المرأة وأثرها في استقامة المجتمع

الناقل : elmasry | الكاتب الأصلى : محمد حسان | المصدر : www.mohamedhassan.org


المرأة وأثرها في استقامة المجتمع

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادى له .
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، اللهم صلى وسلم وزد وبارك عليه وعلى آله وصحبه وسلم .
أما بعد ..
فمرحبا بأحبائي وإخواني في الله عز وجل .
ومرحباً مرحباً بأخواتي الفضليات .
وأضرع إلي الله عز وجل أن ينفع بهذا اللقاء وأن يجعله خالصاً لوجهه وأن يكون زاداً لنا يوم نلقاه .
يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ                                                 (آل عمران:30)
واسمحوا لي أيها الأحباب الكرام أن يكون عنوان خطبتنا هذه :
(( المرأة وأثرها في استقامة المجتمع ))
 وحتى لا ينسحب بساطُ الوقت من تحت أقدامنا فسوف أركز الحديث في عدة عناصر .
أولاً : مقدمة لابد منها .
ثانياً : مؤامرةٌ رهيبة .
ثالثاً : تكريمُ الإسلام للمرأة .
رابعا : دورُ المرأة في بناء المجتمع المسلم .
خامساً : مُثُلٌ علَيا وقدوات طيبة .
وأخيراً : تحيةٌ وبشرى .
  أولاً : مقدمة لابد منها
 أيتها الأخت الفاضلة الصابرة :
لقد علم أعداء ديننا أن المرأة المسلمة من أعظم أسباب القوة في المجتمع الإسلامي فراحوا يخططون لها في الليل والنهار لشل حركتها والزج بها في مواقع الفتنة وأعلنوها صريحة في هذه المقولة الخطيرة (( كأسٌ وغانية يفعلان في تحطيم الأمة المسلمة أكثر مما يفعلهُ ألفُ مَدفع فأغرقوها في حبُ المادةِ والشهوات ))
فلقد عز عليهم أن تجودَ المسلمةُ من جديد علي أمتها بالعلماء العاملين والمجاهدين الصادقين فصار همُهُم أن تصير المسلمةُ عقيماً لا تلد خشية أن تلدَ من جديد خالداً وصلاحَ الدين وابن تيمية وغيرهم .
* ولذلك لم يرفعوا أيديهم عن بلادنا ويسحبوا جيوشهم العسكرية إلا بعد أن اطمأنوا أنهم خلفوا ورائهم جيشاً فكرياً جديداً أميناً علي كل أهدافهم وأطلقوا على أفراد هذا الجيش أضخمَ الألقاب والأوصاف كالمحررين والمجددين والمطورين .. الخ .
وأحاطوا هذا الصنفَ بهالةٍ من الدعاية الكاذبة تستُر جهله وتغطى انحرافه وتنفخُ فيه ليكون شيئاً مذكوراً ، وتحدثُ حوله ضجيجاً يلفت إليه الأسماع ويَلْوى إليه الأعناق .
وكل هذا في الحقيقة لا يجعل من جهله علماً ولا من فجوره تقوى ولا من بُعده عن قلوب الناس قرباً .
فهم كالطبل الأجوف يُسمعُ من بعيد وباطنه من الخيرات خالٍ .
ومما يمزقُ الضمائر الحية أن يكون من بين هؤلاء بعضُ المتصدين للفتوى والمتسمين بسمة أهل العلم الشرعي الذين يُزَّورون لأهل الباطل وأعداء الدين أقوالاً عرجاء يتكئون عليها .
وفي الحديث الذي رواه البخاري ومسلم وغيرهما من حديث عبد الله ابن عمرو أن النبي قال : (( إن الله تعالى لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من صدور الناس ولكن يقبض العلم بقبض العلماء حتى إذا لم يُبْقِ عالماً اتخذ الناس رؤوساً جهالاً فسئلوا فأَفْتوا بغير علم فضلوا وأضلوا )) (1)
فا نطلق هؤلاء وأسيادهم يصرخون ويرفعون لواء الشعارات الكاذبة الخبيثة لتحرير المرأة !! وحرية المرأة !! وحقوق المرأة !! إلي آخر هذه المؤامرة الرهيبة .
