مقتضيات الحب الصادق إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادى له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102] يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَ لُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً [النساء:1] يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً [الأحزاب:70-71] أما بعد فإن أصدق الحديث كتاب الله ، وخير الهدى هدى محمد ، وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة فى النار . فحيَّا الله هذه الوجوه الطيبة المشرقة، وذكى الله هذه الأنفس، وشرح الله هذه الصدور. طبتم جميعا وطاب ممشاكم وتبوأتم من الجنة منزلاً. حياكم الله جميعاً وأسأل الله سبحانه وتعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يجمعنى وإياكم في الدنيا دائما وأبداً على طاعته وفي الآخرة مع سيد الدعاة وإمام النبيين في جنته ودار كرامته. إنه ولى ذلك ومولاه وهو على كل شىء قدير.. أحبتي في الله : " مقتضيات الحب الصادق " هذا هو عنوان لقاءنا مع حضراتكم في هذا اليوم الكريم المبارك وكعادتنا فسوف نركز حديثنا مع حضراتكم تحت هذا العنوان الهام في العناصر التالية : أولاً: البراءة من الشرك ثانياً: تحقيق التوحيد ثالثاً : تحكيم الشريعة رابعاً : الولاء والبراء خامساً:سمع بلا تردد..وطاعة بلا انحراف وأخيراً: حب يفوق حب النفس بلا غلو أو إطراء فأعيروني القلوب والأسماع فإن هذا الموضوع في هذه الأيام من الأهمية بمكان لأننا نرى الأمة في هذه الأيام تحتفل بذكرى ميلاد المصطفى وهى أمة لا تستحي من ربك جل وعلا !! إذ أن الأمة الآن تدعى أنها تحتفل يرسول الله في الوقت الذي نحَت فيه شريعته !! فخذ مني أيها الحبيب المقتضيات التي إن حققتها وامتثلتها فأنت ممن أحب النبي حباً صادقاً ، تحشر مع النبي بالحب الصادق ، كما في حديث أنس المُخَرَج في الصحيحين : جاء رجل إلى النبي فقال يا رسول الله متى الساعة ؟! قال : وماذا أعددت لها "؟ قال ما أعددت كثير عمل إلا إني أحب الله ورسوله ، قال النبي " المرء مع من أحب " (1) يقول أنس فما فرحنا بشئ كفرحنا بقول النبي " المرء مع من أحب " ثم قال: وأنا أحب رسول الله وأبو بكر وعمر وأرجوا الله أن أحشر معهم وإن لم أعمل بمثل أعمالهم . أيها الحبيب الكريم : الحب الصادق له مقتضيات ... الحب الصادق له شروط من يدعي حُبَ النبي ولم يفد من هديه فسفاهةُ وهُراء فالحب أول شروطه وفروضه إن كان صدقاً طاعةُ ووفاءُ قال تعالى قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ )) آل عمران : 31 إن أردت أن يحبك الله جل وعلا ، وأن يحبك رسول الله فاتبع .. اتبع أثر النبي .. واتبع هدى النبي ، لترى المصطفى في نهاية هذا الطريق ينتظرك على الحوض إن شاء الله جل وعلا . قف على مقتضيات الحب الصادق لتتعرف على زعم الأمة الباهت ، أنها تحتفل بالنبي وكان من الواجب أن يكون قدر النبي في قلوبنا عظيماً كما عظَمه وأجلَه ربه جل وعلا . لا ينبغي أن تحتفي الأمة بالنبي في ليلة ساهرة حافلة تحت الطبل والزمر واختلاطٍ فاحشٍ بين الرجال والنساء والشباب والشواذ!! ثم تَنفْض الليلة عند الفجر لينفض الجميع وما صلى أحدٌ منهم صلاة الفجر لله جل وعلا إلا من رحم ربك!! أسأل الله أن يجعلني وإياكم ممن رحم . أول مقتضى من مقتضيات الحب الصادق للنبي : " البراءة من الشرك " محالٌ أن تَدعي الحب للنبي ولهدى النبي وسنة الحبيب النبي وقلبك ما نٌقِىَ وطُهِرَ من أي شائبة من شوائب الشرك . قال الإمام ابن القيم رحمه الله : النفي المحض ليس توحيداً وكذلك الإثبات بدون النفي ، فلا يكون التوحيد إلا متضمناً للنفي والإثبات معاً . قال علماؤنا : لابد من التخلية قبل التحلية . والتخلية : هى أن تكفر بالأنداد والأرباب والآلهة والطواغيت . نقَب في القلب هل أخليت القلب من هذا ؟ هل تبرأت من الأنداد والآلهة والطواغيت وأخلصت القلب لله وحده لا شريك له ؟..هل كفرت بالطواغيت ؟ والطواغيت : جمع طاغوت والطاغوت كما قال عمر .. هو الشيطان . وكما قال مالك : هو كل ما عبد من دون الله . وكما قال ابن القيم : الطاغوت هو كل ما تجاوز به العبد حده من معبود أو متبوع أو مطاع . فأنت مأمور يا من أحببت الله وأحببت رسول الله أن تكفر بكل الطواغيت على ظهر الأرض قال جل وعلا فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ البقرة 256 لاحظ أن الله قدم الكفر بالطاغوت على الإيمان بالله ، إذ لابد من التحلية قبل التحلية . وأن تكفر بالأنداد قال تعالى وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللّهِ أَندَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللّهِ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَشَدُّ حُبًّا لِّلّهِ البقرة 156 اللهم ارزقنا حبك وحب نبيك وحب من أحبك يارب العالمين . المؤمن الصادق هو الذي امتلأ قلبه بحب الله وحب رسوله- لكن لاحظ أن كثيراً من الناس قد امتلأت قلوبهم بمحبة الأنداد من دون الله أو مع الله .. ألم تسمع عن امرأة قد تخلصت من حياتها وانتحرت بسبب موت العندليب الأسود ؟!! ألم تسمع عن رجلٍ جلس في استادٍ للكرة فصرخ صرخةً فقد فيها روحه لأن فريقه قد مُنِى بهدفٍ من الفريق الآخر ؟؟!! ألم تسمع قول القائل : هيبوني عيداً يحعل العرب أمة وسيروا بجثماني على دين بُرهم سلامُ على كفــرٍ يُوَحَدٌ بيننا وأهلاً وسهلاً بعــــده بجهنم ألم تسمع قول القائل : آمنت بحزب البعث رباً لا شريك له وبالعروبة دينًا ماله ثــانٍ ألم تسمع قول القائل إن مصر ستظل فرعونية ولو وقف الإسلام حَجَرَ عثرة في طريق فرعونيتنا لَنَحْينا الإسلام جانباً لتظل مصر فرعونية ؟!! ألم تسمع قول القائل : لقد عزمنا على أن نأخذ ما عند الغربيين حتى الإلتهابات التي في رئتهم والنجاسات التي في أمعائهم ؟!! ألم يقل ربك : تعالى وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللّهِ أَندَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللّهِ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَشَدُّ حُبًّا لِّلّهِ البقرة 156 قال رجل للحبيب المصطفى : ما شاء الله وشئت يا رسول الله ، قال " أجعلتني لله نداً؟ بل ما شاء الله وحده " (2) فهل كفرت بالأنداد؟! هل كفرت بالأرباب ؟ والأرباب جمع رب قال تعالى اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ التوبة 31 اتخذوا العلماء والعبَاد أرباباً من دون الله . دخل عدي بن حاتم على المصطفى وهو يقرأ هذه الآية فقال عديَ : لا يا رسول الله ، ما عبدناهم من دون الله ، ففسر له النبي الآية فقال الحبيب " ألم يٌحِلًوا لهم ما حرم الله ويحرمون عليهم ما أحل الله فأطاعوهم ؟" قال : بلى ، قال المصطفى " فتلك عبادتهم إياهم "(3) أخي الحبيب : هل صرفت العبادة لله وحده ؟ هل امتثلت أمر الله ؟ قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ الأنعام 162 - 163 وأخيراً أقول : إن أردت أن تنقب عن حبك للنبي في قلبك فسل نفسك هل تبرأت من الأنداد والأرباب والآلهة ودخلت في المقتضى الثاني ألا وهو :"تحقيق التوحيد للعزيز الحميد " هذا هو المقتضى الثاني ، أن تحقق التوحيد بأقسامه لله جل وعلا وأن تقر يتوحيد الربوبية . تدبر قوله تعالى " قل إن الأمر كله لله " هل حققت التوحيد لله ؟ ستعجب إذا قلت لك : إن توحيد الربوبية قد أقر به المشرك في أرض الجزيرة العربية . فإذا سألت أبا جهل من خالقك ؟ قال الله لو سألت المشرك من رازقك ؟ قال الله قال جل وعلا وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ لقمان 25 وقال جل وعلا وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّن نَّزَّلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ مِن بَعْدِ مَوْتِهَا لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ العنكبوت 63 قال جل وعلا وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ الزخرف 9 بل لقد انفرد الأخشن بن شريق بأبي جهل . فقال الأخشن : يا أبا الحكم لا يوجد معنا أحد الآن يسمعنا استحلفك بالله أمحمدُ صادق أم كاذب ؟! فقال أبو جهل : ويحك يا أخنس والله إن محمداً لصادق ! فنزل قول الله تعالى فَإِنَّهُمْ لاَ يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللّهِ يَجْحَدُونَ الأنعام 33 فهم يعلمون صدق النبي . بل قال قائلهم : والله إني لأقر لمحمد بالنبوة أكثر مما أُقِرُ لابني بالنبوة لأن الذي شهد بصدق محمد هو الله . وللأسف الشديد ومما يندي له الجبين أنه يوجد من بين ممن ينتسبون للإسلام من لم يحقق توحيد الربوبية للرحيم الرحمن . يا صاحب الهمَ منفــــرج أبشر بخيــرٍ قإن المفرج الله وإذا بليت فثـق بالله وارضى به إن الذي يكشف البلوى هو الله الله الذي يحدث بعد العسرة ميسرةً لا تجــزعن فإن الخالق الله والله مالك غير الله من أحـــد فحسبك الله في كـلٍ لك اللهٌ وأن تقر بتوحيد الأوهية ( توحيد العبادة ) يعني أن تصرف العبادة بركنيها : من كمال الحب وكمال الذل وبشرطيها : من الإخلاص والإتباع ، إلى من يستحق العبادة وهو الله وحده لا شريك له . سل نفسك أيها الحبيب : هل استغثت بالله وحده؟ هل استعنت بالله وحده ؟ هل سألت الله وحده ؟ هل ذبحت لله وحده ؟ هل نذرت لله وحده؟ هل حلفت بالله وحده ؟ هل طفت ببيت الله في مكة فقط هل قال لسانك وصدق قلبك وترجم عملك هذه الأقوال وهذه الكلمات؟ اللهم إني أبرأ من الثقـة إلا بك وأبرأ من الأمــل إلا فيــك وأبرأ من التسليــــم إلا لك وأبرأ من التفويض إلا إليــك وأبرأ من التوكــيل إلا عليك وأبرأ من الصبـر إلا على بابك وأبرأ من الذل إلا في طاعتك وأبرأ من الرجاء إلا لما في يديك الكريمتين وأبرأ من الرهبة إلا لجلالك العظيم هل امتثلت أمر الله ؟ هل آمنت بأسماء الجلال وصفات الكمال من غير تحريف لألفاظها أو لمعانيها ، وأَِثْبَتَ ما أثْبَتَهُ الله لذاته وما أثبته له رسوله المصطفى . لا يمكن على الإطلاق أن تدع يالحب للحبيب المصطفى إلا إذا حققت هذا التوحيد لله جل وعلا . المقتضى الثالث " تحكيم الشريعة " أمة تدعى الحب للمصطفى وقد نحَت شريعته فهى أمة كاذبة أمة تحتفل بالمصطفى في كل ربيع من كل عام وقد حَكمتَ في الأموال والأعراض ، والدماء والفروج القوانين الوضعية الفاجرة الجائرة ونَحت كتاب الله وشريعة رسوله أمةُ خاسرة ، لاساق لها ولا قدم . وسترى الأمة تتعرض لمزيد من الضربات من إخوان القردة والخنازير ممن كتب الله عليهم الذل والذلة حتى تفئ الأمة إلى منهج ربها وإلى شريعة الحبيب نبيها . فلا فلاح ولا عز ولا صلاح ولا سعادة في الدنيا والآخرة إلا إذا عادت من جديد وقد أعلنت توبتها إلى الله وحققت هذه التوبة على أرض الواقع في إذعان لأمر الله وانقياد لشرع رسول الله قال الله عز