الرحمــة المهـــداة إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد ألا إله الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله. يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران: 102] يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً[النساء: 1] يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً [الأحزاب: 70-71] . أما بعد ... فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدى محمد ، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة فى النار. فحياكم الله هذه الوجوه الطيبة المشرقة، وزكى الله هذه الأنفس وشرح الله هذه الصدور، وطبتم جميعاً وطاب ممشاكم وتبوأتم من الجنة منزلاً ، وأسأل الله جل وعلا بأسمائه الحسنى وصفاته العلا أن يجمعنا في هذه الدنيا دائماً وأبداً على طاعته وأن يجمعنا في الآخرة مع سيد الدعاة المصطفي في جنته ودار مقامته ، إنه ولي ذلك والقادر عليه.. أحبتى فى الله ... إذا كان الوقوف على الماضى للبكاء والنحيب والعويل فحسب هو شأن الفارغين العاطلين فإن ازدراء الماضى بكل ما فيه من خير ونور هو شأن الحاقدين الجاهلين . أكرر عن قصد وأرجو شدة التركيز وحسن المتابعة أقول : إذا كان الوقوف على الماضي للبكاء والنحيب والعويل هو شأن الفارغين العاطلين ، فإن ازدراء الماضي بكل ما فيه من خير ونور هو شأن الحاقدين الجاهلين . ولقد حاول الأعداء بكل سبيل أن يحول بين الأمة وبين ماضيها المشرق المجيد حتى لا تستمد الأمة من هذا الماضى نورا يضئ لها الحياة وحتى لا تستمد من هذا الماضى دماء حية تنبض بالحب والغيرة تتدفق فى عروق مستقبلها وأجيالها، لقد علم الله سبحانه أنه لكى يتحول المنهج التربوي الإسلامى فى حياة الناس إلى منهج واقعى عملى علم الله أنه لابد لذلك من قدوة طيبة، فبعث الله القدوة الطيبة والمثل الأعلى للعالمين محمداً ليحول المصطفى هذا المنهج التربوى النظرى إلى منهج واقعى عملى، فرأى الناس صدقه ورأى الناس طهره ورأى الناس عفته ورأى الناس ورعه، ورأى الناس زهده، ورأى الناس حلمه، ورأى الناس خلقه، ورأى الناس بيعه، ورأى الناس شراءه، ورأى الناس معاملاته، وسمع الناس أقواله، فرأوا القرآن الكريم كله يتحول فى دنيا الناس إلى منهج عملى وواقع حياة، وما أجمع وما أجمل قول عائشة رضى الله عنها حين سئلت عن أخلاق المصطفى فقالت: كان خلقه القرآن([1]) . فما أحوج الأمة فى هذه الأيام أن تفيق من جديد إلى القدوة الطيبة وإلى المثل الأعلى: محمد بن عبد الله فى عصر قلت فيه القدوة من ناحية وقٌدم فيه التافهون والساقطون ليكونوا قدوة من ناحية أخرى: وراعى الشاة يحمى الذئب عنها ... فكيف إذا الرعاة لها الذئاب ... ولقد وصف المصطفى هذا الزمن وصفا دقيقا محكماً كما فى الحديث الصحيح الذى رواه أحمد والحاكم وصححه شيخنا الألبانى من حديث أبى هريرة قال :" سيأتى على الناس سنوات خداعات يصدق فيها الكاذب ويكذب فيها الصادق، ويؤتمن فيها الخائن ويخون فيها الأمين وينطق فيها الرويبضة.." قيل من الرويبضة يا رسول الله؟ قال:" الرجل التافه يتكلم فى أمر العامة"([2]) .. بل لا والله لم يعد التافهون يتكلمون الآن فى أمر العوام بل تجرأ وتطاول التافهون اليوم على أمر الدين والإسلام... أقول: ما أحوج الأمة أن تفئ من جديد إلى القدوة الطيبة إلى المثل الأعلى إلى محمد بن عبد الله الذى زكاه الله ورباه على عينه فإن الذى تولى تربية وتزكية نبينا هو الله جلا جلاله... زكاه فى بصره فقال سبحانه: مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى (17) سورة النجم وزكاه فى فؤاده فقال سبحانه: مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى (11) سورة النجم وزكاه فى صدقه فقال سبحانه وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) سورة النجم وزكاه فى علمه فقال سبحانه: عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى (5) سورة النجم وزكاه فى حلمه فقال سبحانه لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ (128) سورة التوبة وزكاه فى ذكره فقال سبحانه: أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ (1) سورة الشرح وزكاه فى طهره فقال سبحانه: وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ (2) سورة الشرح وزكاه كله فقال سبحانه: وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ (4) سورة القلم . فتعال معى الليلة أيها الوالد الكريم وأيها الأخ الحبيب تعالى معى لنقضى الليلة مع القدوة الطيبة ومع المثل الأعلى محمد بن عبد الله فما أحوج الأمة بقاداتها وزعمائها وعلمائها وشيوخها ودعاتها ورجالها ونسائها