى بعيد , لأن التوبيخ هنالك إنما هو توبيخ على ما سلف وفرط من إجرامهم لا استعتاب واسترجاع وقوله جل ذكره : { كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتا } توبيخ مستعتب عباده , وتأنيب مسترجع خلقه من المعاصي إلى الطاعة ومن الضلالة إلى الإنابة , ولا إنابة في القبور بعد الممات ولا توبة فيها بعد الوفاة . وأما وجه تأويل قول قتادة ذلك : أنهم كانوا أمواتا في أصلاب آبائهم . فإنه عنى بذلك أنهم كانوا نطفا لا أرواح فيها , فكانت بمعنى سائر الأشياء الموات التي لا أرواح فيها . وإحياؤه إياها تعالى ذكره : نفخه الأرواح فيها وإماتته إياهم بعد ذلك قبضه أرواحهم , وإحياؤه إياهم بعد ذلك : نفخ الأرواح في أجسامهم يوم ينفخ في الصور ويبعث الخلق للموعود . وأما ابن زيد فقد أبان عن نفسه ما قصد بتأويله ذلك , وأن الإماتة الأولى عند إعادة الله جل ثناؤه عباده في أصلاب آبائهم بعد ما أخذهم من صلب آدم , وأن الإحياء الآخر : هو نفخ الأرواح فيهم في بطون أمهاتهم , وأن الإماتة الثانية هي قبض أرواحهم للعود إلى التراب والمصير في البرزخ إلى اليوم البعث , وأن الإحياء الثالث : هو نفخ الأرواح فيهم لبعث الساعة ونشر القيامة . وهذا تأويل إذا تدبره المتدبر وجده خلافا لظاهر قول الله الذي زعم مفسره أن الذي وصفنا من قوله تفسيره . وذلك أن الله جل ثناؤه أخبر في كتابه عن الذين أخبر عنهم من خلقه أنهم قالوا : { ربنا أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين } 40 11 وزعم ابن زيد في تفسيره أن الله أحياهم ثلاث إحياءات , وأماتهم ثلاث إماتات . والأمر عندنا وإن كان فيما وصف من استخراج الله جل ذكره من صلب آدم ذريته , وأخذه ميثاقه عليهم كما وصف , فليس ذلك من تأويل هاتين الآيتين , أعني قوله : { كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتا } الآية , وقوله : { ربنا أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين } 40 11 في شيء ; لأن أحدا لم يدع أن الله أمات من ذرأ يومئذ غير الإماتة التي صار بها في البرزخ إلى يوم البعث , فيكون جائزا أن يوجه تأويل الآية إلى ما وجهه إليه ابن زيد . وقال بعضهم : الموتة الأولى : مفارقة نطفة الرجل جسده إلى رحم المرأة , فهي ميتة من لدن فراقها جسده إلى نفخ الروح فيها , ثم يحييها الله بنفخ الروح فيها فيجعلها بشرا سويا بعد تارات تأتي عليها , ثم يميته الميتة الثانية بقبض الروح منه . فهو في البرزخ ميت إلى يوم ينفخ في الصور فيرد في جسده روحه , فيعود حيا سويا لبعث القيامة ; فذلك موتتان وحياتان . وإنما دعا هؤلاء إلى هذا القول لأنهم قالوا : موت ذي الروح مفارقة الروح إياه , فزعموا أن كل شيء من ابن آدم حي ما لم يفارق جسده الحي ذا الروح , فكل ما فارق جسده الحي ذا الروح فارقته الحياة فصار ميتا , كالعضو من أعضائه مثل اليد من يديه , والرجل من رجليه لو قطعت وأبينت , والمقطوع ذلك منه حي , كان الذي بان من جسده ميتا لا روح فيه بفراقه سائر جسده الذي فيه الروح . قالوا : فكذلك نطفته حية بحياته ما لم تفارق جسده ذا الروح , فإذا فارقته مباينة له صارت ميتة , نظير ما وصفنا من حكم اليد والرجل وسائر أعضائه , وهذا قول ووجه من التأويل لو كان به قائل من أهل القدوة الذين يرتضى للقرآن تأويلهم . وأولى ما ذكرنا من الأقوال التي بينا بتأويل قول الله جل ذكره : { كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتا فأحياكم } الآية , القول الذي ذكرناه عن ابن مسعود , وعن ابن عباس , من أن معنى قوله : { وكنتم أمواتا } : أموات الذكر خمولا في أصلاب آبائكم نطفا لا تعرفون ولا