أحكام التعزية وزيارة القبور إن الحمد لله رب العالمين ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأن محمد عبده ورسوله ، وصفيه من خلقه وخليله ، أدى الأمانة وبلغ الرسالة ونصح للأمة ، فكشف الله به الغمة ، وجاهد فى الله حق جهاده حتى أتاه اليقين ، فاللهم أجزه عنا خير ما جزيت نبياً عن أمته ، ورسولاً عن دعوته ورسالته ، وصل اللهم وسلم وزد وبارك عليه وعلى آله وأصحبه وأحبابه وأتباعه وعلى كل من اهتدى بهديه واستن بسنته واقتفى أثره إلى يوم الدين. أما بعد .. فحياكم الله جميعا أيها الإخوة الأحباب الكرام الأعزاء ، وطبتم جميعا وطاب ممشاكم وتبوأتم من الجنة منزلا ، وأسال الله العظيم الحليم الكريم جل وعلا الذى جمعنا فى هذا البيت المبارك الطيب على طاعته ، أن يجمعنا فى الآخرة مع سيد الدعاة المصطفى فى جنته ودار كرامته ، إنه ولى ذلك والقادر عليه .. أيها الأحبة : نحن الليلة على موعد مع الدرس العاشر من دروس أحكام الجنائز فى شرحنا لهذا الحديث المبارك وما زالت أتحدث عن أحكام التعزية وزيارة القبور .. ومن الأحكام المتعلقة بزيارة القبور : أنه أتى على قبور المسلمين يوما فبينما هو يمشى إذ حانت من نظرة - يعنى نظر أو ألتفت النبى التفاتة - فإذا هو برجل يمشى بين القبور عليه نعلان .. يلبس نعلين سبتيتين من نعال اليمن فقال النبى " يا صاحب السبتيتين ألق سبتيتيك " يعنى اخلع نعليك فنظر الرجل فلما ، عرف الرجلُ رسولَ الله خلع نعليه فرمى بهما .. الحديث أخرجه أصحاب السنن وهو حديث حسن(1). والحديث كما قال الحافظ ابن حجر فى الفتح يدل على كراهية المشى بين القبور بالنعال .. يدل على كراهية المشى بين القبور بالنعال .. وغالى ابن حزم رحمه الله تعالى فقال بالتحريم. قال : يحرم المشى بين القبور بالنعال السبتية دون غيرها ، وهذا كلام لا دليل عليه : يعنى يحرم المشى بين القبور بالنعال السبتية فقط دون غيرها. يقول الأمام الخطابى : لقد نهى النبى الرجل وأمره بخلع النعلين لما فيهما من الخيلاء، وهذا متعقب بفعل ابن عمر أنه - رضى الله عنهما - كان يلبس النعال السبتية ويقول : إن النبىصلى الله عليه وسلم كان يلبسها. أما الأمام الطحاوى رحمه الله تعالى فقال - كلاما معتبراً وأنا أرى كلام الطحاوى كلاما نفيسا - يقول الأمام الطحاوى : يحمل نهى الرجل المذكور - يعنى على لامشى فى القبور بالنعلين السبتيتين - يحمل نهى الرجل المذكور على أنه كان فى نعليه قادر ، واستدل استدلالا رقيقا لطيفا فقال : فلقد كان النبى يصلى فى نعليه ما لم ير فيهما شيئا .. هذا كلام معتبر فلقد كان النبى يصلى فى نعليه ما لم ير فيهما أذى فهو يستدل أن الصلاة جائزة فى النعال ما لم تكن نجسة أو لم تكن مصابة بأذى ، وقد ثبت أن النبى صلى الله عليه وسلم صلى فى النعلين. وفى حديث : صلى النبى بنعليه ثم خلع نعليه فى الصلاة فخلع الصحابة جميعاً نعالهم وهم يصلون فلما قضى النبى صلاته قال : " لم جعلتم نعالكم ؟ " قالوا : رأيناك جعلت نعليك فخلفنا نعالنا. هذه قمة الطاعة وقمة الامتثال مع أنه لم يأمرهم لكنهم لمجرد الرؤية فعلوا ما فعله النبى صلى الله عليه وسلم ، قالوا : رأيناك جعلت نعليك فخلفنا نعالنا. فقال النبى : " إن جبريل قد نزل على وأخبرنى أن فيهما قذرا فخلعتهما ". ثم أمر النبى الصحابة إذا دخل أحدهم المسجد فلينظر فى نعليه ، فإن وجدهما طاهرتين صلى فيهما وإن وجد فيهما أذى حكهما(1) - يعنى طهرهما بالتدليك فى الرمال - ثم صلى فيهما. وأود أن أنبه شبابنا وطلاب العلم بأن بعضهم قد يدخل المسجد ويصلى بنعليه ، ويحتج بأن الرسول قد صلى فى نعليه ، لكن هذا المحتج لم يحقق مناط الدليل ، وهذا موضع الإشكال فى كثير من الخلافات الموجودة بين طلبة العلم. فالمسجد النبوى كان فرشه الحصى لم يكن مفروشاً بالسجاد والموكيت ، فلو دخلت مسجداً فرشه الحصى صلى بنعليك إذا كان النعلان طاهرتين. تحقق من طهارة النعلين وصل فيهما ، فإذا كانت مسافرا ونزلت من السيارة ووقفت على الطريق صل فى نعليك ولا حرج عليك فى ذلك بل أنت مصيب للسنة ، وهذا أمر لا يعرفه كثير من المسلمين. لابد من تحقيق مناط الدليل حتى لا نستشهد بالدليل فى غير موضعه ، وتحدث من المشاكل ما نحن فى غنى عنها بدعوى أن الدليل قد صح وقد فعل النبى ذلك. هذا حق لكنه لم يحقق مناط الدليل فى المسألة ؛ إذ كلام الطحاوى يحمل نهى الرجل المذكور على أنه كان فى نعليه قذر فقد كان النبى يصلى فى نعليه ما لم ير فيهما أذى. الشيخ ناصر رحمه الله تعالى يستبعد احتمال الإمام الطحاوى رحمه الله تعالى. وجزم ابن حزم أيضا ببطلان هذا الاحتمال. الشيخ ناصر يقول : والأقرب أن النهى عن لبس النعال والمشى بها بين القبور. من باب احترام الموتى فهو كالنهى عن الجلوس على القبر. والحقيقة أنا أقول بأنه ليس كالنهى فى الجلوس على القبر ، ليس المشى بين القبور كما قال شيخنا الشيخ ناصر رحمه الله كالجلوس على القبر لماذا ؟ لأنه قد ثبت فى الجلوس على القبر وعيد شديد ؛ بدليل من كلام النبى لم يثبت هذا الوعيد أبدا أو لم يثبت وعيد قريب منه فى المشى بين القبور ؛ ولذا فأنا أخالف شيخنا رحمه الله تعالى فى قوله : والأقرب النهى من باب احترام الموتى كالنهى عن الجلوس على القبر. وسأذكر الآن حديثا فيه وعيد شديد من النبى فى الجلوس على القبر لم يثبت مثل أو قريب منه فى المشى بين القبور ، وقد شرح الأمام ابن القيم - رحمه الله تعالى - فى تهذيب السنن هذه المسألة ، ونقل عن الإمام أحمد أنه قال : حديث بشير إسناده جيد ذهب إليه إلا إنه من علة. وقد ثبت أن الأمام أحمد - رحمه الله - كان يعمل بهذا الحديث فقال أبو داود فى مسائله : رأيت أحمد - رحمة الله عليه - إذا تبع جنازة فقرب من المقابر خلع نعليه قال : فرحمة الله ما كان اتبعه للسنة صلى الله وسلم وبارك على صاحبها ورحم الله الإمام أمام أهل السنة. إذا فالنهى للكراهة والله تعالى أعلم. أيضا لا يشرع وضع الورد والرياحين والخضرة على القبور ؛ لأنه ليس من فعل السلف الصالح – رضى الله عنهم – كما هو مشهور الآن بين المسلمين ، وقد قال عبد الله بن عمر – رضى الله عنهما : كل بدعة ضلالة وإن رآها الناس حسنة .. كل بدعة ضلالة وإن رآها الناس حسنة .. هذا أثر جميل رواه ابن بطة فى " الإبانة " عن أصول الديانة ، ورواه اللالكائى فى السنة موقوفاً بإسناد صحيح عن ابن عمر – رضى الله عنهما – فلم يثبت عن السلف فعل ذلك .. ويحتج بعضهم أن النبى مر على قبرين وأمر أن يأتى بعض الصحابة بجريد من النخيل وشقه شقين ووضعهما على القبرين وقال " لعله يخفف عنهما ما لم ييبسا " لعله يخفف عنهما مالم ييبسا. الإمام العلامة الشيخ أحمد شاكر - رحمة الله عليه - يقول : وقد ازداد العامة إصرارا على هذا العمل الذى لا أصل له ، وغلوا فيه خصوصا فى بلاد مصر تقليدا للنصارى ، حتى صاروا يضعون الزهور على القبور ويتهادونها بينهم فيضعها الناس على قبور أقاربهم ومعارفهم تحية لهم ومجاملة للأحياء وحتى صارت عادة شبيهة بالرسمية فى المجاملات الدولية، فتجد الكبراء من المسلمين إذا نزلوا بلدة من بلاد أوروبا ذهبوا إلى قبور عظمائها أو إلى قبر من يسمونهم الجندى المجهول ويضعون عليه الزهر وبعضهم يضع الزهور الصناعية التى لا نداوة فيها تقليدا للإفرنج ، وإتباعا لسنن من قبلهم ، ولا ينكر ذلك عليهم العلماء من أشباه العامة بل تراهم أنفسهم يضعون ذلك فى قبور موتاهم. ولقد عملت أن أكثر الأوقاف التى تسمى أوقافا خيرية موقوف ريعها على الخوص والريحان الذى يوضع على القبور ، وكل هذه بدع ومنكرات لا اصل لها فى الدين ولا سند لها من الكتاب والسنة ويجب على أهل العلم أن ينكروها وأن يبطلوا هذه العادات ما استطاعوا. الحديث الذى ذكرت الآن حديث فى صحيح مسلم وفيه أنه قال : " إنى مررت بقبرين يعذبان " - انتبه لتعرف لم يضع النبى الخضرة على كل القبور. لماذا اختار قبرين ؟ - هذه علة. ثم من الذى اطلع النبى على عذاب هذين القبرين ؟ هو الله عز وجل وهذا أمر لا يعلمه إلا النبى فهو أمر خاص برسول الله ؛ إذ أنه علم أن صاحبى القبرين يعذبان وأمر بوضع جريد النخل على القبرين فقط دون سائر القبور ، ثم ليست العلة على الإطلاق فى اليبس كما ذكر بعض أهل العلم فى حديث ابن عباس – رضى الله عنهما – وإنما هى شفاعة النبى فى أن يخفف الله العذاب عن صاحبى القبرين قال : هذا صريح حديث : " إنى مررت بقبرين يعذبان " – وحديث جابر جميل – والحديث فى صحيح مسلم وفيه قال : " إنى مررت بقبرين يعذبان " تَدَبْر " فأحببت بشفاعتى أن يرد عنهما ما دام الغصنان رطبين " ، وكأن الوقت الذى أذن الله عز وجل فيه للمصطفى أن يشفع فيهما للتخفيف عنهما من العذاب هو وقت رطب الغصنين. قال : فهذا صريح فى أن رفع العذاب إنما هو بسبب شفاعته ودعائه لهما لا بسبب النداوة ، وسواء كانت قصة جابر هذه هى عين قصة ابن عباس المتقدمة كما رجحه العينى وغيره أو غيرهما كما رجحه الحافظ ابن حجر فى الفتح قال : وفى حديث ابن عباس نفسه يشير إلى أن السر ليس فى النداوة أو بالأحرى ليست هى السبب فى تخفيف العذاب. وذلك قوله : " ثم دعى بعسيب فشقه اثنين يعنى طولا " ، فإن من المعلوم أن شقه سبب لذهاب النداوة من الشق ويبس العسيب بسرعة فتكون مدة التخفيف أقل مما لو لم يشق ويبس العسيب بسرعة فلو كانت هى العلة