وأطفالها، ما أحوج الأمة إلى أن تفئ من جديد إلى أخلاق محمد . إنما الأمم الأخلاق ما بقيت فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا لا سيما ونحن نرى الآن انفصاماً بين منهجنا المنير وواقعنا المؤلم المرير. والحديث عن أخلاق النبى المختار تفتى دونه الأعمار، ولذا فسوف أركز الحديث الليلة مع حضراتكم فى جانب واحد فقط من جوانب أخلاق المصطفى ألا وهو جانب الرحمة فما أحوج الحكام إلى الرحمة، وما أحوج العلماء إلى الرحمة، وما أحوج المربين إلى الرحمة، وما أحوج الأباء إلى الرحمة ، وما أحوج الأمهات إلى الرحمة، وما أحوج الأمة إلى أن تتربى على المعانى الرقراقة الرقيقة للرحمة، وعند من سنتلقى هذه التعاليم وممن نأخذ هذه المعانى إن لم نأخذها من القدوة الطيبة والمثل الأعلى محمد بن عبد الله فعنوان محاضرتنا الليلة: (الرحمة المهداة) وكما تعودنا حتى لا ينسحب بساط الوقت من بين أيدينا سريعا فسوف أركز الحديث مع حضراتكم تحت هذا العنوان المهم فى العناصر التالية: أولاً: رحمة النبى بأمته. ثانياً: رحمة النبى فى دعوته ثالثاً: رحمة النبى بامرأة رابعاً: رحمة النبى بالأطفال خامساً: رحمة النبى بأهل المعاصى سادساً :رحمة النبى باليتامى والفقراء سابعاً : رحمة النبى بالأعداء واخيراً: رحمة النبى بالحيوان فأعيرونى القلوب والسماع جيداً، والله أسأل أن يجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه. أولاً: رحمة النبى بأمته: أيها الأحبة الكرام لقد زكى الله نبينا بقوله سبحانه وتعالى: وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ (107) سورة الأنبياء قال ابن عباس: رسول الله بعث رحمة للبار والفاجر، فمن آمن بالنبى تمت له الرحمة فى الدنيا والآخرة مصداقا لقول الله تعالى: وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (33) سورة الأنفال فرسول الله رحمة لكل العالمين وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ بل روى مسلم فى صحيحه وأرجو أن تركزوا معى الليلة فسوف يمن الله عليكم بقدر كبير من أحاديث النبى فى هذه المحاضرة ، قد يزيد عدد الأحاديث الليلة عن خمسين حديثا من أحاديث المصطفى وهذه من أعظم بركات هذه المحاضرة وما دمعت عين لا تدمع لكلام المصطفى ، ولا رق قلب لا يرق لكلام المصطفى. روى مسلم فى صحيحه من حديث أبى هريرة أنه قبل للنبى : ادع على المشركين.... قال المصطفى:" أنى لم أبعث لعانا وإنما بعثت رحمة"([3]) . بل وروى الدارمى- للأمانة العلمية- مرسلا إلا أنى وقفت على هذا الحديث فى مستدرك الحاكم صححه الحاكم على شرط الشيخين وأقره عليه الإمام الذهبى أنه قال: " إنما أنا رحمة مهداة"([4]) وأرجو ألا يكون بينا الليلة بخيل يسمع كلام النبى ولا يصلى على النبى ، يقول الحبيب : " إنما أنا رحمة مهداة" فتعال نقف على رحمة النبى لأمته: فوالله لقد روى البخارى ومسلم من حديث عبد الله بن عمرو أن النبى قرأ يوما قول الله تعالى فى إبراهيم: رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ فَمَن تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ(36) سورة إبراهيم وقرأ قول الله فى عيسى: إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (118) سورة المائدة فبكى الحبيب المصطفى ورفع يديه إلى السماء فسمع الله بكاءه وعلم الله ما جال فى صدره، والله يعلم ما كان وما هو كائن وما سوف يكون فقال الله لجبريل عليه السلام : يا جبريل سل محمداً ما الذى يبكيك؟ وهو أعلم فنزل جبريل فسأل المصطفى فقال الحبيب:" أمتى أمتى يا جبريل.." فصعد جبريل إلى السماء وقال لرب العزة: يبكى محمد على أمته فأمر الله جبريل مرة ثانية وقال له: يا جبريل أنزل لمحمد وقل له: إنا سنرضيك فى أمتك ولا نسوؤك([5]). ومما زادنى فخرا وتيــها دخولى تحت قولك يا عبادى وكدت بأخمصى أطـأ الثريا وأن أرسلت أحمد لــى نبيا فأمه النبى أمة ميمونة أمة النبى أمة مرحومة، ايها الشاب الحبيب أرجو ألا تفقد الأمل فى هذه الأمة، أمة فيها النبى أمة فيها أبو بكر وعمر وعثمان وعلى وجميع أصحاب الحبيب ، وفيها مسلم والبخارى وفيها أبو حنيفة ومالك وأحمد والشافعى وفيها السائرون على هذا الدرب المنير البهى. فلئن عرف التاريخ أوسا وخزجا وإن كنوز الغيب تخفى طلائعا فلله أوس قادمون وخزرج حرة رغم المكائد تخرج وَاللّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ(21) سورة يوسف فحيثما توجهتم إخوتاه فى مشارق الأرض ومغاربها سترون عودة وأوبة من شاب فى ريعان الصبا وفتيات فى عمر الزهور والورود، وقد أعطى الشباب فى هذه الصحوة قد أعطى ظهره لواشنطن وبانكوك ومدريد وتل أبيب ووجه وجهه من جديد إلى بيته قال الله