إن الدين عند الله هو الإسلام

الناقل : elmasry | الكاتب الأصلى : محمد حسان | المصدر : www.mohamedhassan.org

إن الدين عند الله هو الإسلام

 

أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله ، اللهم صل وزد وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأحبابه وأتباعه وعلى كل من اهتدى بهديه واستن بسنته واقتفى أثره إلى يوم الدين ..

أما بعد ..

فحياكم الله جميعا أيها الأخوة الفضلاء وطبتم وطاب ممشاكم وتبوأتم جميعاً من الجنة منزلا ، وأسأل الله الكريم جل وعلا الذي جمعنا في هذا البيت الطيب المبارك على طاعته ، أن يجمعنا في الآخرة مع سيد الدعاة المصطفى في جنته ودار مقامته ، إنه ولى ذلك والقادر عليه ..

أيها الأحبة :

نحن اليوم على موعد مع الدرس السادس والأربعين من دروس شرح أحاديث الإمام البخاري رحمه الله تعالى ، وطيب ثراه ولا زلنا مع كتاب الإيمان مع الباب التاسع عشر من أبواب كتاب الإيمان من صحيح الإمام البخاري .

ولقد ترجم الإمام البخاري رحمه الله لهذا الباب ترجمة فقهية بليغة فقال : باب : إذا لم يكن الإسلام على الحقيقة وكان على الاستسلام أو الخوف من القتل لقوله تعالى : ( قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا )(الحجرات/14) فإذا كان على الحقيقة فهو على قوله جل ذكره ( إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْأِسْلامُ )(آل عمران/19) هذه ترجمة الباب .

أكرر الترجمة مرة أخرى لما تنطوى عليه من فقه سأوضحه الآن إن شاء الله تعالى يقول : باب إذا لم يكن الإسلام على الحقيقة – ولا شك أن الجواب هنا محذوف جواب إذا محذوف باب إذا لم يكن الإسلام على الحقيقة ، جواب إذا محذوف ألا وهو : لا ينفع في الآخرة - باب إذا لم يكن الإسلام على الحقيقة وكان على الاستسلام أو الخوف من القتل ، لقوله تعالى : ( قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا) (الحجرات/14) فإذا كان على الحقيقة فهو على قوله جل ذكره : ( إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْأِسْلامُ )(آل عمران/19)

روى الإمام البخاري في هذا الباب حديثا قال : حدثنا أبو اليمان قال : أخبرنا شعيب عن الزهري قال : أخبرنا عامر بن سعد بن أبي وقاص عن سعد ، أن رسول الله : أعطى رهطاً– أي من الصدقات ، أعطى رهطا – والرهط هو العدد من الثلاثة إلى العشرة أو يزيد عند بعض أهل اللغة ، ولكن هذا هو الراجح من أقوالهم .

يقول سعد بن أبي وقاص : أعطى رسول الله رهطا وسعد جالس ، فترك رسول الله رجلا هو أعجبهم إليه _ يعنى لم يعط النبي رجلا من الحاضرين .

هذا الرجل صرحت رواية الواقدى باسمه وهو : جعيل بن سراقة الضمري ، يقول سعد _ رضوان الله عليه _ فأعطى رسول الله ولم يعطى رجلا هو أعجبهم إليه فقلت : يا رسول الله مالك عن فلان ؟ مالك عن فلان يعنى : لِم لمَ تعط فلانا ، فوالله إني لأُراه مؤمنا أو لأَراه مؤمنا .

إن كان الإمام النووي قد رجح الفتح رجح : إني لأَراه وهناك من أهل العلم من رجح : لأُراه إلا أن الفتح أبلغ كما قال الإمام النووي رحمه الله تعالى ، لأن هذه العبارة أتبعها سعد رضوان الله عليه بقوله : ثم غلبني ما أعلم منه فهذه تثبت اليقين ، لأن – إني لأُراه تحتمل الشك لكن – إني لأَراه لا تحمل إلا معني اليقين فأكد القول بالفتح قول سعد : ثم غلبني ما أعلم منه النبي يقول له سعد ابن أبي وقاص : يا رسول الله مالك عن فلان ؟ - يعني لماذا أعطيت هؤلاء ولم تعط فلانا ؟ فوالله إني لأَراه مؤمنا .

تدبر ، لنقف على مناسبة الترجمة والحديث .

يقول سعد : مالك عن فلان فوالله إني لأَراه مؤمنا فقال النبي عليه الصلاة والسلام : " أو مسلما " أو مسلما يقول سعد : فسكت قليلا ثم غلبني ما أعلم منه أي الرجل وهو جعيل بن سراقة الضمرى ، ثم غلبني ما أعلم منه فعدت إلى مقالتي فقلت : يا رسول الله مالك عن فلان المرة الثانية ، يعنى : لِم لمَ تعط فلانا ، فوالله إني لأراه مؤمنا فقال النبي عليه الصلاة والسلام : " أو مسلما " يقول سعد : فسكت ثم غلبني ما أعلم منه فعدت مقالتي وعاد رسول الله لمقالته ثم قال عليه الصلاة والسلام : " يا سعد إني لأعطي الرجل وغيره أحب إليَّ منه " أي : ممن أعطيته " خشية أن يُكبه الله في النار "1

هذا الحديث مناسبة للترجمة مناسبة ظاهرة جلية إلا وهى أن لفظ المسلم يطلق على من أظهر الإسلام ولم يعلم باطنه من حقيقة الإيمان إن أظهر الإنسان أعمال الإسلام الظاهرة حكم له بالإسلام ، لكن لا يحكم له بالإيمان ، فلا يكون مؤمنا ، لأنه ممن لم تصدق عليه الحقيقة الشرعية أي الإيمان . أما الحقيقة اللغوية فمن الممكن أن تحصل – يعني من الممكن أن يقال : فلان مؤمن لكن من الناحية اللغوية لا الشرعية ، لأن الإيمان لغة – كما سأفصل الآن – يراد به التصديق كما قال الله تعالى حكاية عن أخوة يوسف : ( وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ )(يوسف/17) وما أنت بمؤمن لنا أي ما أنت
بمصدق لنا .