وجل على لسان نبيه يوسف عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُّتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ * مَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ أَسْمَاء سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَآؤُكُم مَّا أَنزَلَ اللّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ يوسف 39 - 40 فإن أرادت الأمة أن تعلن حب الله وحب رسول الله فلتسأل الأمة نفسها : أين هى من شريعة نبيها المصطفى ؟! أمة ترقص وتَطبُل وتَزٌمر وتسمع الكلمات الرنانة وتسمع الخطب المؤثرة وتسمع المواعظ الرقيقة !! أمة راحت لتذوب في بوتقة الغرب الكافر وتركت بين يديها أصل العزة والكرامة ومَازِلْتَ تقرأ وتسمع إلى آلاف من بين أيناء الأمة المخدوعين من يتغنى بالغرب !! وكأن الغرب الآن أصبح إلهٌ لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه !! أين الولاء والبراء؟! قال اله جل وعلا يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ المائدة 51 قال تعالى وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم بَعْدَ الَّذِي جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ البقرة 120 وقال جل وعلا لاَّ يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُوْنِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللّهِ فِي شَيْءٍ إِلاَّ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللّهِ الْمَصِيرُ آل عمران 28 هذا قرآن ربنا... هذا هو القرآن لا زال يتلى علينا في الليل والنهار . لا يكون توحيد إلا بالولاء والبراء ... لا يصح إعتقادك إلا بالولاء والبراء أن تٌواَلِي الله ورسوله والمؤمنين وأن تتبرأ من الشرك والمشركين أتحب أعداء الله وتدعــي حباً له ؟! ما ذاك في الإمكان وكذا تعادي جاهداً أحبابــه أين المحبة يا أخا الشيطــان أن المحبة أن توافق من تحب على محبــــته بلا نقصان فإن أدعيت له المحبة مع خلافك ما يحب فأنت ذو بهتـــان نعم لو صدقت الله فيما زعمته لعاديت من بالله ويحك يكفرُ وواليت أهل الحق سراً وجهرةً ولما تعاديهم وللكفر تنصرُ فلا كل من قد قال ما قلت مسلمُ ولكن بأشراط هنالك تذكرُ مباينة الكفار في كل موطن بذا جاءنا النص الصحيح المقرر وتصدع بالتوحيد بين ظهورهم وتدعوهُم سراً لذاك وتجهرُ هذا هو الدين الحنيفي والهدى ومِلَةُ ابراهيمَ لو كنت تشعرُ المقتضى الخامس : سمع بلا تردد وطاعة بلا انحراف إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ النور 51 - 52 هذا هو شعار المؤمنين... سمع بلا تردد وطاعة بلا انحراف اعرض نفسك أخي الحبيب على الأمر النبوي والنهي النبوي والحد النبوي... هل امتثلت أمر النبي ؟هل اجتنبت نهي النبي ؟ هل وقفت عند حدود النبي ؟ إن كنت ممن سمع الأمر وامتثل النهي فاجتنب والحد فوقف عنده فاسجد لربك شكراً وسل الله أن يزيدك حباً على حب لحبيبك المصطفى . وأن كنت ممن سمع الأمر فلم ينته ، والحد فلم يقف فاعلم أن زعمك لحب النبي زعمُ باهتُ بارد لا ساق له ولا قدم . شعار المؤمنين السمع والطاعة ، أما شعار المنافقين السمع والمعصية قال جل وعلا أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُواْ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُواْ إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُواْ أَن يَكْفُرُواْ بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلاَلاً بَعِيدًا النساء : 60 هذا هو شعار المنافقين... ألم تر يا محمد إلى هذا