لحبيبه: قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاء فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّواْ وُجُوِهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ (144) سورة البقرة فوالله إن ما نراه الآن إنما هو وعد الله جل وعلا وإنما هو وعد رسوله. صبح تنفس بالضياء وأشرقا وشبيبة الإسلام هذا فيلق وقوافل الإيمان تتخذ المدى دربا والصحوة الكبرى تهز البيرقا فى ساحة الأمجاد ويتبع فيلقا وتصنع للمحيط الزورقا أسأل الله أن ينفع بها وأن يحفظها من بين يديها ومن خلفها وأن يثبتنا وإياكم على الحق وأن يختم لى ولكم بالإيمان والتوحيد فأمة النبى أمة لا تخلو من الخير أبداً فى كل زمان ومكان تدبر مكانة هذه الأمة، يقول الحبيب المصطفى كما فى صحيح مسلم من حديث أبى هريرة: " لكل نبى دعوة مستجابة". وأنظر إلى رحمة النبى بهذه الأمة: " لكل نبى دعوة مستجابة فتعجل كل نبى بدعوته إلا أنا فقد اختبأت دعوتى شفاعة لأمتى يوم القيامة". اللهم لا تحرمنا شفاعة حبيبك المصطفى " فهى نائلة إن شاء الله تعالى من مات من أمتى لا يشرك بالله شيئاً"([6]) أسأل الله أن يختم بنا بالتوحيد" لكل نبى دعوة مستجابة فتعجل كل نبى بدعوته إلا أنا فقد اختبأت دعوتى شفاعة لأمتى يوم القيامة فهى نائلة إن شاء الله تعالى من مات من أمتى لا يشرك بالله شيئاً". وأختم هذا العنصر ، فإنى لا أريد أن أطيل مع كل فقرة وإلا فإن كل فقرة من فقرات المحاضرة تحتاج والله إلى محاضرة ، وإنما هى رؤوس أقلام لإخوانى وأحبابى من طلاب العلم والدعاة ليفرعوا عليها إن شاء الله تعالى، أختم هذه الفقرة فى رحمة النبى بأمته بحديث رقراق رواه البخارى ومسلم من حديث أبى سعيد الخدرى أن النبى قال: ينادى على آدم ويقال له: يا آدم .. فيقول له آدم: لبيك يا رب وسعديك والخير بين يديك فيقول الله لآدم: أخرج بعث النار من ذريتك فيقول آدم: وما بعث النار يارب فيقول الله: من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعون إلى النار". اللهم سلم سلم... يقول المصطفى :" فحينئذ يشيب الصغير وتضع كل ذات حمل حملها {يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ } (2) سورة الحـج فشق ذلك على أصحاب النبى وقالوا: يا رسول الله فمن ينجو وأبنا ذلك الواحد فقال المصطفى:" أبشروا فمن يأجوج ومأجوج تسعمائة وتسعة وتسعون ومنكم واحد..." فكبر أصحاب النبى فقال المصطفى:" والذى نفسى بيده إنى لأرجو أن تكونوا ثلث أهل الجنة" فكبر اصحاب المصطفى فقال فى الثالثة- ويا لها والله من كرامة- قال:" إنى لأرجو أن تكونوا نصف أهل الجنة"([7]) . وأمة النبى أمة من بين سبعين أمة... أنتم موفون سبعين أمة أنتم خيرها وأكرمها على الله تعالى... هذه الأمة من بين هذه الأمم تشغل نصف أهل الجنة سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاء وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (21) سورة الحديد ولكن هذه رحمة النبى بالأمة، وبكل أسف فهذه هى رحمة النبى بالأمة لم يعد كثير من أفرادها يعلم قدر رسول الله ، فإن جل الأمة الآن يردد أنه يحب النبى ويزعم أنه يتبع النبى فى الوقت الذى نحت فيه الأمة شريعة النبى وأخرت فيه سنة النبى وحكمت فى الأعراض والدماء والفروج القوانين الواضعية الفاجرة الجائرة فى الوقت الذى تتغنى فيه فى يوم من أيام شهر ربيع فى كل عام تتغنى فيه الأمة بحب نبيها وهذا والله حب كاذب قال تعالى: قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (31) سورة آل عمران ولله در القائل: من يدعى حب النبى ولم يفد فالحب أول شرطه وفروضه من هدية فسفاهة وهراء إن كان صدقا طاعة ووفاء واحذر أيها الحبيب يا من تدعى الحب من غير اتباع، احذر بأنه قد يحال بينك وبين شفاعة النبى فإن النبى لا يشفع إلا بإذن الرب العلى: اللّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاء وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ (255) سورة البقرة والحديث رواه البخارى ومسلم من حديث سهل بن سعد الساعدى قال الحبيب النبى :" أنا فرطكم على الحوض" أى: سابقكم على الحوض، وحوض الحبيب ماؤه أشد بياضا من اللبن وأحلى مذاقا وطعماً من العسل وعدد كيزانه بعدد نجوم السماء، من شرب منه شربة بيد الحبيب لا يظمأ بعدها أبدأ حتى يتمتع بالنظر إلى وجه الله فى الجنة، اللهم اسقنا بيده الشريفة شربة هنيئة مريئة لا نرد ولا نظمأ بعدها أبدا يارب العالمين... يقول المصطفى :" أنا فرطكم على الحوض من مر على شرب، ومن شرب لا يظمأ أبداً، وليردن على الحوض أقوام أعرفهم ويعرفوننى ثم يحال بينى وبينهم فأقول: أنهم من أمتى إنهم من أمتى فيقال لى: إنك لا تدرى ما احدثوا