سماحة الإسلام والإرهاب الغربي

الناقل : elmasry | الكاتب الأصلى : محمد حسان | المصدر : www.mohamedhassan.org

سماحة الإسلام والإرهاب الغربي

إن الحمد لله نحمده ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له وأشهد ألا لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ   [آل عمران: 102].
 يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا [النساء: 1].
 يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب: 70].
أما بعد ..
فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد ، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
أحبتي في الله ..
حياكم الله جميعًا أيها الأخوة الفضلاء الأعزاء وطبتم وطاب ممشاكم وتبوأتم من الجنة منْزلًا، وأسأل الله الكريم –جل وعلا- الذي جمعني مع حضراتكم في هذا المكان الطيب المبارك على طاعته إن يجمعنا في الآخرة مع سيد الدعاة المصطفى في جنته ودار مقامته أنه ولي ذلك والقادر عليه.
أحبتي في الله ..
(سماحة الإسلام والإرهاب الغربي) هذا هو عنوان لقاءنا مع حضراتكم في هذا اليوم الكريم المبارك وكما تعودت حتى لا ينسحب بساط الوقت سريعًا من تحت أقدامنا، فسوف ينتظم حديثي مع حضراتكم تحت هذا العنوان في العناصر التالية:
أولًا: صورٌ مخزية للإرهاب الغربي.
ثانيًا: صورٌ مشرقة للتسامح الإسلامي.
ثالثًا: لا تيأسوا من روح الله.
وأخيرًا: هذا هو طريق النجاة.
فأعيروني القلوب والأسماع، والله أسأل أن يُقِرَّ أعيننا بنصرة الإسلام وعزِّ الموحدين، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
أولًا: صورٌ مخزية للإرهاب الغربي
أحبتي في الله .. إن الصراع بين الحق والباطل قديمٌ بقدم الحياة على ظهر هذه الأرض، والأيام دُوَل –كما قال ربنا جل وعلا: وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاس [آل عمران: 140]- ولا شك أن الدولة الآن للغرب الذي كسب الجولة الأخيرة وهزم الأمة الإسلامية - عسكريًا، واقتصاديًا، وفكريًا، ونفسيًا، وعلميًا - بعد أن تخلت الأمة عن أسباب النصر بانحرافها عن منهج ربها ونبيها وذلك مصداقًا لقول ربنا جل وعلا:
 
إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ   [الرعد: 11].
راح الغرب المنصر يسوم الأمة المهزومة سوء العذاب، ويمارس في حقها كل أشكال وألوان الإرهاب الفكري، والنفسي، والاقتصادي، والعسكري في الوقت الذي يمارس فيه الإعلام الغربي لونًا قذرًا من ألوان الإرهاب الفكري بوصم الإسلام والمسلمين بالأصولية، والإرهاب، والتطرف، والوحشية، والبربرية، والجمود، والتخلف، والرجعية إلى آخر هذه التهم المعلبة الجاهزة.
لكن شاءت إرادة الله –جل وعلا- أن تسقط ورقة التوت، وأن تتمزق خيوط العنكبوت الذي طالما وارى بها النظام الغربي كوارثه الغليظة يوم أن قرر مراهق البيت الأبيض أن يضرب السودان وأفغانستان، بالصواريخ والطائرات، ويقطع الإرسال الإعلامي ليخرج علينا إرهابي البيت الأبيض بوجهه الكالح العبوس ليزف إلينا نبأ الغارات الجوية على السودان وأفغانستان بنفس الطريقة التي زف بها إلينا سلفه جورج بوش نبأ ذبح العراق وبنفس الطريقة التي خرج بها سلفهما رونالد ريجان ليزف إلينا الغارات الجوية على ليبيا.
مسلسل متكرر والضحايا يتساقطون من الموحدين والمسلمين ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
يُضْرَبُ السودان ذلك البلد الوديع الآمن الذي لا ذنب له إلا أنه أعلن تطبيق الشريعة الإسلامية ورفض كل أشكال الهيمنة الغربية والأمريكية، ولقد حاول الغرب بكل سبيل أن يمزق الأواصل الأخوية والعلاقات الودية بين مصر والسودان ليدخل البلدان دوامة صراع دموي لصالح الغرب ولكن الله سلَّم وتعاملت مصر –سَلَّمَهَا الله- مع المكر الشيطاني الغربي بغاية الحكمة والذكاء.
يُضرب السودان، ويُضرب أفغانستان بحجة محاربة الإرهاب!!
ستحارب أمريكا –رائدة الحضارة الغربية- الإرهاب في كل مكان في العالم وفعلها ليس من الإرهاب في شيء! تجويع الشعوب الآمن وضرب الشعوب الوديعة ليس من الإرهاب في شيء! قتل آلاف الأطفال في الصومال ليس من الإرهاب في شيء! قتل العشرات والمئات من أطفال ليبيا ليس من الإرهاب في شيء! إبادة كاملة في هيروشيما ونجازاكي ليس من الإرهاب في شي! إبادة شعب الهنود الحمر ليس من الإرهاب في شيء! المعاملة العنصرية اللونية البغيضة في أمريكا ليس من الإرهاب في شيء! محاربة المكسيك بمنتهى الشراسة والخِسَّة في عام 1914 لمجرد أن المكسيك لم يقفوا ليحيوا العلم الأمريكي ليس من الإرهاب في شيء!
جَرِيمَة لا تُغْتَفَرْ

