الحمد لله الواجب على المسلم أن يتحرى جيدا في الجهات التي يستثمر فيها أمواله ، وألا يبذل أمواله إلا بعد الاستيثاق والتأكد من تلك الجهات ، وأنها جهات موثوقة ، فإن لم يتبين له الأمر فبقاء أمواله في حوزته خير من تعريضها للضياع . وراجع جواب السؤال رقم (34808) . حيث كثر في الآونة الأخيرة أناس يجيدون التحيل على الناس بأخذ أموالهم بدعوى استثمارها ، إلا أن الواقع والنهاية تكون مؤلمة ، فكم من بيوت هدمت بسبب ضياع هذه الأموال ودفعها لمن لا أمانة لهم ولا دين ، ولا هَمَّ لهم إلا جمع المال ولو بالحرام وأكله بالباطل . أما السؤال عن الصورة المذكورة فإن الأصل مشروعية المضاربة الجارية على قواعد الشرع ، البعيدة عن التعامل في المحرمات ، والتي تقوم على الشركة بين من يمول بالمال ومن يقوم بعمل معين ، ويكون الربح بينهما حسب ما يتفقان عليه ، وفي حال الخسارة تكون الخسارة على صاحب المال ما لم يتعد العامل أو يفرط ، كما يخسر العامل عمله ولا يضمن شيئا من رأس المال إلا بالتعدي أو التفريط . فلِلشركة في الإسلام صور كثيرة ، وما ذكرته أخي السائل يعتبر من صور الشركة الجائزة في الإسلام ، بشرط كون العمل المُضارَب عليه مباحا (العمل المذكور في السؤال غير واضح) . فالمضاربة جائزة بإجماع المسلمين وقد نقل الإجماع على ذلك ابن المنذر وغير واحدٍ من أهل العلم . قال ابن رشد رحمه الله : "ولا خلاف بين المسلمين في جواز القراض [المضاربة] ، وأنه مما كان في الجاهلية فأقره الإسلام" انتهى . "بداية المجتهد" (1 / 1003) . وقال ابن قدامة رحمه الله : "وأجمع المسلمون على جواز الشركة في الجملة" . "المغني" (5/3) . كما أن الواجب في المضاربة أن يتم تحديد الربح بالنسبة ، كالنصف أو الثلث أو الربع .... ولا يمكننا الحكم على عملك هل هو محرم أم لا ؟ أو هو ربا أم لا ؟ ونحن لا نعلم حقيقة العمل الذي اتفقتما عليه ، وهل كنت تعلم هذا العمل أم أن صاحبك خدعك . وعلى كل حال ، فإن كان صاحبك أخذ المال للمضاربة فعلاً ، فإنك تحسب نصيبك من الأرباح ، ثم تخصم منه ما أخذته (900) دولار ، ثم تطالب بباقي حقك في رأس المال والأرباح . أما إن كان صاحبك لم يضارب وإنما خدعك بهذا الكلام فإنك تحسب ما أخذته كل شهر (900دولار) وتضيف إليها ما أخذته من أخيه (2000) دولار ثم تطالب بالباقي (7100 دولار). أما زكاة المبلغ المتبقي عنده ، فهو في حكم الدين عند المعسر أو المال المفقود ولا تجب فيه الزكاة عن المدة التي كان فيها عند المدين ، ثم إذا استلمته حسبت له حولاً من يوم استلامه ، والأحوط أن تزكيه يوم قبضه عن سنة واحدة ، ولو مضى عليه عند المدين عدة سنوات . وانظر جواب السؤال رقم (1117) و (1346) . وأما الإثم الذي تعرض له صاحبك ، فلا شك في تحريم الخداع والغش ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : (وَمَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا) رواه مسلم (294) . وإذا أخذ الإنسان المال من الناس وهو عازم على عدم رده ، فهو متوعد بوعيد شديد ، قَالَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (مَنْ أَخَذَ أَمْوَالَ النَّاسِ يُرِيدُ أَدَاءَهَا أَدَّى اللَّهُ عَنْهُ ، وَمَنْ أَخَذَ يُرِيدُ إِتْلَافَهَا أَتْلَفَهُ اللَّهُ) رواه البخاري (2387) . قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى : "( أَتْلَفَهُ اللَّه ) ظَاهِره أَنَّ الْإِتْلَافَ يَقَعُ لَهُ فِي الدُّنْيَا وَذَلِكَ فِي مَعَاشِهِ أَوْ فِي نَفْسِهِ . وَهُوَ عَلَمٌ مِنْ أَعْلَام النُّبُوَّة لِمَا نَرَاهُ بِالْمُشَاهَدَةِ مِمَّنْ يَتَعَاطَى شَيْئًا مِنْ الْأَمْرَيْنِ . وَقِيلَ : الْمُرَاد بِالْإِتْلَافِ عَذَاب الْآخِرَة " انتهى . والله أعلم