بعدك فأقول: سحقا سحقا لمن غير بعدى"([8]) هذه هى رحمة النبى بالأمة فهل لهذه الأمة أن تنحى شريعة النبى وهل لهذه الأمة أن تخالف هدى النبى لو عرفت الأمة قدر الحبيب النبى لا تبعت أمره ولا جتنبت نهيه ولوقفت عند حدوده، لتعلم يقينا أنه لا سعادة لها فى الدنيا ولا فى الآخرة إلا إذا فاءت من جديد إلى هدى الحبيب ، أسأل الله أن يرد الأمة إليه ردا جميلاً، إنه ولى ذلك والقادر عليه. ثانياً: رحمة النبى فى دعوته: أيها الأحبة الكرام .... أنا لا أسوق الليلة هذا لكم الهائل من الأدلة التى ستستمعون إليها لمجرد الثقافة الذهنية الباردة ، لا لمجرد أن أضيف إلى المكتبة الإسلامية شريطا آخر، وإنما ليقف كل واحد منا مع نفسه وقفة صدق أين هو من أخلاق رسول الله، فإننا نرى الأمة لا ينقصها العلم فما أكثر المحاضرات وما اعظم المجلدات بل إن أرفف المكتاب تئن بالمنهج النظرى ، ولكن اعلموا بأن هذا المنهج لا قيمة له ما لم يتحول فى منهج الناس إلى منهج عملى، فلقد نجح المصطفى فى أن يطبع عشرات الآلاف من النسخ من المنهج التربوى الإسلامى، ولكنه لم يطبعها بالحبر على صحائف الورق، وإنما طبعها على صحائف قلوب أصحابه بمداد من التقى والنور فتحول المنهج التربوى إلى منهج واقعى عملى بين الناس، رأى الناس روعة وسمو وجلال المنهج التربوى العلوى المعجز، رحمة النبى فى دعوته. أيها الدعاة... أيها الطلاب للعلم يا من الله عليلكم بالسنة والحركة للدعوة، أرجو أن تعلموا يقيناً أن المنهج الدعوى منهج توقيفي على الحبيب النبى لابد أن تعلم أصوله، ولابد أن تقف على خطواته فإن النبى ما ترك المنهج الدعوى لأى داعية ليجدده بنفسه وليختار أصوله وبنوده وأسسه بهواه ، كلا بل لقد حدد الله لسيد الدعاة منهجا دعوياً الناس محتاجون إلى قلب كبير وإلى كنف رحيم وإلى بسمة بهية، أرجو ألا تخرج لإخواتك بوجه مكفهر وأنت تدعى أنك تحمل هموماً أعظم من الهموم التى حملها رسول الله أبداً، بل فرق أيها الحبيب بين مقام الدعوة ومقام القتل فمقام الدعوة هو اللين ومقام القتال هو الغلظة والشدة، فأنا أرى بعض أحبابى حينما يتحرك للدعوة يظن أنه فى مقام جهاد أو فى مقام قتال إن دعا أخاه أرتفع صوته واحمر وجهه وعنف ووبخ، لا ليس هذا هو مقام الدعوة بل مقام الدعوة هو الرحمة ، مقام الدعوة هو الحكمة مقام الدعوة بل مقام الدعوة هو الرحمة، مقام الدعوة هو الحكمة مقام الدعوة هو اللين ... قال تعالى مخاطبا سيد الدعاة: ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} (125) سورة النحل وقال تعالى مخاطبا سيد الدعاة:فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ(159) سورة آل عمران وقال الله تعالى لنبين كريمين من أنبيائه لموسى وهارون: {اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى} (43) سورة طـه هذا مقام دعوة فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى (44) سورة طـه فلما قرأ سيدنا قتادة هذه الآية بكى وقال: سبحانك ربى ما أحلمك تأمر موسى وهارون أن يقولا لفرعون قولا لينا فإن كان هذا هو حلمك بفرعون الذى قال: أنا ربكم الأعلى. فكيف يكون حلمك بعبد قال: سبحان ربى الأعلى، هذا مقام الدعوة أيها الأحبة اما مقام الجهاد يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ قَاتِلُواْ الَّذِينَ يَلُونَكُم مِّنَ الْكُفَّارِ وَلِيَجِدُواْ فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (123) سورة التوبة هذا مقام قتال هذا مقام جهاد: فالداعية لابد أن يكون رحيماً بالمدعوين، لا تنظر إلى إخوانك وإلى طلابك ولسان حالك يقول أنا العالم وأنتم الجاهلون، أنا المتبع وأنتم المبتدعون، أنا المهتدى وأنتم الضالون: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَتَبَيَّنُواْ وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلاَمَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِندَ اللّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَلِكَ كُنتُم مِّن قَبْلُ فَمَنَّ اللّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُواْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا (94) سورة النساء {يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُل لَّا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُم بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (17) سورة الحجرات . تدبر معى المنهج العملى الذى نفذه الحبيب النبى ستجد الرحمة ستجد الرحمة فى دعوة النبى متجسدة، فقد روى مسلم فى صحيحه من حديث معاوية بن الحكم السلمى: بينما أنا أصلى يوماً مع رسول الله إذ عطس رجل من القوم فقلت: يرحمك