 
فقتل امرئٍ أمريكي فيِ غَابَةٍ

مَسْأَلَةٌ فِيهَا نَظَرْ

 
وقَتْلُ شعبٍ آمِنٍ
ما دام الإرهاب يمارس بأيدٍ أمريكية فليس من الإرهاب في شيء!
وينبغي للعقلاء ألا ينسبوا هذا إلى الإرهاب ولا إلى التطرف، أما إن تكلم مسلم مجرد كلمة أو إن أخطأ مسلمٌ خطأً حركيًا هنا أو هنالك ركزت المجاهر المكبرة على هذا الخطأ، ليوصف الإسلام كله وليوصف المسلمين جميعًا بالإرهاب، والتطرف، والأصولية، والوحشية، والبربرية، والجمود، والرجعية، والتخلف، والتأخر، إلى آخر هذه التهم المعلبة التي لم تعد تنطلي الآن إلا على السذج والرعاع.
أمرٌ عجب أتذكر الآن ذلكم المشهد الخبيث لجندي بريطاني يقتل مسلمًا من المسلمين فيدافع المسلم عن نفسه فيعض الجندي البريطاني فما كان من الجندي البريطاني إلى أن قتله نظير هذه العضة ثم يذهب هذا الجندي الشرس إلى أخيه ليشكوا إليه تطرف المسلم وإرهاب المسلم!! فيقول له تصور أنه عض يدي وأن أقتله، هذا الإرهابي عض يدي وأن أذبحه!!
فإذا كان الفعل من المسلم فهذا هو التطرف، وهذا هو الإرهاب!!
إذا كان ضرب السودان وضرب أفغانستان بحجة محاربة الإرهاب في كل مكان فيجب على رائدة الحضارة الغربية –أمريكا- أن توقف إرهابها للعالم ابتداء، ثم أين هي من الإرهاب والتطرف اليهودي الذي يمارس الآن بعنجهية واستعلاء في فلسطين ولبنان وهضبة الجولان؟!
أين رائدة الحضارة من هذا الإرهاب والتطرف؟!
أين مجلس الأمن؟!
أين المنظمة العالمية لحقوق الإنسان؟!
أين من يتغنون بالديمقراطية، والحرية، وينددون بالتطرف والإرهاب؟!
أين النظام العالمي؟! أين السلام العالمي؟!
أين النظام العالمي أما له أثر؟! ألم ينعق به الأبواق؟!
وزاغت الأحداقُ

 
لقد بدا كذابُ السلام

كُسِرَ الأَمَانُ وصُنِّيع الميثَاقُ

 
يا مجلسَ الخوف الذي في ظله

أوَ مَا يَثيركَ جُرْحنا الدَقَّاقُ

 
أو ما يُحرِّككَ الذي يجري لنَا

مُتَضائِلًا وتَمُجَّها الأَذْوَاقُ

 
وَحْشِيَّة يَقِفُ الخَيالُ أَمامَها

ينبغي على كل عاقل الآن في أرض العرب والإسلام أن يعرف حقيقة الغرب طالما بُحَّتْ أصواتنا بحقيقة الغرب، ولكن الأمة لا تريد أن تسمع عن الله، لا تريد أن تسمع عن رسول الله .
صناعة وسياحةٌ ومظاهرٌ تُغْرينا

 
قالوا لنا: الغرب، قلت:

لا يرعى ضعيفًا أو يسرَّ حزينًا

 
لكنهُ خالٍ من الإيمان

يرمي بسهمهم المغريات الدينا

 
الغربُ مقبرةُ المبادئ لم يزل

بسلامه الموهوم يستهوينا

 
الغربُ يكفرُ بالسّلام وإنما

فعلى ما يحمل قومنا الزيتونا؟

 
الغرب يحمل خنجرًا ورصاصة

هذا بذاك أيها اللاهُونا

 
كفرٌ وإسلامٌ فأنى يلتقى

ولكن ألوم المسلم المفتونا

 
أن لا ألوم الغرب في تخطيطه

على درب الخضوع ترافق التنينا

 
وألوم أمتنا التي رحلت

إلا لتضربنا على أيدينا

 
وألوم فينا نخوة لم تنتفض
 
تبقى لفجَّار الحروب رهينا

 
يا مجلس الخوف إلى متى

منا وتطلبنا ولا تُعطينا؟

 
إلى متى ترضى بسلب حقوقنا

فصرت في ميدانهن اللاعب الميمونا

 
لعبت بك الدول الكبارُ

مرضًا خفيًّا يُشبهُ الطاعونا

 
يا مجلسًا غدَا في جسم عالمنا

حضارةٍ غربيةٍ لبست القناع سنينا

 
شكرًا لقد ابرز وجه

سيريك ميزان الهدى ويرينا

 
يا مجلس الأمن انتظر إسلامنا

عن غرق، وسل عن خسفه قارونا

 
إن كهنت في شكل فسل فرعون
أين مجلس الأمن من الإرهاب اليهودي في فلسطين وفي جنوب لبنان وفي هضبة الجولان وفي كل مكان؟ رئيس وزراء إسرائيل يعرب كيفما شاء ويضرب بالمواثيق الدولية عرض الحائط ولا يحترم عالمًا غَرْبيًا ولا عالمًا عربيًا ولا عالمًا إسلاميًا، فليعربد كيفما شاء.
ما عاد في البيت رب ستخشاه