فالأصل اللغوي للإيمان هو التصديق لكن المعني الشرعي للإيمان كما أصلنا قبل ذلك مراراً : قول وتصديق وعمل فالمعني الاصطلاحي والشرعي يختلف تماما عن المعني اللغوي .

المعني اللغوي للإيمان التصديق ، لكن المعني الشرعي والاصطلاحي قول باللسان وتصديق بالجنان ، وعمل بالجوارح والأركان ، هذا معتقد أهل السنة في مسمى الإيمان وفي حقيقة الإيمان .

أقف سريعا على الفوائد العظيمة التي ذكرها الحافظ ابن حجر في هذا الحديث الجميل ، لأرجع لأفصل تفصيلاً في غاية الأهمية .

أرى درس الليلة من أهم دروس كتاب الإيمان – لأفصل لكم تفصيلا معني الإسلام ، ومعني الإيمان ، معنى الإسلام إذا أفرد ، ومعنى الإيمان إذا أفرد ومعنى الإسلام والإيمان إن اقترنا ، ومعنى الإسلام والإيمان إذا افترقا ، فإن محاضرة الليلة من أهم محاضرات كتاب الإيمان .

أقف سريعاً على الفوائد العظيمة التي ذكرها الحافظ ابن حجر رحمه الله يقول : وفي حديث الباب من الفوائد : التفرقة بين حقيقتي الإيمان والإسلام هذه أول فائدة و هذا ما سأفصله إن شاء الله تعالى .

وفيه أيضا – أي من الفوائد – الرد على غلاة المرجئة في اكتفائهم بأن الإيمان هو النطق باللسان هذا رد على المرجئة الذين قالوا بأن الإيمان نطق باللسان فحسب والبخاري رحمه الله تعالى يرد على هذا المعتقد طوال الباب يبين أن معتقد المرجئة في الإيمان وأن إرجائهم للأعمال وإخراجهم للأعمال المسمى الإيمان مذهب فاسد .

وفيه أيضا – أي من الفوائد – جواز تصرف الإمام في مال المصالح وتقديم الأهم فالأهم ، لأن النبي أعطى مجموعة من الناس من المؤلفة قلوبهم يعنى أعطاهم ليتألفهم ومنع من هو خير منهم ، وأنتم تعلمون أن ذلك قد وقع من النبي في المدينة لما قسم الغنائم ووجد الأنصار رضوان الله عليهم في أنفسهم شيئا حتى قال قائلهم : والله لقد وجد رسول الله أهله في قومه ، يعنى لما لقي النبي قومه أعطى قومه من المهاجرين ونسي الأنصار الذين نصروه وجاهدوا معه فلما سمع النبي ذلك أمر النبي أن يجمعوا له الأنصار وقام النبي عليه الصلاة والسلام في الأنصار خطيبا ، وخطب فيهم خطبته البليغة العصماء حتى أبكتهم ، يعني أبكتهم كلمات النبي حينما قال لهم " يا معشر الأنصار ما هذه المقالة التي بلغتني عنكم ؟ " أي قلتم : وجد رسول الله قومه وترك الأنصار ثم قال يا معشر الأنصار ما تقولون في لعاعة – أي أمر تافه من أمور الدنيا زائل – أتألف بها أقواما وأكلكم إلى إيمانكم بالله ورسوله ، ماذا لو انطلق الناس جميعا بالشاة والبعير إلى رحالهم وعدتم أنتم برسول الله إلى رحالكم " أي كسب هذا ، فبكى الأنصار رضوان الله عليهم وهم يقولون : رضينا برسول الله قسماً ومغنماً ، رضينا برسول الله قسما ومغنما (1) فالنبي كان يتألف بالمال أقواماً ، ويمنع من أحب إليه ممن أعطى .

فالحديث فيه جواز بأن يتصرف ولي الأمر بما شاء أو بما يرى أن فيه المصلحة للدين وللإسلام .

وفيه أيضا كما يقول الإمام الحافظ ابن حجر : وفيه جواز الشفاعة عند الإمام فيما يعتقد الشافع جوازه ، لأن سعد بن أبي وقاص قد شفع لهذا الرجل في حضرة النبي وفيه تنبيه الصغير للكبير على ما يظن أنه ذهل عنه ، يعني ظن سعد أن الرسول يعنى نسى جعيلا بن سراقة الضمرى فيذكره سعد بن أبي وقاص لعله يكون قد نسيه ففيه تنبيه الصغير وهو سعد للكبير وهو المصطفي على ما يظن أنه ذهل عنه .

وفيه مراجعة المشفوع إليه في الأمر إذا لم يؤد إلى مفسدة ، لأن النبي راجعه وهو الشافع .

وأن الإسرار بالنصيحة أولى من الإعلان ، لأنه ثبت في صحيح البخاري أيضا في كتاب الزكاة أن النبي لما أراد سعد بن أبي وقاص أن يذكره بجعيل يقول سعد : فقمت إلى رسول الله فساررته أي قلت له هذا القول سرا بيني وبينه حتى لا يسمع أحد .

وقد ظن بعض العلماء – علماء الحديث- أن هذه الزيادة انفرد بها مسلم لكنها أيضا في صحيح البخاري ، في كتاب الزكاة ، فقمت إلى رسول الله فساررته ([1]) ، هذه بعض الفوائد المجملة .

وقفوا معي على الفائدة الأولى التي من أجلها أورد الإمام البخاري هذا الحديث لهذه الترجمة الفقهية البليغة والتي قال عنها الحافظ ابن حجر : التفريق بين مرتبتي الإسلام والإيمان هذا هو ما سيق له أو من أجله هذا الأصل ، هو ما سيق من أجله هذا الحديث لهذه الترجمة الفقهية البليغة .