تذكرون , فأحياكم بإنشائكم بشرا سويا , حتى ذكرتم وعرفتم وحييتم , ثم يميتكم بقبض أرواحكم وإعادتكم رفاتا لا تعرفون ولا تذكرون في البرزخ إلى يوم تبعثون , ثم يحييكم بعد ذلك بنفخ الأرواح فيكم لبعث الساعة وصيحة القيامة , ثم إلى الله ترجعون بعد ذلك , كما قال : { ثم إليه ترجعون } لأن الله جل ثناؤه يحييهم في قبورهم قبل حشرهم , ثم يحشرهم لموقف الحساب , كما قال جل ذكره : { يوم يخرجون من الأجداث سراعا كأنهم إلى نصب يوفضون } 70 43 وقال : { ونفخ في الصور فإذا هم من الأجداث إلى ربهم ينسلون } 36 51 والعلة التي من أجلها اخترنا هذا التأويل , ما قد قدمنا ذكره للقائلين به وفساد ما خالفه بما قد أوضحناه قبل . وهذه الآية توبيخ من الله جل ثناؤه للقائلين : { آمنا بالله وباليوم الآخر } الذين أخبر الله عنهم أنهم مع قيلهم ذلك بأفواههم غير مؤمنين به , وأنهم إنما يقولون ذلك خداعا لله وللمؤمنين . فعذلهم الله بقوله : { كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتا فأحياكم } ووبخهم واحتج عليهم في نكيرهم ما أنكروا من ذلك , وجحودهم ما جحدوا بقلوبهم المريضة فقال : كيف تكفرون بالله فتجحدون قدرته على إحيائكم بعد إماتتكم وإعادتكم بعد إفنائكم وحشركم إليه لمجازاتكم بأعمالكم . ثم عدد ربنا عليهم وعلى أوليائهم من أحبار اليهود الذين جمع بين قصصهم وقصص المنافقين في كثير من آي هذه السورة التي افتتح الخبر عنهم فيها بقوله : { إن الذين كفروا سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون } : نعمه التي سلفت منه إليهم وإلى آبائهم التي عظمت منهم مواقعها , ثم سلب كثيرا منهم كثيرا منها بما ركبوا من الآثام واجترموا من الإجرام وخالفوا من الطاعة إلى المعصية , يحذرهم بذلك تعجيل العقوبة لهم كالتي عجلها للأسلاف والإفراط قبلهم , ويخوفهم حلول مثلاته بساحتهم كالذي أحل بأوليهم , ويعرفهم ما لهم من النجاة في سرعة الأوبة إليه , وتعجيل التوبة من الخلاص لهم يوم القيامة من العقاب .
يميتكم ثم يحييكم ثم إليه ترجعون " القول في تأويل قوله تعالى : { كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتا فأحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم ثم إليه ترجعون } اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك . فقال بعضهم بما : 480 - حدثني به موسى بن هارون , قال : حدثنا عمرو بن حماد , قال : حدثنا أسباط , عن السدي في خبر ذكره عن أبي مالك , وعن أبي صالح , عن ابن عباس , وعن مرة , عن ابن مسعود , وعن ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم : { كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتا فأحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم } يقول : لم تكونوا شيء فخلقكم ثم يميتكم ثم يحييكم يوم القيامة . 481 - وحدثنا محمد بن بشار , قال : حدثنا عبد الرحمن بن مهدي , قال : حدثنا سفيان , عن أبي إسحاق , عن أبي الأحوص , عن عبد الله في قوله : { أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين } 40 11 قال : هي كالتي في البقرة : { كنتم أمواتا فأحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم } 482 - وحدثني أبو حصين عبد الله بن أحمد بن عبد الله بن يونس , قال : حدثنا عبثر , قال : حدثنا حصين عن أبي مالك في قوله : { أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين } 40 11 قال : خلقتنا ولم نكن شيء , ثم أمتنا , ثم أحييتنا . * وحدثني يعقوب بن إبراهيم قال : حدثنا هشيم , عن حصين , عن أبي مالك في قوله : { أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين } 40 11 قال : كانوا أمواتا فأحياهم الله , ثم أماتهم , ثم أحياهم . 