في فقــه الأذكـــار

الناقل : elmasry | الكاتب الأصلى : بسّام نهاد جرّار | المصدر : www.islamnoon.com

:: في فقــه الأذكـــار ::


إعداد

بسّام نهاد جرّار

الطبعة الأولى

1423 هـ  - 2003م

 

المقدّمة

 

       يغفل الكثير من النّاس عن الذّكر، على الرُّغم من أنّه الأعظم أجراً، والأبلغ أثراً، والأوسع وقتاً، والأيسر أداءً، وقد يرجع ذلك إلى كون الذّكر في الغالب مطلوباً على وجه السّعة. وقد يكون من أسباب ذلك أيضاً جهل الكثيرين لفضل الذّكر وأهميته، أوعدم معرفتهم بفقهه.

        من هنا جاءت هذه الصفحات التي تعرّف القارئ بالذّكر، وفضله، وفقهه، مقتبسة من كتاب الأذكار للنووي، والموسوعة الفقهيّة الصادرة عن وزارة الأوقاف الكويتية.

 

"رب اغفر لي ولوالدي، رب ارحمهما كما ربياني صغيرا"

 

 

الذّكر

 

       الذّكر: الإخبار عن ذات الله تعالى، أو صفاته، أو أحكامه. ويكون بتلاوة كتابه سبحانه وتعالى، أو بمسألته ودعائه، أو بإنشاء الثناء عليه بتقديسه، وتمجيده، وتوحيده، وشكره، وتعظيمه.

ويستعمل الذّكر بمعنى أخص من ذلك، فيكون بمعنى إنشاء الثناء على الله تعالى؛ بتقديسه وتمجيده، وتوحيده، وحمده، وشكره، وتعظيمه.

حكم ذكر الله تعالى:  

1.   مستحب: في جميع الأحوال إلا ما تمّ استثناؤه شرعاً.

2.   واجب: مثل بعض أذكار الصلاة، الأذان، التسمية على الذبيحة ...الخ.

3.   حرام: كأن يتضمن شركاً.

4.   مكروه: كالذّكر في حالة قضاء الحاجة، أو الجماع.


فضل الذّكر

 

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "سبق المُفرِّدون، قالوا: ومن المُفرِّدون يا رسول الله؟ قال: الذّاكرون الله كثيراً والذّاكرات" أخرجه مسلم.

وأفضل أهل كل عمل أكثرهم فيه ذكراً لله تعالى؛ فأفضل المصلّين أكثرهم ذكراً لله، وأفضل الصائمين أكثرهم في صومهم ذكراً لله ... بل إنّ جميع الشعائر التعبّديّة شرعت لإقامة ذكر الله تعالى:"وأقم الصلاة لذكري" طه:14. وقد جاء في القرآن الكريم، وفي الأحاديث الصحيحة، أن الله تعالى مع الذاكرين، وأنّ الذّكر يحصّن الذاكر من وسوسة الشيطان ومن أذاه.

جاء في الحديث:"ألا أحدثكم شيئاً تدركون به من سبقكم، وتسبقون به من بعدكم، ولا يكون أحد أفضل منكم إلا من صنع مثل ما صنعتم؟ قالوا: بلى يا رسول الله. قال: تسبّحون وتحمدّون وتكبرون خلف كل صلاة ثلاثاً وثلاثين" أخرجه البخاري.

فذكرُ الله تعالى يورث محبته، ويحيي القلب، ويملؤه بالسكينة، وفيه شفاء القلوب من أمراضها، وهو يعين على الطاعات وييسِّرها. ومع كون الذّكر أيسر العبادات، إلا أنّه أجلّها وأفضلها وأكرمها على الله تعالى.

 

ما يكون به الذّكر:

1.   باللسان: بتحريك اللسان، وعند البعض أن يُسمع الذاكر نفسه على الأقل. وعلى هذا الوجه يتأدّى الذّكر الواجب في الصلاة ونحوها.

2.   بالقلب: مجرد إمرار الذّكر المطلوب على القلب. وقد اتفق العلماء على أنّ الذّكر باللسان والقلب جميعاً أفضل من الذّكر باللسان وحده.

3.   الذّكر القلبي الذي فيه تذكّر لعظمة الله عند أوامره ونواهيه، والتفكّر في عظمة الله تعالى، وآياته في خلقه. وهذا الذّكر يَفضُل ذكر اللسان.