أولا : علق الحافظ ابن كثير على قوله تعالى : (قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا )(الحجرات/14) قال الحافظ ابن كثير : إن هؤلاء الأعراب المذكورين في الآية ليسوا بمنافقين ، وإنما هم مسلمون لم يستحكم الإيمان في قلوبهم فادعوا لأنفسهم مقاماً أعلى مما وصلوا إليه فأدبوا في ذلك (قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا) (الحجرات/14) لا تقولوا : آمنا لا تدعوا الإيمان ولكن قولوا أسلمنا ، فهم يدعون مرتبة أعلى من مرتبتهم التي وصلوا إليها ، فأدبهم الله تبارك وتعالى ، وذلك خلافاً لمن قال من العلماء بأن هؤلاء الأعراب كانوا من المنافقين .

ولا شك أن هذه الآية والحديث نتعلم منهما أن فرقاً كبيراً بين مرتبتي الإسلام والإيمان ، الإيمان كما أصلنا قبل ذلك مراراً قول باللسان وتصديق بالجنان ، يعني بالقلب وعمل بالجوارح والأركان أما قول اللسان فهو النطق بالشهادتين . أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله قال تعالى : ( قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا )(البقرة/136) إلى آخر الآيات (قُولُوا) يبقى هذا دليل على قول اللسان وقال تعالى : ( إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ )(فصلت/30)

وفي الحديث الذي رواه البخاري ومسلم من حديث ابن عمر واللفظ للبخاري أن النبي قال : " أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة ، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم ، إلا بحق الإسلام وحسابهم على الله "(1)

هذا قول اللسان اعتقاد القلب ، أو تصديق القلب ، أو قول وعمل القلب حتى لا يلتبس على طالب من طلاب العلم إن وقف على بعض كتب العقيدة فوجد أن الإيمان ، قول باللسان ، وقول بالقلب ، صحيح ، فقول اللسان هو النطق بالشهادتين ، وقول القلب هو : التصديق والاعتقاد ، لا حرج .

تصديق القلب اعتقاد القلب هو قول القلب ، قول القلب هو التصديق واليقين ، وعدم الشك قول وتصديق ، قول القلب أو تصديق القلب هو اليقين وعدم الشك قال الله عز وجل : ( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا ) (الحجرات/15) أي : لم يتشككوا لم تعصف رياح الشكوك بحقيقة الإيمان ، أو اليقين في قلوبهم فابن مسعود يقول : اليقين هو الإيمان كله .

وقال سفيان الثوري : لو وقع اليقين في القلب حقاً لطار القلب شوقاً إلى الله وهرباً من النار ، فقول القلب التصديق وعدم الشك قال الله عز وجل : ( وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ) (الزمر/33) ولا شك أن هذه الآية في حق أبي بكر .

وفي الحديث الذي رواه البخاري ومسلم من حديث معاذ بن جبل أن النبي قال : " ما من أحد يشهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا رسول الله صادقاً من قلبه إلا حرمه الله على النار"([2]) هذا هو قول القلب .

ويدخل في عمل القلب النية والإخلاص ، هذا يدخل في عمل القلب ، قال الله تعالى : ( وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ )(البينة/5) وقال تعالى : ( قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ(162) لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ ) (الأنعام/163)

فإن عمل الإنسان العمل ولم يبتغ به وجه الله عز وجل واستقرت في نيته الشهرة والسمعة والرياء ، فعمله مردود لقول الله تعالى في الحديث القدسي : " أنا أغنى الشركاء عن الشرك من عمل عملاً أشرك فيه معي غيري تركته وشركه" ([3]) وفي لفظ ابن ماجة : " وأنا منه بريء هو والذي أشرك أنا أغنى الشركاء عن الشرك فمن عمل عملا أشرك فيه معي غيري تركته وشركه"([4]) فإذن قول اللسان ، وقول القلب ، أو تصديق القلب ثم عمل الجوارح قول باللسان وتصديق بالجنان وعمل بالجوارح والأركان هذا هو الإيمان . عملا بالجوارح : كتلاوة القرآن والذكر والصلاة والجهاد والحج والعمرة والتسبيح والجهاد والإنفاق والصلاة وزيارة المقابر وزيارة المرضى كل أعمال الجوارح قال تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً (41) وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً ) (الأحزاب41،42) وقال تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (77) وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ )(الحج77/78) إذن هذا قول اللسان وهذا تصديق القلب وهذا عمل الجوارح والأركان ، هذا هو الإيمان عند أهل السنة والجماعة ، لكن ما الفرق إذن بين الإسلام والإيمان ؟ .

أولا : مرتبة الإسلام :

الإسلام لغة : هو الإنقياد والإستسلام والإذعان ، أما اصطلاحاً : أي شرعاً فله حالتان وأرجو أن تركزوا معي جيدا ، لنقف على الفرق بين الإسلام والإيمان الإسلام في اللغة هو الإستسلام والإذعان والإنقياد لكن إن أطلق لفظ الإسلام في الشرع فله حالتان :

الحالة الأولى : إذا ذكر لفظ الإسلام مفرداً غير مقترن بذكر الإيمان فحينئذ يراد بالإسلام الدين كله ، انتبه ، أقول : الإسلام لغة هو الإستسلام والإذعان والإنقياد هذا هو المعنى اللغوي ، أما المعنى الاصطلاحي والشرعي فإذا ذكر لفظ الإسلام فله حالتان : إذا أفرد لفظ الإسلام أي دون أن يقترن بلفظ الإيمان فحينئذ يراد بالإسلام الدين كله ، ويدخل في مسمى الإسلام حينئذ الإيمان .

يعنى لو قلت : إن الدين عند الله الإسلام ، هذه اللفظة وحدها لم تأت معها لفظة الإيمان فحينئذ يراد بالإسلام إن أفرد وأطلق الدين كله ، يدخل فيه أعمال القلب ، وأعمال الجوارح إذا يدخل فيه الإيمان ، ويدخل فيه الإحسان ، ويدخل فيه الصلاة ، ويدخل فيه الزكاة ، ويدخل فيه الحج ، وهكذا ، كقول الله تعالى عز وجل : ( إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْأِسْلامُ )(آل عمران/19) وكقوله تعالى : ( وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ دِيناً)(المائدة/3) وكقوله تعالى : ( وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْأِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْه )(آل عمران/85) وكقوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّة) (البقرة/208) .

في السلم يعني في الإسلام ، ادخلوا في السلم يعني في الإسلام كآفة .