483 - وحدثنا القاسم , قال : حدثنا الحسين بن داود , قال : حدثني حجاج , عن ابن جريج , عن مجاهد في قوله : { كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتا فأحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم } قال : لم تكونوا شيئا حين خلقكم , ثم يميتكم الموتة الحق , ثم يحييكم . وقوله : { أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين } 40 11 مثلها . 484 - وحدثنا القاسم , قال : حدثنا الحسين , قال : حدثني حجاج عن ابن جريج قال : حدثني عطاء الخراساني , عن ابن عباس قال : هو قوله : { أمتنا اثنين وأحييتنا اثنين } 40 11 485 - وحدثت عن عمار بن الحسن , قال : حدثنا عبد الله بن أبي جعفر , عن أبيه , عن الربيع , قال : حدثني أبو العالية في قول الله : { كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتا } يقول : حين لم يكونوا شيئا , ثم أحياهم حين خلقهم , ثم أماتهم , ثم أحياهم يوم القيامة , ثم رجعوا إليه بعد الحياة . 486 - وحدثت عن المنجاب قال : حدثنا بشر بن عمارة , عن أبي روق , عن الضحاك , عن ابن عباس في قوله : { أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين } قال : كنتم ترابا قبل أن يخلقكم فهذه ميتة , ثم أحياكم فخلقكم فهذه إحياءة , ثم يميتكم فترجعون إلى القبور فهذه ميتة أخرى , ثم يبعثكم يوم القيامة فهذه إحياءة ; فهما ميتتان وحياتان , فهو قوله : { كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتا فأحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم ثم إليه ترجعون } . وقال آخرون بما 487 - حدثنا به أبو كريب , قال : حدثنا وكيع , عن سفيان , عن السدي , عن أبي صالح : { كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتا فأحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم ثم إليه ترجعون } قال : يحييكم في القبر , ثم يميتكم . وقال آخرون بما : 488 - حدثنا به بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد بن زريع , عن سعيد , عن قتادة قوله : { كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتا } الآية . قال : كانوا أمواتا في أصلاب آبائهم , فأحياهم الله وخلقهم , ثم أماتهم الموتة التي لا بد منها , ثم أحياهم للبعث يوم القيامة ; فهما حياتان وموتتان . وقال بعضهم بما : 489 - حدثني به يونس , قال : أنبأنا ابن وهب , قال : قال ابن زيد في قول الله تعالى : { ربنا أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين } 40 11 قال : خلقهم من ظهر آدم حين أخذ عليهم الميثاق . وقرأ : { وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم } حتى بلغ : { أو تقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم أفتهلكنا بما فعل المبطلون } 7 172 : 173 قال : فكسبهم العقل وأخذ عليهم الميثاق . قال : وانتزع ضلعا من أضلاع آدم القصيري , فخلق منه حواء , ذكره عن النبي صلى الله عليه وسلم . قال : وذلك قول الله تعالى : { يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء } 4 1 قال : وبث منهما بعد ذلك في الأرحام خلقا كثيرا , وقرأ : { يخلقكم في بطون أمهاتكم خلقا من بعد خلق } 39 6 قال : خلقا بعد ذلك . قال : فلما أخذ عليهم الميثاق أماتهم ثم خلقهم في الأرحام , ثم أماتهم ثم أحياهم يوم القيامة , فذلك قول الله : { ربنا أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين فاعترفنا بذنوبنا } 40 11 وقرأ قول الله : { وأخذنا