 

الذّكر الكامل الجامع بين ذكر اللسان
وذكر القلب بالتفكّر والاستحضار

 

صيغ الذّكر:

1.   التهليل: أي قول: "لا إله إلا الله". وكلمة التوحيد والإخلاص هذه هي خلاصة دعوة الرسل عليهم السّلام. وجاء في الحديث الصحيح:" إنّ الله قد حرّم النّار على من قال لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله" أخرجه البخاري. والتهليل مستحب في كل وقت، وورد في السنّة الأمر به في مواضع منها: دخول السوق، وإذا أصبح الإنسان وإذا أمسى، وبعد صلاة الصبح وصلاة المغرب، وإذا أخطأ الإنسان وحلف بغير الله فليقل: لا إله إلا الله.

2.   التسبيح: أي قول:"سبحان الله".

جاء في الحديث الصحيح:"كلمتان خفيفتان على اللسان، ثقيلتان في الميزان، حبيبتان إلى الرحمن: سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم" أخرجه البخاري.

ورد التسبيح في القرآن الكريم في عدّة آيات منها:" فسبحان الله حين تُمسون، وحين تُصبحون"، "وسبح بحمد ربك حين تقوم، ومن الليل فسبحه وإدبار النجوم".

وجاء التسبيح في السنّة: في دعاء الاستفتاح، وفي الركوع والسجود، وبعد الصلوات، وعند سماع الرعد، وعند سماع ما يُتعجب منه ...

3.   التحميد: أي قول:"الحمد لله". ويُسنَُ في ابتداء كل عمل ذي بال، وفي خطبة الجمعة، وفي التدريس، وغير ذلك. ويُسنُّ بعد الأكل والشرب، وعند العطش، وعند الخروج من الخلاء، وعند حصول النّعم أو اندفاع المكروه ...

4.   التكبير: أي قول:" الله أكبر". جاء في الحديث الصحيح:"كلُّ تكبيرة صدقة" أخرجه مسلم.

وورد في الحديث الصّحيح أنّ التّهليل، والتّسبيح، والتّحميد، والتّكبير "أحب الكلام إلى الله" أخرجه مسلم.وورد أيضاً أنّهنّ "أفضل الكلام بعد القرآن، وهنّ من القرآن، لا يضرك بأيّهنّ بدأت" أخرجهأحمد بإسناد صحيح.

5.   الحوقلة: أي قول:"لا حول ولا قوة إلا بالله".

جاء في الحديث الصحيح:"... ألا أُعلّمكَ كلمة هي من كنوز الجنّة: لا حول ولا قوة إلا بالله" أخرجه البخاري ومسلم. والحديث يدل على قولها مطلقاً. وورد أيضاً أنها تقال في إجابة المؤذِّن عند قوله: حيّ على الصلاة، وحيّ على الفلاح. وورد في القرآن الكريم الأمر بها في قوله تعالى:" ولولا إذ دخلتَ جنَّتكَ قلت ما شاء الله، لا قوة إلا بالله" الكهف:39

وورد في الحديث الصّحيح أنّ التّهليل، والتّسبيح، والتّحميد، والتّكبير "أحب الكلام إلى الله" أخرجه مسلم. وورد أيضاً أنّهنّ "أفضل الكلام بعد القرآن، وهنّ من القرآن، لا يضرك بأيّهنّ بدأت" أخرجه أحمد بإسناد صحيح.

6.   الاسترجاع: أي قول:"إنّا لله وإنّا إليه راجعون" وورد الأمر بقولها عند المصيبة مطلقاً، قال تعالى:"وبشّر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون" البقرة:156،155 .

7.   التّسمية: أي قول:" بسم الله الرحمن الرحيم".

ورد الأمر بقولها في ابتداء قراءة القرآن، والوضوء، والغُسل، ودخول المسجد أو الخروج منه، وعلى الذّبح، والصّيد، وعلى الأكل والشرب،والجماع ... وكل أمر له أهميّة.

8.   قول"ما شاء الله" و "حسبي الله" والصلاة على الرسول عليه السلام بصيغ مختلفة، و "لبَّيكَ اللهمَّ لبَّيك" في الحج والعمرة.


 

أفضل الأذكار

 

1.   القرآن الكريم.

2.   "سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر" هي أفضل الأذكار بعد القرآن الكريم. والذّكر بهنَّ أفضل منه بغيرهنَّ، وهنّ كذلك أفضل من سائر الأذكار المأثورة، وأفضلهنّ:" لا إله إلا الله".