وعن عمرو بن عبسة رضي الله عنه قال : قال رجل : يا رسول الله ما الإسلام ؟ فقال " أن يسلم قلبك لله عز وجل وأن يسلم المسلمون من لسانك ويدك " قال : فأي الإسلام أفضل ؟ انتبه فأي الإسلام أفضل ؟ فقال النبي " الإيمان" حديث واضح .

أقول : إذا ذكر لفظ الإسلام وحده دون أن يقترن بلفظ الإيمان ، فإن الإسلام في هذه الحالة يراد به الدين كله ، ويدخل الإيمان وأعمال الظاهر والباطن على السواء وضربنا بعض الأمثلة بالأدلة من القرآن .

أما دليل السنة عمرو بن عبسة جاء رجل فقال : يا رسول الله ما الإسلام ؟ فقال " أن يسلم قلبك لله عز وجل وأن يسلم المسلمون من لسانك ويدك " فقال له : فأي الإسلام أفضل ؟ قال "الإيمان" فأدخل النبي الإيمان ضمن الإسلام ، فقال الرجل : وما الإيمان ؟ فقال النبي " تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله والبعث بعد الموت "1 والحديث رواه أحمد في مسنده والطبراني في معجمه الكبير ، وقال الهيثمي في المجمع : ورجاله ثقات .

وهكذا جعل النبي الإيمان من الإسلام ، وجعل النبي الإيمان أفضل وأعلى مراتب الإسلام ، إذن إذا ذكر لفظ الإسلام وحده منفرداً أي لم يقترن بلفظ الإيمان فحينئذ يراد بالإسلام الدين كله ويدخل في الإيمان أعمال الإسلام الظاهرة ، وأعمال الإسلام الباطنة ، هذه هي الحالة الأولى .

الحالة الثانية : إذا أطلق لفظ الإسلام مقترناً بالإيمان يعني إذا ذكرت لفظ الإسلام ولفظ الإيمان معا في آن واحد

كما في قوله تعالى في الآية التي ترجم بها الإمام البخاري للباب : ( قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا )(الحجرات/14)

هذه هي المرتبة الثانية ، ورد لفظ الإسلام مع لفظ الإيمان في وقت واحد فحينئذ لابد أن نعلم أن للإسلام معني وأن للإيمان معني إن قرن لفظ الإسلام بلفظ الإيمان في آن واحد فإن الإسلام يطلق حينئذ وبراد به أعمال الظاهر ، أما الإيمان فيراد به فقط
أعمال الباطن .

إذا ذكر لفظ الإسلام والإيمان مع بعضهم البعض فيراد بالإسلام حينئذ أعمال الإسلام الظاهرة ، ويراد بالإيمان أعمال الباطن أعمال القلب كالحب ، والرجاء والتوكل، والإنابة ، والتفويض ، والخشية ، والاستعانة ، والرهبة … إلى آخر أعمال القلب .

وفي الحديث الذي ذكرناه الدليل : يا رسول الله مالك عن فلان والله إني لأَراه مؤمناً ؟ قال : " أو مسلما"(1) ففرق النبي بين الإيمان والإسلام يعلق الحافظ ابن حجر كما ذكرت ويقول : وفي هذا الحديث التفرقة من الفوائد بين مرتبتي الإسلام والإيمان .

ويوضح ذلك جلياً الحديث الذي تحفظونه جميعاً الذي رواه مسلم وغيره من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : بينما نحن جلوس عند رسول الله إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب شديد سواد الشعر ، لا يرى عليه أثر السفر ، ولا يعرفه أحد منا فجاء حتى جلس إلى النبي فأسند ركبتيه على ركبتيه ووضع كفيه على فخذيه ، ثم قال : يا محمد ما الإسلام ؟ فقال النبي عليه الصلاة والسلام : " الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وتقيم الصلاة وتؤتى الزكاة ، وتصوم رمضان ، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا " قال : صدقت ، يقول عمر : فعجبنا له يسأله ويصدقه ثم قال : أخبرني عن الإيمان .

إذن هنا فرق بين الإسلام والإيمان قال : " أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره" (2) إذن فرق النبي هنا في هذا الحديث بين مرتبة الإسلام ومرتبة الإيمان .

وهكذا إذا اقترن الإسلام بالإيمان فيراد بالإسلام حينئذ أعمال الظاهر من صلاة وزكاة وحج ، ويراد بالإيمان حينئذ أعمال الباطن من حب وخشية وإنابة وتفويض ورجاء وتوكل واستغاثة واستعانة إلى آخر أعمال القلب إن الإسلام له مرتبتان مرتبة الإيمان عرفنا أن الإيمان لغة هو التصديق ما الدليل (وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا ) أي بصدق إذن الإيمان لغة التصديق انتبه جيداً ، لأنك قد ترى هذا التأصيل الشرعي موجوداً في بعض كتب العقيدة ترى تأصيلاً شرعياً للإيمان ينبني فقط على التأصيل اللغوي لمعنى الإيمان فحسب ، هذا قصور شديد لا ينبغي أبدا أن يقال : إن الإيمان لغة التصديق فقط لكن اصطلاحاً قول وتصديق وعمل .

انتبهوا لهذا ، فقد ترى هذا موجوداً في كثير من الكتب التي تتحدث عن العقيدة وإلا لوقعنا فيما وقع فيه المرجئة والكرامية وغيرهم من الفرق التي بينا انحرافها في أول كتاب الإيمان .

فالمرجئة أخرت العمل عن الإيمان وجعلت الإيمان هو التصديق فقط ، وهذا قصور شديد ، ولا يصح هذا أبدا ، ويخالف معتقد أهل السنة ، فالإيمان لغة : التصديق ، لكن اصطلاحاً : القول باللسان ، والتصديق بالقلب ، والعمل بالجوارح والأركان ، وكل الأبواب التي يترجمها البخاري في كتاب الإيمان يثبت بها هذه الحقيقة ويبين بها معتقد أهل السنة باب حب الأنصار من الإيمان ، باب الصلاة من الإيمان .