لأبقاه بدون شق ولوضع على كل قبر من قبور المسلمين عسيبا أو نصف عسيب على الأقل ، فإذا لم يفعل ذلك دل على أن النداوة ليست هى السبب فى تخفيف العذاب وتعين أنها علامة على مدة التخفيف الذى أذن الله به استجابة لشفاعة نبيه كما هو مصرح به فى حديث جابر. وبذلك يتفق الحديثان فى تعيين السبب وإن احتمل اختلافهما فى الواقعة وتعددها هذا كلام نفيس جدا إذن الأصل : هو شفاعة المصطفى ، فالراجح من أقوال جمهور أهل العلم كما ذكر ذلك الحافظ ابن حجر فى الفتح أن وضع الجريد على القبر إنما هو فعل خاص بالنبى ، وأن السر فى تخفيف العذاب عن القبرين لم يكن فى نداوة العسيب بل فى شفاعة النبى ودعائه لهم. وهذا مما لا يمكن وقوعه مرة أخرى بعد موت النبى وانتقاله إلى الرفيق الأعلى ولا لغيره من الصحابة ولا لأحد من الأمة ، لأن الإطلاع على عذاب القبر من خصوصيات المصطفى وهو من الغيب الذى لا يطلع الله عليه أحدا إلا من أرتضى من رسول كما قال تعالى : ]عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً * إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ[ [الجن : 26 ، 27] فالمسألة خاصة بالنبى بدليل أن النبى كان بين المقابر لم يضع الخضرة إلا على قبرين اثنين ولم يضع الخضرة على سائر القبور. أيضا من المسائل المتعلقة بالمقابر أنه يحرم الذبح عند القبر هناك عادة خبيثة جدا لا زالت موجودة أيضا وهى الذبح تحت النعش أثناء الخروج من الدار ، إذا وضع الميت فى النعش أو حمل على الخشبة يذبحون تحت النعش هذا يسمى عقرا، والنبى يقول : " لا عقر فى الإسلام "([1]) ، والحديث أخرجه أبو داود والبيهقى وأحمد بسند صحيح. قال شيخ الإسلام : وأما الذبح عند القبور فمنهى عنه مطلقا . قال أحمد فى رواية المروازى : قال النبى : " لا عقر فى الإسلام " كانوا إذا مات لهم الميت نحورا جزورا على قبره - جزورا يعنى جملا - فنهى النبى عن ذلك ، وكره الأمام أحمد أكل لحمه. قال أصحابنا : فى معنى هذا ما يفعله كثير من أهل زماننا فى التصدق عند القبر بخبز أو نحوه يعنى ما سوى هذا على النهى عن العقر عند القبر. قال النووى فى المجموع شرح المهذب : وأما الذبح والعقر عند القبر فمذموم لحديث أنس الذى ذكرت آنفا رواه أبو داود والترمذى وقال : حسن صحيح. قلت : والقائل هو النووى وهذا إذا كان الذبح هناك لله تعالى ، يعنى إذا كان الذبح هناك عند القبور لله فهو مكروه ، أما إذا كان الذبح لصاحب القبر كما يفعله بعض الجهال فهو شرك صريح وأكله حرام وفسق كما قال تعالى : ] وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ [[الأنعام : 145] ، أى والحال أنه كذلك بأنه ذبح لغير الله هذا هو الفسق هنا كما ذكر الله تعالى : ] أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ [[الأنعام : 145] وفى رواية فى مسند الأمام أحمد بسند حسن من حديث ابن عباس ، ورواها أيضا الأمام مسلم فى صحيحه من حديث ابن عباس أن النبى عن من ذبح لغير الله - اسمع ما قال ابن عباس قال : عن رسول الله قال : " لعن الله من ذبح لغير الله "([2]) ، وكم من الناس الآن يذبحون للأولياء وللصالحين ويقولون : البهيمة هذه للبدوى ، وهذه دى للحسين وهذا البهيمة دى لسيدنا النبى هذا والعياذ بالله شرك. قال : " لعن من ذبح لغير الله " الذبيحة لابد أن تكون لمن ؟ لله ورب العزة يقول : ] لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ [ [ الحج : 37 ]. نحن لا نقدم لله لحما ولا دما وإنما تقدم أنت لنفسك دليلا عمليا على تقوى قلبك : ] ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ [ [ الحج : 32 ]. فالذبح لا يكون لنبى ولا لولى ، وإنما يجب أن يكون الذبح خالصا لله تعالى على اسم الله ، فالذبح لنبى أو لولى ذبح حرام ولا تحل إطلاقا هذه الذبيحة ولا يجوز الأكل منها ؛ لقول النبى : " لعن الله من ذبح لغير الله " ([3]). إذا يحرم الذبح عند القبور ؛ لأن الذبح لا يكون إلا لله تبارك وتعالى ، لكن لو مات والدك مثلاً أو عزيز لديك وذبحت شاه وقلت : إن شاء الله هذه أتصدق بها لله تبارك وتعالى ليرحم الله عز وجل بهذه الصدقة والدى فلا بأس وهذا من العمل المشروع ، فالتوسل إلى الله تعالى بالعمل الصالح مشروع. قال : " إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث : صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له " ([4]). أيضا نهى رسول الله أن يجصص القبر وأن يقعد عليه وأن يبنى عليه أو يزاد عليه أو يكتب عليه([5]). نهى رسول الله أن يجصص القبر ، والتجصيص : من الجص وهو الطلاء ويزين ويطلى القبر من الخارج أو يدهن ويجصص بالحجارة