هل ولد المهدى ؟

الناقل : elmasry | الكاتب الأصلى : محمد حسان | المصدر : www.mohamedhassan.org

هل ولد المهدى ؟

 

إنّ الحمد لله ، نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادى له ، وأشهد أن لا إله إلا الله ، وحده لا شريك له ، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله .

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ) آل عمران/102 .

 

( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً ) النساء/1 .

 

( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً ) الأحزاب70/71 .

 

أما بعد .. فإن أصدق الحديث كتاب الله ، وخير الهدى هدى نبينا محمد (ص) وشر الأمور محدثاتها ، وكل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار .

ثم أما بعد ..

فحياكم الله أيها الأخوة الأخيار وأيتها الأخوات الفضلاء ، وطبتم وطاب ممشاكم وتبوأتم جميعاً من الجنة منزلا ، وأسأل الله جل وعلا الذي جمعنا في هذا البيت المبارك علي طاعته ، أن يجمعنا في الآخرة مع سيد الدعاة وإمام النبيين في جنته ودار مقامه ، إنه ولى ذلك ومولاه ..

أحبتي في الله هل ولد المهدي ؟ الجواب على هذا السؤال هو موضوع لقائنا مع حضراتكم في هذا اليوم المبارك .

وكعادتي حتى لا ينسحب بساط الوقت سريعا من تحت أقدامنا فسوف ينتظم جوابي على هذا السؤال في العناصر التالية :

أولا : امرأة ترضع القمر .

ثانيا : من هو المهدي .

ثالثا : الرد على المخالفين .

رابعا : الحقيقة بين العلم والعمل والأمل .

فأعيروني القلوب والأسماع ، والله أسأل أن يجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأن يقر أعيننا جميعا بنصرة الإسلام وتمكين المسلمين ، إنه ولي
ذلك والقادر عليه.

 

أولا : امرأة ترضع القمر :

إشاعة مدوية انتشرت في الأيام القلية الماضية انتشار النار في الهشيم ، أن امرأة مسلمة رأت في الرؤية أنها ترضع القمر ، واتصلت على رجل من المعبرين للرؤى فقال لها وطلب منها أن تقسم بالله العظيم ثلاثا أنها رأت أنها ترضع القمر ، فأقسمت المرأة على ذلك ثلاثا ، فقال هذا المعبر أو المأول : إذن لقد ولد المهدي عليه السلام .

وانتشرت الإشاعة في مصر بل في العالم العربي والإسلامي انتشار النار في الهشيم في أيام معدودة ، فلما سئل المأول والمعبر أقسم هو الآخر بالله العظيم ثلاثا أنه لم تسأله امرأة من الأصل عن هذه المسألة ، وبينت المسئولة عن البرنامج المعروف أنه لم تتصل مسلمة أصلا ، ولم تقص هذه الرؤية لا على البرنامج ولا على مأول الرؤى وهذه إشاعة لا أصل لها وأكذوبة باطلة .

وهب أن مسلمة رأت بالفعل أنها ترضع القمر فهل يستطيع عاقل فضلاً عن عالم بكتاب الله وسنة رسول الله أن يجزم ويقطع بأن المهدي عليه السلام قد ولد ؟ لا إذ لا يعلم وقت ميلاد المهدي ملك مقرب ، ولا نبي مرسل ، فهذا أمر كوني قدري غيبي لا يعلمه إلا الرب العلي سبحانه وتعالى ، ولا أريد أن أطيل النفس في هذه الجزئية .

فمن هو المهدي ؟ :

هذا هو عنصرنا الثاني بإيجاز ، المهدي عليه السلام رجل من المسلمين من نسل فاطمة بنت سيدنا رسول الله من نسل الحسن بن علي ابن فاطمة اسمه على اسم رسول الله ، واسم أبيه على اسم أبي رسول الله ، يملأ الأرض قسطا وعدلا بعد ما ملئت الأرض جوراً وظلماً ، ينصر الله به الدين وينصر الله على يديه المسلمين ، ينزل الله عز وجل في عهده البركة فلا تحبس السماء شيئاً من قطرها ، ولا تمنع الأرض
شيئاً من ثمرها.

قال في حقه الحافظ ابن كثير : في زمن المهدي تكون الثمار كثيرة والزروع غزيرة، والمال وافر ، والسلطان قاهر ، والدين قائم ، والعدو راغم ، والخير في أيامه دائم .

لا نقول ذلك رمياً بالغيب ، ولا من باب الأحلام الوردية الجاهلة ، ولا نقول ذلك لما تعانيه الأمة من ضغط شديد من أعدائها ، كلا . كلا ، فهذا أمر لا يجوز لأحد البتة أن يتكلم فيه إلا بدليل من كتاب الله ، أو بدليل من كلام الصادق رسول الله .

فخذوا هذه الطائفة الجليلة الكريمة من كلام رسول الله في شأن المهدي عليه السلام .

ففي الحديث الذي رواه أبو داود وابن ماجة في السنن بسند صحيح من حديث أم سلمة رضي الله عنها أن النبي قال : " المهدي من عترتي من بيت فاطمة "(1) أو من ولد فاطمة فهو محمد بن عبد الله العلوي الفاطمي الحسني .