وهكذا في جميع الأبواب التي شرحناها يترجم فيها البخاري ، هذا الأصل وهذا المعتقد أن الأعمال من الإيمان ، ولا ينبغي أبدا أن تخرج أو تؤجل عن مسمى الإيمان كما هو معتقد المرجئة فالإيمان لغة هو التصديق واصطلاحاً هو قول باللسان وتصديق بالجنان وعمل بالجوارح والأركان وله حالتان إن أفرد وإن قرن بالإسلام .

الحالة الأولى : إن ذكر لفظ الإيمان وحده مفردا أي دون أن يقترن بلفظ الإسلام فحينئذ يراد بالإيمان ، أيضا الدين كله إذاً يساوي مرتبة الإسلام بالضبط فإن ذكر لفظ الإيمان وجده مفرداً من غير أن يقترن بلفظ الإسلام فإن الإيمان في هذه الحالة يساوي الإسلام في مرتبته الأولى أي يراد به الدين كله من الاعتقادات والأقوال والأعمال قال الله عز وجل : ( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ) (الحجرات/15) ( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا )انظر هنا ( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا ) كل هذا إيمان ( وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ ) بذل المال عمل ظاهر أم عمل باطن؟ عمل ظاهر أدخلته الآية في مسمى الإيمان ، لأن الإيمان يراد به هنا الدين كله انتبهتم يا إخواننا ( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ ) (الحجرات/15) إذا هنا الإيمان يراد به الدين كله وكقوله تعالى : ( الم (1) ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ (2) الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ ) (البقرة /1،2،3)

هذا عمل باطن أم ظاهر ؟ دخل في مسمى الإيمان ، لأن الإيمان يراد به
هنا الدين كله .

وفي الحديث الذي رواه البخاري ومسلم من حديث ابن عباس رضي الله عنهما : لما قدم وفد عبد القيس على النبي في عام الوفود أمرهم النبي بالإيمان بالله وحده ثم قال لهم النبي عليه الصلاة والسلام : " أتدرون ما الإيمان ؟ " قالوا : الله ورسوله أعلم ، قال : " شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ، وإقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، وصوم رمضان ، وأن تؤدوا الخمس من المغنم " الأركان التي دخلت في مسمى الإيمان هذا شئ جديد ، كلنا نحفظ أركان الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره" (1).

الإيمان هنا يراد به الدين كله فيندرج تحت مسمى الإيمان في هذه المرتبة مسمى الإسلام .

وفي الحديث الذي رواه البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة أنه قال : " الإيمان بضع وستون أو بضع وسبعون شعبة أفضلها قول : لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق والحياء شعبة من الإيمان" (2) هذا المعنى هو الذي قصده سلفنا الصالح رضوان الله عليهم أن الإيمان اعتقاد وقول وعمل ، وأن الأعمال كلها داخلة في مسمى الإيمان ، حتى إن الشافعي رحمه الله نُقل عنه أنه نقل على هذا إجماع الصحابة والتابعين رضوان الله عليهم .

وأنكر السلف عل من أخرج الأعمال من الإيمان إنكاراً شديداً وكتب عمر ابن عبد

العزيز إلى الأمصار يقول : " أما بعد .. فإن الإيمان فرائض وشرائع – والمراد بالإيمان هنا الدين كله – فإن الإيمان فرائض وشرائع فمن استكملها استكمل الإيمان ومن لم يستكملها لم يستكمل الإيمان " ([5])

وهذا المعنى هو الذي أراد البخاري – رحمه الله تعالى – كما ذكرت أن يثبته في كتابه في كتاب الإيمان وعليها بوب أبواب كتاب الإيمان كلها : باب أمور الإيمان باب الصلاة من الإيمان ، باب الجهاد من الإيمان ، باب حب الرسول من الإيمان ، باب الحياء من الإيمان ، باب حب الأنصار من الإيمان ، باب اتباع الجنائز من الإيمان ، فأدخل هذه الأعمال في مسمى الإيمان ليبين معتقد أهل السنة في أن الإيمان قول وتصديق وعمل .

إذن الحالة الأولى للإيمان : إن ذكر مفردا دون أن يقترن بلفظ الإسلام ، فإن الإيمان في هذه الحالة يراد به الدين كله .

الحالة الثانية : وهي أن يذكر الإيمان مقترناً بالإسلام وحينئذ كما ذكرنا يراد بالإيمان أعمال الباطن ، ويراد بالإسلام أعمال الظاهر نفس الكلام الذي ذكرناه في المرتبة الأولى للإسلام ، إذا ذكر لفظ الإيمان مع لفظ الإسلام في آن فحينئذ نفرق بين الإسلام والإيمان ، فالإيمان حينئذ يراد به اعتقاد القلب ، اعتقاد الباطن ، والإسلام يراد به حينئذ أعمال الظاهر .

من الأحاديث الرقراقة جدا التي وردت في هذه الحالة وكنت في غاية السعادة حينما وقفت على هذا الحديث الذي رواه أحمد وأبو يعلى والبزار وابن أبي شيبة هذا الكلام كله لمن أراد أن يراجعه أنا أقرأ عليكم الآن من كتاب قواعد المجتمع المسلم لمحمد حسان في المرتبة الأخيرة أو القاعدة الأخيرة من قواعد سورة الحجرات والتي عنونت لها بعنوان " وللإيمان حقيقة " ذكرت هذا الكلام كله في آخر الكتاب .

الحديث أقول : رواه أحمد وأبو يعلى والبزار وابن أبي شيبة وقال الهيثمي : ورجاله رجال الصحيح باستثناء على بن مسعدة وقد وثقه ابن حبان وغيره وضعفه آخرون من باب الأمانة العلمية .

عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : " الإسلام علانية والإيمان في القلب " هل سمعتموه من قبل ، هذا كنز " الإسلام علانية والإيمان في القلب " طبعا هذا يستدل به في مرتبة ارتباط الإسلام بالإيمان " الإسلام علانية والإيمان في القلب " (1) محال أن يكون حال الإيمان في قلبك الآن كحال الإيمان في قلبك وأنت على معصية .

