الحمد لله الأصل الذي جاءت به الشريعة هو المنع من النظر إلى النساء عموما ، والحث على غض البصر وحفظ القلب عن التطلع إلى صور النساء وعوراتهن ، ومراعاة العفاف والحياء في علاقة كل من الجنسين بالآخر . ومع ذلك فقد راعت الشريعة اختلاف الظروف والأحوال ، وقيام الحاجات التي تقتضي التوسع في هذا الباب ، إلا أنه ينبغي التفريق بين المرأة المحجبة ، وغير المحجبة ، في أحكام النظر : فالمرأة غير المحجبة قد كشفت جزءًا من عورتها المُحرَّمَة كالشعر والنحر والساعد ، وهذه عورات باتفاق العلماء ، وقد حرم الله تعالى في كتابه النظر إلى عورات النساء ومواضع الزينة منهن ، فقال عز وجل : ( قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ . وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آَبَائِهِنَّ أَوْ آَبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ) النور/30-31 ففي هذه الآية الكريمة نص على وجوب غض البصر عن عورات النساء ومفاتنهن ، فلا ينبغي للمسلم أن يتجاوز الحد الذي حده الله سبحانه ، كما يفعل بعض الناس – هداهم الله – حين يجالسون النساء المتبرجات ، أو يحادثونهن ، أو يجرون معهن المقابلات وقد اتخذن كامل زينتهن ، وقد يزيدون إلى ذلك ضحكا ومزاحا ، ولا يرون فيما يصنعون بأسا، فليعلم هؤلاء جميعا أن الله عز وجل لا يرضى أن تنتهك حرمته مجاهرة ، ولا أن تتخذ الأحكام الشرعية هزؤا وامتهانا ، فكيف إذا أصبح التبرج ظاهرة لا يستنكرها كثير من الناس ؟! تلك هي الانتكاسة الحقيقية في الدين والخلق والإيمان ، نسأل الله تعالى لنا ولكم السلامة والعافية . يقول ابن القطان الفاسي رحمه الله : " إن كانت هذه الأجنبية – أي غير المحرم – كبيرة ، وهي مسلمة ، فلا خفاء بتحريم النظر من الأجنبي إلى ما عدا وجهها وكفيها وقدميها : كالصدر والبطن والعنق والشعر وما فوق السرة والظهر ، هذه مواضع لا يجوز له النظر إلى شيء منها أصلا ، وهذا مما لا خلاف فيه " انتهى. "أحكام النظر" (ص/143) أما المرأة المحجبة التي كشفت وجهها فقط ، فهذه – رغم أنها خالفت الحكم الشرعي الراجح المقتضي لوجوب تغطية وجه المرأة – إلا أن قيام الحاجة إلى تعامل الرجال معها : من بيع ، وشراء ، ومساعدة ، وتعليم ، وعلاج ، وشهادة ، وخطبة ، ونحو ذلك ، يقتضي جواز النظر بقدر الحاجة إلى وجهها ، بشرط ألا تصحبه شهوة ، ولا تُخشى منه الفتنة ، فإن الحاجة تنزل منزلة الضرورة ، والضرورات تبيح المحظورات . انظر "الأشباه والنظائر" للسيوطي (ص/88) يقول الإمام النووي رحمه الله : " إذا كانت حاجة شرعية فيجوز النظر ، كما في حالة البيع ، والشراء ، والتطبب ، والشهادة ونحو ذلك ، ولكن يحرم النظر في هذه الحال بشهوة ، فإن الحاجة تبيح النظر للحاجة إليه ، وأما الشهوة فلا حاجة إليها " انتهى. "شرح مسلم" (4/31) ويقول الإمام الرملي الشافعي رحمه الله : " ( ويباح النظر ) للوجه فقط ( لمعاملة ) : كبيع ، وشراء ، ليرجع بالعهدة ويطالب بالثمن مثلا ، ( أو شهادة ) تحملا وأداء لها وعليها " انتهى. "نهاية المحتاج" (6/198) وقد سبق تفصيل الحالات التي تجيز النظر إلى الأجنبية ، في جواب السؤال رقم : (2198) أما المرأة غير المحجبة فالواجب دائما التباعد عن النظر إليها إلا للضرورة ، ولا يتوسع فيها كما هو في شأن المرأة المحجبة ، فالمتبرجة قد كشفت أجزاءً من عورتها لم يرد في الشريعة جواز كشفها بحال من الأحوال باتفاق العلماء ، أما المحجبة فقد كشفت ما توسعت الشريعة في كشفه – وهو الوجه – في أحوال مخصوصة باتفاق العلماء ، ثم إن الخلاف في كشفه معتبر بين أهل العلم ، وإن كانت ممن يتدين بجواز ذلك ، فلا إثم عليها في كشفه ، إن شاء الله . وفرقٌ ظاهرٌ بين الحالتين . والله أعلم .