3.   الاشتغال بالذّكر في وقته، أو عند حصول سببه، أفضل من الاشتغال بسائر الأذكار المأثورة. لذا صرّح بعض العلماء بأنّ الاشتغال بالمأثور من الذّكر في محلّه أفضل من تلاوة القرآن في ذلك المحل. والأفضل عند الأذان مثلاً الاشتغال بإجابة المؤذّن، وبعد الصلاة بالأذكار الواردة، وعند الإفطار في رمضان بما ورد من الذّكر المأثور.

الاشتغال بما ورد في القرآن والسنّة من الأذكار

أفضل من الاشتغال بذكر يخترعه الإنسان من عند نفسه. والخير في اتباع المأثور في الكتاب والسنّة، وإن كان يجوز شرعاً الذّكر بما يحضر الإنسان من أذكار فيها ثناء على الله تعالى، أو استغفار، أو غيره مما هو غير مأثور؛ كالأذكار التي صاغها الصحابة رضوان الله عليهم، أو العلماء العارفون، أو الذاكر نفسه. ويصح ما قلناه في الذّكر المطلق.

أمّا الأذكار التي وردت في القرآن أو السنّة لمناسبات معينة، وأوضاع محددة، فلا بد من التزامها، وعلى وجه الخصوص ما كان ركناً من أركان العبادة، أو واجباً من واجباتها. وإذا لم يكن في المناسبة المعينة ذكر وارد فالأصح أنّه لا بأس باستعمال ما يحب الإنسان من الأذكار التي تناسب المقام. لذلك لم يُنكر العلماء التهنئة بالعيد بقولك:"تقبّل الله منا ومنكم"، أو قولك:"عيد مبارك"، أو قولك:"كل عام وأنتم بخير".


 

التبديل في  ألفاظ الأذكار الواردة

 

 

في الأذكار المقيّدة التي رتب الشارع عليها فضلاً خاصاً فالأولى الالتزام بما ورد بحروفه، ثم ليختر بعد ذلك ما شاء، إلا إذا علمنا أنّ الشارع أراد المحافظة فيه على اللفظ الوارد. فلا يزاد مثلاً على ألفاظ الأذان، وألفاظ التشهد، ونحوهما. ويكون الجواز بشرط أن يكون بمعنى ما ورد، وأن يكون مما يليق . أمّا في الذّكر المطلق غير المقيّد فيجوز الزيادة والتبديل في الألفاظ بما يليق ويصح شرعاً.

 

 

من آداب الذاكرين

 

 

1.   طلب العون من الله تعالى على الذّكر.

"اللهم أعني على ذكرك، وشكرك، وحسن عبادتك"

2.   أن يكون الذاكر متطهراً من الحدث: يجوز الذّكر بالقلب واللسان للمحدث والجنب والحائض والنفساء، ويكره ذكر الله حال قضاء الحاجة، وعند البعض يحرم، ويكره أيضاً حال الجماع، علماً بأنّ هناك أذكاراً مأثورة تقال عند قضاء الحاجة، أو عند إرادة الجماع.

3.   تحرّي الأزمنة الفاضلة والذّكر فيها:

كالصباح، والمساء، وأطراف الليل والنهار. وأشرف أوقات النهار بعد صلاة الصبح حتى تطلع الشمس. ومن أفضل مواسم الذّكر العشر من ذي الحجة، وعلى وجه الخصوص يوم عرفة، أي التاسع من ذي الحجة. "ويذكروا اسم الله في أيام معلومات" الحج: 28 ويجدر التنبيه هنا إلى أنّ الأوقات التي يكره فيها الصلاة لا يكره فيها الذّكر، بل يستحب؛ كالذّكر عند طلوع الشمس، وعند الغروب.

4.   تحرّي الأماكن الفاضلة، والذّكر عندها: كالمساجد، والمشاعر المعظّمة.

5.   الدعاء بعد الأعمال الصالحة. أجمع العلماء على استحباب الذّكر بعد الصلاة. وجاء في البخاري عن ابن عباس: "أنّ رفع الصوت بالذّكر حين ينصرف الناس من المكتوبة كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم".

6.   استقبال القبلة في مجلس الذّكر.

من ذلك ما أخرجه البخاري:"أنّ النبي صلى الله عليه وسلم لمّا أراد أن يدعو في الاستسقاء استقبل القبلة".

 

7.   الرغبة، والخشوع، والتدبّر.

"واذكر ربك في نفسك تضرُّعاً وخيفة" الأعراف:205.

وينبغي أن يكون الذاكر متدبراً متعقلاً لما يذكر به، وقليل الذّكر مع حضور القلب خير من الكثير منه مع الجهل والفتور.

8.   الذّكر في العزلة والانفراد عن الناس.