الفروعون ، ونرى تنافسا الآن فى هذا. فبعض القبور تشعر أنها سكن الأحياء ، فالقبر محاط بسور جميل ، ومبنى بالحجر الفرعونى ، وترى حياة كاملة بين القبور ، فالنبى نهى أن يجصص القبر وأن يقعد عليه وأن يبنى عليه أو يزاد عليه بمقدار شبر ، لأن السنة قيدت شبرا كما ذكرت قبل ذلك أو يكتب عليه والحديث رواه مسلم وأبو داود والنسائى وغيرهم. الشيخ ناصر رحمه الله يقول : قلت : ولعل الصواب التفصيل على نحو ما يأتى إذا كان المقصود بالتجصيص هو طلاء القبر أو تلبيس القبر من الخارج بالطين أو بالأسمنت المعروف إذا كان المقصود به المحافظة على القبر وعلى بقائه مرفوعا قدر ما سمح به الشرع بحيث لا تنسفه الرياح ولا تبعثره الأمطار ولا يكون عرضة للسرقة أو للنبش أو للنهب فهذا جائز مشروع وهو مما جاءت به الشريعة. هذا كلام نفيس وقد ذكرت ذلك من قبل إذا كان الهدفُ حفظ الميت وحفظ القبر من أن تنسفه الرياح أو تزيله الأمطار أو يكون عرضة للنبش من عصابات نبش القبور ، الذين ينتهكون ويخرجون الجثة ن ليأخذوا أعضاء الميت ويبيعونها لم يبحثون عن الأعضاء ممن يُجرون عليها التجاربَ ، كليات الطب وغيرها وأن كان المراد حماية القبور من أن تنبشها الكلاب ، فهو جائز بدون أدنى شك فهو يحقق غاية مشروعة. قال الشيخ رحمه الله : ولعلم من هذا وجه من قال من الحنابلة أنه يستحب. وقد ذكرتُ قياس أن فى بيئتنا الزراعية قد يصعب علينا تعميق القبر فى باطن الأرض لقرب المياه التى تؤذى الميت حتما ، ومن ثم أو ارتفعنا قليلا عن الأرض بنية حفظ الميت لا من أجل المباهاه والفخر والخيلاء فلا بأس بذلك وهذا ما تقتضيه الشريعة الغراء. أما الكتابة على القبور فظاهر الحديث التحريم ، وهو ظاهر كلام ابن حزم ، وصرح الشافعية والحنابلة بالكراهية فقط ، وقال النووى : قال أصحابنا : وسواء أكان المكتوب على القبر لوح عند رأسه كما جرت عادة بعض الناس أم فى غيره فكله مكروه لعموم الحديث. قال الشيخ ناصر رحمه الله : واستثنى بعض العلماء كتابة اسم الميت لا على وجه الزخرفة – ما أظن أن الكتابة للزخرفة أبدأ – بل للتعرف على صاحب القبر قياساً على وضع النبى الحجر على قبر عثمان بن مظعون ، الكتابة ليست من الزخرفة فى شئ بل قال الشوكانى فى كلام جميل قال : وهو من التخصيص بالقياس وقد قال به الجمهور ؛ لأنه لا قياس فى مقابلة النص كما قال فى ضوء النهار ، ولكن الشأن فى صحة هذا القياس. قال : والذى أراه والله أعلم – تدبر أدب العلماء يا أخى سبحان الله – والذى أراه والله أعلم أن القول بصحة هذا القياس على إطلاقه بعيد والصواب تقييده بما إذا كان الحجر لا يحقق الغاية التى من أجلها وضع رسول الله الحجر إلا وهى التعرف على صاحب القبر. قال : القول بصحة هذا القياس على إطلاقة بعيد ؛ لأن القاعدة الأصولية تقول : لا قياس مع النص ، ثم قال : والصواب تقييده بما إذا كان الحجر لا يحقق الغاية من أجلها وضع رسول الله الحجر إلا وهى التعرف على صاحب القبر وذلك بسب كثرة القبور مثلاً وكثرة الأحجار المُعرفة. نهى رسول الله أن يبنى على القبر([6]) والحديث أخرجه ابن ماجه بسند ، رجاله جميعا رجال الصحيح إلا أنه منقطع ، وقال الهيثمى : رجاله ثقات ، وفى الزوائد : إسناده صحيح ورجاله ثقات .. ومن الأحاديث المتعلقة بهذا الباب عن أبى الهياج الأسدى قال : قال لى على بن أبى طالب – وأبو هياج الأسدى كان عاملاً لعلى بن أبى طالب يعنى بمثابة وزير الشرطة – قال : قال لى على بن ابى طالب : إلا أبعثك على ما بعثنى عليه رسول الله ؟ إلا تدع تمثالاً – وفى رواية صورة – فى بيت إلا طمسته ولا قبرا مشرفا إلى سويته([7]) .. أبو الهياج الأسدى يحكى عن من ؟ عن على رضوان الله عليه ، وعلى يأمره وهو أمير المؤمنين ونحن ننكر بصوت مرتفع أن تبنى المساجدُ على القبور وأن تشيد القبور بهذه الصورة المريبة التى نراها. لكننا نتكلم الآن عن قضية إنكار المنكر فلابد من فقه هذا الإنكار. أخواننا خرجوا على قبر فأحرقوه وأحدثوا فتنة شديدة جداً ثم قبض على هؤلاء الأخوة وعلى غيرهم ، وشيد القبر تشييدا ضخما ، فيا أخواننا أبو هياج الأسدى كان عاملاً لعلى، أردت الإشارة إلى أن فعل أبى الهياج الأسدى إنما هو فعل رجل مسؤول لأمير المؤمنين على – رضى الله عنه – حتى لا نستدل أيضا بالأدلة فى غير موضعها. عن تمامة بن شفى قال : خرجنا مع فضالة بن عبيد إلى أرض الروم وكان عاملا معاوية على الدرك وفى راوية : غزونا أرض الروم وعلى ذلك الجيش فضالة بن عبيد الأنصارى ، فأصيب ابن عم لنا فصلى عليه فضالة ، وقام على حفرته حتى داراه فلما سوينا عليه حفرته قال : أخفوا عنه .. وفى لفظ خففوا