 
عربد كما شئت يا هذا النتنيا هو

على الأريكة في كبر عهدناه
 
ما ضر لو تحتسي في الصباح قهوتنا

وتستبي حلمًا في الليل أحياه

 
ما ضر لو تسرق الأنفاس من رقتي

وتجلد البحر لو يفضي بنجواه

 
ما ضر لو توئد الأشعار إن صرختْ

قد صدأت أنصاله فانزوى والغمد واراه
 
لا تخشى من سيفنا، فالسيف
 
فأين الغمد والتذكار سلواه؟

 
لم يعد كالأمسً مزهوًا بطلعته

السباق إذا المضمارُ ناداه

 
 الجواد الذي كنت تحبسه نجمُ

منهزمًا والعجز سلواه

 
فقد تخلى عن الميدان فعاد

والشيب في رأسها قد خط مجراه

 
وأمتي لا تخف منها، فقد هرمت

وضرعها قد جف مذ جفت خلاياه

 
حليبها لم يعد يروي لنا ظمأً

فأمتي تعشق الشجب وتهواه

 
عربد كما شئت يا هذا النتنياهو

للشجب يا صاحب والكل أفواه

 
إن عم خطبٌ بها فالكلُّ ألسنة

وضعفها لم يعد في الدَّرْب إلى هُو

 
يا أُمَّةٌ عجزها قد صار قائدُها

تَلُوكُ مَاضٍ لها في القبر مثواه

 
يا أُمَّةٌ في خَرِيف العُمْر نائمة

وونت وسلمت كنزها للص يرعاه

 
هانت على نفسها فاستعبدت
طائعةٌ وأُسدُها دون أُسدِ الأرض أشباه

 
آسادها روِّضت في الأسر

فأمتي تعشق الشجب وتهواه

 
فعربد كما شءت يا هذا النتنياهو

للشجب يا صاحب والكل أفواه

 
إن عم خطب بها فالكل ألسنة

فالصبح من رحم الظلماء مسراه

 
يا قدس .. هذا زمان الليل فاصطبري

وفي اليمين كتابٌ ما تركناه

 
ما دام في القلب عهدٌ قد حفظناه

... حق أن يعربد رئيس وزراء إسرائيل كيف شاء .. فالعالم الإسلامي ساكن كمياه البحر الميت لا يجيد على الشجب والاستنكار .. وأين رائدة الحضارة الغريبية من الإرهاب الصربي؟! الذي لا زال يمارس إلى لحظتنا هذه ضد مسلمي كوسوفو، تطهير عرقي واسع النطاق وإبادة جماعية بشعة للمسلمين على مرأى ومسمع من الغرب، الذي يتغنى بالديمقراطية والحرية، وعلى مرأى ومسمع من العالم العربي والإسلامي.
خسَّة وخِيانةٌ ونفاقُ