ثانيا : مؤامرة رهيبة
نعم أيها الأحبة :
فإن للأعداء وأتباعهم وأذنابهم خُططاً عاتية في إفساد المرأة وإخراجها عن دينها وأخلاقها بكل سبيل .
وقد تمكن أعداءُ الأمة من تنفيذ هذه الخطط كلها في بعض بلاد المسلمين وفي تنفيذ بعضها في بلاد أخرى .
وأستطيع في عجالة سريعة أن أبين لحضراتكم بعضَ خططِ هذه المؤامرة الرهيبة .
1- افتعالهم ما يسمى بقضية المرأة :
فالناس في العادة لا يتحركون بغير قضية تُزعجهُم ، وتشغلُ بالهم وفكرهم ، ومن هنا يحرص أعداء الدين أن يوهموا الناس أن للمرأة قضية تحتاج إلى نقاش وذلك للإنتصار لها ، أو الدفاع عنها ، ولذلك يكثرون الطنطنة والدندنة في وسائل الإعلام بكل صورها علي هذا الوتر بأن المرأة في مجتمعات المسلمين في معاناة دائمة وأنها مظلومة وإنها شق معطلة ورثة مهملة وأنها لا تنال حقوقها وأن الرجل قد استأثر دونها بكل شيء ، وهكذا حتى يُشِعروا الناس بوجود قضية للمرأة في بلاد المسلمين وهى في الحقيقة لا وجود لها وذلك لينطلق من يريدُ أن يرد هذه التهم بروح انهزامية من منطلق أن الإسلام متهم ، وفي قفص الاتهام ، ويحتاج إلى من يدافع عنه .
2- الإجهاض علي مناعة المجتمع المسلم :
فإن المجتمع المسلم وإن ناله شيء من الأذى والضعف فإنه ينفى الخبث عن نفسه ولا يقرُ الأخلاق الفاسدة مادامت فيه المناعة لكل دخيل على العقيدة والأخلاق ولذلك حرص الأعداء على إضعاف مناعة المجتمع المسلم حتى يُفْقدُوه الغيرة على دينه والحمية لعقيدته ، وبعد ذلك يكونوا قادرين على أن يصبوا في المجتمع المسلم كلَّ ألوان الرذيلة والفساد .
فالنفوس تقشعر من المنكر أول مرة . وفي المرة الثانية تخف تلك القشعريرة . وفي المرة الثالثة لا تبالي بالمنكر . وفي المرة الرابعة تبحث عن مسوغ لها . وفي المرة الخامسة تفعله . وفي المرة السادسة تُفلسِفُه بل وتدعوا إليه .
ومن صور إضعاف المناعة في المجتمع المسلم ما يلي :
·     الصحف والمجلات المنافية للأخلاق التي تُظهر المرأة بصورة فاضحة مخزية لحد أصبح معتاداً جداً عند كثير من الناس بل أصبح الإنكار لهذا التهتك والتبذل تهمه يؤخذ عليها بالنواصي والأقدام .
·     نشر الفكر المنحرف بصورة منتظمة إلى أن يعتاد كثير من الناس عليه عبر المسلسلات والأفلام والندوات والأخبار والمقابلات وغيرها .
·     الدندنة على أن المرأة مظلومة في المجتمع المسلم ومن ثم فلابد من المطالبة بحرية المرأة ومساواتها مع الرجل .
·     تصوير البيت والأمومة وقوامة الرجل بصورة مشوهة تتقزز منها النفوس وتأباها الطباع .
فالبيت سجن مؤبد !!
والزوج سجان قاهر !!
والقوامة سيف مسلط !!
والأمومة تكاثر حيواني !!! حتى أوجد ذلك كله في نفوس كثير من النساء أنفة واشمئزاز فانطلقن يبحثن عن الانطلاق بلا قيود !!!
* محاربة الحجاب بكل سبيل والدعوة إلى الاختلاط الفاحش المستهتر للزج بالطاهرات في مستنقعات الرذيلة والفتنة بحجة أن الأخلاق والتربية هما الأصل والأساس وهم أنفسهم أصحابُ هذه الدعوة المضلة أسرعَ الناس بعداً عن مواطن الأوبئة بل ولا يسمحون أبداً للصحيح أن يخالط المريض .