عنه فإن رسول الله كان يأمرنا بتسوية القبور([8]). قال الشيخ رحمه الله : الظاهر من حديث فضالة كان يأمرنا بتسوية القبور تسويتها بالأرض بحيث لا ترفع إطلاقا . قال : هذا الظاهر غير مراد قطاعاً بدليل أن السنة هى الرفع للقبر فوق الأرض بمقدار شبر كما مرت الإشارة إليه ، ويؤيد هذا من الحديث نفسه قول فضالة : خفضوا – أى التراب – فلم يأمر بإزالة التراب عنه بالكلية .. ومن الأخطاء الكبيرة التى يقع فيها كثير من المسلمين جلوسهم على المقابر ووقوفهم بالنعال على المقابر ، مع أن النبى قد نهى عن ذلك نهياً شديداً وتوعد من فعل ذلك والحديث فى صحيح مسلم من حديث أبى هريرة – رضى الله عنه – أن النبى قال : " لأن يجلس أحدكم على جمرة فتحرق ثيابه فتخلص إلى جلده خير له من أن يجلس على قبر "([9]) ، وفى رواية : " خيراً أن يطأ على قبر " فأنا أنبه المسلمين. إذا ذهبت إلى مقبرة فى جنازة ووجدت رجلا يجلس على القبر قل له : أنزل لهذا النهى الشديد ، لأن هذا المنكر استشرى مع أن كثير منا يعرف الحكم. " لأن يجلس أحدكم على جمرة فتحرق ثيابه فتخلص إلى جلده خير له من أن يجلس على قبر " .. والحديث رواه مسلم وأبو داود والنسائى وابن ماجه واحمد والبيهقى وغيرهم ، وفى رواية عن عقبة بن عامر – رضى الله عنه – قال : قال رسول الله : " لأن أمشى على جمرة أو سيف أو أخصف نعلى برجلى أحب إلى من أن أمشى على قبر مسلم " " لأن أمشي على جمرة أو سيف أو أخصف نعلى برجلى أحب إلى من أن أمشى على قبر مسلم " وفى هذا الحديث دلالة على تحريم الجلوس عل القبور وعلى تحريم المشى على القبور. وهذا مذهب جمهور أهل العلم. أيضا الصلاة إلى القبور محرمة قال رسول الله : " لا تصلوا إلى القبور "([10]) .. وفى هذا دليل على تحريم الصلاة إلى القبر لظاهر النهى كما قال الأمام النووى رحمه الله تعالى قال صاحب فيض القدير : إن قصد إنسان التبرك بالصلاة فى تلك البقعة – أى عند مقبرة معينة ويصلى وهو يقصد التبرك بالصلاة فى تلك البقعة – فإن قصد إنسان التبرك بالصلاة فقد ابتدع فى الدين ما لم يأذن به الله. قال النووى : كذا قال أصحابنا ، ولو قيل بتحريمه بظاهر الحديث لم يبعد ، ويؤخذ من الحديث النهى عن الصلاة فى المقبرة فهو مكروه كراهة تحريم لا كراهة تنزيه ، وقد استشهدت بقول النبى صلى الله عليه وسلم كما فى صحيح البخارى ومسلم : " اجعلوا فى بيوتكم من صلاتكم ولا تتخذوها قبوراً " ([11]) .. لفظ البخارى " اجعلوا فى بيوتكم من صلاتكم ولا تتخذوها قبوراً" ([12]) وفى لفظ : " لا تجعلوا بيوتكم مقابر " ([13]) هذا دليل على أن المقابر لا يصلى فيها فنهى النبى أن تكون البيوت كالمقابر بحيث لا يصلى فيها ، وفى لفظ : " لا تجعلوا بيوتكم مقابر إن الشيطان ينفر من البيت الذى تقرأ فيه سورة البقرة " ([14]) دل ذلك على أن المقابر لا تقرأ فيها سورة البقرة أو القرآن .. واختم الحديث الليلة بحكم بناء المساجد على القبور فلا يجوز أن تبنى المساجد أبدا على القبور سواء أكانت هذه القبور للأنبياء أو الصالحين أما مسجد النبى فله حكم خاص كما سأبينه الآن بإذن الله تعالى ، والأدلة على ذلك كثيرة منها ما رواه البخارى ومسلم وغيرهما من حديث عائشة – رضى الله عنها – وابن عباس – رضى الله عنهما – قالا – أى عائشة وابن عباس - : لما نزل برسول الله المرض – أى مرض الموت - طفق يطرح خميصة له على وجهه فإذا اغتم بها كشفها عن وجهه ، قال : " لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد " تقول عائشة يحذر ما صنعوا([15]) .. لعنة الله على اليهود والنصارى ليه ؟ قلا " اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد " .. يحذر ما صنعوا ، فرسول الله صلى الله عليه وسلم يحذر من صنيع اليهود والنصارى كان اليهود والنصارى إذا مات لهم نبى اتخذوا على قبره مسجداً ، فرسول الله صلى الله عليه وسلم يلعن هؤلاء لفعلهم هذا ويحذر أمته أن يفعلوا مثلما فعل اليهود والنصارى. وقال صلى الله عليه وسلم كما فى صحيح البخارى ومسند أحمد وغيرهما من حديث عائشة – رضى الله عنها – قالت : قال رسول الله فى مرضه الذى لم يقم منه – يعنى فى مرض الموت – قال : " لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد " .. قالت عائشة رضى الله عنها : فلولا ذلك أبرز قبره([16]) ، فلولا ذلك أبرز قبره غير أن خشى أن يتخذ مسجدا – أى القبر – مسجدا. وعن أبى هريرة – رضى الله عنه – قال : قال رسول الله : " قاتل الله اليهود اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد"([17]) .. وفى رواية :" لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد " .. والحديث أيضاً رواه البخارى ومسلم وأبو داود وغيرهم. وهناك حديث أخر فى مسند أحمد وطبقات ابن سعد والحلية لأبى نعيم بإسناد صحيح من حديث أبى هريرة – رضى الله عنه – قال النبى : " اللهم لا تجعل قبرى وثنا "([18]) .. يعنى صنماً يعبد " اللهم لا تجعل قبرى وثنا لعن الله قوما اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد".. وعند جندب قال : سمعت النبى صلى الله عليه وسلم قبل أن يموت بخمس – أى بخمس ليال – يقول : " إن الله تعالى قد اتخذنى خليلاً " يقول : " قد كان لى فيكم أخوة وأصدقاء " طبعا لفظة الصديق لفظة قرآنية ونبوية ؛ لأن بعض إخواننا قال : إن هذه اللفظة لا ينبغى أن تُستخدم ؛ لأنها من ألفاظ غير المسلمين ، قلت : يا أخى لا. بل ذكرها القرآن الكريم وذكرها النبى فلا ينبغى أن نتعجل بالأحكام وأن نتسرع قبل أن نعلم ، فلفظة الصديق (أو صديقكم) لفظة فى القرآن وأحاديث النبى فقال : " قد كان فيكم إخوة وأصدقاء وإنى أبرأ إلى الله أن يكون لى منكم خليل ، فإن الله تعالى قد اتخذنى خليلا كما اتخذ إبراهيم خليلا ولو كنت متخذ من أمتى خليلا ، لاتخذت أبا بكر خليلا ألى وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد إلا فا تتخذوا القبور مساجد أنهاكم عن ذلك "([19]) .. أوامر نبوية فى غاية الوضوح " إلا وإن من كان قبلكم كان يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد ألا فلا تتخذوا القبور مساجد إنى أنهاكم عن ذلك " الحديث رواه مسلم وغيره. وعن عبد الله بن مسعود رضى الله عنه قال : سمعت رسول الله يقول : " إن من شرار الناس من تدركه الساعة وهم أحياء "([20]) .. قد يلتبس هذا الحديث على بعض الإخوة كيف ذلك : "إن من شرار الناس من تدركه الساعة وهم أحياء ومن يتخذون القبور مساجد ". وعن عائشة – رضى الله عنها – قالت : لما كان مرض النبى تذاكر بعض نسائه كنيسة بأرض الحبشة ، كانوا رأوها فى أرض الحبشة مع الهجرة الأولى لأرض الحبشة يقال لها – يعنى الكنيسة- : ماريا اسم الكنيسة ماريا ، وقد كانت أم سلمة زوج النبى وأم حبيبة زوج النبى رضوان الله عليهن جميعاً قد رأتا أرض الحبشة فذكرن من حسنها وتصاويرها فقال النبى : " إن أولئك إذا كان فيهم الرجل الصالح فمات بنوا على قبره مسجداً ثم صوروا فيه تلك الصور أولئك شرار الخلق عند الله يوم القيامة " ، والحديث رواه البخارى ومسلم وغيرهما([21]). هذه الأحاديث تدل دلالة قاطعة على حرمة اتخاذ القبور مساجد ، وتدل دلالة قاطعة عل حرمة بناء المساجد على القبور ، والحكم أن القبر إن ادخل إلى المسجد بعد بناء المسجد ينبش القبر وأن يُخرجَ المسلمون الجثمانَ لدفنه فى مقابر المسلمين ويبقى المسجد ، وأن بنى المسجد على القبر فالحكم أن يظل القبر وأن يُهدم المسجد والسؤال المهم ما الحكم فى قبر المصطفى ألا تعلم أنه فى مسجد الرسول . والجواب أن النبى لما مات دُفن فى حجرة عائشة – رضى الله عنها – وانتم تعملون كما ذكرتُ لكم قبل ذلك أنه ما من نبى مات إلى وقُبِر فى الموضع الذى قبض فيه – فى مكان موته – فلما اختلف الصحابة قال أبو بكر – رضى الله عنه - : إنى سمعت النبى يقول : ما من نبى مات إلا وقبض فى موضع قبره "([22]) وذكرنا لكم دليلا جميلا رواه البخارى ومسلم من حديث أبى هريرة لما سأل النبى الله موسى على نبينا وعليه الصلاة والسلام لما سأل رَّبه عز وجل أن يقبضه على مشارف الأرض المقدسة ، لما سأل بنى إسرائيل أن يدخلوا معه الأرض المقدسة لقتال العماليق الذين استولوا على بيت المقدس فقال اليهود لموسى قولتهم المشهورة : ]فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ[ [ المائدة : 24] فسأل موسى ربه – عز وجل – أن يقبضه إلى جوار الأرض المقدسة بمقدار رمية حجر فاستجاب الله له ، قال المصطفى : " فقُبِض ولو كنت ثمَّ – يعنى لو كنت هناك – لأريتكم قبره إلى جانب الطريق عند الكثيب الأحمر " تدبر كلام النبى .. يعنى قبر موسى " لأريتكم قبره إلى جانب الطريق عند الكثيب الأحمر " عند المكان الذى سأل نبُّى الله موسى أن يقبضه الله فيه فقبض فدفن فى نفس الموطن الذى قبضه الله فيه. فالنبى قُبض فى بيت عائشة فدفن فى موضعه فى حجرة عائشة – رضى الله عنها – وحجرات النبى كانت موجودة فى جانب من جوانب المسجد النبوى ، كان النبى يخرج من الحجرة على المسجد من عند عائشة حفصة من عند أم حبيبة من عند أم سلمة من عند أى زوجة من زوجاته إلى المسجد فسأل النبىُّ نساءه فى أن يأذنَّ له فى أن يمرض فى بيت عائشة ، لأنه كان يحب عائشة ، فمرض فى بيت عائشة وقبض فى بيت عائشة ودفن فى بيت عائشة ، وظل قبر المصطفى فى