الله يقول: فرمانى القوم بأبصارهم- نظروا إلى بحدة وشدة، الرجل لا يعلم أن الحكم نسخ فلقد كان الصحابة قبل ذلك يسلمون على النبى فى الصلاة فيرد النبى عليهم السلام، ثم نسخ النبى هذا الحكم ونهى عن الكلام فى الصلاة، وجاء هذا الرجل ولا يعرف أن الحكم قد نسخ فوقف فى الصلاة، فلما عطس رجل فى الصلاة فقال له: يرحمك الله فرماه القوم بأبصارهم يقول معاوية بن أبى الحكم السلمى: واثكل أمياه ما شأنكم تنظرون إلى .. كل ده فى الصلاة.. واثكل أمياه فرأيت الناس يضربون بأيديهم على أفخاذهم فسكت يقول: فلما أنهى النبى فبأبى هو وأمى والله ما رأيت معلما قبله ولا بعده أحسن تعليما منه.. قال: بأبى هو وأمى والله ما رأيت معلما قبله ولا بعده أحسن منه والله ما كهرنى ولا ضربنى ولا شتمنى إنما قال لى:" إن الصلاة لا يصلح فيها شئ من كلام الناس إنما هى التسبيح التكبير وقراءة القرآن" ([9]) أنظر إلى الرحمة إلى الخلق أيها الشاب الحبيب نريد الآن أن تفتح القلوب إلى سنة حبيب القلوب برحمة النبى وكلمة النبى فى دعوته فإننا لا نملك على الإطلاق بأن نحول القلوب من البدعة إلى السنة، ومن الباطل إلى الحق، ومن الحرام إلى الحلال ومن الشر إلى الخير، ولن يكون ذلك على الإطلاق بالعنف أو الشدة أو القسوة ، وإنما لا يكون ذلك إلا بكلام علام الغيوب وكلام الحبيب المحبوب تحركوا بين عوام الناس بحكمة وتراحم وتواضع وأدب وبسمة ندية وطلعة مشرقة ندية وبكلمة رقراقة رقيقة، علموا الناس السنة علموا الناس الحق وعلموا الناس الحلال وعلموا الناس التوحيد يا شباب الصحوة إن مجرد الجلوس وإصدار الأحكام على الناس بالكفر أو الفسق أو التبديع أو التضليل دون أن نتحرك لتعليمهم هذا الحد لنيغير من الواقع بشئ على الإطلاق، وكلكم يعلم قصة الأعرابى الذى دخل مسجد النبى وبال فى طائفة المسجد كلكم يعرف القصة وقال الصحابة: مه مه وقال الحبيب: دعوة" لا تزرموه دعوه" اتركوه يكمل بوله فى المسجد .. ويقول الأعرابى: فأنهى بوله فقال له:" إن المساجد لا تصلح لشئ من هذا وإنما جعلت للصلاة ولذكر الله ولقراءة القرآن"( [10] ) الأعرابى انفعل لأخلاق النبى ورحمة النبى وحكمة النبى انفعل الأعرابى بهذه الأخلاق وهذه الرحمة فدخل الصلاة وهذا فى غير رواية الصحيحين وغير رواية شيخنا الألبانى: انفعل الأعرابى بأخلاق الحبيب النبى فدخل الصلاة وظل يقول: اللهم ارحمنى وارحم محمداً ولا ترحم أحدا معنا فقال له المصطفى:" لقد تحجرت واسعا قال الله: {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ } (156) سورة الأعراف.. فلماذا ضيقت ما وسع الله" ([11]) أسال الله أن يرحم الأمة جميعاً. أيها الأحبة الكرام أختم هذه الفقرة وهذا العنصر فى رحمة النبى فى دعوته بحديث رواه الإمام أحمد فى مسندة أن شاباً جاء للنبى ليسـتأذنه فى الزنا والله جاء الشاب وقال: يا رسول الله اتأذن لى فى الزنا فقال الصحابة: مه مه فقال النبى:" "ادن" اقترب فاقترب من صاحب الرحمة المهداة فقال له الحبيب:" أتحبه لأمك": لا والله يا رسول الله جعلنى الله فداك فقال الحبيب:" وكذلك الناس لا يحبونه لأمهاتهم" قال:" أتحبه لأختك" قال: لا والله يا رسول الله جعلنى الله فداك قال: "اتحبه لابنتك لخالتك لعمتك؟" قال: لا والله يا رسول الله جعلنى الله فداك والنبى يقول:" وكذلك الناس" ومع ذلك أيها الإخوة رفع الحبيب يده ووضعها على صدر هذا الشاب وقال الحبيب: اللهم طهر قلبه وحصن فرجه واغفر ذنبه" إيه ده هذا الدعاء لشاب جاء يستأذن النبى الزنا:" اللهم طهر قلبه وحصن فرجه واغفر ذنبة". طهر قلبه وحصن فرجه واغفر ذنبه.. فخرج الشاب من عند المصطفى ولا يوجد شئ أقبح إليه على ظهر الأرض من الزنا([12])، أرجو أن نحول هذه الدروس إلى دروس عملية فى بيوتنا وشوارعنا ووظائفنا وأماكننا إننا لا نسوق هذا لمجرد الثقافة الذهنية فقط كما ذكرت، وإنما رسول الله قدوتنا واسوتنا قال تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} (21) سورة الأحزاب ثالثاً: رحمة النبى بالمرأة: لقد ادعى الغرب أن الإسلام قد ظلم المرأة ورفع هذه الراية السوداء العلمانيون والعلمانيات فى بلاد المسلمين، فخرج من أبناء هذه الأمة من قال عن الإسلام: قد ظلم المرأة والزوج سجان قاهر والبيت سجن مؤبد والأمومة تكاثر حيوانى ولابد من أن تحرر المرأة حتى داست امرأة علمانية وقحة على أنوثتها بقدمها وتطاولت تتطاول المجرمين ثم قالت: لن يهدأ لها بال ولا يقر لها قرار إلا إذا ساوت المرأة بالرجل فى الميراث، فالغرب يدعى أن الإسلام قد ظلم المرأة والله، والله إن من عرف حياة المرأة فى بلاد الغرب علم يقينا أن المرأة ألعوبة فى ريعان شبابها يتلهى بها ويُستمتع بها، وإذا ما وصلت إلى سن كبيرة معينة يرمى بها فى إحدى دور العجائز والمسنين، قد لا يذهب إليها أولادها إلا فى كل عام مرة فيما يسمونه باحتفالات أعياد الميلاد، فالمرأة هناك مهانة، فوالله لو وقف هؤلاء على حياة المرأة قبل الإسلام وحياة المرأة فى الإسلام فى دين محمد لوحدوا الله، وآمنوا بالحبيب رسول الله لقد التقيت بامرأة مسلمة أمريكية سخرنى الله سبباً لإسلامها وبعد عشرة ايام سألتها وقلت لها، يا أم عمر بعد هذه الأيام القليلة ما هو شعورك تجاه الإسلام؟ ما الذى تحسين به، والله لقد قالت المرأة كلاما عجيبا قالت فى كلمات حرفية لترجمة كلماتها بالإنجليزية قالت: يا أخى، والله إنى أتمنى الآن أن أصرخ بأعلى صوتى لأسُمع كل امرأة فى أمريكا أننى مؤخرا وجدت ديناً يحفظ للمرأة كرامتها، إنه دين محمد الذى لا يعرف الغرب قدره بل ولا تعرف الأمة إلا من رحم ربك لا تعرف الأمة قدره. ها هم اليهود إخوان القردة والخنازير الأنجاس الحمير يصورون المصطفى فى هذا العصر المنير على هيئة خنزير يطأ بقدميه قرآن الملك القدير فما رأينا الأمة فى مؤتمر صحفى بارد كبرود الثلج ولا بكلمات تلوكها ألسنة المنافقين. دخان يطير فى الهواء تعبر فيه الأمة عن غضبها للحبيب المصطفى وما رأينا العالم الغربى الهزيل الذى لا يكيل بمكيالين كما يدعى الإعلام بل لا يكيل العالم الغربى إلا بمكيال واحد هو مكيال العداوة لمحمد وأمته قال تعالى: وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ (120) سورة البقرة. هذا قرآن ربنا أسأل الله أن يردنا إلى القرآن والسنة ردا جميلاً، رحم النبى المرأة أماً ، ورحم المرأة زوجة ورحم المرأة بنتاً. روى البخارى ومسلم من حديث أبى هريرة أن رجلاً قال للنبى : يا رسول الله من أحق الناس بحسن صحابتى؟ قال: " أمك" قال: ثم من؟ قال: "أمك" ، قال : ثم من؟ قال: " أمك" قال ثم من؟ قال: "أبوك"([13]) قدم النبى حق الأم على حق الأب. وفى صحيح مسلم من حديث جابر بن عبد الله (الطويل) ومنه أنه قال: "اتقوا الله فى النساء فإنكم أخذتموهن بأمر اله واستحللتم فروجهن بكلمة الله)([14]) وفى صحيح مسلم أن رسول الله قال:" من عال جاريتين- أى ابنتين صغيرتين- حتى تبلغا كنت أنا وهو فى الجنة" وضمبين أصابعه([15]) . وفى لفظ الترمذى بسند حسن صحيح:" من عال جاريتين حتى تبلغا كنت أنا وهو كهاتين" وأشار بالسبابة والوسطى..([16]) وفى رواية البخارى من حديث عائشة دخلت على امرأة ومعها ابنتان لها تسألنى الصدقة فلم يكن عندى إلا تمرة واحدة فأعطيتها إياها فقسمتها بين ابنتيها ثم انصرفت فدخل على رسول الله فأخبرته بما كان من شأن المرأة فقال المصطفى " يا عائشة من ابتلى من البنات بشئ فأحسن إليهن كن له حجابا من النار"([17]) وفى رواية أخرى:" من ابتلى من البنات بشئ فأحسن إليهن كن له سترا من النار"([18]) . قال الإمام النووى: خرج لفظ النبى : "ابتلى" مخرج الغالب، لأن غالب الناس كان يظن البنت بلاء فخرج لفظ النبى :" من ابتلى من البنات بشئ فأحسن إليهم كن له سترا من النار" فرحم النبى المرأة أما، ورحم المرأة زوجة، ورحم المرأة بنتا، أرجو أن يعيننا الله على تحويل هذه الرحمة الذكية فى بيوتنا إلى واقع عملى وواقع حياة. رابعاً : رحمة النبى بالأطفال: أطفالنا يطردون الآن من المساجد ويهانون فى المساجد وأنا لا أدرى إن لم يتعلم أطفالنا فى مساجدنا أين ستيعلم الأطفال؟ أى هل سيتعلم أبناؤنا فى الكنائش إن لم نفتح لأطفالنا الأبواب والصدور والقلوبن ارحموا الأطفال أيها الآباء وأيها المربون، فهذا الطفل هو الذى سيجلس فى هذا المكان فى الغد القريب ليعلم الأمة قال الله قال رسوله ، ولقد رحمهم النبى رحمة يجب علينا أن نحولها فى بيوتنا وفى مساجدنا وفى مدارسنا إلى واقع عملى ومنهج حياة والله لقد دخل الأقرع بن حابس على رسول الله يوما وهو يقبل الحسن ويقبل الحسين فقال : والله أنا لى عشرة من الآولاد ما قبلت واحدا منهم فغضب النبى وقال:" وما لى أن نزع الله الرحمة من قلبك، من لا يرحم لا يرحم" والحديث فى الصحيحين: " من لا يرحم لا يرحم"([19]) . هل تتصور أيها الحبيب المصطفى كان إذا خرج من المسجد فقابلة الصبيان وقف يسلم على الصبيان ، ويمسح على خدى أحدهم واحدا واحداً، والحديث فى صحيح مسلم، من حديث جابر بن سمرة يقول جابر: صليت مع النبى الصلاة الآولى، فخرج إلى أهله فقابلة الصبيان، فجعل النبى يمسح خدى أحدهم واحدا واحداً، ثم مسح النبى على خدى يقول جابر: فوجدت ليده بردا وريحا كأنه أخرجها من جؤنة عطار.