 
كُوسوفو تُباد والعالم كله

أبوها والفاتح العملاق

 
كُوسُوفو من دولة المجد عُثمان

يعلو لواؤها الخفاقُ

 
كوسوفو من قلب مكة بالتوحيد

طوقٌ من خلفه أطواقُ

 
تركوها ومن حولها من كلاب الغرب

وللعُرْبِ كلهم عُشَّاقُ

 
قدَّمتها الصُّلبان للغرب قربان

عالم الغاب ما له ميثاق

 
حفظنا للمرة الألف عنكم

لرأينا مثل الذي رآهُ العِراقُ

 
ووالله لو فعلنا بالصربِ ما فعلوه

... أين العالم الغربي من الإرهابي الصربي؟! من الإرهاب اليهودي؟! من إرهاب أساطير الفساد الخلقي على وجه الأرض؟! أين هم؟!
أطفال البوسنة يُستخدمون –ولأول مرة في التاريخ- كدروع بشرية .. يفخخ الأطفال بالألغام ثم يطلق الأطفال إلى أهاليهم من الجيش البوسني وعن طريق التحكم عن بُعد (الروموت كنترول) تفجَّر الألغام في الأطفال وذلك على مرأى ومسمع من العالم الغربي!!
ولأول مرة يُستخدم أطفال المسلمين كفئران تجارب في البوسنة.
ولأول مرة يُستخدم أطفال المسلمين كتجارة واسعة للرقيق في قلب أوروبا في ظل قيادة العالم الغربي للبشرية –يوم أن تخلفت أمة القيادة عن القيادة ويوم أن انحرفت عن منهج الله ورسوله- انطلق الصرب ليحققوا على الأرض الواقع ملحمتهم الشعرية الكبيرة والمسماة بإكليل الجبل والتي تقول كلماتها:
(سلك المسلمون طريق الشيطان، دنسوا الأرض وملؤها رجسًا، فَلْنُعِد للأرض خصوبتها، ولنطهرها من تلك الأوساخ، ولنبصق على القرآن، ولنقطع رأس كل من يؤمن بدين الكلاب، ويتبع دين محمد، فيذهب غير مأسوف عليه).
تلك عقيدة الغرب التي يُحوِّلونَهَا إلى واقع عملي، ومنهج قذر على أرض الواقع، في عالم يقود البشرية فيه الرجل الغربي الخائن، والإرهابي المتطرف، في الوقت الذي يمارس فيه إعلامه دورًا قذرًا من ألوان الإرهاب، ويصف الإسلام والمسلمين جميعًا بالتطرف، والأصولية، والإرهاب، وفي مقابل هذه الصورة المخزية للإرهاب الغربي أُطَيِّبُ النفوس والقلوب، بسماحة الإسلام، وتمنيت لو أسمعت زعماء العالم الغربي جميعًا، هذه الصُّوَر المشرقة للتسامح الإسلام وهذا هو عنصرنا الثاني.
ثانيًا: صور مشرة للتسامح الإسلامي
أيها الأحبة الكرام .. بكل أسف شُوِّهت صورة الإسلام المضيئة، بكل أسف لُطِّخَتْ صورة الإسلام الذكية، فالإسلام الآن متهم –عند هؤلاء- بالتطرف والأصولية والإرهاب، والإسلام هو دين الأمن والأمان.
أيها المسلمون: ارفعوا رؤوسكم لتعانق كوكب الجوزاء، فإن الإسلام دين الأمن، ودين الاستقرار، ودين الرخاء، بل أُعْلِنُها بملئ فمي: أن اليهود والنصارى ما ذاقوا نعمة الأمن والأمان والاستقرار، إلا في ظلال الإسلام وشريعة محمد بن عبد الله عليه الصلاة والسلام، والتاريخ يحكم بيننا، بل ولن استشهد حينئذ بأقوال أئمتنا المسلمين، وإنما سأستشهد على هذه الحقيقة بأقوال كُتَّاب الغرب المنصفين الذين سجَّلوا للتاريخ!
أيها الأحبة ..
إن الإسلام العظيم لا يميز بين الناس إلا بالتقوى والعمل الصالح، فالناس جميعًا على وجه الأرض سواء لا تفاضل بينهم إلا بالتقوى والعمل الصالح وجاء هذا الإعلان القرآني العظيم.
 يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ  [الحجرات: 13].
وفي الحديث الصحيح الذي رواه أحمد والبيهقي من حديث جابر بن عبد الله أنه لما خطبهم في حجة الوداع أو في أواسط أيام التشريق قال: «أيها الناس: ألا إن ربك واحد، وإن أباكم واحد، ألا لا فضل لعربيٍّ على أعجميٍّ، ولا لعجَميٍّ على عربيٍّ، ولا لأحمر على أسود، ولا أسود على أحمر إلا بالتقوى»([1])، وقرأ النبي قول الله تعالى: إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ  .
هذه هي حضارة الإسلام .. وهذا هو تسامح الإسلام .. لا فضل لأحد على أحد إلا بالتقوى .. فقد سوى الإسلام بين سلمان الفارسي، وصهيب الرومي، ومعاذ الأنصارين وبلال الحبشين وحمزة القرشين وأنشدها سلمان بغاية الفخر:
إذَا افْتحروا بقَيسٍ أو تَميمٍ

