الجهاد معناه في اللغة والشرع: الجهاد في اللغة: يعني المشقة، يقال: جاهدت جهادًا: أي بلغت المشقة. الجهاد في الشرع: بذل الجهد في قتال الكفار، ويطلق أيضًا علي مجاهدة النفس والشيطان والفساق. أنواع الجهاد: جهاد النفس: ويكون بتعلم أمور الدين، ثم علي العمل بها، ثم تعليمها. جهاد الشيطان: ويكون بدفع ما يأتي به من الشبهات، وما يزينه من الشهوات. جهاد الفساق: ويكون باليد ثم باللسان ثم بالقلب. جهاد الكفار: ويكون باليد والمال واللسان والقلب. حكم الجهاد: وقد اختلف الفقهاء في حكم الجهاد، أكان أولا فرض عين أم فرض كفاية؟ فقال البعض: كان فرض عين علي المهاجرين لوجوب الهجرة قبل الفتح في حق كل من أسلم إلي المدينة لنصرة الإسلام. وقال البعض الآخر: كان فرض عين علي الأنصار لمبايعتهم النبي ( ليلة العقبة علي أن يؤوا الرسول ( وينصروه ويجمع من ذلك أنه كان فرض عين علي الطائفتين، وهو كفاية في حق غيرهما، وليس ذلك علي التعميم، بل كان فرض عين في حق الأنصار إذا طرق المدينة طارق، وفي حق المهاجرين إذا أريد قتال أحد من الكفار ابتداء. وقيل: كان فرض عين في الغزوة التي يخرج فيها النبي صلي الله عله وسلم دون غيره. والتحقيق أنه كان فرض عين علي من عينه النبي صلي الله عله وسلم في حقه وإن لم يخرج الرسول (. وأما بعد الرسول صلي الله عله وسلم فهو فرض كفاية علي المشهور إلا أن تدعو الحاجة،كأن يدهم العدو ، ويتعين علي من عينه الإمام، وجهاد الكفار يتعين علي كل مسلم إما بيده، وإما بلسانه، وإما بماله، وإما بقلبه، وكذلك إذا التقي الزحفان، وتقابل الصفان، حرم علي من حضر الانصراف وتعين عليه الجهاد. تشريع الجهاد : كان أول ما نزل بشأن الجهاد قول الله تعالي:{أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وأن الله علي نصرهم لقدير. الذي أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرًا ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز}[الحج: 39-40]. وقد شرع الجهاد بعد هجرة الرسول صلي الله عله وسلم إلي المدينة، في السنة الثانية من الهجرة، وأوجب الله -عز وجل- الجهاد على المسلمين بقوله: {كتب عليكم القتال وهو كره لكم وعسي أن تكرهوا شيئًا وهو خير لكم وعسي أن تحبوا شيئًا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون} [البقرة: 216]. فضل الجهاد: حث الإسلام علي الجهاد، ودعا إليه ورغب فيه، قال تعالي: {انفروا خفافًا وثقالاً وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله} [التوبة: 41]. ومدح أولئك الذين يجاهدون في سبيله، قال: {إن الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله والذين آووا ونصروا أولئك بعضهم أولياء بعض}[الأنفال: 72]. الأجر العظيم: ووعد الله -سبحانه- المجاهدين الفضل والثواب، قال تعالي: {فليقاتل في سبيل الله الذين يشرون الحياة الدنيا بالآخرة ومن يقاتل في سبيل الله فيقتل أو يغلب فسوف نؤتيه أجرًا عظيمًا} [النساء: 74]. المغفرة: ووعدهم بمغفرة الذنوب ، قال تعالي: {فالذين هاجروا وأخرجوا من ديارهم وأوذوا في سبيلي وقاتلوا وقتلوا لأكفرن عنهم سيئاتهم} [أل عمران: 195]. الجنة : وعد الله المجاهدين الجنة، فقال تعالي: {إن الله اشتري من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون} [التوبة: 111]. وعن أبي هريرة أن النبي صلي الله عله وسلم قال :(من قاتل في سبيل الله فواق ناقة؛ وجبت له الجنة) [أحمد والترمذي وحسنه]. وعن أبي موسي الأشعري قال: قال رسول الله (: (إن أبواب الجنة تحت ظلال السيوف) [أحمد والترمذي وحسنه]. الجهاد أفضل من صلاة النافلة: فعن أبي هريرة قال: مر رجل من أصحاب رسول الله صلي الله عله وسلم بشعب فيه عين من ماء عذبة، فأعجبته لطيبها، فقال: لو اعتزلت الناس، فأقمت في هذا الشعب، ولن أفعل حتى أستأذن رسول الله صلي الله عله وسلم، فذكر ذلك لرسول الله صلي الله عله وسلم فقال: (لا تفعل، فإن مقام أحدكم في سبيل الله أفضل من صلاته في بيته سبعين عامًا، ألا تحبون أن يغفر الله لكم، ويدخلكم الجنة؟ اغزوا في سبيل الله) [الترمذي]. الجهاد علي الفتنة في الدين: قال تعالي : {وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله} [الأنفال: 39]. الجهاد رفعة للمسلمين ومذلة للكافرين: قال تعالي: {قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم ويخزهم وينصركم عليهم ويشف صدور قوم مؤمنين} [التوبة: 14]. الجهاد يجلب رحمة الله : قال تعالي: {إن الذين آمنوا والذين هاجروا وجاهدوا في سبيل الله أولئك يرجون رحمت الله والله غفور رحيم} [البقرة: 218]. الجهاد دليل محبة الله : قال تعالي: {قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره} والله لا يهدي القوم الفاسقين} [التوبة: 24]. الجهاد ينفي النفاق: قال تعالي: {فرح المخلفون بمقعدهم خلاف رسول الله وكرهوا أن يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله وقالوا لا تنفروا في الحر قل نار جهنم أشد حرًا لو كانوا يفقهون} [التوبة: 81]. الجهاد يبعد النار عن المؤمن: فعن أبي عبس الحارثي قال: سمعت رسول الله ( يقول: (من اغبرت قدماه في سبيل الله حرمه الله علي النار) [أحمد والبخاري والترمذي]. دم الشهيد ريح المسك: فقد أوضح النبي ( أن الذي يستشهد تكون رائحة دمه كالمسك، فعن معاذ بن جبل أن النبي ( قال: ( من قاتل في سبيل الله من رجل مسلم فواق ناقة وجبت له الجنة، ومن جرح جرحًا في سبيل الله أو نكب نكبة فإنها تجيء يوم القيامة أغرز ما كانت، لونها الزعفران، وريحها المسك.[أبو داود والنسائي والترمذي] الرباط في سبيل الله أفضل من الصيام والقيام: فعن سلمان الفارسي قال: سمعت رسول الله( يقول: (رباط يوم وليلة خير من صيام شهر وقيامه، وإن مات؛ جري عليه عمله الذي كان يعمله، وأجري عليه رزقه، وأمن الفتان) [أحمد ومسلم والنسائي]. الجهاد حفظ للنفس من التهلكة: فعن أبي أيوب قال: (إنما أنزلت هذه الآية فينا معاشر الأنصار لما نصر الله نبّيه (، وأظهر الإسلام، قلنا: هل نقيم في أموالنا ونصلحها؟ فأنزل الله تعالي: {وأنفقوا في سبيل الله ولا تقلوا بأيديكم إلي التهلكة} [البقرة: 195]. فالإلقاء بأيدينا إلي التهلكة أن نقيم في أموالنا ونصلحها وندع الجهاد.[أبو داود]. إخلاص النية في الجهاد: وإن كان الإسلام حث علي الجهاد، وأوضح منزلته، وبين فضله، فإنه يشترط لذلك إخلاص النية لله، فعن أبي موسي قال: سئل رسول الله ( عن الرجل يقاتل شجاعة، ويقاتل حمية، ويقاتل رياء، فأي ذلك في سبيل الله؟ فقال:( من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله)[الجماعة]. وعن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله ( يقول : (إن أول الناس يقضي -يوم القيامة- عليه رجل استشهد، فأتي به، فعرّفه نعمه، فعرفها، قال: فما عملت فيها؟ قال: قاتلت فيك حتى استشهدت. قال: كذبت، ولكن قاتلت لكي يقال جريء، فقد قيل ثم أمر به فسحب علي وجهه حتى يلقي في النار) [أحمد ومسلم]. شروط الجهاد: يجب الجهاد علي المسلم، البالغ، العاقل، كما يجب علي الحر، لأن النبي( كان يبايع الحر علي الإسلام والجهاد ، ويبايع العبد علي الإسلام فحسب ، فلا يجب الجهاد علي العبد، كما يجب علي الذكر دون الأنثي، فعن عائشة -رضي الله عنها- قالت:يا رسول الله، نري الجهاد أفضل الأعمال، أفلا نجاهد؟ فقال (:"لَكُنَّ أفضل الجهاد حج مبرور"[البخاري]. كما يشترط في الجهاد السلامة من الضرر كالعمي والعرج والمرض، لقوله تعالي: {ليس علي الأعمي حرج ولا علي الأعرج حرج ولا علي المريض حرج} [الفتح: 17]. كما يشترط له وجوب النفقة؛ لقوله تعالي: {ليس علي الضعفاء ولا علي المرضي ولا علي الذين لا يجدون ما ينفقون حرج إذا نصحوا لله ورسوله} [التوبة: 91]. فيفترض الجهاد علي القادر عليه، فلا يجب علي الأعمي، والأعرج،والمريض مرضًا مزمنًا أو غير مزمن، والمقعد الذي أقعده المرض عن الحركة، والزَّمِن الذي طال مرضه، والشيخ الهرم، والضعيف والأقطع الذي قطعت يده، والذي لا يجد ما ينفقه، والصبي لأنه غير مكلف، والمرأة لانشغالها بخدمة زوجها، والعبد لانشغاله بخدمة سيده، وقد عُرِض ابن عمر علي رسول الله( للجهاد، وهو ابن أربع عشرة سنة، فرده رسول الله ( لصغره [متفق عليه]. وأوضح لعائشة أن جهاد المرأة الحج [البخاري]. ولا تقاتل الزوجة إلا بإذن زوجها إلا أن يهجم العدو علي بلاد المسلمين، فيصبح الجهاد فرض عين علي المرأة وكذلك العبد. إذن الوالدين: الجهاد الواجب ليس فيه إذن، حتى يجوز للمرأة أن تخرج بغير إذن زوجها والعبد أن يخرج بغير إذن سيده، أما جهاد التطوع، فيعتبر فيه إذن الوالدين، وعليه تحمل كل الأحاديث الواردة في إذن الوالدين، لأنه إن تعين الجهاد، فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق. عن ابن مسعود قال: سألت رسول الله ( أي العمل أحب إلي الله؟ قال:(الصلاة علي وقتها). قلت: ثم أي؟ قال: (بر الوالدين). قال: ثم أي؟ قال: (الجهاد في سبيل الله).