وفي الحديث الجميل الذي رواه مسلم من حديث حنظلة الأُسيدى وكان من كتاب الوحي لرسول الله قال : لقيني أبو بكر رضي الله عنه فقال : كيف أنت يا حنظلة ؟ فقال حنظلة : نافق حنظلة يا أبا بكر ، الله أكبر ، نافق حنظلة يا أبا بكر قال أبو بكر : كيف ؟! فقال حنظلة : نكون عند رسول الله يذكرنا بالجنة والنار حتى كأنا نراهما رأي عين ، يذكر بالجنة والنار حتى كأنا نراهما رأي عين – يعني : وصل اليقين بهؤلاء الكرام لا أقول : إلى حد علم اليقين ، بل إلى عين اليقين كأنا نراهما رأي عين – رضوان الله عليهم جميعا – فإذا خرجنا من عند رسول الله عافسنا الأزواج والأولاد والضيعات ، ونسينا كثيرا ، حنظلة يعتبر هذا من النفاق .

يقول له : نبقى عند النبي عليه الصلاة والسلام في المجلس فيذكرنا بالجنة والنار ، نبكي تخضل اللحى من البكاء ، فإذا ما عدنا إلى بيوتنا عافسنا الأزواج والأولاد والتجارة والضيعات – يعني التجارة – ونسينا كثيرا ، انشغلنا بالأزواج والأولاد والتجارة والضيعات – يعني التجارة والأموال ونسينا كثيرا فقال أبو بكر – رضي الله عنه – بأبي هو وأمي والله : فوالله إنا لنلقى مثل هذا أبو بكر يقول : أنا كذلك والله إنا لنلقى مثل هذا يقول حنظلة : فانطلقت أنا وأبو بكر – رضي الله عنهما – حتى دخلنا على رسول الله فقال حنظلة : نافق حنظلة يا رسول الله، نافق حنظلة يا رسول الله ، فقال رسول الله : " وما ذاك ؟ وما ذاك ؟ " فقال حنظلة : يا رسول الله نكون عنك تذكرنا بالجنة والنار حتى كأننا نراهما رأى العين فإذا خرجنا من عند عافسنا الأزواج والأولاد والضيعات ونسينا كثيرا .

فقال رسول الله : " والذي نفسي بيده إن لو تدومون على ما تكونون عندي وفي الذكر لصافحتكم الملائكة على فرشكم وفي طرقكم ولكن يا حنظلة ساعة وساعة ، ساعة وساعة ساعة وساعة " قالها ثلاث مرات (1)

أي ساعة للبكاء والخشية ووجل القلب وقشعريرة الجلد والبدن ، وساعة للزوجات والأولاد والضيعات ، أي التجارة والأموال وليس ساعة لربك وساعة لقلبك ، لا بنص الحديث ، ساعة للزوجة داعب الزوجة ، داعب الأولاد انشغل بالضيعات بالأرض بالتجارة ، لكن لا تنشغل بالمعصية وتقول ساعة لقلبك وساعة لربك هذا ضلال مبين ، هذا عمى القلب وضلال العقل ولكن ساعة وساعة ، ساعة للزوجات والأولاد والضيعات الأرض والمال والتجارة والمواشي ، وساعة لله تبارك وتعالى لمجالس العلم .

لكن لا تجلس أمام التلفاز طوال الليل ، أو في مجلس غيبة ونميمة من أجل المرح والفرفشة وتقول : يا أخي … الرسول يقول : " ساعة وساعة " هذا ضلال ، أنت كذاب تكذب على رسول الله لأن رسول الله وإنما قال : " ساعة وساعة " ساعة للدنيا في الحلال الطيب ، وساعة للآخرة .

إذن يا أخوة ! الإيمان يزيد كما رأينا في الحديث وينقص ، يزيد في مجالس العلم حينما يكون الصحابة بين يدي رسول الله وينقص حينما يرجعون إلى الأولاد ، حتى بيوتهم يشعرون بنقص الإيمان ، وهذا لا شك واقع ، فحال الإيمان في قلوبنا الآن يختلف تماما عن حال الإيمان في قلوبنا وحتى نحن في بيوتنا مع زوجاتنا وأولادنا ولو كنا حتى على غير معصية الإيمان الآن في زيادة وأختم بهذه المسألة المهمة أيضا في هذا المبحث لأوفيه إن شاء الله تعالى ، ألا وهى تفاضل أهل الإيمان إن أهل الإيمان يتفاضلون ويتفاوتون قال الله عز وجل : ( ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ )(فاطر/32)

وفي الحديث الذي رواه البخاري ومسلم من حديث أبي سعيد الخدرى رضي الله عنه أن النبي قال : " بينما أنا نائم ، رأيت الناس عرضوا علىَّ وعليهم قمص – جمع قميص – فمنها ما يبلغ الثدي أو الثُدى – جمع ثدي – منها ما يبلغ الثُدى ومنها ما دون ذلك " يعني : عرض الناس على رسول الله يلبسون القميص منهم من يبلغ القميص على ثديه ، ومنهم من يبلغ القميص إلى أقل من ذلك يقول : " وعرض علىَّ عمر بن الخطاب وعليه قميص يجره " فقالوا : فما أولته يا رسول الله ؟ يعني ما تأويلك لهذه الرؤيا قال : " الدين الدين" (1) يعني عمر غارق في سربال الدين انظر مرتبة الإيمان عند عمر ! مكتملة قال : " الدين " قالوا : فما أولته ؟ قال : " الدين " .

قال عمر نفسه – رضوان الله عليه – كما في مسند أحمد ورواه عبد الله ابن الإمام أحمد في السنة بإسناد حسن ، قال عمر رضوان الله عليه : لو وزن إيمان أبي بكر بإيمان أهل الأرض لرجح إيمان أبي بكر (2)

ولذلك يقول ابن القيم : والله ما سبق أبو بكر إلا بشيء وقر في قلبه أي الإيمان إنه أبو بكر أبو بكر ، رضوان الله عليه هو اليقين ، يعنى إذا ذكر اليقين يذكر الصديق ، إن ذكر التصديق ذكر الصديق ، إن ذكر الإيمان يذكر الصديق رجل عجيب .