ورحم الله من قال :
ألقاه في اليم مكتوفاً وقال له            إياك إياك أن تبتل بالماء
* سياسة تكسير الموجة .
وذلك بإتباع أسلوب التدرج في الانحلال ولا مانع لديهم من أن يطأطئوا الرأس قليلاً حتى تنكسر حدةُ الموجة ثم يتهيئون للظهور مرة أخرى وبموقف جديد أجرأ والواقع أوضحُ من أن تضرب أمثلة على ذلك والأخطر من هذا أيها الأخت هذه الخطط وتلك المؤامرة على كثير من المسلمين والمسلمات حتى ردد هذه الأراجيف الباطلة الكثيرون والكثيرات ممن ينتسبون إلى الإسلام ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .
وها أنذا أحاول أيضاً في عجالة سريعة أن أبين كيف كان تكريمُ الإسلام للمرأة .. فو الله لا أعلم على ظهر الأرض ديناً قد كرم المرأة كما كرمها الإسلام وهذا هو عنصرنا الثالث من عناصر هذا اللقاء .
 ثالثاً : تكريم الإسلام للمرأة
 والوقت لا يتسع لأبين لكم باستفاضة مكانة المرأة قبل الإسلام عند الإغريق وعند الرومان وعند الصينيين وعند الهنود وعند الفرس وعند اليهود وعند النصارى وعند العرب في الجاهلية قبل الإسلام فلقد كانت المرأة جرثومة خبيثة لا تستحق حتى الحياة .
·     فجاء الإسلام ليرفعها من هذا الحضيض إلى تلك المكانة العلياء ، بعد أن كانت من سقط المتاع تُشترى وتباع وبعد أن كانت توأد وتُقتل وهى حية مخافة الفقر والعار .
·     فجاء الإسلام ليجعل المرأة صِنو الرجل ففي الحديث الذي رواه أحمد وأبو داود والترمذى وابن ماجة  وصححه الشيخ الألباني في صحيح الجامع من حديث عائشة رضى الله عنها أن النبي  قال : (( إنما النساء شقائق الرجال ))(1)
·     وجاء الإسلام فجعل بر الأم مقدماً على بر الأب ففي الصحيحين من حديث أبى هريرة   أنه قال : جاء رجل إلى رسول الله  فقال : يا رسول الله من أحق الناس بحسن صحبتي ؟ قال : أمك ، قال ثم من ؟ قال : أمك ، قال ثم من ؟ قال : أمك ، قال ثم من ؟ قال : أبوك )) (2)
·     وجاء الإسلام ليكرمها زوجة ففي صحيح مسلم من حديث جابر ابن عبد الله أن النبي   قال في خطبة الوداع : (( اتقوا الله في النساء فإنكم أخذتموهن بأمان الله واستحللتم فرجهن بكلمة الله ))(3)
وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة  أن النبي قال : (( استوصوا بالنساء خيراً ))(4)
 وفى الحديث الذي رواه أحمد والترمذى وأبو داود وغيرهم وحسنه الشيخ الألباني من حديث أبي هريرة رضى الله عنه أن النبي قال : (( أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً وخياركم خياركم لأهله )) (1)
·     وجاء الإسلام ليكرم المرأة بنتاً ففي الحديث الذي رواه مسلم من حديث أنس أن النبي قال : (( من عال جاريتين ( أي بنتين ) حتى تبلغا جاء يوم القيامة أنا وهو كهاتين وضم أصابعه )) (2)
·     وفي رواية الترمذى (( دخلت أنا وهو الجنة كهاتين )) وقرن بين السبابة والوسطى .
وفي الصحيح من حديث عائشة قالت دخلت على امرأة ومعها ابنتان لها فسألتني فلم أجد عندي شيئاً غير تمرة واحدة فأعطيتها إياها فقَسَمتَهَا بين ابنتيها ولم تأكل منها ثم قامت فخرجت فدخل النبي علينا فأخبرته فقال : (( من ابتلى من هذه البنات بشيء فأحسن إليهن كن له ستراً من النار )) . وفي لفظ (( كن له حجاباً من النار )) (3)
وسماه النبي ابتلاء لأن الناس يكرهونه في العادة أو في الغالب .
ثم تجلى تكريم الإسلام للمرأة فجاء القرآن ليخص النساء بسورة كاملة تتلى إلى قيام الساعة وسماها باسمهم هكذا إنها سورة النساء .