 
أَبِي الإِسلامُ لاَ أَبَ لي سِواهُ

والسؤال الآن: هل ظلَّت مبادئ الإسلام السامية حبيسة الأدراج؟!
كما ظلت مواثيق الأمم المتحدة حبيسة الأدراج لا تساوي قيمة الحبر الذي كتبت به([2]).
هل حَبَسَتْ المدينة المنورة –تلك المدينة التي أعلنت لأول مرة مبادئ الإسلام السامقة- هذه الأسس السامية، وهذه القوانين وهذه الأخلاق؟!
كما حَبَسَت فرنسا بعد الثورة الفرنسية مبادئ الثورة في الحرية والديمقراطية على دولها ومستعمراتها التي ترزأ تحت حكمها؟!
هل نصبت حضارة الإسلام لهذه المبادئ السامية تمثالًا مكذوبًا كتمثال الحرية المكذوب في قلب نيويورك؟!
هل حبست الإسلام تلك المبادئ السامية؟
الجواب .. اقرءوا التاريخ .. اقرءوا سيرة النبي لتعَلموا وتُعَلِّموا الدنيا.
ثبت في الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها: أن قريشًا أهمَّهم شأن المرأة المخزومية التي سرقت فقالوا: من يكلم رسول الله ومن يجترئ عليه إلا أسامة حِبُّ النبي  فكلم رسول الله  قال: «أتشفع في حدٍّ من حدودِ الله؟» ثم قام فخطب فقال: «يا أيها الناس، إنما ضل من قبلكم أنهم كانوا إذا سرق الشريف تركوه، وإذا سرق الضعيف فيهم أقاموا عليه الحدَّ، وأيمُ الله، لو أن فاطمة بنت محمد سَرَقَتْ لقطع محمدٌ يدها»([3]).
تلك حضارة الإسلام، وهذا عمر فاروق الأمة لما نزل من المدينة لتسلم مفاتيح بيت المقدس أعطى لأهل (إيليا) من النصارى الأمن لأنفسهم وأموالهم وكنائسهم، وأمر ألا تُهْدَم كنائسهم، وأعطاهم الأمن للنفس والمال والكنائس.
وهذا عمر بن عبد العزيز لما فُتِحت مدينة (سمر قند) وأرسل أهل (سمر قند) له رسالة، قالوا فيها: بأن الفتح الإسلامي للمدينة فتح باطل؛ لأن الجيش لم يدعنا للإسلام ولم يفرض علينا الجزية إن امتنعنا، ولم يأذن لنا، ولم يخبرنا بالمنابذة فلما عرض عمر بن عبد العزيز الأمر على قاض المسلمين اقر القاضي ببطلان الفتح الإسلامي لسمر قند، فما كان من عمر إلى أن أصدر الأوامر لقائد جيوشه في بلاد سمر قند بالانسحاب فورًا، فخرج أهل سمر قند عن بكرة أبيهم بين يدي الجيش الفاتح ليعلنوا جميعًا القولة الخالدة، (اشهد ألا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا رسول الله).
ولما فتح المسلمون الشام واستولوا على حِمْص ودمشق، سمع القادة المسلمون بقيادة أبي عبيدة بن الجراح أن هرقل قد جمع جيشًا جرارًا لينقضَّ على الجيش الإسلامي انقضاضًا ساحقًا فما كان من قادة المسلمين إلا أن ذهبوا إلى أهل دمشق وأهل حمص ليخبروهم بأنه لن يستطيعوا أن يدفعوا عنهم في مقابل الجزية، فردوا الجزية كلها إلى أهل حمص وأهل دمشق فخرجوا جميعًا مع أنهم يدينون دين النصارى خرجوا جميعًا يقولون: (نشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله) لعدلكم أيها المسلمون أحب إلينا من الروم وظلمهم، وإن كنا على مثل دينهم.
وأظن أنكم جميعًا تعملون قصة اليهودي الذي سرق درع عليّ ويقف اليهودي إلى جوار أمير المؤمنين أمام قاض مسلم، فيقول القاضي لعليّ: ما القضية؟ فيقول عليّ: الدِّرْعُ دِرْعِي، ولم أبعْ ولم أَهَبْ!! فيلتفت القاضي إلى اليهودي فيقول: ما القضية؟ فيقول: الدِّرْعُ دِرْعي وهوَ معين فيقول القاضي: هل معك من بَيِّنَة يا أمير المؤمنين؟ فيقول: لا، فيقضي القاضي بالدرع لليهودي .. فالبيِّنة على من ادعى واليمين على من أنكر، وينطلق اليهودي بالدرع وهو يكلم نفسه: أقف إلى جوار أمير المؤمنين في ساحة القضاء ويقضي القاضي المسلم بالدرع لي؟ والله إنها لأخلاق أنبياء.