منهم ميثاقا غليظا } 33 7 قال : يومئذ . قال : وقرأ قول الله : { واذكروا نعمة الله عليكم وميثاقه الذي واثقكم به إذ قلتم سمعنا وأطعنا } 5 7 قال أبو جعفر : ولكل قول من هذه الأقوال التي حكيناها عمن رويناها عنه وجه ومذهب من التأويل . فأما وجه تأويل من تأول قوله : { كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتا فأحياكم } أي لم تكونوا شيئا , فإنه ذهب إلى نحو قول العرب للشيء الدارس والأمر الخامل الذكر : هذا شيء ميت , وهذا أمر ميت ; يراد بوصفه بالموت خمول ذكره ودروس أثره من الناس . وكذلك يقال في ضد ذلك وخلافه : هذا أمر حي , وذكر حي ; يراد بوصفه بذلك أنه نابه متعالم في الناس كما قال أبو نخيلة السعدي : فأحييت لي ذكري وما كنت خاملا ولكن بعض الذكر أنبه من بعض يريد بقوله : " فأحييت لي ذكري " : أي رفعته وشهرته في الناس حتى نبه فصار مذكورا حيا بعد أن كان خاملا ميتا . فكذلك تأويل قول من قال في قوله : { وكنتم أمواتا } لم تكونوا شيئا : أي كنتم خمولا لا ذكر لكم , وذلك كان موتكم , فأحياكم فجعلكم بشرا أحياء تذكرون وتعرفون , ثم يميتكم بقبض أرواحكم وإعادتكم كالذي كنتم قبل أن يحييكم من دروس ذكركم , وتعفي آثاركم , وخمول أموركم ; ثم يحييكم بإعادة أجسامكم إلى هيئاتها ونفخ الروح فيها وتصييركم بشرا كالذي كنتم قبل الإماتة لتعارفوا في بعثكم وعند حشركم . وأما وجه تأويل من تأول ذلك أنه الإماتة التي هي خروج الروح من الجسد , فإنه ينبغي أن يكون ذهب بقوله : { وكنتم أمواتا } إلى أنه خطاب لأهل القبور بعد إحيائهم في قبورهم . وذلك معنى بعيد , لأن التوبيخ هنالك إنما هو توبيخ على ما سلف وفرط من إجرامهم لا استعتاب واسترجاع وقوله جل ذكره : { كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتا } توبيخ مستعتب عباده , وتأنيب مسترجع خلقه من المعاصي إلى الطاعة ومن الضلالة إلى الإنابة , ولا إنابة في القبور بعد الممات ولا توبة فيها بعد الوفاة . وأما وجه تأويل قول قتادة ذلك : أنهم كانوا أمواتا في أصلاب آبائهم . فإنه عنى بذلك أنهم كانوا نطفا لا أرواح فيها , فكانت بمعنى سائر الأشياء الموات التي لا أرواح فيها . وإحياؤه إياها تعالى ذكره : نفخه الأرواح فيها وإماتته إياهم بعد ذلك قبضه أرواحهم , وإحياؤه إياهم بعد ذلك : نفخ الأرواح في أجسامهم يوم ينفخ في الصور ويبعث الخلق للموعود . وأما ابن زيد فقد أبان عن نفسه ما قصد بتأويله ذلك , وأن الإماتة الأولى عند إعادة الله جل ثناؤه عباده في أصلاب آبائهم بعد ما أخذهم من صلب آدم , وأن الإحياء الآخر : هو نفخ الأرواح فيهم في بطون أمهاتهم , وأن الإماتة الثانية هي قبض أرواحهم للعود إلى التراب والمصير في البرزخ إلى اليوم البعث , وأن الإحياء الثالث : هو نفخ الأرواح فيهم لبعث الساعة ونشر القيامة . وهذا تأويل إذا تدبره المتدبر وجده خلافا لظاهر قول الله الذي زعم مفسره أن الذي وصفنا من قوله تفسيره . وذلك أن الله جل ثناؤه أخبر في كتابه عن الذين أخبر عنهم من خلقه أنهم قالوا : { ربنا أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين } 40 11 وزعم ابن زيد في تفسيره أن الله أحياهم ثلاث إحياءات , وأماتهم ثلاث إماتات . والأمر عندنا وإن كان فيما وصف من استخراج الله جل ذكره من صلب آدم ذريته , وأخذه ميثاقه عليهم كما وصف , فليس ذلك من تأويل هاتين الآيتين , أعني قوله : { كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتا } الآية , وقوله : { ربنا أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين } 40 11 في شيء ; لأن أحدا لم يدع أن الله أمات