العجب العجاب إلى قوم يزعمون أنهم آمنوا بك وما أنزل عليك وما أنزل من قبلك ومع هذا الزعم الباهت البارد الفارغ يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت ، وقد أمرهم الله أن يكفروا به . والله الذي لا إله غيره ما رُحَمِتْ هذه الأمة إلا ببركة السمع والطاعة . لما نزل على رسول الله قول الله تعالى لِّلَّهِ ما فِي السَّمَاواتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَإِن تُبْدُواْ مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُم بِهِ اللّهُ البقرة 284 قال أبو هريرة رضي الله عنه : اشتَد ذلك على أصحاب النبي فانطلقوا حتى جَثَوا على الرُكب بين يديه وقالوا يا رسول الله كُلُفنا من الأعمال ما نطيق ، الصلاة والصيام والجهاد والصدقة ولقد أُنزلت عليك هذه الآية ولا نطيقها فغضب النبي وقال : أتريدون أن تقولوا ما قاله أهل الكتابين من اليهود والنصارى " سمعنا وعصينا " بل قولوا " سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير " قالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير فلما اقترأها القوم ،وذَلُت بها ألسٌنتهم ، أنزل الله في إثرها آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ وَقَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ البقرة 285 فلما فعلوا ذلك : نسخها الله تعالى فأنزل الله عز وجل لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَآ أَنتَ مَوْلاَنَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ البقرة 286 رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا قال : نعم رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ قال نعم (( وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَآ أَنتَ مَوْلاَنَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ ))قال نعم(4) استجاب الله وخفف عن الأمة ببركة السمع والطاعة . وما تحياه الأمة الآن من شقاءٍ وضنك وضيق إنما هو نتيجة لانحراف الأمة عن منهج السمع والطاعة . فإن الأمة تجيد الآن الخطب الرنانة ، وتجيد المواعظ المؤثرة ، وتجيد السهرات الحافلة ، وعشقت الأمة الهزل يوم أن كرهت الجد والرجولة . ماذا تنتظر من أمة تسهر أمام المباريات إلى مطلع الفجر؟!! ماذا تنتظر من أمة أقامت الليل أمام المسلسلات والأفلام والمباريات؟!! والله لن يحرر الأقصى جيل تربى على هذه الميوعة ، وتربى على هذه النجاسة والقذارة !! والله لن يحرر الأقصى إلا جيل تربى على كتاب الله وعلى سنة الحبيب رسول الله !! نسأل الله أن يخرجهم من الأرحام إنه ولي ذلك والقادر عليه . شعار المؤمنيين : السمع والطاعة . فيا من تدعي الحب للنبي أمرك المصطفى بالصلاة في أوقاتها ؟ أمرك المصطفى بترك الحرام والربا.. فهل تركت الربا ؟ أمرك المصطفى بعدم شرب الخمر ... فهل تركت الخمر؟ أمرك المصطفى بترك الزنا... فهل انصرفت عن الزنا؟ أمرك ببر الوالدين .. هل امتثلت الأمر ؟ أمرك بالإحسان إلى الجيران .. هل امتثلت الأمر ؟ أمرك بالإحسان إلى الأخوة والأحباب.. هل امتثلت الأمر ؟ أمرك بإعفاء اللحية فهل امتثلت الأمر ؟ أوامر كثيرة .. أعرض نفسك على أوامر النبي ونواهيه وحدوده. فإن كنت ممن امتثل الأمر واجتنب النهي ووقف عند الحد الذي حده المصطفى فاسجد لله شكراً وسل الله أن يزيدك حباً على حبك لحبيبك المصطفى . واحذر هذه الدعوة التي يغني بطلانها عن إبطالها ويغني فسادها عن إفسادها . ألا وهى : أنه يجب أن نعود الآن إلى القرآن وفقط!! لأن السنة فيها الضعيف والموضوع!! احذر هذا .. واعلم يقيناً بأنك إن عصيت رسول الله فإنك عصيت الله وإن أطعت الرسول فقد أطعت الله وإن صدقت الرسول فقد صدقت رسول الله ، وإن امتثلت أمر النبي فقد امتثلت أمر الله . قال جل وعلا وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ الحشر 7 وقال جل وعلا وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ المائدة 92 وقال جل وعلا مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّهَ النساء 80 وقال جل وعلا فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا النساء 65 وقال جل وعلا يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ الحجرات 1 قال ابن عباس : أي لا تقولوا خلاف الكتاب والسنة . قال مجاهد : أي لا تفتاتوا شيئاً على رسول الله حتى يقضي على لسان نبيه . قال القرطبي : أي لاتقدموا قولا على قول الله ولا تقدموا قولاً وفعلاً على قول رسول الله . قال الشنقيطي : لا حرام إلا ما حرمه الله ورسوله ، ولا حلال إلا ما أحله الله ورسوله ولا دين إلا ما شرعه الله على لسان رسول الله . فمن ضيع السنة فقد ضيع القرآن ، ومن كفر بالنبي فقد كفر بالرحمن . ولقد حذر النبي من هذا الصنف الخبيث الذي يتغنى بالقرآن والإعراض عن سنة خير ولد عدنان وحبيب الرحيم الرحمن . ففس سنن أبي داود من حديث المقدام بن معد كرْب أن النبي قال " ألا إني أوتيت الكتاب ومثله معه ( القرآن والسنة )، ألا يوشك رجل شبعان متكئ على أريكته، يقول: عليكم بالقرآن، فما وجدتم فيه من حلال فأحلوه، وما وجدتم فيه من حرام فحرموه، إن ما حرم رسول الله كما حرم الله "(5) وخذ مني هذه الهدية وهى من كلام ابن القيم رحمه الله يقول : السُنَة مع القرآن على ثلاثة أوجه : الوجه الأول : أن تكون السنة مؤكدة للقرِآن من كل وجه وهذا يكون من باب تضافر الأدلة . الوجه الثاني : أن تكون السنة موضحة لما أجمله القرآن . فقد جاء الأمر بالصلاة في القرآن وجاءت السنة لتبين لنا كيفية الصلاة وحدود الصلاة إلى آخره . الوجه الثالث : أن تكون السنة موجبة أو محرمة لما سكت عنه القرآن . هذا واستغفر الله لي ولكم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى أله وصحبه وسلم . الخطبة الثانية : إن الحمد لله نحمده ونستعيته ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هاد له . وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله . أما بعد فيا أيها الحبيب الكريم : يجب أن يفوق حبك للحبيب حبك لنفسك ولوالدك بل والناس أجمعين روى البخاري ومسلم من حديث أنس أن النبي قال :" لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين "(6) سيقول الحاضرون جميعاً نشهد الله إننا نحب النبي أكثر من حبنا لآبائنا وأولادنا وأنفسنا . أقول لك : قدم البرهان على هذه الدعوة . ففي صحيح البخاري أن عمر قال لرسول الله :"والذي نفسي بيده لأنت أحب إلىً من كل شئ إلا من نفسي . فقال النبي " لا يا عمر، حتى أكون أحب إليك من نفسك " فقال عمر : والذي نفسي بيده لأنت أحب إلىَ من نفسي يا رسول الله فقال النبي صلى الله عليه وسلم :" الآن يا عمر "(7) قال أهل العلم : أي الآن قد كمل إيمانك يا عمر . قال الحافظ ابن حجر في الفتح : قال الإمام الخطابي :" حب الإنسان لنفسه طبع ، وحب الإنسان لغيره إختيار بتوسط الأسباب " . أي أنا أحبك لأسباب وأنت تحبني لأسباب ، أما حبك لنفسك وحبي لنفسي فهذه جِبِلًة طبيعية . يقول:" وما طلب النبي من عمر حب الطبع بل أراد منه إلا حب الاختيار إذ لا سبيل إلى قلب الطباع عما جبلت عليه ". أراد النبي أن يلفت