تفسير بن كثير - سورة البقرة الآية 4

الناقل : elmasry | المصدر : quran.al-islam.com

وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ

القول في تأويل قوله تعالى : { والذين يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك } قد مضى البيان عن المنعوتين بهذا النعت , وأي أجناس الناس هم . غير أنا نذكر ما روي في ذلك عمن روي عنه في تأويله قول : 239 - فحدثنا ابن حميد , قال : حدثنا سلمة , عن محمد بن إسحاق , عن محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت , عن عكرمة , أو عن سعيد بن جبير , عن ابن عباس : { والذين يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك } أي يصدقونك بما جئت به من الله جل وعز , وما جاء به من قبلك من المرسلين , لا يفرقون بينهم ولا يجحدون ما جاءوهم به من عند ربهم . 240 - حدثنا موسى بن هارون , قال : حدثنا عمرو بن حماد , قال : حدثنا أسباط عن السدي في خبر ذكره عن أبي مالك , وعن أبي صالح عن ابن عباس , وعن مرة الهمداني , عن ابن مسعود , وعن ناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم : { والذين يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك وبالآخرة هم يوقنون } هؤلاء المؤمنون من أهل الكتاب .

وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ

القول في تأويل قوله تعالى : { وبالآخرة هم يوقنون } قال أبو جعفر : أما الآخرة , فإنها صفة للدار , كما قال جل ثناؤه : { وإن الدار الآخرة لهي الحيوان لو كانوا يعلمون } 29 64 وإنما وصفت بذلك لمصيرها آخرة لأولى كانت قبلها كما تقول للرجل : أنعمت عليك مرة بعد أخرى فلم تشكر لي الأولى ولا الآخرة . وإنما صارت الآخرة آخرة للأولى , لتقدم الأولى أمامها , فكذلك الدار الآخرة سميت آخرة لتقدم الدار الأولى أمامها , فصارت التالية لها آخرة . وقد يجوز أن تكون سميت آخرة لتأخرها عن الخلق , كما سميت الدنيا دنيا لدنوها من الخلق . وأما الذي وصف الله جل ثناؤه به المؤمنين - بما أنزل إلى نبيه محمد صلى الله عليه وسلم , وما أنزل إلى من قبله من المرسلين - من إيقانهم به من أمر الآخرة , فهو إيقانهم بما كان المشركون به جاحدين , من البعث والنشر والثواب والعقاب والحساب والميزان , وغير ذلك مما أعد الله لخلقه يوم القيامة . كما : 241 - حدثنا به محمد بن حميد , قال : حدثنا سلمة عن محمد بن إسحاق عن محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت , عن عكرمة , أو عن سعيد بن جبير , عن ابن عباس : { وبالآخرة هم يوقنون } أي بالبعث والقيامة والجنة والنار والحساب والميزان , أي لا هؤلاء الذين يزعمون أنهم آمنوا بما كان قبلك ويكفرون بما جاءك من ربك . وهذا التأويل من ابن عباس قد صرح عن أن السورة من أولها وإن كانت الآيات التي في أولها من نعت المؤمنين تعريض من الله عز وجل بذم الكفار أهل الكتاب الذين زعموا أنهم بما جاءت به رسول الله عز وجل الذين كانوا قبل محمد صلوات الله عليهم وعليه مصدقون وهم بمحمد عليه الصلاة والسلام مكذبون , ولما جاء به من التنزيل جاحدون , ويدعون مع جحودهم ذلك أنهم مهتدون وأنه لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى فأكذب الله جل ثناؤه ذلك من قيلهم بقوله : { الم ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون والذين يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك وبالآخرة هم يوقنون } وأخبر جل ثناؤه عباده أن هذا الكتاب هدى لأهل الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم , وبما جاء به المصدقين بما أنزل إليه وإلى من قبله من رسله من البينات والهدى خاصة , دون من كذب بمحمد صلى الله عليه وسلم وبما جاء به , وادعى أنه مصدق بمن قبل محمد عليه الصلاة والسلام من الرسل وبما جاء به من الكتب . ثم أكد جل ثناؤه أمر المؤمنين من العرب ومن أهل الكتاب المصدقين بمحمد عليه الصلاة والسلام وبما أنزل إليه وإلى من قبله من الرسل بقوله : { أولئك على هدى من ربهم وأولئك هم المفلحون } فأخبر أنهم هم أهل الهدى والفلاح خاصة دون غيرهم , وأن غيرهم هم أهل الضلال والخسار .