سيدة تبلغ من العمر اربعين عاماً او تزيد قليلاً، جاءت الى العيادة النفسية على استحياء تشكو قهر زوجها لها وقسوة معاملته لها، ولذلك فهي تطلب الطلاق، وعندما اطمأنت قليلاً بدأت تسرد قصتها: »عمري قارب الاربعين عاماً، وانا اعمل في وظيفة محترمة، وانتمي الى اسرة عريقة، تزوجته بطريقة تقليدية بحتة، فهو لم يكن فارس أحلامي على الاطلاق ولكن وجدت نفسي منساقة اليه، فهو زوج أناني متبلد غير اجتماعي وغير طموح. كل ما يمارسه داخل المنزل هو مشاهدة التلفاز، وتفريغ الثلاجة من محتوياتها. بالاضافة الى ذلك، انه لا يرى ما لدي من مميزات، ولم يسمعني كلمة اطراء واحدة بل على العكس يحاول دائماً التقليل من شأني أمام الناس. وكل هذا يهون أمام الشائعات التي بدت تترامى الى مسمعي بأن عينيه امتدت الى خارج المنزل وربما مشاعره ايضاً«. اذن هل ذهبت التضحيات من أجل الزوج والأولاد هدراً واين أحلامها عن الاسرة الناجحة المترابطة؟ لذلك فهي تقول انها عندما تتذكر سنوات عمرها الماضية تراها كأنها كابوس ثقيل، فهي غير راضية عما تحقق فيها وتشعر انها فشلت فشلاً ذريعاً في تحقيق أحلامها على كل المستويات. وانها كانت تجري وراء سراب، لذلك فقد فكرت ان تبدأ صفحة جديدة من حياتها. وبالفعل بدأت الاشتراك في عدد من الانشطة الاجتماعية الفعالة، وكانت تشعر انها حين تترك البيت تشعر كما لو كانت قد ولدت من جديد. وبدأ يكون لها مجتمع خاص بها من الاصحاب تحس معه بشبابها. ولكن ما أخافها انها بدأت الاهتمام الزائد بنفسها كما لو كانت مراهقة، ولكنها تفزع حين تشعر ان الامر قد خرج عن سيطرتها، فلقد اصبحت ضعيفة امام اي كلمة اطراء من رجل ولو على سبيل المجاملة. ولولا بقية من دين وحياء لسقطت في كثير من الامتحانات التي تمر بها يومياً. وها هي دورة الحياة تعود من جديد وتفكر باللحاق بالفرصة الاخيرة، وتبدأ حياة جديدة مع شخص يستحقها ويقدر مميزاتها، ولكنها تعود الى نفسها مرة اخرى وتتذكر أطفالها وما ينتظرهم من معاناة حين تتهدم الاسرة بسببها. هذه هي بعض معالم أزمة منتصف العمر التي تمر بها معظم النساء، فبعض النساء يتقبلن الامر بسهولة، وتمر هذه المرحلة بلا مشاكل، حيث تدرك المرأة انها ربما خسرت بعض الاشياء كأنثى، ولكنها كسبت مساحات كبيرة كأم حنونة وموظفة ناجحة. والبعض الآخر من النساء يشعرن بالآم الازمة، ولكنهن يتحملن ويقاومن في صمت ويحاولن اخفاء الازمة عمن حولهن، ولذلك تظهر عليهن بعض الامراض النفس جسدية كتقلصات البطن وآلام المفاصل وصعوبات التنفس، وفريق رابع يفضل الانطواء والعزلة بعيداً عن تيار الحياة. وفريق آخر يزهد في الحياة وينصرف الى العبادة ويتسامى عن رغبات البشر ويشعر بالصفاء والطمأنينة والأنس مع الله. أما الفريق الأهم من هؤلاء فهم الذين يعانين أزمة منتصف العمر، فإنهن يتحولن الى المرض النفسي كالقلق والاكتئاب وتوهم المرض او الرهاب او اي مرض نفسي آخر. إذن ما الحل؟ وما العلاج؟ هو ان نستعد لمواجهة هذه الأزمة قبل حدوثها، وذلك بتحقيق انجازات حقيقية راسخة ومتراكمة في مراحل الشباب، وألا نضيع سنوات الانتاج هباء، وان يكون في حياتنا توازن بين عطائنا لأنفسنا وعطائنا للآخرين، حتى لا نكتشف في لحظة انا اضعنا عمرنا من اجل انسان لم يقدر هذا العطاء بل تنكر له وجحده، وان تكون لدينا اهداف نحاول تحقيقها، واهداف بديلة نتوجه اليها. فالبدائل تقي الانسان من الوقوف في الطرق المسدودة، فالواقع يقول ان الحياة مليئة بالخيارات، فإذا فقدت المرأة بعض شبابها فقد اكتسبت الكثير من النضج والخبرة والوعي ما يمكنها من قيادة اسرتها والحفاظ عليها، واذا فقدت هويتها كفتاة جذابة وجميلة فقد اكتسبت هوية الأمومة ومكانتها وكرامتها، كما نحرص ان تكون علاقتنا قوية بالله تحمينا من تقلبات الايام وجحود البشر