وفي الحديث الذي رواه أحمد في مسنده وابن ماجة في سننه بسند صحيح من حديث علي رضي الله عنه أن النبي قال : " المهدي منا أهل البيت يصلحه الله في ليلة"(2) أي : يعده الله ويهيئه للخلافة الراشدة لقيامة الأمة المسلمة في زمن الفتن والملاحم، أسأل الله أن يعجل بهذه الخلافة الراشدة .

وفي الحديث الذي رواه أبو داود بسند صحيح من حديث عبد الله بن مسعود – رضي الله عنه – أن النبي قال : " لا تذهب الدنيا – أو لا تنقضي الدنيا – حتى يملك العرب رجل من أهل بيتي يواطيء اسمه اسمي واسم أبيه اسم أبي" (3)

وفي الحديث الذي رواه أبو داود والطبراني وابن حبان والبزار والحاكم بسند صحيح من حديث أبي سعيد الخدري – رضي الله عنه – أن الحبيب النبي قال : " لتملأن الأرض جوراً وظلماً ، لتملأن الأرض جوراً وظلماً ، فإذا ملئت جوراً وظلماً يبعث الله رجلا مني اسمه اسمي واسم أبيه اسم أبي فيملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما فلا تمنع السماء شيئا من قطرها ولا الأرض شيئا من نباتها فيمكث سبعا أو ثمانية ، فإن أكثر فتسع ، فيمكث فيكم سبعا أو ثمانية فإن أكثر فتسع"(4)

 

وفي الحديث الذي رواه الحارث بن أبي أسامة في مسنده بسند صحيح من حديث جابر بن عبد الله – رضي الله عنهما – أن النبي قال : " ينزل عيسى ابن مريم " ، وتدبر فإن المهدي يكون في زمنه عيسى ابن مريم ، وإذا نزل عيسى ابن مريم يكون في زمانه الدجال ، فالذي يقتل الدجال عيسى ومعه المهدي ، ففي زمن عيسى يكون المهدي وفي زمن المهدي يكون عيسى ، وفي زمن عيسى يكون الدجال ، وفي زمن عيسى يخرج يأجوج ومأجوج ، فالعلامات خرزات منظومة في سلك فإن يقطع السلك يتبع بعضها بعضاً ، لا أقول ذلك من نفسي ، بل هو كلام الصادق الذي لا ينطق عن الهوى كما في مسند أحمد ومستدرك الحاكم بسند صحيح من حديث أبي هريرة – رضي الله عنه – أن النبي قال : " العلامات – وفي لفظ الأمارات – خرزات منظومات في سلك فإن يقطع السلك يتبع بعضها بعضاً" (1)

 

إذا وقعت علامة من العلامات الكبرى تبعتها بقية العلامات في مدة لا يعلمها إلا رب الأرض والسماوات ، فارجع إلى حديث الحارث بن أبي أسامة في مسنده بسند صحيح من حديث جابر بن عبد الله – رضي الله عنه – أن النبي قال : " ينزل عيسى ابن مريم فيقول أميرهم المهدي – هكذا يقول أميرهم المهدي – تعال صل بنا ، تعال صل بنا ، فيقول عيسى للمهدي : لا إن بعضكم أمير بعض تكرمة الله لأمة محمد " .

وفي رواية الصحيحين في البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة – رضي الله عنه – أن النبى قال : " كيف أنتم إذا نزل فيكم عيسى ابن مريم وإمامكم منكم" (2)

 

بل في لفظ مسلم من حديث جابر بن عبد الله – رضي الله عنهما – أن الصادق المصدوق الذي لا ينطق عن الهوى قال : " لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة " ثم قال : " وينزل عيسى ابن مريم – على نبينا وعليه الصلاة والسلام – فيقول أميرهم – أي لعيسى - : تعال صل لنا فيقول عيسى : لا إن بعضكم على بعض أمراء تكرمة الله لهذه الأمة" (1)

 

هذا كلام الصادق الذي لا ينطق عن الهوى ، ولابد من الجمع بين هذه الأدلة بهذا التأصيل الذي أقدم الآن حتى لا يضرب أحد السنة بعضها ببعض ، ولا ينبغي لأحد كما ذكرت أن يتكلم بشأن المهدي إلا بكلام الصادق النبي ، فهذا أمر غيببي لا ينبغي لأحد أن يتكلم فيه من عند نفسه أو من ذهنه أو من عقله قال الله أو قال رسول الله .

قال تعالى : ( وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ )(الحشر/7) لكن من المعلوم للجميع أن كثيرا من الدجاجلة والكذابين قد خرج وأدعى كل واحد من هؤلاء أنه المهدي ، لم يتركنا رسول الله بل بين لنا الصادق علامة واضحة أكيدة إن ظهرت في الأرض علمنا أن الرجل الذي عاذ ولجأ إلى بيت الله الحرام هو المهدي الصادق الحقيقي عليه السلام ، ما هذه العلامة ؟ اسمع للصادق الذي لا ينطق عن الهوى .