من ذرأ يومئذ غير الإماتة التي صار بها في البرزخ إلى يوم البعث , فيكون جائزا أن يوجه تأويل الآية إلى ما وجهه إليه ابن زيد . وقال بعضهم : الموتة الأولى : مفارقة نطفة الرجل جسده إلى رحم المرأة , فهي ميتة من لدن فراقها جسده إلى نفخ الروح فيها , ثم يحييها الله بنفخ الروح فيها فيجعلها بشرا سويا بعد تارات تأتي عليها , ثم يميته الميتة الثانية بقبض الروح منه . فهو في البرزخ ميت إلى يوم ينفخ في الصور فيرد في جسده روحه , فيعود حيا سويا لبعث القيامة ; فذلك موتتان وحياتان . وإنما دعا هؤلاء إلى هذا القول لأنهم قالوا : موت ذي الروح مفارقة الروح إياه , فزعموا أن كل شيء من ابن آدم حي ما لم يفارق جسده الحي ذا الروح , فكل ما فارق جسده الحي ذا الروح فارقته الحياة فصار ميتا , كالعضو من أعضائه مثل اليد من يديه , والرجل من رجليه لو قطعت وأبينت , والمقطوع ذلك منه حي , كان الذي بان من جسده ميتا لا روح فيه بفراقه سائر جسده الذي فيه الروح . قالوا : فكذلك نطفته حية بحياته ما لم تفارق جسده ذا الروح , فإذا فارقته مباينة له صارت ميتة , نظير ما وصفنا من حكم اليد والرجل وسائر أعضائه , وهذا قول ووجه من التأويل لو كان به قائل من أهل القدوة الذين يرتضى للقرآن تأويلهم . وأولى ما ذكرنا من الأقوال التي بينا بتأويل قول الله جل ذكره : { كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتا فأحياكم } الآية , القول الذي ذكرناه عن ابن مسعود , وعن ابن عباس , من أن معنى قوله : { وكنتم أمواتا } : أموات الذكر خمولا في أصلاب آبائكم نطفا لا تعرفون ولا تذكرون , فأحياكم بإنشائكم بشرا سويا , حتى ذكرتم وعرفتم وحييتم , ثم يميتكم بقبض أرواحكم وإعادتكم رفاتا لا تعرفون ولا تذكرون في البرزخ إلى يوم تبعثون , ثم يحييكم بعد ذلك بنفخ الأرواح فيكم لبعث الساعة وصيحة القيامة , ثم إلى الله ترجعون بعد ذلك , كما قال : { ثم إليه ترجعون } لأن الله جل ثناؤه يحييهم في قبورهم قبل حشرهم , ثم يحشرهم لموقف الحساب , كما قال جل ذكره : { يوم يخرجون من الأجداث سراعا كأنهم إلى نصب يوفضون } 70 43 وقال : { ونفخ في الصور فإذا هم من الأجداث إلى ربهم ينسلون } 36 51 والعلة التي من أجلها اخترنا هذا التأويل , ما قد قدمنا ذكره للقائلين به وفساد ما خالفه بما قد أوضحناه قبل . وهذه الآية توبيخ من الله جل ثناؤه للقائلين : { آمنا بالله وباليوم الآخر } الذين أخبر الله عنهم أنهم مع قيلهم ذلك بأفواههم غير مؤمنين به , وأنهم إنما يقولون ذلك خداعا لله وللمؤمنين . فعذلهم الله بقوله : { كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتا فأحياكم } ووبخهم واحتج عليهم في نكيرهم ما أنكروا من ذلك , وجحودهم ما جحدوا بقلوبهم المريضة فقال : كيف تكفرون بالله فتجحدون قدرته على إحيائكم بعد إماتتكم وإعادتكم بعد إفنائكم وحشركم إليه لمجازاتكم بأعمالكم . ثم عدد ربنا عليهم وعلى أوليائهم من أحبار اليهود الذين جمع بين قصصهم وقصص المنافقين في كثير من آي هذه السورة التي افتتح الخبر عنهم فيها بقوله : { إن الذين كفروا سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون } : نعمه التي سلفت منه إليهم وإلى آبائهم التي عظمت منهم مواقعها , ثم سلب كثيرا منهم كثيرا منها بما ركبوا من الآثام واجترموا من الإجرام وخالفوا من الطاعة إلى المعصية , يحذرهم بذلك تعجيل العقوبة لهم كالتي عجلها للأسلاف والإفراط قبلهم , ويخوفهم حلول مثلاته بساحتهم كالذي أحل بأوليهم , ويعرفهم ما لهم من النجاة في سرعة الأوبة إليه , وتعجيل التوبة من الخلاص لهم يوم القيامة من العقاب .