واكتفي بهذا القدر في هذا العنصر ، فهذا يطول جداً فو الله ما نالت المرأة عزها وشرفها ومجدها إلا في الإسلام .
بل وتصرخ الآن المرأة في الشرق والغرب على عكس ما يروجه أدعياء التحرر والمَدَنيةَ .
فإنكم تعلمون جميعاً أن المرأة في هذه البلاد الكافرة يتلهى بها ويتسلى بها ويستمتع بها وهى شابة جميلة ثم يرمى بها في آخر عمرها في دار المسنين وتظل في دائرة النسيان حتى تهلك وقد لا يأتيها أبناؤها إلا في كل عام مرة بل قد لا يأتون وهذا رأيناه بأعيننا في بلاد أوربا وأمريكا وفي زيارة أخيرة لأمريكا التقيت بأخت أمريكية مسلمة في حضرة زوجها المسلم وسألتها عن شعورها بعد دخولها في الإسلام فقالت : والله يا أخي إني أريد أن أقول لكل نساء العالم : أنه لا كرامة لَكُنَّ إلا في ظلال الإسلام .
وأعتقد أن هذا التكريم للمرأة يوضح لحضراتكم بجلاء لا يحتاج منى إلى تفصيل يبين دور المرأة الهام في بناء المجتمع المسلم .
وهذا هو عنصرنا الرابع من عناصر هذا اللقاء .
رابعا : دور المرأة في بناء المجتمع المسلم
 إن المرأة المسلمة هي الركيزة الأولى في بناء المجتمع المسلم لأنها القائمة على بناء الأسرة وبناء الأسرة هو أخطرُ بناءٍ في كيان المجتمع بل في كيان الأمة بأسرها وأنا أعجب لأناس يهتمون في بناء مكونٍ من الحجارة والطين ، يهتمون باختيار الموقع المناسب والخامات الجيدة التي تضمن لهم سلامة البناء ولا يهتمون ببناء الأسرة التي تتكون من الرجال والنساء والبنين والبنات من أن بناء الأحجار قد يتعلق بسعادة الدنيا وبناءُ الأسرة يتعلق بسعادة الدنيا والآخرة .
نعم أيها الأحبة فالبيت المسلم قلعة من قلاع هذه العقيدة والأبُ المسلم لا يكفي وحده أبداً لتأمين هذه القلعة بل لابد أيضا من الأم التي تقوم معه على تأمين هذه القلعة بالتربية للأبناء على الكتاب والسنة كما قال رسول الله :
(( والمرأة في بيت زوجها راعية وهى مسئولة عن رعيتها ))(1)
فالأم هي الحضن التربوي الطاهر الذي خرَّج القادة الفاتحين والعلماء العاملين والدعاة الصادقين .
فو الله ثم والله ما فتحنا الدنيا بأمهات ماجنات متحللات . ولكن فتحنا الدنيا بأمهات عفيفات متدينات عالمات مجاهدات صابرات حافظات للغيب قانتات تائبات عابدات .
وإليكم بعض النماذج المشرقة التي نفخر بها نحن المسلمين في كل زمان ومكان .
وهذا هو عنصرنا الخامس من عناصر هذا اللقاء :
    (( نماذج مشرقة ))
 وهذا العنصر وحدة يحتاج إلى لقاءات ولقاءات بدون مبالغة . واكتفى بهذه النماذج كأمثلة فقط :
فتعالوا بنا لنعيش هذه الدقائق المعدودات مع هذه القدوة الطيبة .. والمثل الأعلى في عالم النساء .
مع رمز الوفاء . وسكن سيد الأنبياء .. مع الطاهرة في الجاهلية والإسلام .. !!
مع أول صديقة من المؤمنات .. مع أول زوجات المصطفي عليه الصلاة والسلام .
مع أول من صلى على ظهر الأرض مع رسول الله    .. مع أول من أنجبت الولد لرسول الله .
مع أول من بُشرت بالجنة من رسول الله ..
مع أول من استمعت إلى القرآن بعد رسول الله
مع أول من نزل إليها جبريل ليبلغها من ربها السلام .. مع نهر الرحمة وينبوع الحنان .