ففي الحديث الذي رواه البخاري ومسلم من حديث أم المؤمنين عائشة – رضي الله عنها – قالت : عبث رسول الله يوما في منامه – عبث : أي تحرك حركة على غير عادته – عبث رسول الله يوما في منامه فقالت عائشة رضي الله عنها رأيتك صنعت شيئا بم تكن تفعله ؟ فقال النبي : " العجب أن أناسا من أمتي يؤمون البيت الحرام – أي يتوجهون ويقصدون البيت الحرام – لرجل من قريش عائذا بالبيت – أي محتمي بالبيت – لرجل من قريش عائذا بالبيت – أي البيت الحرام – فيخرج إليهم جيش حتى إذا كانوا – أي الجيش – بالبيداء – أي الصحراء – خسف به – أي بهذا البيت " قالت عائشة : فقلت : يا رسول الله إن الطريق يجمع الناس – يعني في هؤلاء من خرج لقتال المهدي ومنهم من خرج لقضاء مصالحه ، فلماذا يخسف الله به الطريق إن الطريق قد يجمع الناس. فقال النبي : " نعم فيهم المستبصر ، والمجبور ، وابن السبيل يهلكون مهلك واحد ، ويصدرون مصادر شتى يبعثهم الله على نياتهم"(1) ، وفي لفظ مسلم من حديث أم

 

المؤمنين حفصة – رضي الله عنها – أن النبي قال : " سيعوذ بهذا البيت قوم من أمتي ليست لهم عدة ولا عدد ولا منعه مستضعفون ليست لهم عدة ولا عدد ولا منعة يبعث إليهم جيش حتى إذا كانوا ببيداء من الأرض خسف بهم" (2) وفي لفظ في صحيح مسلم : " ولا يبقى منهم إلا الشريد الذي يخبر عنهم" (3)

 

هذه العلامة إن ظهر المهدي في بيت الله الحرام ويبايعه مجموعة من المسلمين لا عدد لهم ولا عدة ولا سلاح إنهم مستضعفون يخرج للمهدي جيش لقتاله والقضاء عليه فينصر الله المهدي نصرا قدريا غيبيا يخسف الله بهذا الجيش الأرض ، ولا ينجو من هذا الجيش إلا الشريد إلا الرجل أو الرجلان .

إذا ظهرت هذه العلامة عرف المسلمون جميعاً على ظهر الأرض أن الرجل العائذ بالبيت هو المهدي عليه السلام ، وينتشر الخبر بسرعة مذهلة في الأرض كلها فلا يبقى مسلم قادر يستطيع أن يرحل من بلده أيا كان إلى البيت الحرام إلا وسافر حتى يرزقه الله الشهادة أو يرزق الله الأمة النصر . نسأل الله أن يرزق الأمة النصر ، وأن يكتب لنا الشهادة إنه ولي ذلك ومولاه .

وهنا يعلن العالم كله الحرب على المهدي عليه السلام لكن الله جل جلاله ينصر المهدي بقدرته وأمره سبحانه في جميع معاركه التي سيخوضها .

استمع وتدبر هذه البشائر النبوية ، ففي صحيح مسلم من حديث نافع بن عتبة – رضي الله عنه - أن النبي قال : " تغزون جزيرة العرب فيفتحها الله " ولاحظ أن الذي سيفتح هنا هو الله " تغزون جزيرة العرب فيفتحها الله ثم تغزون فارس فيفتحها الله ثم تغزون الروم فيفتحها الله " – اللهم عجل بفتحك يارب – ثم تغزون الروم فيفتحها الله ثم تغزون الدجال فيفتحه الله"(1)

 

فمن المعلوم أن عيسى ابن مريم كما في صحيح مسلم ، حدد الصادق الذي لا ينطق عن الهوى مكان نزوله في الأرض ، بل حدد الصادق الثوب الذي سينزل به عيسى من السماء . قال : " ينزل عيسى ابن مريم بين مهرودتين – أي بين ثوبين ممصرين يميل لون الثوبين إلى الصفرة – ينزل عيسى ابن مريم بين مهرودتين واضعاً كفيه على أجنحة ملكين تقطر لحيته كأنه يتوضأ ومازال الماء يقطر من لحيته ينزل عند المنارة البيضاء شرق دمشق" (2).

 

صلى الله على الصادق ثم يتجه بعد ذلك عيسى إلى بيت المقدس فيرى المسلمين يصلون وإمامهم المهدي كما بينت الأحاديث الماضية ، فيريد المهدي أن يتأخر ليقدم عيسى ابن مريم ليصلى بالمسلمين ، لأنه نبي فيرفض عيسى عليه السلام ويدفع المهدي بين كتفيه ، ويأمره أن يصلى بالمسلمين ويكون إمامكم منكم تكرمة الله لأمة محمد ، ويصلى عيسى خلف المهدي على شريعة الحبيب النبي ‘ فعيسى ينزل ليقتل الخنزير ، وليحطم الصليب ، وليفرض الجزية ، وليدعوا الناس جميعا في الأرض كلها إلى توحيد الله الواحد الأحد بلا منازع ولا شريك ، فهذه أولى كلماته في المهد قال : ( قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيّاً(30) وَجَعَلَنِي مُبَارَكاً أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيّاً(31) وَبَرّاً بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً شَقِيّاً(32) وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيّاً(33) ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ(34) مَا كَانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ سُبْحَانَهُ إِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ(35) وَإِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ ) (مريم/30-36) ينزل عيسى وينتقل مع المهدي لقتال الدجال ، فإذا رأى الدجال عيسى ابن مريم يذوب كما يذوب الملح في الماء فيقتل عيسى الدجال وهو في طريق عودته يخبره الله جل وعلا أنه قد أخرج يأجوج ومأجوج فيقول له : إني أخرجت عباداً لي لا يدان لأحد بقتالهم _ أي لا قدرة لأحد على قتالهم _ فحذر عبادي إلى الطور .