[متفق عليه]. إذن الدائن: يجب علي المتطوع في الجهاد أن يستأذن المدين الدائن، فلا يجاهد إلا بإذنه، فعن أبي قتادة عن رسول الله ( أنه قام فيه، فذكر لهم أن الجهاد في سبيل الله والإيمان بالله أفضل الأعمال، فقام رجل فقال: يارسول الله أرأيت إن قتلت في سبيل الله، تكفر خطاياي؟ فقال له (:"نعم إن قتلت في سبيل الله وأنت صابر محتسب مقبل غير مدبر". ثم قال رسول الله (:"كيف قلت؟" قال: أرأيت إن قتلت في سبيل الله تكفر عني خطاياي؟ فقال رسول الله( :"نعم، وأنت صابر محتسب، مقبل غير مدبر إلا الدَّين، فإن جبريل عليه السلام قال لي ذلك" [أحمد ومسلم]. الجهاد في البحر أفضل: الجهاد في البحر أفضل من الجهاد في البر، لأن البحر أعظم خطرًا ومشقة، والإنسان يكون بين خطر العدو، وخطر الغرق، ولا يتمكن من الفرار إلا مع أصحابه، قال أنس بن مالك: نام رسول الله (، ثم استيقظ وهو يضحك، فقالت أم حرام: ما يضحكك يا رسول الله؟ قال:(ناس من أمتي عرضوا علي غزاة في سبيل الله، يركبون البحر، ثبج (وسط) هذا البحر، ملوكًا علي الأسرّة، أو مثل الملوك علي الأسرة)[متفق عليه]. الجهاد مع البر والفاجر: الجهاد يكون مع كل بر وفاجر، لأن الرجل وإن كان فاجرًا وله خبرة بالحرب، فهذا أنفع للمسلمين، وقد قال النبي(:(إن الله ليؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر)[متفق عليه]. وقد سئل الإمام أحمد عن الرجل يقول: أنا لا أغزو، حتى أوفر الفيء من الحرب لغيري. فقال: سبحان الله، هؤلاء قوم سوء، هؤلاء القعدة المثبطون، جهال، فيقال: أرأيتم لو أن الناس كلهم قعدوا كما قعدتم، من كان يغزو؟ أليس كان قد ذهب الإسلام؟ ما كانت تصنع الروم؟ أصناف لا يخرجون ولا يخرج معهم: يمنع الأمير المخذِّل (الذي يثبط الناس عن الغزو، ويزهدهم في الخروج إلي القتال والجهاد، مثل أن يقول: الحر أو البرد شديد، وصنع المُرجِفِ (الجبان)، وهو الذي يقول: هلكت سرية المسلمين، ولا طاقة لهم بالكفار ونحو ذلك، ومن يعين علي المسلمين، لقوله تعالي: {ولكن كره الله انبعاثهم فثبطهم وقيل اقعدوا مع القاعدين. لو خرجوا فيكم ما زادوكم إلا خبالاً ولأوضعوا خلالكم يبغونكم الفتنة}[التوبة: 46- 47]. وإن خرج واحد من هؤلاء وعرف بذلك، لا يسهم مع المسلمين، كما أنه إذا كان الأمير واحدًا من هؤلاء، فلا يخرَج معه، لأنه لا يؤمن علي من معه من الجنود. الرباط في سبيل الله: الرباط هو الإقامة في كل مكان يخيف أهل العدو ويخيفهم، وسمي رباطًا، لأن هؤلاء يربطون خيولهم، وهؤلاء يربطون خيولهم، كل يستعد لصاحبه. وللرباط فضل عظيم، فعن فضالة بن عبيد، أن رسول الله ( قال:(كل يختم علي عمله إلا المرابط في سبيل الله، فإنه ينمو عمله إلي يوم القيامة، ويؤمن من فتان القبر) [أبو داود والترمذي]. وقد ورد عن عثمان ابن عفان أنه خطب علي المنبر فقال: (إني كنت كتمتكم حديثًا سمعته من رسول الله ( كراهية تفرقكم عني، ثم بدا لي أن أحدثكموه، ليختار امرؤ منكم لنفسه، سمعت رسول الله يقول:(رباط يوم في سبيل الله، خير من ألف يوم فيما سواه من المنازل)[الترمذي]. وتمام الرباط أربعون يومًا، فعن رسول الله ( قال: (تمام الرباط أربعون يومًا)[الطبراني]. وعن ابن عمر أنه قدم مع عمر بن الخطاب من الرباط، فقال له: كم رابطت؟ قال: ثلاثين يومًا. فقال: عزمت عليك إلا رجعت حتى تتمها أربعين يومًا. [عبد الرازق]. صفات القائد : وصف بعض الحكماء القائد في الجيش،فقال: (ينبغي أن يكون في قائد الجيش عشر خصال من أخلاق الحيوان: جرأة الأسد، وحملة الخنزير، وروغان الثعلب، وصبر الكلب علي الجراح، وغارة الذئب، وحراسة الكركي، وسخاء الديك أو شفقة الديك علي الفراريج، وحذر الغراب، وسمة (تغزو) وهي دابة تكون بخراسان تسمن علي السفر والكد). واجبات القائد: يجب علي القائد أن يشير الجيش، وأن ينصحهم، وأن يترفق بهم، قال تعالي: {وشاورهم في الأمر} [آل عمران: 159]. وعن أنس أن النبي ( شاور حين بلغه إقبال أبي سفيان، فتكلم أبو بكر، فأعرض عنه، ثم تكلم عمر، فأعرض عنه، فقام سعد بن عبادة الأنصاري، فقال: إيانا تريد يا رسول الله، والله الذي نفسي بيده، لو أمرتنا أن نخيضها البحر لأخضناها، ولو أمرتنا أن نضرب أكبادها إلي برك الغماد لفعلنا. قال: فندب رسول الله ( الناس، فانطلقوا.[أحمد ومسلم]. وقد شهد أبو هريرة-رضي الله عنه- بذلك حين قال: (ما رأيت أحدًا قط كان أكثر مشورة لأصحابه من رسول الله (. [أحمد والشافعي] . ويجب علي القائد النصح للجنود، فعن رسول الله (قال: (ما من أمير يلي أمر المسلمين، ثم لا يجتهد لهم، ولا ينصح لهم إلا لم يدخل الجنة)[مسلم]. كما يجب عليه الرحمة والشفقة بهم، وألا يوردهم ما فيه مهلكتهم . فعن عائشة قالت: سمعت رسول الله ( يقول:( اللهم من ولي من أمر المسلمين أمتي شيئا فشقّ عليهم فاشقق عليه، ومن ولي أمر أمتي شيئًا فرفق بهم. فارفق به)[أحمد ومسلم]. كما يجب عليه الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر حتى لا يقعوا في المعاصي، لأن المسلمين إنما ينصرون بطاعة الله، ويهزم أعداؤهم بمعصية الله، ويجب عليه ترتيب السرايا الجيوش واتحاذ الرايات، فعن الحارث بن حسان البكري قال: قدمنا المدينة، فإذا رسول الله ( علي المنبر، وبلال قائم بين يديه فتقلد بالسيف، وإذا رايات سود، فسألت: ما هذه الرايات؟ فقالوا: عمرو بن العاص قدم من غزاة. [أحمد ابن ماجه]. وفي رواية: (قدمت المدينة، فدخلت المسجد، فإذا هو غاص بالناس (ممتلئ بالناس) وإذا رايات سود، وإذا بلال متقلد بالسيف بين يدي رسول الله ( قلت: ما شأن الناس؟ قالوا: يريد أن يبعث عمرو بن العاص وجهًا (إلي جهة معينة). [الترمذي]. وعلي القائد تخير الأماكن المناسبة للقتال، كما نزل الصحابة -رضوان الله عليهم- مع رسول الله ( عند بئر بدر في غزوة بدر، ليسيطروا علي الماء. وعليه أن يبث العيون ليعرف أحوال العدو، فعن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله (: (الحرب خدعة) [متفق عليه]. واجبات الجنود: يجب علي الجنود طاعة القائد في غير معصية الله، فعن أبي هريرة-رضي الله عنه- أن النبي(قال:(من أطاعني فقد أطاع الله، ومن عصاني فقد عصي الله، ومن يطع الأمير فقد أطاعني، ومن يعص الأمير فقد عصاني) [متفق عليه]. ولا يجوز للجنود أن يطيعوا القائد في معصية الله، فلما بعث رسول الله ( رجلا من الأنصار أميرًا على بعض الجنود، فأمرهم أن يوقدوا نارًا، فأوقودها، ثم قال لهم: ألم يأمركم رسول الله ( أن تسمعوا وتطيعوا؟ فقالوا: بلي. قال: فادخلوها. فنظر بعضهم إلي بعض، وقالوا: إنما فررنا إلي رسول الله من النار. فكانوا كذلك حتى سكن غضبه، وطفئت النار، فلما رجعوا ذكروا ذلك لرسول الله (، فقال: "لو دخلوها، ما خرجوا منها أبدًا". وقال:"لا طاعة في معصية الخالق، إنما الطاعة في المعروف".[متفق عليه]. آداب القتال: إذا كان الإسلام شرع الجهاد والقتال، لما فيه من حفاظ علي الدين والحرمات. فإنه وضع للحرب آدابًا يتحلى بها المسلم، منها: أن الإسلام حرم قتل النساء والأطفال والمرضي، والشيوخ والرهبان والعبّاد والأجراء، فعن نافع عن عبد الله بن عمر: أن امرأة وجدت في بعض مغازي الرسول ( مقتولة، فأنكر ذلك، ونهي عن قتل النساء والصبيان. [مسلم]. وحرم المثلة، كما حرم قتل الحيوان، وإفساد الزروع والمياه، وحرم تلويث الآبار، وهدم البيوت، فعن عبد الله بن زيد قال:(نهي النبي ( عن النهب والمثلة) [البخاري]. كما لا يجوز الإجهاز علي الجريح، ولا أن يتبع الفار، وقد أوصي أبو بكر الصديق أسامة حين بعثه لقتال الروم بالشام قائلا: (لا تخونوا، ولا تغلوا، ولا تغدروا، ولا تمثلوا، ولا تقتلوا طفلا صغيرًا، ولا شيخًا كبيرًا، ولا امرأة، ولا تعقروا نخلا، ولا تحرقوه، ولا تقطعوا شجرة مثمرة، ولا تذبحوا شاة ولا بقرة ولا بعيرًا، إلا لمأكلة، وسوف تمرون بأقوام قد فرّغوا أنفسهم في الصوامع ( الرهبان) ، فدعوهم وما فرّغوا أنفسهم له). النساء في الحرب: يكره خروج النساء الشواب أرض العدو، لأنهن لسن من أهل القتال، وقلما ينتفع بهن فيه، لأن يغلب عليهن الضعف والجبن، ولا يؤمن أن يكون في حوزة العدو إن تمكن منهن، فيستحلون ما حرم الله منهن، وقد روي حشرج بن زياد، عن جدته أم أبيه، أنها خرجت مع رسول الله ( في غزوة خيبر سادسة ست نسوة، فبلغ ذلك رسول الله ( فبعث إلينا، فجئنا،فرأينا منه الغضب، فقال: (مع من خرجتن؟) فقلنا: يا رسول الله، خرجنا نغزل الشّعَرَ، ونعين به في سبيل الله، ومعنا دواء للجرحي، ونناول السهام، ونسقي السويق. فقال: (قمن). حتى إذا فتح الله خيبر، أسهم لنا، كما أسهم للرجال، فقلت لها: يا جدة، ما كان ذلك، قالت تمرًا.[أبو داود]. فأما المرأة الطاعنة في السن، وهي الكبيرة، إذا كان فيها نفع، مثل سقي الماء، ومعالجة الجرحي، فلا بأس به. وكانت أم سليم ونسيبة بنت كعب، تغزوان مع النبي (، فأما نسيبة فكانت تقاتل، وقطعت يدها يوم اليمامة،وقالت الربيع:كنا نغزو مع النبي ( لسقي الماء، ومعالجة الجرحي) [البخاري] . بدء القتال: علي المسلمين أن يعرضوا علي الأعداء الإسلام، فإن وافقوا فلهم ما للمسلمين وعليهم ما عليهم، فإن رفضوا! عرضوا عليهم الجزية، فإن رفضوا، فالقتال. الحقوق محفوظة لكل مسلم
الحقوق محفوظة لكل مسلم