فيرجع اليهودي إلى القاضي ويقول: أيها القاضي، أما الدِّرْع فهو لعليّ وأما أنا فإني أشهد ألا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله.
فقال عليّ : أما وقد أسلمت فالدرع هدية مني لك.
وأظن أنكم جميعًا تحفظون قصة ذلكم الشاب القبطي الذي سابق محمد بن عمرو بن العاص، الذي كان حاكمًا لمصر وواليًا عليها، فسبق القبطيُّ ابن حاكم مصر، فضربه محمد بن عمرو بالسوط وهو يقول له: خذها، وأن ابن الأكرمين!! فانطلق هذا القبطي إلى الأسد القابع في عرينه في مدينة المصطفى  ذلك الرجل الذي يحب العدل ويكره الظلم بكل كيانه إنه عمر ويدخل القبطي على عمر في مسجد النبي  ويقول: يا أمير المؤمنين .. هذا مقام والعائذ بك، فيقول عمر: ما القضية؟ ومن أنت؟ فيقول: أنا قبطي من أهل مصر، فيقول عمر: ما القضية؟ فيقول القبطي سابقت محمد بن عمرو فسبقته فضربني بالسَّوْطِ وهو يقو لي: خُذْها وأنا ابن الأكْرَمين. فقال له عمر: أجلس هنا، وأمر الصحابة أن يكرموا هذا القبطي، وكتب عمر كتابًا إلى والي مصر، فقال بعدما حمد الله واثنى عليه: من عبد الله عمر بن الخطاب إلى والي مصر، سلام الله عليك وبعد .. فإن انتهيت من قراءة كتابي هذا فاركب إليَّ مع ولدك محمد.
فدخل عمرو بن العاص وخلفه ولده محمد على أمير المؤمنين عمر، فقال فاروق الأمة: أين قبطي مصر؟ فقال: هاأنذا يا أمير المؤمنين، قال: خذ السوط واضرب محمد بن عمر فضربه على رأسه فقال: أَجِلْهَا على صلعة عمرو. فقال: لا يا أمير المؤمنين .. لقد ضربت من ضربني. قال: والله لو فعلت ما حُلْنا بينك وبين ذلك، فما تجرأ عليك ولده إلا لسلطان أبيه، ثم قال عمر قولته الخالدة التي ترن في آذان الزمان إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، قال عمر: يا عمرو متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارًا؟
وهذا صلاح الدين يوم أن هزم الصليبيين في موقعة حطين وسمع أن ريتشارد قلب الأسد –ذلكم القائد المراوغ الخبيث- قدر مرض مرضًا شديدًا فما كان من صلاح الدين إلا أن أرسل إليه بطبيبه الخاص وبدواء من عنده.
ومحمد الفاتح –ذلكم السلطان الشاب المبارك- لما فتح القسطنطينية تحقيقًا للنبوءة النبوية، وأعطى الأمان لأهل كنيسة آل صوفيا الشهيرة .. أعطاهم الأمن والأمان على أنفسهم، وعلى أموالهن وعلى كنيستهم، ولم يصبهم بأي أذى، أو بأي سوء!!
إنها سماحة الإسلام .. تلك أخلاقنا .. وهذا هو ديننا .. تمنيت ورب الكعبة لو أسمعت العالم كله بزعمائه أن الإسلام دين لا يقر الإرهاب أبدًا مهما كان لونه، ومهما كان جنسه، ومهما كان وطنه، بل هو دين الأمن والأمان .. بل هو دين السماحة والرخاء والاستقرار .. ولكن بكل أسف شُوِّهَتِ الصورة المشرقة للإسلام، ورَكَّزت المجاهر المكبرة على بعض الأخطاء الفردية من المسلمين هنا وهنالك، حتى وُصِمَ الإسلامُ كله، والمسلمين جميعًا بالأصولية، والتطرف، والإرهاب.
أحبتي الكرام .. ومع ذلك أقول كلم في عنصرنا الثالث:
((لا تيأسوا من روح الله))
هل تظنون أن الكون كله ملك لعُبَّاد البقر من الأمريكان؟
إن الكون كله ملك لله يتصرف فيه كيف يشاء قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [آل عمران: 26].
فوالله الذي لا إله غيره ستسقط الحشرات الأمريكية كما سقطت الحشرات الروسية الماركسية .. تلك سُنَّةٌ ربانية لا تتبدل ولا تتغير .. فكما أن الله سبحانه وتعالى قد جعل الابتلاء للمؤمنين سُنَّة جارية، فإنه قد جعل أيضًا أخذ الظالمين سنة جارية.
الغيِّ؟ بل أين فِرعونَ وهامان