([20]) عمر بن أبى سلمة كان غلاما فى حجر النبى والحديث فى صحيح مسلم فكانت يديه تطيش فى الصحفة إذا ما أكل مع رسول الله يمد يده هنا وهنالك فقال له النبى :" يا غلام سم الله وكل بيمينك وكل مما يليك"([21]) . وفى الصحيحين أن الحسن بن على أخذ يوما تمرة من تمر الصدقة فلما وضعها فى فيه أخذها النبى وقال:" كخ كخ ألا تعلم يا حسن إننا لا نأكل الصدقة"([22]) . وفى سنن أبى داود بسند صححه شيخنا الألبانى أنه قال: "علموا أبناءكم الصلاة وهم أبناء سبع واضربوهم عليها وهم أبناء عشر، وفرقوا بينهم فى المضاجع"([23]). أدب وتربية وتعليم والرحمة بالأطفال نريد أن نتعامل مع أطفالنا فى المساجد على أنهم كبار، الطفل طفل سيجرى، سيلعب، سيضحك، فإن لم نفتح الصدور والقلوب فأين يتعلم: مشـى الطـاوس يومـا باختـيال ونحـن مقلدوه فقال: علام تختالون؟ قالوا: لقد بدأت ونحـن مقلدوه يشب ناشئ الفتيان منا على ما كان قد عوده أبــوه التربية- ولقد روى مسلم فى صحيحه فقال: حدثنا أو خيثمة زهير بن حرب، حدثنا وكيع، عن كهمس، عن عبد الله بن بريده، عن يحيى بن يعمر قال: كان أول من قال فى القدر بالبصرة معبد الجهنى فانطلقت أنا وعبد الرحمن الحميرى حاجين أو معتمرين، فقلنا: لو لقينا أحداً من أصحاب النبى فسألناه عما يقول هؤلاء فى القدر؟ يقول: فوفق لنا عبد الله بن عمر داخلا المسجد فاكتتفته أنا وصاحبى أحدنا عن يمينه، والآخر عن شماله فظننت أن صاحبى سيكل الكلام إلى فقلت: يا أبا عبد الرحمن إنه قد ظهر قبلنا ناس يقرءون ويتقفرون العلم- أى: يبحثون عن غوامض العلم وخوافيه، ويزعمون أن لاقدر وأن الأمر أنف أى : لا يعلم الله الأشياء إلا بعد وقوعها، فقال ابن عمر: إذا لقيت هؤلاء فأخبرهم أنى برئ منهم وأنهم براء منى، والذى يحلف به عبد الله بن عمر لو أن لأحدهم مثل أحد ذهبا فأنفقه ما قبل الله منه حتى يؤمن بالقدر: ثم قال ابن عمر: حدثنى أبى عمر بن الخطاب: بينما نحن جلوس عند رسول الله ([24]) ... وساق الحديث الطويل المشهور. والسؤال الآن يا إخوة : ما الذى يحدث به الآباء الأبناء فى هذه الأيام؟ وما الذى كان يحدث به الآباء الأبناء فى سالف الأيام؟ حدثنى أبى عن رسول الله : كانوا يحدثوا أبناءهم قال رسول الله كذا، فما الذى يحدث به الآن الوالد ولده. لقد قامت كثير من البيوت الآن استقالات جماعية تربوية، فإن أطفالنا الآن يتربون على التلفاز، يتربون فى الشوارع، يتربون بين اصحاب السوء، لأن الأب قد تخلى، ولأن الأم قد شُغلت، حتى الوقت، الرمق من الوقت الذى يتبقى للوالد لكثير من آبائنا وإخواننا يقتله قتلاً ويقضى عليه قضاء بالمكث هذا الوقت أمام التلفاز الذى يعزف الآن على وتر الجنس والدعارة والعنف، وأنا أقول هذا ورب الكعبة، لأننى أخاف على أى طفل من أطفال المسلمين، لأنه كابنى. أنا لا أحب لولدى أن يتربى على هذا التلفاز الآن، وكذلك لا أحب لابنك فهو أبنى- أن يتربى على هذه المائدة النجسة القذرة التى لا تعزف إلا على وتر الجنس وعلى وتر الدعارة: المسرحيات الهابطة، والمسلسلات الساقطة، والأفلام الداعرة، وقناة السينما نقلت الزنا لبيوت المسلمين والمسلمون الآن يقضون الليل بل يقيمون الليل أمام أفلام الزنا الداعرة، ولا حول ولا قوة إلا بالله، والله لو علم الله أن الآمة تستحق الآن النصر لنصرها، والله لو علم الله، أن الأمة تستحق الآن الاستخلاف والتمكين لاستخلفها ومكن لها. الله عدل، إن الله سننا ربانية فى كونه لا تحابى هذه السنن أحداً من الخلق مهما أدعى لنفسه من مقومات المحاباة. قال تعالى: الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (40) سورة الحـج أرجو أن تتعلم الأمة هذه الدروس العملية من القدوة الطيبة والمثل الأعلى . خامساً: رحمة النبى باليتامى والفقراء. رحمة النبى باليتامى والفقراء، رحمة النبى باليتامى والفقراء، وهذا والله درس مهم، فإننا نرى الآن المجتمع قد دبت فيه القسوة لم نعد نرى الرحمة والألفة التى كنا نراها قبل ذلك رحمة النبى باليتامى والفقراء. أيها الأحبة الكرام: والله ما أحوج المجتمع إلى أن يتعلم هذا الدرس العملى، من القدوة الطيبة والمثل الأعلى ، محمد بن عبد الله فى رحمته باليتامى والفقراء، لو أن المجتمع يكفل الآن اليتامى ما خاف الرجل الموت أبداً ، يفكر كثير من الآباء الآن فى الأبناء، لأنه يرى المجتمع قاسياً لا يرحم يتيما ، ولا يرحم فقيراً، بل قد ينفق- والجرائد تصفعنا كل صباح على وجوهنا صفعات متوالية متتالية عن عرس تكلف كذا- ينفقون فى عرس واحد تكلف ثلاثة ملايين جنيه، عرس والجرائد تنشر هذا. ولو ذهبت إلى هذا السخى الباذل ليتبرع وليكفل مائة يتيم من يتامى المسلمين لقال: الحقوق كثيرة ، كلمة الأغنياء إلا من رحم ربك نريد أن نقيم مسجداً، ونذهب إلى هؤلاء الذين ينفقون بعشرات الآلاف على الملذات والشهوات ، فيبخل أحدهم ثم يأتى رجل بسيط