مع أصل العز وقلعة الإيمان .. إنها خديجة عليها من ربها الرحمة والرضوان .
والله .. ثم والله .. إن الكلمات لتتواري خجلاً وحياءً أمام هذه القلعة الشامخة والزوجة الوفية المخلصة التي بذلت مالها وقلبها وعقلها لرسول الله .
آمنت به حين كفر الناس .. وصدقته إذ كذبه الناس .. وواسته بمالها إذ حرمه الناس فاستحقت أعظم الثناء من رسول الله .
أحبتي في الله :
إذا تصفحنا كتب السير والتاريخ لن نجد امرأة وقفت مع زوجها كموقف أمنا أم المؤمنين خديجة بنت خويلد مع رسول الله حين نزل عليه جبريل أول مرة في غار حراء .. حين ضمه ضمة شديدة : وقال له اقرأ فقال : ما أنا بقارئ .
ويرجع رسول الله يرجف فؤاده إلى خديجة الزوجة الوفية الطاهرة . يقول زملونى .. زملونى  فزملته حتى ذهب عنه الورع ، ثم قص عليها الخبر .
وقال : لقد خشيت على نفسي يا خديجة .
فتقول الزوجة المثالية : كلا والله .. لا يخزيك الله أبداً .. إنك لتصل الرحم .. وتحمل الكَلَّ ( أي تساعد العاجز والضعيف ) وتكسب المعدوم ( أي تعطى المحروم وتؤثره على نفسك ) وتقرى الضيف ، وتعين على نوائب الدهر .. الله أكبر … إنها خديجة .
ولم تكتف بهذا . بل ذهبت إلى ابن عمها ورقة ابن نوفل وكان امرءاً تنصر في الجاهلية وكان يكتب الكتاب العبراني وجعلته يسمع من رسول الله وأخبره الرسول بما رأى ويبشره ورقة قائلاً : هذا هو الناموس الذي نزل على موسى وإني أرجوا أن تكون نبي هذه الأمة ثم أنزل الله عليه قوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ قُمْ فَأَنْذِرْ )
وبهذا بُعثَ النبي ، وفي ميدان السبق الإيماني كانت الطاهرة الفائزة بالدرجة العليا برتبة صديقة المؤمنات الأولى لم يتقدمها رجل ولا امرأة كما قال جمهور أهل العلم .
ومن يومها وقد قامت بدور جديد في تثبيته ومؤازرته ومعاونته في تبليغ الدعوة والصبر على عناد المشركين وقدمت له عقلها ومالها وفكرها ونفسها ووقتها ، ومن دارها الطاهرة سطع نور الإسلام ومنها أضاء الدنيا كلها .
وازداد أهل مكة عداءاً وإيذاءاً للنبي وتمادت قريش في غيها وطغيانها وقاطعت بني هاشم مقاطعة اقتصادية كاملة ثلاث سنين ودخلت الحصار مع رسول الله زوجته الصابرة الطاهرة التي راحت تبذل مالها كله ، ووقفت تشد أزره وتشاركه في تحمل الأذى بنفس راضية صابرة محتسبة حتى انتهى هذا الحصار الظالم وقد ازداد حب النبي لها وتقديرها ولم تلبث الطاهرة إلا قليلاً حتى لَبَّت نداء ربها راضية مرضية مبشرة من سيد الخلق بمقعد صدق في جنات ونهر عند مليك مقتدر .
أحبتي في الله :
وهذه هي المجاهدة الصادقة الصابرة أسماء بنت أبى بكر رضى الله عنهما ( ذات النطاقين) التي قدمت أروع المثل في التضحية والتعقل .
تقول أسماء : لما خرج رسول الله وخرج معه أبو بكر وحمل ماله كله فدخل علينا جدي أبو قحافة وقد ذهب بصره فقال : والله إني لآراه قد فَجعكم بماله مع نفسه فقالت : كلا يا أبت ، بل ترك لنا خيراً كثيراً ، وأخذت أجماراً فوضعتها حيث كان أبى يضع المال ووضعت عليها ثوبي ، ثم أخذت بيده ، فقلت : يا أبتى ضع يدك على هذا المال ، فوضع يده فقال : لا بأس إن كان قد ترك لكم هذا فقد أحسن .