 
أَين الظالمون وأين والتابعون لهم في
وذكرهم في الورى ظلمٌ وطغيانُ

 
اين من دوخوا الدنيا بسطوتهم

الكل يفنى فلا إنسٌ ولا جان

 
لا والذي خلق الأكوان من عدمٍ

أين فرعون؟ أين هامان؟ أين قارون؟ أين الطواغيت؟ أين الجبابرة؟ أهلكهم الحي الذي لا يموت!! وبقي الإسلام شامخًا وسيبقى إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها فأرجو ألا تعصف رياح اليأس والقنوط بقلوبنا .. وأرجو أن نتعلم اليقين من هذه البدوي البسيط الذي يعيش في أرض الجزيرة في بلاد القصيم يوم أن خرجت الطائرات لأول مرة فذهب أحدهم يقول له ادعوا الله فإن بريطانيا ستضرب بلاد المسلمين بالطائرات، فقال: شو يا خويا الطائرات هذه؟ قال: الطائرات هذه، أجسام ضخمة تطير في السماء وتقذف الناس بالقنابل المحرقة، فتحرق المزارع، وتدمر المصانعن والبيوت، وتهلك البشر، فقال هذا المؤمن البسيط قوله عجيبة قال: يا اخويا الطائرات دي فوق ربنا والا ربنا إللي أعلى منها؟ قال: بل الله أعلى وأجل.
قال: إذًا ما تخاف فال سبحانه وتعالى يتصرف في ملكه كيف يشاء.
هذا هو اليقين الذي نحتاجه الآن.
بكل أسف تضع الأمة الخطة الخمسية، والسنوية، والشهرية، وما وضعت أبدًا ضمن خطة واحدة قوة وعظمة رب البرية، الله .. مالك الملك .. لقد أصاب الله أمريكا في الأيام الماضية بإعصار –يسمونه بإعصار جورج- قتل ما يقرب من الثلاثمائة، وشرَّد ما يزين عن مليون ونصف أمريكي وأمريكية .. إعصار؟ وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ وَمَا هِيَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْبَشَرِ   [المدثر: 31]، وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لَا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌوَأَنْذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذَابُ فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ مَا لَكُمْ مِنْ زَوَالٍ   [إبراهيم: 42-44].
فلا تقنطوا أيها الأحباب، فإن معنا رصيد فطرة الكون .. معنا رصيد فطرة الإنسانية وقبل كل ذلك وبعد كل ذلك معنا الله .. فيالها والله من معية لو علمت الأمة قدرها، قال الله جل وعلا: وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ[يوسف: 21].
وأخيرًا إخوتي الكرام .. أين طريق النجاة؟
وسوف نتعرف على معالمه بعد جلسة الاستراحة، إن شاء الله تعالى.
الخطبة الثانية ..
الحمد لله رب العالمين وأشهد ألا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وزد وبارك عليه وعلى آله وأصحابه، وأحبابه، وأتباعه، وعلى كل من اهتدى بهديه، واستن بسنته واقتفى أثره إلى يوم الدين.
أما بعد ..
فيا أيها الأحبة الكرام ما هو طريق الجنة؟
المعلم الأول على طريق النجاة للأمة من هذا المأزق الحرج هو العودة الصادقة إلى القرآن والسنة وإحياء عقيدة الولاء والبراء فإن الكفر ملة واحدة والسؤال الذي ينبغي أن نطرحه الآن، وألا نسأم تكراره هو لماذا لم تحارب أمريكا التطرف اليهودي والتطرف الصربي؟!
والجواب: لأن الكفر ملة واحدة تلك حقيقة قرآنية نبوية.
قال تعالى: وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ [البقرة: 120].
قال تعالى: وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [البقرة: 109].
قال تعالى:يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ [المائدة: 51].
وقال جل وعلا: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ [آل عمران: 118].
وقال الله جل وعلا: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ ... [الممتحنة: 1].
الكفر ملة واحدة .. وأنا أسأل وأقول: متى سنربي أنفسنا، ونساءنا، وبناتنا وأولادنا، على عقيدة الولاء والبراء في شمولها وصفائها؟
متى ستزول حالة الغبش التي يحياها المسلمون إلا من رحم ربك؟ متى ستزول هذه الحالة إن لم تزل الآن بعد هذه العلامات الناصعة البينة الواضحة على إرهاب وكفر وحقد هذه الأنظمة؟
والعودة الصادقة إلى القرآن والسنة ليست نافلة ولا تطوعًا ولا اختيارًا بل إنها شرط الإسلام وحد الإيمان  فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا   [النساء: 65].
وقال سبحانه: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا  [الأحزاب: 36].
وقال سبحانه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ[الحجرات: 1].
قال سبحانه: أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ   [المائدة: 50].
قال سبحانه وتعالى: يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ  [يوسف: 39].
العودة إلى القرآن والسنة ليست نافلة ولا اختيارًا بل إنها شرط الإسلام وحَدُّ الإيمان.
المَعْلَمُ الثاني على طريق النجاة
ألا تضخم الأمة من قوة عدوها في الوقت الذي تُقَلِّلُ فيه من شأن طاقاتها، وقدراتها، وإمكانياتها.
فإن الأمة ليست ضعيفة، ولا فقيرة، لا من الناحية المادية، ولا من الناحية الفكرية، ولا من الناحية العلمية، بل إن عقول الأمة في بلاد الشرق والغرب هي التي تبدع هنالك يوم أن أوصدت الأبواب في وجوهها في كثير من بلاد المسلمين، ولا حول ولا قوة إلا بالله!!