فقير فتراء .... أقول يا إخوة : ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (21) سورة الحديد عزوا عليه فقربهم وهانوا عليه فطردهم، أنت هنا فى درس علم بفضل الله، وغيرك الآن على مقهى، لأنه حرم من فضل الله .... عزوا عليه فقربهم، وهانوا عليه فأبعدهم ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ . فيا من من الله عليك بالتوحيد والهداية اسجد لربك شكراً، وسل الله أن يثبتك وأن يتوفاك على ذلك لقد رحم المصطفى اليتامى رحمة بالغة، أقول: وكفى اليتامى شرفاً وفخراً أن المصطفى نشأ يتيماً، فالحمد لله الذى جعل يتم المصطفى تشريفا لكل يتيم {أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى} (6) سورة الضحى ويعدها قال: {فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ } (9) سورة الضحى فامتثل النبى لأمر ربه فلم يقهر النبى يتيما قط بل قال: " أنا وكافل اليتيم فى الجنة كهاتين..." والحديث رواه البخارى من حديث سهل بن سعد الساعدى:" أنا وكافل اليتيم فى الجنة كهاتين" وأشار بالسبابة والوسطى. ([1][25]) اسمع وتدبر هذا الحديث العجيب الذى رواه أبو يعلى الموصلى وصححه شيخنا الألبانى فى صحيح الجامع يقول النبى : أنا أول من يفتح باب الجنة". يقول الحبيب:" أنا أول من يفتح باب الجنة فأرى امرأة تبادرنى- أى تسابقنى- تريد أن تدخل معى الباب فأقول لها: من أنت؟ فتقول: أنا امرأة قعدت على أيتام لى" مات زوجها فأبت الزواج مع حاجتها إليه، وابتعدت عن مواطن الشبهات والريبة، وعكفت على تربية الأبناء على القرآن والسنة. هذه المرأة مكانتها أنها تسابق النبى لتدخل معه الجنة، تصور هذه الكرامة لهذه المرأة التى عكفت على تربية الأولاد تربية ترضى الله وترضى النبى وقد تكون المرأة فى حاجة إلى الزواج . اليتيم {فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ } والفقراء، الناس الآن – ولا حول ولا قوة إلا بالله – لا يحترمون ولا يقدرون إلا بالمظاهر الجوفاء، إذا رأى الناس الرجل ينزل من سيارة فارهة، ويلبس ثياباً فاخرة هذا الذى ُيحترم ويقدر وإذا دخل شاب ليتزوج فتاة من بيت مسلم، فسأل الوالد عن جهاز هذا الشاب فقيراً مع خلقه ودينه وورعه وعدله ورحمته وصلاته وسنته والتزامه، احتقره وازدراه وامتهنه ولا حول ولا قوة إلا بالله ، وميزانكم أيها الناس الذى تزنون به ليس هو الميزان الذى يزن به رب العزة الرجال يوم القيامة . تدبر أيها الحبيب هذا الحديث الصحيح الذى رواه البخارى ومسلم من حديث سهل بن سعد الساعدى:" مر رجل من فقراء المسلمين على النبى يوما فقال النبى لأصحابة:" ما تقولون فى هذا؟ فقالوا: رجل من فقراء المسلمين هذا والله حرى إن خطب ألا يزوج، وإن شفع ألا يشفع، ثم مر رجل آخر من الأشراف فقال: ما تقولون فى هذا؟ قالوا: رجل من أشراف القوم هذا والله حرى إن خطب أن ينكح، وإن شفع أن يشفع فأشار النبى على الرجل الفقير الأول فقال: " والله هذا خير من ملء الأرض من مثل هذا".([2][26]) . لماذا؟ لأن الميزان الذى يزن به رب العزة الرجال هو التقوى ولذلك ثبت فى الصحيحين أنه قال:" يؤتى يوم القيامة بالرجل السمين العظيم فلا يزن عند الله جناح بعوضه" قال أبو هريرة: اقرؤوا إن شئتم قوله تعالى: أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا([27]) (105) سورة الكهف فخذ الصورة المشرقةفى المقابل، روى الإمام أحمد فى مسنده بسند حسن أن عبد الله بن مسعود صعد على شجرة الأراك بجنى سواكاً فجعلت الريح تكفؤ- قامت ريح فقلبت عبد الله على الأرض- فضحك القوم- فقال النبى : "مم تضحكون؟" قالوا: نضحك من دقة قدميه يا رسول الله. فقال المصطفى: " والذى نفسى بيده لهما فى الميزان يوم القيامة أثقل من جبل أحد ([1][28]) إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم". والحديث رواه مسلم من حديث أبى هريرة كذلك.([2][29]) الرحمة أيها الأحبة الكرام باليتامى، الرحمة بالفقراء، أسأل الله أن يعيننى وإياكم على تحويل هذا الدرس المهم أيضاً إلى واقع عملى وإلى منهج حياة. سادساً: رحمة النبى <漀Ơ�춬瘡˯✐˯> بأهل المعاصى: بالله ما أرحمه! باله ما أحلمه! ما أحلمه! بالله ما أروعه! بالله ما أتقاه! بالله ما أنقاه! والله ما أغلق النبى باب التوبة فى وجه مذنب قط بل فتح أبواب التوبة على مصراعيها للمذنبين والمقصرين من أمثالى، فقال مذكرا بقول الله: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (53) سورة الزمر . قال المصطفى: كما فى صحيح مسلم من حديث أبى موسى الأشعرى:" إن الله تعالى يبسط يده بالليل ، ليتوب مسئ النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسئ الليل حتى تطلع الشمس من مغربها"