فيلجأ نبي الله عيسى والمؤمنون معه إلى الطور في سيناء ، ويخرج يأجوج ومأجوج فلا يجدون أحداً من أهل الأرض يعترض سبيلهم فيفتنون فتنة عمياء فيقولون قولتهم الخبيثة : قهرنا أهل الأرض فلنقهر أو فلنعلو أهل السماء ، فيصوبون رماحهم إلى السماء فتزداد فتنتهم حينما يرد الله إليهم الرماح وقد خضبت بالدماء فيقولون : قهرنا أهل الأرض وعلونا أهل السماء ، فيضرع عيسى إلى الله جل وعلا أن يخلص الأرض من شرورهم فيرسل الله عليهم النغف . ما النغف ؟ النغف دودة صغيرة حقيرة تخرج في أنف البعير – الجمل – هؤلاء الذين يقولون : قهروا أهل الأرض وعلوا أهل السماء يرسل الله عليهم النغف فيهلكون ويقتلون كوت نفس واحدة فتمتلئ الأرض بزهمهم ونتنهم .

فيضرع عيسى إلى الله يطهر الأرض ، فيرسل الله على الأرض طيرا كأعناق البخت – والبخت هي الجمال الخرسانية الضخمة في أرض الجزيرة – يرسل الله طيرا كأعناق البخت فتحمل هذه الجثث العفنة إلى حيث شاء الله وقدر ، ثم يرسل الله مطرا على الأرض فيصهر الأرض فتصبح الأرض بعد ذلك كالزلقة أو كالمرآة ، وينزل الله البركة وتعيش البشرية في هذه الفترة فترة لم تنعم بها من قبل حتى تمنى نبينا العيش في هذه الأيام فقال : " طوبى لعيش بعد المسيح " فالرسول يقول : " تغزون جزيرة العرب فيفتحها الله ، ثم تغزون فارس فيفتحها الله ثم تغزون الروم فيفتحها الله ، ثم تغزون الروم فيفتحها الله ، ثم تغزون الدجال فيفتحه الله" وذلك في عهد عيسى والمهدي عليهما السلام.

وفي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه – أن النبي قال – ولاحظ أنني لا أتكلم بشيء من عندي بل إن كل ما تكلمت به حتى هذه اللحظة هو كلام الصادق الذي لا ينطق عن الهوى – قال رسول الله في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة : " لا تقوم الساعة حتى ينزل الروم بالأعماق أو بدابق" (1)

والأعماق أو دابق مكان بين سوريا وبين أنطاكية في منطقة بلاد الشام . وها نحن نرى ولأول مرة في التاريخ الحديث والقديم نرى جحافل الروم تنزل بهذه الأعداد الغفيرة التي لا مثيل لها في التاريخ كله تنزل إلى الأعماق إلى قلب بلاد الشام وستتوالى الأحداث تباعاً ، ستتوالى الأحداث تباعاً ، لأن الذي يهيئ الكون كله هو الله جل جلاله ليقع فيه ما أخبر عنه الصادق الذي لا ينطق عن الهوى ، إذ أنه لا يتكلم إلا بوحي من الله ( وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى(1) مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى(2) وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى(3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى(4) عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى ) (النجم/1-5) .

قال من لا ينطق عن الهوى : " لا تقوم الساعة حتى ينزل الروم بالأعماق أو بدابق فيخرج إليهم جيش من أهل المدينة من خير أهل الأرض يومئذ – أو هم خير أهل الأرض يومئذ – فإذا تصافوا للقتال قال الروم للمسلمين : خلوا بيننا وبين الذين سبوا منا نقاتلهم، فيقول المسلمون : لا والله لا نخلى بينكم وبين إخواننا " قال الصادق : " فيقتتلون فينهزم ثلث من المسلمين لا يتوب الله عليهم أبدا ، لأنهم ارتدوا – كما في رواية مسلم التي سأذكرها الآن أيضا – فينهزم ثلث لا يتوب الله عليهم أبدا ويقتل ثلث هم أفضل الشهداء عند الله ويفتح الثلث الأخير" (1)

 

وفي رواية في صحيح مسلم من حديث أسيد بن جابر قال : هاجت ريح حمراء بالكوفة فجاء رجل ليس له هجيري إلا يا عبد الله بن مسعود يا عبد الله بن مسعود جاءت الساعة جاءت الساعة فكان ابن مسعود متكئاً فقعد جلس – انظروا إلى كلام أهل العلم – وقال ابن مسعود : لا لا لا تقوم الساعة حتى لا يقسم ميراث أو يفرح بغنية . ثم قال ابن مسعود رضي الله عنه وأشار بيده نحو الشام وقال : عدوا يجمعون لأهل الإسلام ويجمع لهم أهل الإسلام . قلت : الروم تعني ؟ قال : نعم وتكون عن ذاكم ملك ثاني ردة شديدة – اللهم ثبتنا على الإيمان حتى نلقاك – وتكون عند ذاكم القتال ردة شديدة فيشترط المسلمون شرطة للموت لا ترجع إلا غالباً فيقتتلون حتى يحجز بينهم الليل فيفيء هؤلاء وهؤلاء كل غير غالب وتفنى الشرطة . قال : حتى إذا كان اليوم الرابع نهذ إليه بقية أهل الإسلام – أي نهضوا وتقدموا – فيقتتلون مقتلة لم ير مثلها ويجعل الله الدائرة على الروم _ اللهم عجل بها يا أكرم الأكرمين – فيقتتلون مقتلة لم ير مثلها ويجعل الله الدائرة على الروم حتى إن الطائر ليمر بجنابتهم فما يخلفهم حتى يخر ميتا فيتعادوا بنى الأبي كانوا مائة فلا يجدونه قد بقى منهم إلا الرجل الواحد قال : فبأي غنيمة يفرح وأي ميراث يتقاسم ؟ قال : فبينا هم كذلك إذ وقع بهم بأس هو أكبر من ذلك إذ جاءهم الصريخ : إن الدجال قد خلفكم في ذراريكم فيرفضون ما في أيديهم من المال ويبعثون عشرة فوارس طليعة – أي ليتبينوا الخبر – قال رسول الله : " والله إني لأعرف أسماءهم وأسماء لآبائهم وألوان خيولهم هم خير فوارس على ظهر الأرض يومئذ" (2)