نظر عمر إلى أن الله عز وجل قد منَ على عمر فنجاه من النار لمَا أرسل له المصطفى المختار . وكن هناك فرق بين حب يدور على الإتباع وبين غلوٍ يدور على الإبتداع . ففي البخاري من حديث عبدالله بن عباس رضي الله عنهما أن النبي قال:" لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم ، فإنما أنا عبد ، فقولوا عبد الله ورسوله "(8) قال الحافظ بن حجر : الإطراء : هو المدح بالباطل والكذب . فلا إطراء ولا غلو . والحق أن الغلو في رسول الله قد بلغ عند بعض مدعى المحبة حداً خطيراً فخلعوا على رسول الله صفات ومنحوه خصائص الربوبية كهذا الذي جعل رسول الله وحده ملاذه وملجأه إذا نزلت به الشدائد فقال المصطفى مخاطباً المصطفى : يا أكرم الخلق مالي من ألوذ به سواك عند حدوث الحادث العمم ولن يضيق رسول الله جاهك بي إذا الكريم تجلى باسم منتقـم فإن جودك الدنيا وضرتهـــا ومن علومك علم اللوح والقلم(9) . ويقول آخر : فشأن محمد في جميع تصرفاته هو شأن الله تعالى فليس لمحمدٍ من محمدٍ شئ ولذلك كان نوراً ذاتياً من عين ذات الله(10). وهذه الشطحات كثيرة وجداً ولا حول ولا قوة إلا بالله ونقول لهؤلاء : تعالوا بنا لنتعرف على الحب الحقيقي ... الحب الصادق . فهذا هو المغيرة بن شعبة يقف ليظلل على رأس النبي من الشمس في الحديبة فجاء عروة بن مسعود الثقفي رسولا من قبل قريش للنبي في الحديبية . وجعل عروة بن مسعود يكلم النبي وكلما كلمه أخذ بلحيته ، والمغيرة بن شعبة عند رأس النبي ومعه السيف وعليه المغفر ، فكلما أهوى عروة إلى لحية النبي ضرب يده بنعل السيف، وقال:أَخرَ يدك عن لحية رسول الله صلى الله عليه وسلم (11) يبقي أن تعلم أن المغيرة بن شعبة أبن أخي عروة !! هذا هو الحب الصادق . وتخيل معي مشهد أبو دجانة في غزوة أحد وهو يترس على رسول الله ، والنبل يقع عليه وهو لا يتحرك . وتدبر معي مشهد طلحة وهو يقاتل أمام النبي يمنه ويسره وتترس مع النبي بترس واحد . ففي البخاري من حديث قيس بن حازم ، قال : رأيت يد طلحة شلاء، وقى بها النبي يوم أحد"(12) هذا هو الحب. لذلك استحق طلحة هذا الوسام العالي من سيد الناس محمد . ففي سنن الترمذي أن الحبيب النبي قال:" من سره أن ينظر إلى شهيد يمشي على وجه الأرض فلينظر إلى طلحة "(13) وهذا أبو طلحة رضي الله عنه كان يسور نفسه بين يدي رسول الله ويرفع صدره ليقيه من سهام العدو . عن أنس قال : لما كان يوم أحد انهزم الناس على النبي محمد ،وأبو طلحة بين يديه موجب عليه بجحفة له ، وكان رجلاً رامياً شديد النزع ، كسر يومئذ قوسين أو ثلات ، وكان الرجل يمر معه بجعبة من النبل ، فيقول انثرها لأبي طلحة ،قال ويشرف النبي ينظر إلى القوم فيقول أبو طلحة : بأبي أنت وأمي لا تشرف يصيبك سهم من سهام القوم ، نحري دون نحرك يا رسول الله (14) . أحبتي في الله هذا هو الحب الصادق : انهم جًسًدوا الحب إلى واقع...إلى عمل...ليس الحب كلمة تقال . إننا نرى أعظم احتفاء بالنبي قولة الصديق يوم أن اتهم المشركون رسول الله قولة الصديق يوم أن اتهم المشركون بالكذب ليلة الإسراء فرد الصديق بقوله :إن كان محمد قد قال ذلك فقد صدق(15) . هذا هو الاحتفاء نرى أن الاحتفاء الحقيقي في قولة لفاروق الأمة عمر للنبي : ألسنا على الحق؟!فيقول: بلى ، فيقول عمر : أليسوا على الباطل ؟ فيقول:بلى .فيقول عمر:فلم نعطي الدنية في ديننا ؟!