سبحان الله ‍‍ .. الأسبوع الماضي كنت أراجع في السيرة وقفت على بنود صلح الحديبية وعلى الحوار الذي دار بين رسول الله وبين سهيل بن عمرو حوار فعلا يخلع القلوب لو لم يستو على عرش اليقين لزل الإنسان ، أكرر العبارة لو لم يستو على عرش اليقين اليقين لزل الإنسان .

في هذه اللحظات يجيء سهيل بن عمرو والنبي يقول لعلي : " اكتب بسم الله الرحمن الرحيم " فيقول له : وما الرحمن ؟ وما الرحيم ؟ أنا لا أعرف شيئا اسمه الرحمن الرحيم اكتب : باسمك اللهم ما الرحمن وما الرحيم ؟ وربنا قد نزل آية ( وَمَا الرَّحْمَنُ )(الفرقان/60) فسيدنا عمر جالس وسيدنا الصديق والصحابة والذي يكتب سيدنا علي والنبي (ص) يقول لعلي : " اكتب باسمك اللهم "

انتبه موقف يذهب العقل والله " اكتب باسمك اللهم " اكتب يا علي : " هذا ما عاهد عليه محمد رسول الله " فقال سهيل : لا والله لو علمت أنك رسول الله ما صددناك عن البيت اكتب هذا ما قاضى عليه محمد بن عبد الله ، لا رسول الله فقال الرسول لعلي : " اكتب هذا ما قاضى عليه محمد بن عبد الله " فوقف علي وقال : والله ما كنت لأحك اسمك يا رسول الله .

النبي كان أمياً لا يقرأ ولا يكتب فطلب من علي أن يريه كلمة رسول الله فأشار علي للنبي فحكها النبي بيده وقال له : " اكتب هذا ما قاضى عليه محمد بن عبد الله " هنا وقف عمر وقال : يا رسول الله أو لسنا على الحق ؟ قال : " بلى " أو ليسوا على الباطل ؟ قال : " بلى" أو لست رسول الله حقا ؟ قال : " بلى " فلم نعطى
الدنية في ديننا.

ولذلك سبحان الله ‍.. سيدنا عمر يقول : فظللت طوال عمري أستغفر الله عز وجل لما بدر مني ، مع رسول الله يوم الحديبية انفعل عمر رضوان الله عليه وترك عمر رسول الله وذهب إلى الصديق إلى أبي بكر لا تعتقد أبدا أن عمر يفوق أبا بكر أبدا احذر ، لأن السيرة أكثرت في ذكر عمر رضوان الله عليه لكن إياك إياك أن تفضل عمر على أبي بكر .

الرسول فضل أبا بكر على عمر هناك كثير من الأمة لا بعرف قدر الصديق رضوان الله عليه .

فيذهب عمر إلى أبي بكر ويقول له : يا أبا بكر أو ليس رسول الله حقا ؟ يقول له : بلى ، أو لسنا على الحق ؟ بلى ، نفس الكلام ، أو ليسوا على الباطل ؟ فيقول أبو بكر : بلى ، فيقول : فلم نعطى الدنية في ديننا فيقول أبو بكر : يا عمر والله إنه لرسول الله حقا ، وإن الله لن يضيعه فالزم غرزه الزم غرزه – كلمات عجيبة جدا – والله إنه لرسول الله حقا وإن الله لن يضيعه فالزم غرزه (1) . احذر أن تحيد قدر أنملة عن الطريق نفس الكلام الذي قاله النبي قاله الصديق – رضوان الله عليه – مشهد صعب جداً يرجع النبي من مكة إلى المدينة مرة أخرى من غير أن يؤدى العمرة وقبل أن يصل المدينة يتنزل عليه القرآن .

وكان الوحي إذا نزل علي النبي يعرفه الصحابة جميعا ، كان وجهه يهلل كفلقة قمر وأحيانا يتحدر عليه العرق في اليوم الشديد البرودة كحبات اللؤلؤ وكان الوحي شديدا كان يأتيه مثل صلصة الجرس ، وكان هذا هو أشد حالات الوحي على رسول الله كما ذكرت في أول كتاب بدء الوحي في صحيح البخاري حينما نزل الوحي علي رسول الله بدأ الكل ينتبه ، وما سرى على النبي إلا وهو يقرأ قول الله تعالى : ( إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً ) (الفتح/1) فقال عمر : أو فتح هو يا رسول الله ؟ قال : " نعم إنه لفتح "

انظر الصلح الذي كان فيه ذله ومهانة من وجهة نظر عمر ، ربنا سبحانه وتعالى ينزل آيات ويقول للصحابة : الزموا غرزه فإنه الفتح (إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً ) وكان الفتح بعد ذلك بهذا الصلح .

يقول عمر : لو وزن إيمان أبي بكر بإيمان أهل الأرض لرجح إيمان أبي بكر رضي الله عنه

إذن يقول ابن القيم : والله ما سبق أبو بكر إلا بشيء وقر في قلبه ، والمقصود أن الناس يتفاوتون في الدين بتفاوت الإيمان في قلوبهم ، ويتفاضلون فيه بحسب ذلك فأفضلهم وأعلاهم أولو العزم الخمسة من الرسل وأدناهم المخلطون من أمثالنا من أهل التوحيد الذين خلطوا عملا صالحاً وآخر سيئاً ، وبين ذلك – يعني بين مرتبة أولى العزم وبين المخلطين من أمثالنا – مراتب ودرجات لا يحيط بها إلا رب الأرض والسماوات .

ويذكر الإمام ابن القيم مثالاً واحداً عجيباً فيقول : بل إن الناس يتفاضلون في العمل الواحد في المكان الواحد في الوقت الواحد انتبه : : بل إن الناس يتفاضلون في العمل ، الواحد في المكان الواحد ، في الوقت الواحد ، وضرب لذلك مثالا بالناس في صلاة الجماعة يقفون في مسجد واحد في وقت واحد خلف إمام واحد وبينهم هذا التفاوت والتفاضل ما لا يحصيه إلا الله يقول : فهذا قرة عينه في الصلاة ، يتمنى لو أطال الإمام قراءتها وركوعها وسجودها واقف في لذة في نعيم قرة عينه في الصلاة ،
هذه درجة مرتبة .