 

هكذا أيها المسلمون ينصر الله عز وجل المهدي عليه السلام في كل ملاحمه بتقدير منه سبحانه وتعالى – ويؤيد الله عز وجل به الدين ويظهر الله الدين على الدين كله كما وعد الله رسوله الصادق الذي لا ينطق عن الهوى .

قال جل وعلا : ( يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ) (الصف/8)

هذه بعض الأحاديث الصحيحة كما بينت في شأن المهدي عليه السلام ومع كل ذلك خرجت علينا طائفة من أهل الكلام ومن المفكرين ومن المنتسبين إلى العلم وأنكروا المهدى عليه السلام وقالوا : المهدي خرافة وأسطورة اخترعتها الشيعة ثم أقحمت هذه الأسطورة على كتب أهل السنة وأوردوا بعض الشبهات .

وهذا هو عنصرنا الثالث : الرد على المخالفين :

أيها الأحبة الكرام ويقولون : لم يثبت في شأن المهدي حديث صحيح وأنا لا أدري كيف يجرؤ واحد على أن يدعي مثل هذه الدعوى دون أن يراجع ديوانا واحدا من دواوين أهل السنة فلقد قال الشوكاني رحمه الله : لقد وقفنا على الأحاديث في شأن المهدي التي بلغت خمسين حديثا منها الصحيح والحسن والضعيف المجبر ، فكيف يدعي واحد ممن ينتسبون إلى العلم بأنه لم يثبت في شأن المهدي حديث صحيح واحد عن الحبيب النبي ، مجمل الشبهات أنهم قالوا : حتى لو صحت الأحاديث في شأن المهدي فإنها لآحاد ، وأحاديث الآحاد لا يؤخذ بها في أمر العقيدة ، وهذه بدعة محدثة لا أصل لها ولم يقل بها واحد من علماء السلف البتة بل لم تبرز هذه الفتنة ولم يختلف هذا النزاع بين علماء السلف الصالح على الإطلاق ، فمن المعلوم أن المتواتر هو ما جمع عن جمع يستحيل تواطؤهم على الكذب من أول السند إلى لآخره ، والآحاد ما سوى المتواتر هذا تعريف علماءنا للحديث المتواتر .

قالوا : بأن أحاديث المهدي ليست متواترة ، ومن ثم فلا ينبغي أن نأخذ بها وهذه بدعة مردودة وقول مردود كما بينت لم يقل به واحد من السلف ، لأن لو ثبت للمسلم حديث واحد صحيح عن الصادق الذي لا ينطق عن الهوى وجب عليه أن يؤمن بهذا الحديث ، وأن يأخذ به وأن يعلم أن ما فيه من علم أنه علم يقيني قطعي .

هذا وقد بلغت الأحاديث في المهدي مبلغ المتواتر والمتواتر عند جماهير علماء الأمة يفيد العلم القطعي ، ومن ثم فالعلم به واجب والعمل به فرض لازم ، وإذا وصلك خبر واحد عن الصادق وعلمت صحة الخبر وجب عليك أن تأخذ به وأن تعمل بما فيه .

قال الله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا )(الحجرات/6) فدلت الآية على أن خبر الواحد غير الفاسق لا يثبت منه ولا يتبين وإلا لقال الله عز
وجل : يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم خبر فتبينوا أو نبأ فتبينوا ولم يحدد أن التبيين يجب أن يكون للفاسق دون غيره ولجاءت الآية مطلقة ، لكن الله قيدها (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا )(الحجرات/6) .

فدل على ذلك أن خبر غير الفاسق على خبر المؤمن الثقة لا ينبغي للمسلم أن يتبين منه أو أن يقول له : خبرك خبر آحاد ، ما سمعنا أن واحدا من الصحابة حدثه صحابي عن رسول الله بخبر فقال له : خبرك خبر آحاد لا آخذ به سواء كان الخبر في أمر العقيدة أم في أمر الأحكام لا نعلم ذلك على الإطلاق ، وأنتم تعلمون جميعا أن المسلمين وهم يصلون أخبرهم صحابي واحد أن النبي حول القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة فاستداروا جميعا من بيت المقدس إلى بيت الله الحرام ولم يقل واحد منهم : لا ننتظر حتى نتثبت ، خبرك خبر آحاد ليس خبر متواتر لا نعلم ذلك على الإطلاق ، والذي أخبرهم بحرمة الخمر صحابي واحد وما قال الصحابة نتأكد أو نتثبت خبرك خبر آحاد وهكذا .