الذّكر حال العزلة عن الناس والانفراد عنهم، وحيث لا يعلم به إلا الله تعالى، أفضل من الذّكر في الملأ، ولكلٍّ من الحالين فضله؛ فقد يكون الذّكر في الملأ، في بعض الحالات أفضل؛ كما في الدعوة إلى الله، وقول كلمة الحق تذكيراً وموعظة.


 

الاجتماع للذّكر

 

يستحب الاجتماع للذكر:

أخرج مسلم عن الرسول، صلى الله عليه وسلم، قال:"لا يقعد قوم يذكرون الله إلا حفَّتهم الملائكة، وغشيتهم الرحمة، ونزلت عليهم السكينة، وذكرهم الله فيمن عنده".

وأخرج البخاري ومسلم عن الرسول، صلى الله عليه وسلم، قال:" إنّ لله تعالى ملائكة يطوفون في الطريق يلتمسون أهل الذّكر، فإذا وجدوا قوماً يذكرون الله تنادوا: هلمُّوا إلى حاجتكم، فيحفّونهم بأجنحتهم إلى السماء الدنيا..." وفي آخر الحديث:"هم الجلساء لا يشقى جليسهم".

وفي صحيح مسلم أنّ النبي، صلى الله عليه وسلم، خرج على حلقة من أصحابه، فقال:"ما أجلسكم؟ قالوا: جلسنا نذكر الله ونحمده على ما هدانا للإسلام ومنّ به علينا ... إلى أن قال: أتاني جبريل فأخبرني أنّ الله يُباهي بكم الملائكة".

قال ابن تيمية في الفتاوى: "الاجتماع على القراءة، والذّكر، والدعاء، حسن إذا لم يُتّخذ سنة راتبة، ولا اقترن به منكر من بدعة".

 

 

الذّكر الجماعي

 

اشتراك مجموعة من الأشخاص في الأذكار المأثورة، أو الأدعية الواردة، أو قراءة القرآن بصوت واحد، جائز بشرط عدم التشويش على المصلين، أو غيرهم، وبشرط ألا تعتقد هذه الكيفيّة أنها واجبة أو مسنونة بصورتها، وإنما هي وسيلة لتعليم غير المتعلم، وللتعاون على البر والتقوى. واستند الإمام النووي في جواز رفع الصوت بالذّكر إلى ما في الصحيحين عن ابن عباس:"أنّ رفع الصوت بالذّكر حين ينصرف الناس من المكتوبة كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم". وقال ابن عباس:" كنت أعلم إذا انصرفوا بذلك إذا سمعته".


الإكثار من الذّكر

 

الإكثار من الذّكر مندوب إليه لقول الله تعالى:"يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكراً كثيرا. وسبحوه بكرة وأصيلا" وقوله تعالى:"والذاكرين الله كثيراً والذاكرات أعدّ الله لهم مغفرة وأجراً عظيما" ونُذكّر هنا بالحديث الذي أخرجه البخاري ومسلم:"أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل" ومن هنا قال الشوكاني:" صِدقُ كثرة الذّكر على من واظب على ذكر الله ولو قليلاً أكمل من صِدقه على من ذكر الله كثيراً من غير مواظبة".

تكرار الذّكر مشروع ومستحب. جاء في الحديث:"من قال: لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير. في يوم مائة مرّة، كانت له عدل عشر رقاب، وكتبت له مائة حسنة، ومحيت عنه مائة سيئة ...".أخرجه البخاري ومسلم.


 

 

استخدام السبحة  في عدد الأذكار

 

لم يصب من قال إنّ استخدام السبحة بدعة، بل هي عند بعض العلماء مستحبة، وفاضلوا بينها وبين عقد الأصابع، واعتبروا أنّ العقد بالأصابع أفضل، لا سيما مع الأذكار بعد الصلاة. أمّا في الأعداد الكثيرة التي يُلهي الاشتغال بعدّها عن التوجه للذكر فالأفضل عندهم استخدام السبحة. ومن أراد أن يحتاط لعبادته فليخرج من خلاف العلماء، حتى لا يجد في نفسه شيئاً وهو يتقرب إلى الله تعالى.

 

الخاتمة

 

وبعد؛

فهذه عُجالة فيها بعض الشّمول، ومن أراد أن يستزيد فننصحه أن يرجع بعد القرآن الكريم إلى ما ورد من أذكار في كتب السُنن، وعلى وجه الخصوص البخاري ومسلم. وننصح أيضاً بكتاب الأذكار للإمام النووي، وكتاب الوابل الصيّب من الكلم الطيّب، للإمام ابن قيم الجوزية، رحمهم الله جميعاً.