(16) هذا هو الاحتفاء . نرى الإحتفاء الحقيقي يوم أن ارتقى النبي المنبر وحث الناس على الصدقة لتجهيز جيش العُسرة . فجاء عثمان ، فقال :يا رسول الله عَلَىَ مائة بعير بأخلاسها وأقتابها في سبيل الله ، ثم حض النبي على الجيش ، فقام عثمان فقال يا رسول الله عَلَىَ مائتا بعير بأحلاسها وأقتابها في سبيل الله ، ثم حض على الجيش ، فقام عثمان فقال :علىَ ثلاثمائة بعير بأحلاسها وأقتابها في سبيل الله فنزل رسول الله من على المنبر وهو يقول : " ما على عثمان ما فعل بعد هذه ، ما على عثمان ما فعل بعد هذه "(17) هذا هو الاحتفاء نرى الاحتفاء الحقيقي يوم أن نام علىُ في فراش النبي ليلة الهجرة وهو يعلم أنه إلى فناء ! ولم لا .. فليفني علىُ وليبقى حامل لواء الدعوة الحبيب النبي . هذا هو الإحتفاء . فإن أرادت الأمة أن تحتفي بالحبيب المصطفى فلتتبرأ من الشرك.. ولتحقق التوحيد..وتحكَم شريعة النبي ..وتوالى الله ورسوله والمؤمنين.. فلتحقق من جديد مبدأ السمع والطاعة لتسمع أمر ربها وأمر نبيها بلا تردد ولا انحراف.. ثم تنقب عن مكانة النبي في قلبها ورحم الله من قال : من يدعي حب النبي ولم يفد من هديه فسفاهةٌ وهراء فالحب أول شرطه وفروضه إذا كان صدقاً طاعةُ ووفاءُ نسأل الله جل وعلا أن يجمعنا وإياكم على حوض الحبيب المصطفى الدعاء.. (1) رواه البخاري10/461-452 في الأدب ، باب علامة حب الله عزوجل ، ومسلم رقم2640 في البر والصلة ، باب المرء مع من أحب . (2) أخرجه البخاري في الأدب المفرد(787) وابن ماجة(2117) وأحمد (1/214-294-283-247) وحسنه شيخنا الألباني في الصحيحة رقم (139). (3) رواه الترمذي رقم (3094) في التفسير ، باب من سورة براءة ، وأخرجه ابن جرير رقم (166331) ، (16632) ، (16633) وأورده السيوطي في الدر المنثور(3/230) وزاد نسبته لابن سعد وعبد بن حميد:وابن المنذر ، وابن أبي حاتم والطبراني. (4) رواه مسلم رقم (125) في كتاب الإيمان / باب بيان أنه سبحانه وتعالى لم يكِلف إلا ما يطاق . (5) رواه أبو داود رقم(4604) في السنة :باب لزوم السنة ، والترمذي رقم(2666) في العلم : باب رقم (60) وقال:هذا حديث حسن ، وأخرجه أحمد في المسند (4/130-132) وابن ماجة رقم 12 في المقدمة باب تعظيم حديث رسول الله . (6) رواه البخاري في الإيمان1/55، باب حب الرسول من الإيمان،ومسلم رقم(44) في الإيمان باب وجوب محبة رسول الله، والنسائي في الإيمان أيضاً(8/114-115) باب علامة الإيمان وأخرجه بن ماجة في المقدمة رقم(167). (7) رواه البخاري في كتاب الإيمان والنذور(6632) :باب كيف كانت يمين النبي . (8) رواه البخاري(6/354-355) في الأنبياء ،باب قوله تعالى ((واذكر في الكتاب مريم)). (9) ديوان البوصيري تحقيق محمد سيد الكيلاني ص :200ط:الحلبي . (10) النغمات المقدسية في شرح الصلوات المحمدية الإدريسية محمد بهاء الدين البيطار.ط دار الجبل بيروت ص"9 . (11) رواه البخاري رقم (2731-2732) في الشروط باب الشروط في الجهاد والمصالحة مع أهل الحرب ،وكتابة الشروط . (12) رواه البخاري رقم (3724 ) في فضائل الصحابة باب ذكر طلحة بن عبيد الله ، وفي المغازي . (13) أخرجه الترمذي رقم(3740) في المناقب/باب مناقب طلحة بن عبيد الله، ورواه أيضاً ابن ماجة رقم 125 في المقدمة وصححه شيخنا الألباني في صحيح سنن الترمذي(2940) (14)رواه البخاري(7/278) في المغازي باب "إذ همت طائفتان منكم أن تفشلا والله وليهما"وفي الجهاد، باب غزوة النساء وقتالهن مع الرجال،ومسلم رقم(1811) في الجهاد وباب غزوة النساء مع الرجال . (15) ذكره الحافظ بن حجر في"الفتح" وقال رواه البيهقي في الدلائل . (16) رواه البخاري رقم (2731) في كتاب الشروط باب الشروط في الحرب . (17)رواه الترمذي رقم (3701) في المناقب،باب مناقب عثمان بن عفان رضي الله عنه .