 

الشبهة الثانية :

أن أحاديث المهدي لم تأت صحيحة في الصحيحين ومن المعلوم لطالب العلم فضلا عن العالم أن الأحاديث الصحيحة كلها لم تدون في الصحيحين فقط ، بل سترى الآلف من الأحاديث الصحيحة مدونة في غير الصحيحين في المسانيد وفي السنن وفي المعاجم وفي دواوين أهل السنة كما هو معلوم .

الشبهة الثالثة :

قالوا بأن الأحاديث دخلها كثير من الإسرائيليات هذا حق ، لكن الله عز وجل قيض للسنة العلماء الأفاضل من فرسان علم الحديث فبينوا الصحيح من الضعيف والباطل والموضوع وحفظ الله السنة وطهرها من انحراف الغالين وتأويل المبطلين والفاسقين ، لأن حفظ السنة من حفظ الدين ، إذ لا يفهم القرآن إلا إذا حفظت سنة النبي . قال تعالى : ( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ )

الشبهة الرابعة :

احتج بحديث يقول : " لا مهدي إلا عيسى " والحديث رواه ابن ماجة بسند ضعيف ، بل قال الذهبي رحمه الله : حديث منكر ..

وهكذا أيها الأحبة لا ينبغي على الإطلاق أن تؤثر هذه الشبهات في عقيدة المسلمين ، فكل ما ثبت عن رسول الله بشرط أن يكون صحيحا وجب على الأمة أن تأخذ به وأن تؤمن به وأن تعمل بما فيه لقوله تعالى : ( وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ )(الحشر/7) .

ولقوله تعالى : (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى(3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى ) ( النجم/3،4)

ولقوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ) (الحجرات/1) لكن هل يجب علينا أو ينبغي علينا أن نتواكل أو نتكاسل أو نرفض العلم والعمل أو أن نستسلم بدعوى أننا ننتظر المهدي ؟ هذا كلام باطل لا يقول به عاقل فضلا عن عالم ، وهذا ما نتعرف عليه في العنصر الأخير : الحقيقة بين العلم والعمل والأمل ، ذلك بعد جلسة الاستراحة .

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم .

الخطبة الثانية :

الحمد لله رب العالمين ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله ، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين .

وبعد .

فيا أيها الأحبة الكرام نظرا للواقع الأليم الذي تحياه أمتنا ونظرا لأن جيوش أعدائنا تحيط بنا الآن براً وبحراً وجواً ، والأمة مقبلة على أيام صعبة ، أرى أن كثيرا من المسلمين الآن يتعلقون بالمهدي – عليه السلام – تعلق المتواكل المسلوب الإرادة ويتوقع كثير منا أنه ينبغي لنا أن نترك العلم والعمل والجهاد والبذل والعطاء والحركة والسعي بدعوى أن المهدي قد اقترب زمانه وأوانه إذا فلا علم ولا عمل .

سخف من القوم وهراء ، وإلا فإن الذي أخبر بكل هذه الأحاديث كما ذكرت هو رسول الله ، وهو يعلم أن ذلك سيقع علم اليقين كان عليه أن ينتظر وأن يجلس ولا يسفك الدماء في الجهاد في سبيل الله ، وألا يمزق الأشلاء بدعوى أنه ينتظر المهدي الذي سينصر الله عز وجل على يديه الدين في آخر الزمان وغير ذلك ، لكنه ما فعل ذلك أبدا بل جاهد وقاتل وقدم روحه ودمه ونفسه وماله وكل ما يملك لنصرة دينه جل وعلا ، فقد تعبدنا الله سبحانه وتعالى بهذا الدين ، ويجب على الأمة الآن أن تعي أن ما وقع لها وقع وفق سنن ربانية ، ولا تنتصر إلا وفق سنن ربانية ، ولا تتبدل ولا تتغير ، مرفوض أن نعلق كل أخطائنا وكل تقصيرنا وكل هزائمنا بعدونا الخارجي وأن نبرر لأنفسنا هذا التقصير ، وهذا الذي نحن فيه مرفوض بكل المقاييس . قال الله جل وعلا : ( أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُم )(آل عمران/165) .

فيجب على الأمة أن تعلم عن الله وأن تعلم عن رسول الله وأن تعلم عن فقه المرحلة التي تحياها وفقه المرحلة المقبلة ، ولن تتعلم الأمة ذلك من الصحف والجرائد والمجلات ووكالات الأنباء العالمية والمحلية وإنما يجب على الأمة في هذه المرحلة الحرجة أن ترجع إلى كتاب الله وإلى كلام الصادق رسول الله ليعلم الحق الذي لا حق بعده .

لابد أن ترجع إلى العلماء الربانيين المتحققين بالعلم الشرعي الذين يقولون في كل نازلة وفي كل حادثة وفي كل أزمة : قال الرب العلي قال الصادق النبي ، فلابد أن نتعلم الآن عن الله وعن رسول الله ، وأن يفرغ كل مسلم مهما كان وضعه ومنصبه وقتا من وقته ليتعلم فيه عن ربه وعن نبيه ، ثم علم بلا عمل لا خير فيه ولا قيمة له ولا كرامة بل إن القول إن خالف العمل بذرت النفاق في القلب ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ (2) كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ ) (الصف/2،3) .