تقول أسماء : لا والله وما ترك لنا شيئاً ولكنى أردت أن أسكت هذا الشيخ بذلك . والحديث رواه أبو إسحاق وأحمد بسند صحيح .
ولا عجب فإنها الزهرة التي تربت في حقل الإسلام ، ورباها الصديق بتربية القرآن والسنة .
وهذه هي أمامة بنت الحارث زوجة شريح بن شرحبيل القاضي .. فما خبرها .
حدثنا التاريخ أن شُريحاً القاضي قابل الشعبي .
وأظنكم تعرفون شُريحاً إنه شريحُ بن شراحيل أو شُرَحْبيل الذي ولاه عمر بن الخطاب قضاءَ الكوفة فأقام عليه ستين سنة وضُرب المثلُ بعدله وصدقه ومن أراد أن يرجع إلى ترجمته فليرجع إلى كتاب سير أعلام النبلاء للذهبي في المجلد الرابع .
أما الشعبي فهو التابع الجليل عَلاَّمَة عصره وزمانه ولد سنة ثمانً وعشرين من الهجرة وقال في حقه سعيد بن زيد عن مكحول قال : ما رأيت أحداً أعلم من الشعبي .
له ترجمة طويلة في سير أعلام النبلاء فليرجع إليها من أراد في المجلد الرابع أيضاً .
أيها الأحباب :
يحدثنا التاريخ أن شريحاً قابل الشعبي يوماً فسأله الشعبي عن حاله في بيته فقال له شريح : من عشرين عاماً لم أر ما يغضبني من أهلي ، قال له وكيف ذلك ؟ قال شريح :
من أول ليلةٍ دخلت علىّ امرأتي ورأيت فيها حسناً فاتناً وجمالاً نادراً ، قلت في نفسي أصلى ركعتين لله عز وجل .
فلما سلمت وجدت زوجتي نصلى بصلاتي وتسلم بسلامي .
فلما خلا البيتُ من الأصحاب والأصدقاء فمت إليها فمددت يدي نحوها فقالت : على رسلك يا أبا أمية كما أنت . ثم قالت :
إن الحمد لله أحمده واستعينه وأصلى على محمد وآله وبعد . فإني امرأة غريبة ، لا علم لي بأخلاقك ، فبين لي ما تحب فآتيه ، وبين لي ما تكره فأتركه ، ثم قالت :
فلقد كان لك في قومك من هي كفء لك ، ولقد كان في قومي من كُفء لي ، ولكن إذا قضى الله أمراً كان مفعولاً وقد ملكت فاصنع ما أمرك الله به فإمساك بمعروف ، أو تسريح بإحسان
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم .
بالله عليكم من منا سمع هذا الكلام ليلة عُرسه ! ؟؟
قال شريح : فأحوجتني والله يا شعبي إلى الخُطبة في ذلك الموضوع ، فقلت : أحمد الله واستعينه وأصلى وأسلم على النبي وآله وبعد فإنك قلت كلاماً إن ثَبَتَّ عليه يكن ذلك حظك ، وإن تدعيه يكن حجةَّ عليك ، فإني أحب كذا وكذا ، وأكره كذا وكذا ، وما رأيت من حسنةٍ فانشريها ، وما رأيت من سيئةٍ فاستريها فقالت : كيف محبتك لزيارة أهلي ؟
قلت : ما أحب أن يملني أصهاري . فقالت : فمن تحب من جيرانك أن يدخل دارك فآذن له ومن تكرهُ فأكره .
فلت : بنو فلانٍ قوم صالحون وبنو فلان قومُ سوء .
قال شريح فبت معها بأنعم ليلة . فَمَكَثَت معي عشرين عاماً لم أعتب عليها فى شيء إلا مرة وكنت ظالماً .
 
 وأخيراً : تحية وبشرى
تحية وبشرى إلى بنت الإسلام ، إلى أصل العز والشرف والحياء ، إلى صانعة الأجيال ومربية الرجال ، إلى من تربعت طيلة القرون الماضية على عرش حيائها تهزُ المهدَ بيمينها وتزلزلُ عروشَ الكفر بشمالها ، إلى أختي المسلمة التي تصمدُ أمامَ تلَكَ الهجمات الشرسة وتصفع كلَ يومٍ دعاةَ التحرر والسفور ، بتمسكها بحجابها ونقابها ، إلى هذه القلعة الشامخة أمامَ طوفان الباطل والكذب ، إلى أختي الفاضلة التي تَتضُمن كتابَ ربها عز وجل وترفع لواءَ نبيها .