هذا موجود معنا في الصلاة وهذا يرى نفسه في أضيق سجن يود أن تنقضي الصلاة تفرقت به الأهواء في كل واد ، حتى لا يدرى ما يقول وما يفعل وكم صلى ، وهذا ثالث يصلي فترفع صلاته بعد انتهاء الصلاة إلى الله تتوهج نورا ، وهذا ترفع صلاته مظلمة لظلام قلبه تغلق أبواب السماء دونها لا تقبل ولا ترفع إلى الله عز وجل ، وكل هؤلاء يقفون في مسجد واحد خلف إمام واحد ، ويصلون فريضة واحد بينهم هذا التفاضل والتفاوت ما لا يعلمه إلا من يعلم خائنة الأعين ، وما تخفي الصدور .

وهكذا فجميع أعمال الإيمان يتفاوت الناس فيها ويتفاضلون بحسب ما وقر في قلوبهم من العلم واليقين .. وعلى ذلك يموتون ، وعلى ذلك يبعثون ، وعلى ذلك إلى الجنة يحشرون هناك تفاوت ، منزلة النبي عليه الصلاة والسلام أعلى منزلة في الجنة " إذا سمعتم المؤذن يؤذن فقولوا مثل ما يقول ثم صلوا على فإنه من صلى علىَّ صلاة صلى الله بها عليه عشراً ثم سلوا الله لي الوسيلة فإنها منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد وأرجو أن أكون أنا هو فمن سأل الله لي الوسيلة حلت له شفاعتي " (1)

الوسيلة أعلى درجات الجنة وهذه لنبينا محمد ، فعلى قدر التفاوت في الإيمان يموت الخلق ، ويبعثون على هذا التفاوت ويحشرون على هذا التفاوت ويدخلون الجنة ، بقدر تفاوت الإيمان في قلوبهم ، نسأل الله أن يرزقنا وإياكم الإيمان وأن يتقبل منا ومنكم صالح الأعمال وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .

 

 

(1) أخرجه البخاري في كتاب الإيمان ، باب إذا لم يكن الإسلام على الحقيقة (1/27) ، ومسلم في كتاب الزكاة ، باب إعطاء من يخاف على إيمانه (2/150) .

(1) أخرجه البخاري في كتاب فرض الخمس ، باب ما كان النبي يعطى المؤلفة قلوبهم وغيرهم .. الخ (6/3147) ، ومسلم في كتاب الزكاة ، باب إعطاء المؤلفة قلوبهم على الإسلام وتصبر من قوى إيمانه (2/1059)

(1) أخرجه البخاري في كتاب الزكاة ، باب قول الله تعالى ( لا يسألون الناس إلحافا)(البقرة/273) ، ومسلم في كتاب الإيمان ، باب تألف قلب من يخاف على إيمانه لضعفه ، تحت الحديث
(1/237 إيمان) .

(1) أخرجه البخاري في كتاب الإيمان ، باب (فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ)(التوبة/5) (1/25) ، ومسلم في كتاب الإيمان ، باب الأمر بقتال الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله محمد رسول الله(1/20)

([2]) أخرجه البخاري في كتاب العلم ، باب من خص بالعلم قوما دون قوم(1/20) ، ومسلم في كتاب الإيمان ، باب الدليل على أن من مات على التوحيد دخل الجنة قطعاً(1/32)

([3]) أخرجه مسلم في كتاب الزهد ، باب من أشرك في عمله غير الله (4/20985)

([4]) أخرجه ابن ماجة في كتاب الزهد ، باب الرياء والسمعة (4/2985) وأحمد في مسنده (2/301) وقال في الزوائد : إسناده صحيح ثقات .

(1) أخرجه أحمد (4/114) ، والطبراني في الكبير (17/138) وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (9/403) : رواه الطبراني في الكبير ورجاله ثقات .

(1) سبق تخريجه

(2) أخرجه مسلم في كتاب الإيمان ، باب الإيمان والإسلام والإحسان بإثبات قدر الله سبحانه
وتعالى .. الخ (1/8) .

(1) أخرجه البخاري في كتاب الإيمان ، باب أداء الخمس من الإيمان (1/53) ، ومسلم في كتاب الإيمان باب الأمر بالإيمان بالله تعالى ورسوله (ص) وشرائع الدين … الخ (1/24 إيمان .

(2) أخرجه البخاري في كتاب الإيمان باب أمور الإيمان (1/9) نحوه ، ومسلم في كتاب الإيمان باب بيان عدد شعب الإيمان وأفضلها وأدناها وفضيلة الحياء وكونه من الإيمان (1/35) لفظ مسلم .

(1) أخرجه البخاري عقيب قول النبي (ص) : ( بني الإسلام على خمس ) (1/ص60)

(1) أخرجه أحمد في مسنده (3/135) ، وأبو يعلي (5/2923) ، وابن عدي (5/207) وابن أبي شيبة في مصنفه (7/211/1) ، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (2280)

(1) أخرجه مسلم في كتاب التوبة ، باب فصل دوام الذكر والفكر في أمور الآخرة والمراقبة ، وجواز ترك ذلك في بعض الأوقات (4/2750) ، والترمذي في كتاب صفة القيامة والرقائق والورع (4/2514)

(1) أخرجه البخاري في كتاب الإيمان ، باب تفاضل أهل الإيمان في الأعمال (1/23) وأخرجه أيضا في كتاب العبير باب القميص في المنام ، باب جر القميص في المنام ( 12/7008،7009) ومسلم في فضائل الصحابة ، باب من فضائل عمر رضي الله عنه (4/2390) والترمذي في كتاب الرؤيا ، باب في رؤيا النبي (ص) اللبن والقميص (4/2284) وأحمد في مسنده .

(2) أخرجه عبد الله بن أحمد في السنة (ص102) والبيهقي في شعب الإيمان (1/36) .

(1) السيرة النبوية لابن هشام (3/280-211)

(1) أخرجه مسلم في كتاب الصلاة ، باب استحباب القول مثل قول المؤذن (1/384) .