قال جل وعلا : ( أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ ) (البقرة/44) .

وقال كما في الصحيحين من حديث أسامة – رضي الله عنه – وعن أبيه : " يؤتى بالرجل يوم القيامة فيلقى في النار فتندلق أقتاب بطنه – أي أمعاؤه – فيدور بها كما يدور الحمار في الرحا فيجتمع إليه أهل النار ويقولون : يا فلان ما لك ألم تكن تأمر وتنهى عن المنكر ؟ فيقول : بلى كنت آمر بالمعروف ولا آتيه وأنهى عن المنكر وآتيه" (1)

 

ولله در ابن السماك إذ يقول : كم من مذكر بالله وهو ناس لله ، وكم من مخوف من الله وهو جريء على الله ، وكم من تال لكتاب الله وهو منسلخ عن آيات الله .

نسأل الله أن يرزقنا الصدق في القول والعمل ، فلابد من العمل في كل الميادين لابد من العطاء والبذل في كل الميادين لابد من الإعداد الإيماني الإعداد العلمي والعملي والسياسي والاقتصادي والعسكري والروحي والتربوي والأخلاقي هكذا أمرنا ربنا فقال : ( وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ )(لأنفال/60) . وقال : ( فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ ) (التغابن/16)

فلا ينبغي على الإطلاق أن نبرر أخطاؤنا بالتعليق على عدونا الخارجي
فالأمة لن تهزم أبدا . اسمع ماذا أقول : الأمة لن تهزم أبدا لو اجتمع عليها
كل أعدائها في الخارج ، لن تهزم بمعنى لن يستأصل العدو الخارجي الأمة
من الوجود لن يبيد خضراءها لن يزيل ملكها بالكلية ، ولكن قد تهزم الأمة هنا
أو قد تهزم هنالك ، لكن لو اجتمع أهل الأرض من أهل الكفر ليستأصلوا شأفة
الأمة لن يستطيعوا .

لن أقول ذلك من عند نفسي أيضا إنما هو كلام الصادق الذي لا ينطق عن الهوى روى مسلم في صحيحه من حديث ثوبان – رضي الله عنه – أنه قال : " إن الله تعالى زوى لي الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها ، وإن من أمتي سيبلغ ملكها ما زوى لي منها ، وأعطيت الكنزين الأحمر والأبيض ، وإني سألت ربي عز وجل لأمتي ألا يهلكها بسنة عامة، وألا يسلط عليهم عدوا من سوى أنفسهم فيستبيح بيضتهم – أي ملكهم وعزهم – وأن الله تعالى أوحى إلى وقال : يا محمد إني إذا قضيت قضاء فإنه لا يرد ، وإني أعطيتك لأمتك ألا أسلط عليهم عدوا من سوى أنفسهم يستبيح بيضتهم ولو اجتمع عليهم من بأقطارها"([1])

 

لك الحمد يا ربنا ، ولو اجتمعت جيوش أمريكا وبريطانيا وجيوش الأرض لتستأصل شأفة الأمة فلن يتمكنوا من ذلك بموعدة من الله للصادق رسول الله : " وإني أعطيتك لأمتك ألا أسلط عليهم عدوا من سوى أنفسهم يستبيح بيضتهم ولو اجتمع عليهم من بأقطارها حتى يكون بعضهم يهلك بعضا ، ويسبي بعضهم بعضا رواه مسلم في الفتن وأشراط الساعة (2889) .([2])

 

وفي رواية مالك في الموطأ والترمذي والنسائي في السنن من حديث خباب بن الأرت بسند صحيح قال : صلى بنا رسول الله صلاة فأطالها فقلنا : يا رسول الله صليت صلاة لم تصلها من قبل ؟ قال : "أجل إنها صلاة رغبة ورهبة وإني سألت ربي عز وجل ثلاثة فأعطاني اثنين ومنعني واحدة ، سألت ربي ألا يهلك أمتي بسنة عامة فأعطانيها ، وسألت ربي ألا يسلط على أمتي عدوا من سوى أنفسهم فأعطانيها ، وسألت ربي ألا يذيق بعضهم بأس بعض فمنعنيها" ([3])

 

فقد ذاقت الأمة بأس بعضها بعضا وقد رأيت ما حدث للأمة في القمة العربية وفي القمة الإسلامية فصدق قول سيد البشرية الذي لا ينطق عن الهوي ، فيجب علينا أن نعمل ألا نتكاسل ألا نتواكل ألا نتعلق بهذه الحقائق تعلق المهزوم المسلوب الإرادة ، فالله جل وعلا وعد أن ينصر من نصره ، وعد أن يمكن من آمن به وحقق دينه في الأرض ( وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُه )(الحج/40) من ينصره ( وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ )(النور/55)

فلابد من العمل الصالح في كل ميدان ولابد من تجديد الإيمان ، ثم لا ينبغي أن نتعلق بالأمل تعلق الذين لا يفهمون مراد الله ورسوله ، فأمل المؤمنين يدفعهم إلى العمل ، وأمل البطالين يورثهم الكسل يورثهم النفاق .

