اكتشفت أن زوجتي على علاقة محرمة بشاب آخر ، وبعد ما اكتشفت خيانتها صار عندي شك بأن يكون الجنين الذي تحمله ليس من صلبي ، فماذا إن كتبت الحياة لهذا الجنين ، هل أستطيع أن أعتمد التحاليل الطبية لإثبات النسب ؟ وإن كان غير ذلك : فما هو الحل الشرعي لهذه الحالة ؟ .
الحمد لله : الأصل أن ما تلده الزوجة أنه لزوجها ، ولا يحل لك أخي السائل قذفها – كما سبق – من غير رؤيتك لزناها ، كما لا يحل لك نفي الحمل أو الولد عنك إلا ببينة ، كرؤيتك لزناها ، أو استحالة أن يكون الحمل منك كأن تكون غائبا عنها ، أو لم تجامعها في طهرها ، وما يشبه هذه الحالات ، وما لم يكن من ذلك شيء : فلا يحل لك نفي الحمل ، أو الولد بمجرد الشك والوهم ، وكما قلنا سابقاً لا يعني وجود علاقة محرمة أنه يحصل زنا ، ونضيف هنا : أنه لا يعني حصول زنا ، أنها حملت من ذلك الزنا . وعليه : فلو أنك رأيتها تزني : لكان لك وجه في نفي الحمل ، ونفي الولد ، أما وقد بنيت ذلك على الشك : فلا يجوز لك نفي الجنين الذي تحمله امرأتك عنك ، ولا تستسلم لوساوس الشيطان ، واحذر أن يجعلك تعيش في عالم الاتهامات والخيانات والوساوس ، وإلا أفسد عليك دينك ودنياك . ولا ينبغي لك اللجوء إلى التحليل لإثبات نسب ولدك ، وهذا باب وسوسة وريبة ، ولو فتح الباب لاعتمد الناس على هذه التحاليل القابلة للخطأ والوهم على ما يعتقدونه في قرارة أنفسهم من عفاف نسائهم ، ولذا فإن الشريعة المطهرة تعتمد أدنى الأدلة لإثبات النسب ، وأقواها في نفيه . قال ابن قدامة المقدسي – رحمه الله - : " النسب يُحتاط لإثباته ، ويَثبت بأدنى دليل ، ويلزم من ذلك التشديد في نفيه ، وإنه لا يُنتفى إلا بأقوى الأدلة " . " المغني " ( 6 / 420 ) . واعلم أن تشريع اللعان لا يقوم مقامه التحاليل الطبية ؛ لأن المرأة تستطيع دفع تهمة زوجها والستر على نفسها باللعان ، والله تعالى يعلم أن أحد الزوجين كاذب ، ومع ذلك شرع اللعان ، فلا يجوز إعطاء الحق للزوج بتلك التحاليل ، وحرمان المرأة منه ، وقد أصدر " مجلس المجمع الفقهي " التابع لرابطة العالم الإسلامي في دورته السادسة عشر المنعقدة بمكة المكرمة قراراً بشأن البصمة الوراثية (DNA) ، ومجالات الاستفادة منها ، يؤكد ما قلناه من عدم جواز التحاليل لمثل حالتك ، ولا كونه يقوم مقام اللعان ، وهذا نص القرار : القرار السابع بشأن البصمة الوراثية ومجالات الاستفادة منها الحمد لله وحده والصلاة والسلام علي من لا نبي بعده ، أما بعد : فإن " مجلس المجمع الفقهي الإسلامي " في دورته السادسة عشر المنعقدة بمكة المكرمة ، في المدة من 21 – 26 / 10 / 1422 هـ الذي يوافقه 5 – 10 / 1 / 2002 م ، وبعد النظر في التعريف الذي سبق للمجمع اعتماده في دورته الخامسة عشر ، ونصه " البصمة الوراثية هي البُنية الجينية ، ( نسبة إلي الجينات أي المورثات ) التي تدل علي هوية كل إنسان بعينه ، وأفادت البحوث والدراسات العلمية أنها من الناحية العلمية وسيلة تمتاز بالدقة لتسهيل مهمة الطب الشرعي ، ويمكن أخذها من أي خلية ( بشرية ) من الدم ، أو اللعاب ، أو المني ، أو البول ، أو غيره " . وبعد الإطلاع على ما أشتمل عليه تقرير اللجنة التي كلفها المجمع في الدورة الخامسة عشر بإعداده من خلال إجراء دراسة ميدانية مستفيضة للبصمة والإطلاع على البحوث التي قدمت في الموضوع من الفقهاء والأطباء والخبراء ، والاستماع إلي المناقشات التي دارت حوله : تبيَّن من ذلك كله : أن نتائج البصمة الوراثية تكاد تكون قطعية في إثبات نسبة الأولاد إلى الوالدين ، أو نفيهم عنهما ، وفي إسناد العينة ( من المني أو الدم أو اللعاب ) التي توجد في مسرح الحادث إلى صاحبها ، فهي أقوي بكثير من القيافة العادية ( التي هي إثبات النسب بوجود الشبه الجسماني بين الأصل والفرع ) ، وأن الخطأ في البصمة الوراثية ليس وارداً من حيث هي ، وإنما الخطأ في الجهد البشري أو عوامل التلوث ، ونحو ذلك ، وبناء على ما سبق قرر ما يأتي : أولاً : لا مانع شرعاً من الاعتماد علي البصمة الوراثية في التحقيق الجنائي واعتبارها وسيلة إثبات في الجرائم التي ليس فيها حد شرعي ولا قصاص لخبر ( ادرؤوا الحدود بالشبهات ) وذلك يحقق العدالة والأمن للمجتمع ، ويؤدي إلي نيل المجرم عقابه وتبرئة المتهم ، وهذا مقصد مهم من مقاصد الشريعة . ثانياً : أن استعمال البصمة الوراثية في مجال النسب لابد أن يحاط بمنتهي الحذر والحيطة السرية ، ولذلك لابد أن تقدم النصوص والقواعد الشرعية على البصمة الوراثية . ثالثاً : لا يجوز شرعاً الاعتماد على البصمة الوراثية في نفي النسب ، ولا يجوز تقديمها على اللعان . رابعاً : لا يجوز استخدام البصمة الوراثية بقصد التأكد من صحة الأنساب الثابتة شرعاً ، ويجب على الجهات المختصة منعه ، وفرض العقوبات الزاجرة ؛ لأن في ذلك المنع حماية لأعراض الناس وصوناً لأنسابهم . خامساً : يجوز الاعتماد على البصمة الوراثية في مجال إثبات النسب في الحالات الآتية : 1. حالات التنازع على مجهول النسب بمختلف صور التنازع التي ذكرها الفقهاء ، سواء أكان التنازع على مجهول النسب بسبب انتفاء الأدلة أو تساويها ، أم كان بسبب الاشتراك في وطء الشبهة ونحوه . 2. حالات الاشتباه في المواليد في المستشفيات ومراكز رعاية الأطفال ونحوها ، وكذا الاشتباه في أطفال الأنابيب . 3. حالات ضياع الأطفال واختلاطهم ، بسبب الحوادث أو الوارث أو الحروب ، وتعذر معرفة أهلهم ، أو وجود جثث لم يمكن التعرف على هويتها ، أو بقصد التحقق من هويات أسرى الحروب والمفقودين .... .انتهى وهو قرار قوي واضح ، ونأمل أن يكون ما ذكرناه لك كافياً للامتناع عن نفي نسب ولدك عنك . ونسأل الله تعالى أن يوفقها للتوبة الصادقة ، وأن ييسر لك الخير حيث كان ، وأن يصبرك على ابتلائك ، ونوصيك بنفسك خيراً ، فلا توبقها ، ولا توردها المهالك ، ويسعك أن تطلقها وتعطيها حقوقها ، ويسعك أن تبقيها في ذمتك إن رأيت صدق توبتها ، ونرجو التأمل فيما فصلناه لك في النقاط السابقة ، واستعن بالله تعالى على تيسير أمورك . والله أعلم