وهى تصرخ في وجوه المبتدعين قائلةً :
بيد العفاف أصونُ عزَ حجابي                     وبعصمتي أعلو على أترابي
إليك أيتها الدُّرة المصونة . إليك أيتها اللؤلؤة المكنونة .
أقدم التحية والبشرى من رسول الله في عهد الغربة الثانية التي تنبأ بها الصادقُ المصدوقُ e في الحديث الذي رواه مسلم : (( بدأ الإسلام غريباً وسيعود غريباً كما بدأ فطوبى للغرباء )) .
فهنياً لك يا بنتَ الإسلام ويا صاحبةَ الحجاب .
يا درةً حُفظت بالأمس غالية                    واليومَ يبغونها للهو واللعبِ
يا حرةٍ قد أرادوا جعلها أمة                     غريبة العقل غريبة النسبِ
هل يستوى مَنْ رسولُ الله قائدهُ                 دوماً ، وآخَرُ هاديهِ ، أبو لهبِ
وأين مَنْ كانت الزهراءُ أُسوتها                  ممَنْ تقفت خُطى حمالة الحطبِ
فلا تبالي بما يلقون من شيه                     وعندك الشرع إن تدعيه يستجب
سليه من أنا ؟ من أهلي ؟ لمن نسبى ؟          للغرب أن أنا للإسلام والعرب
لمن ولائي ؟ لمن حبي ؟ لمن عملي ؟            لله أم لدعاة الإثم والكذبِ ؟
هما سبيلان يا أختاه مالهما                       من ثالث ، فأكسبي خيراً أو اكتسبي
سبيل ربك ، والقرآن منهجه                      نورٌ من الله لم يحجب ولم يغب
فاستمسكي بعرى الإسلام وارتفعي                بالنفس من حمأة الفجار واجتنبي
صوني حياءك ، صوني العرض لا تهني         وصابرى ، واصبري لله واحتسبي
 نسأل الله العظيم أن يرد البشرية إلى الإسلام رداً جميلاً وأن يقر أعيننا بنصرة الإسلام وعز الموحدين …..
   
                                        …… الدعاء
 

(1) رواه البخاري ومسلم والترمذى وابن ماجة وهو في صحيح الجامع رقم (1854) …
 
(1) رواه أحمد وكذا أبو داود والترمذى وحسنه شيخنا الألباني في صحيح أبوا داود رقم (216/236)
(2) رواه أحمد والبخاري ومسلم وابن ماجة .
(3) رواه الترمذى وابن حبان وصححه شيخنا الألباني في الصحيحة رقم 284 ..
(4) قطعه من حديث حجة الوداع انظر حجة النبي للألباني ص : 33-93 وصححه الألباني في صحيح أبو داود رقم ( 1676/1905) ..
(1) أخرجه الترمذى رقم (1162) في الرضاع باب ما جاء في حق المرأة على زوجها ، وأبو داود رقم (4682) في السنة ، باب الدليل علي زيادة الإيمان ونقصانه ، وقال الترمذى : هذا حديث حسن صحيح
(2) رواه مسلم رقم (2631) في البر والصلة ، باب فضل الإحسان إلى البنات ، والترمذى رقم (1917) في البر والصلة ، باب في النفقة على البنات وهو في الصحيحة رقم 297 .
(3) رواه البخاري (4/26) في الزكاة ، باب اتقوا النار ولو بشق تمرة ، وفي الأدب باب رحمة الولد وتقبيله ، وأخرجه مسلم رقم (2629) في البر والصلة ، باب فضل الإحسان إلى البنات ، والترمذى رقم (1916) في البر والصلة .
(1) رواه البخاري (13/100) في الأحكام ، في فاتحته ، وفي الجمعة ، باب في القري والمدن ، ومسلم رقم (1829) في الإمارة ، باب فضيلة الإمام العادل ، والترمذى رقم (1705) في الجهاد ، باب ما جاء في الإمام العادل ، وأبو داود رقم (2928) في الإمارة ، باب ما يلزمه الإمام من حق الرعية .