قال الحسن البصري : إن قوما ألهتهم أماني المغفرة حتى خرجوا من الدنيا ولا حسنة لهم وقالوا : نحن نحسن الظن بالله ، وكذبوا لو أحسنوا الظن لأحسنوا العمل . أقسم بالله الأمة لا تستحق النصر ، أقسم بالله لا تستحق الأمة الآن النصر . انظر إلى واقع الأمة ، سترى الكذب ، سترى العقوق ، سترى أكل الحرام ، سترى العري ، سترى أكل الربا ، سترى معاقرة الزنا ، سترى الحرب تعلن على الله في الليل والنهار .

كيف ينصر الله أمة خذلت دينه كيف ينصر الله أمة انحرفت عن هدي نبيه . الأمة بوضعها الآن لا تستحق النصر فلابد أن نعمل أن نجدد الإيمان أن نجدد التوبة أن نستعد للآخرة ، وأن نعلم أن آخر الزمان قد أظلنا ، لا أقول ذلك بأنه سيقع غدا أو بعد عام لا ، فلقد أخبرنا الصادق أن بعثته من علامات الساعة : " بعثت أنا والساعة كهاتين " فاستعد بالتوبة إلى الله جل وعلا بالعمل للآخرة ، لأنك في زمان الفتن ولا أحد لك صمام أمان في هذا الزمان أعظم من التوحيد من أن تحقق العبودية لله ومن أن تحافظ على العبادة في بيت الله وأن تحرص على مجالس العلماء الربانيين .

ففي صحيح مسلم من حديث معقل بن يسار أن النبي قال : " العبادة في الهرج – الهرج يعني الفتن – كهجرة إلى"(1) هاجر إلى رسول الله ، هيا هاجر إلى النبي كيف ؟ بالحرص على العبادة في هذه

 

الأيام " العبادة في الهرج كهجرة إلى " أي كهجرة إلى المصطفى ، لا تتخلى عن العلماء الربانيين في هذا الزمان لا تقل من عند نفسك بفهمك أنت بعقلك أنت بهواك ، لا سيما إن كان قولك مرتبط بأمر غيبي ، بل ارجع إلى العلماء لا تتحرك ولا تعمل إلا بالعودة إلى أهل العلم الربانيين ، لا تخطو على الطريق خطوة ولا تتكلم في الفتنة قولة إلا بحق إلا بدليل من كلام الله ومن كلام الصادق رسول الله .

ونحن على أمل بأن الجولة القادمة وعن قريب ، والله مع هذه الأزمة الطاحنة على أمل في وعد الله في وعد رسول الله أن أشد ساعات الليل سوادا هي الساعة التي يليها ضوء الفجر وفجر الإسلام قادم وفجر التوحيد قادم ، لأن عرف التاريخ أوسا وخزرج فلله أوس قادمون وخزرج وإن كنوز الغيب تخفي طلائع حرة رغم المكائد تخرج .

وأختم لقائي بهذه الآية عن عمد واختيار قال العزيز الغفار : ( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ ) (لأنفال/36) نعم لتتم هنالك الحسرة الكبرى .

هذا وما كان من توفيق فمن الله وحده ، وما كان من خطأ أو سهو أو نسيان فمني ومن الشيطان ، وأعوذ بالله أن أكون جسرا تعبرون عليه إلى الجنة ويرمى به إلى جهنم ، وأعوذ أن أذكركم به وأنساه ، وأقم الصلاة .

أأأأ

 

(1) رواه أبو داود في المهدي (4284) وابن ماجة في الفتن (4086) .

(2) سبق تخريجه .

(3) رواه أبو داود في المهدي (4282).

(4) رواه الطبراني في الكبير (19/32،33) رقم (68) وابن حبان (6832 إحسان) وفي (1880 موارد) والحاكم (4/557) وصححه ووافقه الذهبي ، وقال الهيثمي في المجمع (7/314) : رواه البزار من طريق داود بن المحبر بن قحذم عن أبيه وكلاهما ضعيف .

(1) رواه أحمد (2/219) والحاكم (4/546) وصححه ووافقه الذهبي .

(2) رواه البخاري في أحاديث الأنبياء (3449) ومسلم في الإيمان (155/244).

(1) رواه مسلم في الإيمان (156/247) .

(1) رواه البخاري في البيوع (2118) ومسلم في الفتن وأشراط الساعة (2884/8) واللفظ له .

(2) رواه مسلم في الفتن وأشراط الساعة (2883/7).

(3) رواه مسلم في الفتن وأشراط الساعة (2883/6).

 

(1) رواه مسلم في الفتن وأشراط الساعة (2900/38).

(2) رواه مسلم في الفتن وأشراط الساعة (2937).

 

(1) رواه مسلم في الفتن وأشراط الساعة (2897) .

(1) رواه مسلم في الفتن وأشراط الساعة (2879) وهو نفس الحديث السابق .

(2) رواه مسلم في الفتن وأشراط الساعة (2899/370).

(1) رواه البخاري في بدء الخلق (3267) ومسلم في الزهد والرقائق (2989)

(1) رواه مسلم في الفتن وأشراط الساعة (2889) . هو نفس الحديث السابق .

(2) هو نفس الحديث السابق .

(2) رواه أحمد (3/146،156,5/240) والترمذي في الفتن (2176) وقال : حسن صحيح وابن ماجة في الفتن (3951) وفي الزوائد : اسناده صحيح ورجاله ثقات .

(1) رواه مسلم في الفتن وأشراط الساعة (2948) .