فالأمة قوية وغنية وليست ضعيفة ولا فقيرة، وليست مريضة ولا عاجزة، ولكننا أُصبنا بطائفة من المُرْجِفين، ممن يضخمون قوة أعدائنا، ويُقَلِّلون دومًا من شأننا وقدراتنا وطاقاتنا، حتى أصيبت الأمة بأخطر هزيمة ألا وهي الهزيمة النفسية، والمهزوم نفسيًا مشلول الكفر والحركة .. فلنتحرر من هذه الهزيمة.
المَعْلَم الثالث: رفع راية الجهاد في سبيل الله
أتمنى من كل قلبي لو تَبَنَّى رفع راية الجهاد زعيم واحد بعد صلحه هو مع الله أولًا، وتطبيقه لشرع الله في بلده ثانيًا، وقال: يا خيل الله اركبي حي على الجهاد.
والله –الذي لا إله غيره- لانتفض من هذا النداء الشرق الملحد والغرب الكافر، فهم يحرصون كل الحرص على أن تغيب قضية الجهاد عن الساحة لأنهم يعلمون أن راية الجهاد إن رُفِعَتْ لرفرفت راية الإسلام على كل بقاع الأرض، كما رفرفت من قبل على أيدي سلفنا الصالح رضوان الله عليهم جميعًا.
وفي الحديث الصحيح الذي رواه أحمد وغيره من حديث ابن عمر أن النبي قال: «إِذا تَبَايَعْتُم بالعيْنة، ورَضيتُم بالزرع، وتَبعتُم أَذْنابَ البَقَر وتركتُم الجِهادَ في سَبيلِ الله، سَلَّطَ اللهُ عليْكُم ذُلًّا لا ينْزِعُهُ عنكُم حَتَّى ترتجعوَا إلى دينكُم»([4]).
المعلم الرابع: المقاطعة الشاملة للمنتجات اليهودية والأمريكية
يستطيع كل مسلم –الآن- أن يفعله ولا تَستَهينوا بهن لكن المصيبة أن كل مسلم يقول: وهل لو قاطعت أنا المنتج اليهودي والأمريكي سيتأثر الاقتصاد هنالك وسينتعش الاقتصاد المحلي؟
دعك من هذه السلبية القاتلة التي تخيم الآن في سمائنا.
يا أخي أنت مسئول .. فليحترق قلبك لهذه الأمة .. افعل شيئًا تستطيع أن تفعله .. والله –تبارك وتعالى- لن يسألك إلا في حدود قدراتك، وطاقاتك، وإمكانياتك.
أنت تقدر أن تفعل ذلك، وإن قصرت فستسأل عن ذلك، ولا تستهينوا بهذا، فوالله لو قاطع المسلمون البضائع اليهودية والأمريكية لاختلت الحركة والموازين تمام الاختلال، انظروا إلى حجم الواردات اليهودية والأمريكية إلى بلاد المسلمين، لانتظروا إلى مصر فحسب ولكن انظروا إلى الأمة.
وأخيرًا أيها الأحبة: لا تنسوا سِهام الليل –لست درويشًا والله بل أنا أعي من أقول- وأعلم يقينًا أن التوكل الحقيقي هو الأخذ بالأسباب مع تعلق القلوب بمسبب الأسباب جل وعلا، فابذل ما استطعت وما تمكنت من الأسباب، ولكن لا تنسى سهام الليل .. لا تنسى الدعاء .. وأنا أسألكم الآن سؤالًا واحدًا –وأستحلفكم بالله- هل كلنا يخص الأمة بدعوة في كل سجدة في صلاته؟
للأسف الشديد إن قلة قليلة فحسب من الأمة –ممن يحملون هَمَّ هذه الأمة في قلوبهم- هُمْ الذين يتذللون ويتضرعون إلى الله في كل سجدة أن يرفع الله الذل والهَمَّ عن أمة الحبيب المصطفى ، فلا تستهن بالدعاء ولا تيأس ابدًا من روح الله.
وأخيرًا أيها الأحبة: أُذَكِّرُ بقول الله جل وعلا: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ [الأنفال: 36].
وأُذَكِّر بقول الصادق المصدوق –الذي لا ينطق عن الهوى- كما في صحيح مسلم من حديث نافع بن عتبة أن النبي قال: «تَغْزون جزيرة العرب فيفتحها الله، ثم فارس، فيفتحها الله، ثم تغزون الروم فيفتحها الله، وتغزون الدَّجال فيفتحه الله»([5]).
والجولة القادمة بنص وعد النبي هي غزو الروم، ذلك وعدٌ لا يُكذب، والله –جل وعلا- يهيئ الكون كله الآن لهذه المرحلة، إن الله يهيئ الأرض الآن للمهدي عليه السلام الذي سيقود الأمة كلها تحت ظلال الخلاف الراشدة لتغزو الأُمة الرومَ بالتكبير لله الكبير –جل وعلا- مصداقًا لقول البشير النذير الذي لا ينطق عن الهوى ، في الحديث الصحيح الذي رواه مسلم من حديث ثوبان أن النبي قال: «إن الله زوى لي الأرض، فرأيت مشارقها ومغاربها، وإن ملك أمتي سيبلغ ما زوى لي منها»([6]).
أسأل الله جل وعلا أن يقر أعيننا بنصرة الإسلام وعز الموحدين اللهم انصر الإسلام وأعز المسلمين، اللهم مَكِّنْ لدينا يا رب العالمين، ربنا إننا مغلوبون فانتصر، اللهم إنا نشكو إليك خيانة الخائنين وضعف الموحدين. اللهم ارحم ضعفنا، واجبر كسرنا، واغفر ذنبنا، واستر عيبنا، وفك أسرنا، واختم بالصالحات أعمالنا، اللهم تول خلاصنا الله إن نسألك أن تجعل بلدنا مصر واحةً للأمن والأمان وجميع بلاد المسلمين، اللهم ارفع عن مصر الفتن ما ظهر منها وما بطن برحمتك يا أرحم الراحمين اللهم لا تجعل لأحد منا في هذا الجمع المبارك ذنبًا إلا غفرته، ولا مريضًا بيننا إلا شفيته، ولا دَينًا إلا قضيتهن ولا ميتًا إلا رحمته، ولا عاصيًا إلا هديته، ولا طائعًا إلا ثَبَّتَهُ ولا حاجة هي كل رضىً ولنا فيها صلاح إلا قضيتها يا رب العالمين.
 
 


([1]) رواه أحمد في المسند (5/411)
([2])
([3]) رواه البخاري رقم (6788) في الحدود، باب كراهية الشفاعة في الحدي إذا رفع إلى السلطان ومسلم (1688) في الحدود، باب قطع يد السارق.
([4]) صحيح: أخرجه أبو داود رقم (3462) في البيوع، وأخرجه أيضًا في أحمد في المسند (2/28) وصححه الألباني في الصحيحة رقم (11).
([5]) رواه مسلم رقم (2900) في الفتن، باب ما يكون من فتوحات المسلمين قبل الدجال.
 
 
([6]) رواه مسلم رقم (2779) في الفتن، باب هلاك هذه الأمة بعضها ببعض، والترمذي رقم (2177) في الفتن، باب ما جاء في سؤال النبي ، وأبو داود رقم (4252) في الفتن، باب ذكر الفتن ودلائلها.