حجرة عائشة بعيدا عن المسجد وليس فى المسجد فى عهد أبى بكر وفى عهد عمر وفى عهد عثمان وفى عهد على وفى عهد الحسن بن على الذى صار أمير المؤمنين ستة اشهر بعد علىِّ ثم تنازل الحسن بن على – رضى الله عنهما – إلى معاوية – رضى الله عنه – ليحقن دماء المسلمين وقد فصلت ذلك فى أشرطة تحقيق الفتنة بين الصحابة ، ثم فى عهد معاوية – رضى الله عنه – ظل المسجد النبوى خالياً من قبر الحبيب النبى والنبى قال : " عليكم بسنتى وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدى "([23]) لو كان يجوز أن يدخل قبرُ النبى إلى المسجد والله لفَعَلَ ذلك أولُ وأفضلُ رجل فى الأمة بعد نبيها أبو بكر ولكنه هيهات ، كيف وهو الذى سمع رسول الله يقول : " لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبورَ انبيائهم وصالحيهم مساجد "([24]) .. كيف يفعل ذلك الصديق وكيف يفعل ذلك عمر وعثمان رضى الله عنهما وهو أول خليفة وسع المسجد بعد النبى وسعه من الناحية المقابلة تماماً للحجرات ، وظل كذلك فى عهد علىَ وفى عهد الحسن وفى عهد معاوية إلى أن تولى الخلافة عبد الملك بن مروان. الشاهد أن لا يُحتج بفعل بشر حتى لو كان الصديق – رضى الله عنه – إن خالف فعلهُ فعلَ سيد البشر وحاشاه أن يخالف رسوله ومصطفاه. ابن عباس – رضوان الله عليه – يقول : أقول لكم: قال رسول الله وتقولون : قال أبو بكر وعمر .. والله ليوشكن الله ينزل علينا حجارة من السماء وأنا أقسم بالله أن ابا بكر وعمر ما قالا قولا يخالفا به قولَ الحبيب رسول الله أبداً ، بل هو الذى أمرنا بأبى هو أمى ونفسى وروحى : " فعليكم بسنتى وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدى عضوا عليها بالنواجذ وأياكم ومحدثات الأمور " ولم يفعل واحدٌ من الصحابة ذلك لم يفعل أبو بكر ولم يدخل قبرَ النبى فى المسجد ، ولم يفعل عمر ، وعثمان ، وعلى ، والحسن ، ومعاوية ، ومعاوية ابن أبى سفيان رضى الله عنه صحابى جليل كريمٌ من كُتَّاب وحى النبى لم يفعل ذلك ، فمن الذى فعل ؟ عبد الملك سنة ستة وثمانين هجرية ، يعنى بعد ستَ وثمانين سنة من الهجرة ذهب للحج ثم ذهب لزيارة المدينة وارتقى المنبر وحجرات النبى ا زالت على هيئتها وحالتها ، فتصور كل من يأتى من المسلمين من الأمصار إلى المدينة فإن أول ما ينظر ينظر فى المسجد إلى آثار النبى وحجرات النبى وأحفاده ، فرأى عبد الملك بن مروان أن الناس قد انشغلوا كل الانشغال بهذه الآثار ، فنزل من على المنبر فى يوم الجمعة ثم أمر من يومها بتوسعة المسجد النبوى من قبل الحجرات الشريفة. وليته وَسَّعَ من الناحية المقابلة للحجرات كما فعل عثمان – رضى الله عنه – وبقيت الآثار المباركة والحجرات الشريفة ليرى المسلمون كيف كان يعيش النبى لتظل الحجرات مستقلة عن المسجد ، ولكنه أمر بهدم الحجرات للتوسعة فهدمت حجرات النبى ، ومن ثم صار القبرُ الشريف فى المسجد ، فهل يحتج بعد هذا أن قبر النبى فى المسجد ؟! ويُخالف به قول النبى : " لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد " ؟! ثم أودُّ أن أبشرَ بأن قبر النبى ولو كان فى المسجد فله خصوصيةٌ ليست لآى قبر فى أى مسجد على وجه الأرض فهو المصطفى الذى سأل ربَّه واستجابَ له ربُه ، سأل ربَّه بقوله : " اللهم لا تجعل قبرى وثنا يعبد"([25]) فقبر النبى له خصوصية : "اللهم لا تجعل قبرى وثنا يعبد " … يعنى صنما يُعبد بعدى ، وأنا أسأل على طول ألف وأربعمائة سنة هل رأيتم المسلمين على وجه الأرض طيلة هذه القرون يتخذون قبر النبى وثنا ؟! لا والله .. استجابة من الله لدعاء نبيه ، بل لو ذهبت إلى هذه الرياض المباركة ووجهت وجهك للقبر وقلت : يا رسول الله أغثنى يا رسول الله أكرمنى ستجد رجلا فاضلا يقول لك : وَجَّه وجهك للقبلة وسل ربَّ رسولِ الله ، أسال ربك يا اخى فالرسول يقول له ربه فقال جل وعلا: ]قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرّاً[[لأعراف: 188] ، وهو الذى يقول : ]وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ[وهو الذى قيل له : ]قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ [[الكهف : 110] ، فرسول الله حذرنا من سؤال غير الله ، ومن الاستعانة بغير الله، ومن الخضوع لغير الله. إذن لا ينبغى أن يحتج بفعل عبد الملك بن مروان على أن يجوز أن تبنى المساجدُ على القبور ، وقد ذكرت الأحاديثَ الصحيحة التى حرم فيها النبى أن تبنى المساجد على القبور. أيضاً فى الأحكام المتعلقة بزيارة القبور فى باب أحكام الجنائز اتخاذها عيدا .. يعنى فى أوقات معينة ومواسم معروفة للتعبد عندها أو لغيرها لحديث أبى هريرة – رضى الله عنه – أن النبى قال : " لا تتخذوا قبرى عيداً لوا تجعلوا بيوتكم قبورا " .. " لا تتخذوا قبرى عيدا ولا تجعلوا بيوتكم قبورا .. وحيثما كنتم فصلوا على فإن صلاتكم تبلغنى " اللهم صل وسلم وزد وبارك على نبينا محمد صلى وعلى آله وأصحابه أجمعين وفى رواية قالوا : يا رسول الله كيف وقد ارمت – يعنى بلى جسدك - ؟ فقال النبى : " إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء .. وحيثما كنتم فصلوا على فإن صلاتكم تبلغنى " والحديث رواه أحمد وأبو داود بإسناد حسن([26]) وهو صحيح على شرط مسلم كما قال الشيخ رحمه الله تعالى. والحديث بلا شك دليل على تحريم اتخاذ قبور الأنبياء والصالحين عيدا. أيضا من المسائل المتعلقة حتى أنهى الحديث الليلة فى أحكام الجنائز لا يجوز شدُّ الرحال والسفر إلى القبور ، إلى أى قبر على وجه الأرض يقول المصطفى : " لا تشد الرحال إلى إلى ثلاثة مساجد – خلى بالك من النية دى – إلى ثلاثة مساجد : المسجد الحرام والمسجد الأقصى ومسجدى هذا " .. إذن لا تشد الرحال إلى القبور ولا إلى قبر المصطفى لكن إلى مسجد المصطفى وأنت فى المسجد تسلم على النبى اكتفى بهذا القدر فى أحكام الجنائز وسامحونى ، أطلت أحكام الجنائز لعلمى أن المكتبة الإسلامية تخلو من هذه الأشرطة بجانب الأحكام فأحببت أن تكون موجودة. وأسأل الله أن يجعلها خالصة لوجهه وأن ينفع بها وأن يتقبل منا ومنكم جميعا صالح الأعمال ، واكتفى بهذا القدر فى الباب الخامس والثلاثين من أبواب كتاب الإيمان والذى ترجم له الإمام البخارى بقول : باب اتباع الجنائز من الإيمان ، والله اسأل أن يرحم موتانا رحمة واسعة وأن يختم لنا ولكم بالإيمان أنه ولى ذلك والقادر عليه ، وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. (1)رواه أحمد (5 / 83 ، 84 ، 244) ، وأبو داود فى الجنائز (3230) ، والنسائى فى الجنائز ( 4/ 96) ، وابن ماجة فى الجنائز (1568). (1)رواه أبو داود فى الصلاة (650) ، وأحمد (3/92) ، والدارمى (1378) ([1]) رواه أحمد ( 3/ 197 ) ، وأبو داود فى الجنائز (3222). ([2]) رواه مسلم فى الأضاحى (1978) ، وأحمد ( 1/108 ، 118 ، 152 ، 217 ، 309 ). ([3]) سبق تخريجه. ([4]) رواه مسلم فى الوصية ( 1631 / 14 ) ، وأبو داود فى الوصايا (2280) ، والنسائى فى الوصايا ( 6 / 251). ([5]) رواه مسلم فى الجنائز (970) ، والترمذى فى الجنائز (1052) وقال : حديث حسن صحيح ، والنسائى فى الجنائز (8614) ، وابن ماجه فى الجنائز (1562) ، وأحمد (3 / 295 ، 332 ، 399). ([6]) رواه ابن ماجة فى الجنائز (1564) ، وفى الزوائد : إسناده صحيح ورجاله ثفات ، وقال الهيثمى فى مجمع الزوائد ( 3 / 61 ) : ورجاله ثقات. ([7]) رواه مسلم فى الجنائز (969) ، وأحمد ( 1/96 ، 129 ) ، والنسائى فى الجنائز ( 4 / 88 ، 89). ([8]) رواه أحمد ( 6 / 18 ) ، ومسلم فى الجنائز (968) بنحوه. ([9]) رواه مسلم فى الجنائز ( 971 / 96) ، وأحمد ( 2 / 311) ، وأبو داود فى الجنائز (3228) ، والنسائى فى الجنائز ( 4 / 95) ، وابن ماجه فى الجنائز (1566). ([10]) رواه مسلم فى الجنائز (972) ، وأبو داود فى الجنائز (9/322) ، وأحمد (4/135). ([11]) رواه البخارى فى الصلادة (432) ، ومسلم فى صلاة المسافرين (777/208). ([12]) هو حديث البخارى السابق . ([13]) رواه مسلم فى الجنائز (780 / 212). ([14]) هو حديث مسلم السابق. ([15]) رواه البخارى فى الصلاة (435 ، 436) ، وفى الأنبياء (3453 ، 3454) ، ومسلم فى المساجد ومواضع الصلاة (531 / 22). ([16]) رواه أحمد (6 / 80) ، والبخارى فى الجنائز (1330 / 1390) ، ومسلم فى المساجد ومواضع الصلاة (529 / 19). ([17]) رواه البخارى فى الصلاة (437) ، وأبو داود فى الجنائز (3227). ([18]) رواه أحمد (2 / 246) ، ومالك فى الموطأ فى قصر الصلاة فى السفر (1 / 156) رقم (85). ([19]) رواه مسلم فى المساجد ومواضع الصلاة (532 / 23). ([20]) رواه البخارى فى الفتن (7067) ، وأحمد (1/405 ، 435 ، 454). ([21]) رواه البخارى فى الصلاة (427 ، 434) ، وفى الجنائز (1341) ، وفى مناقب الأنصار (3873) ، ومسلم فى المساجد (528). ([22]) رواه أحمد ( 1/ 7) . ([23]) رواه أحمد (4/126 ، 127) ، وأبو داود فى السنة (4607) ، والترمذى فى العلم (2676) وقال : حديث حسن صحيح ، وابن ماجه فى المقدمة (42) ، والدارمى (95) والحاكم (1/96 ، 97) ، وصححه الألبانى فى صحيح الجامع (2/346). ([24]) سبق تخريجه . ([25]) سبق تخريجه . ([26]) رواه أحمد فى مسنده (4/6) ، وابو داود فى الصلاة (1047 ، 1531) ، وابن ماجه فى الإقامة (1085) ، وفى الجنائز (1636).