السؤال : أفكر أنا وزوجي بكفالة طفل يتيم ، خاصة أنه لم يرزقنا الله بالذرية ، ولديّ في هذا الموضوع سؤالان : الأول : ما حكم أخذ حبوب لدر الحليب ؛ وذلك لإرضاع الطفل ، وحتى يصبح ابننا بالرضاعة ؟ ( مع العلم أنني سمعت بوجود هذا النوع من الحبوب ، وسأحاول التأكد من وجوده ، ولكن يهمني الحكم الشرعي أولاً ) ، وهل يصبح الطفل ابننا بالرضاعة ؟ ، مع العلم أن الحليب لم يكن نتاج حمل . الثاني : ما معنى قول الرسول صلى الله عليه وسلم ( العرق دساس ) ؟ . وأريد استشارة فضيلتكم في هذا الموضوع في أخذنا لطفل يتيم لتربيته وخاصة أن معظم اليتامى في دور الأطفال في السعودية هم لقطاء ، وأنا أعرف ومقتنعة أن الطفل لا ذنب له ، ولكني أفكر في مستقبل الطفل وكيف يكون شعوره عندما نخبره بأنه كان طفلاً لقيطاً ، وكيف يكون تعامل الناس معه والزواج ومثل هذه الأمور ، أعرف أنه وهو طفل لن يكون هناك مشاكل بإذن الله لأننا سنحسن معاملته بما يرضي الله ، ولكن أفكر في مستقبله ؟
الجواب: الحمد لله أولاً : نسأل الله تعالى أن يرزقكِ وزوجك الذرية الصالحة ، وأن يجزيكما خير الجزاء على وقوفكما عند أحكام الشرع ، وعلى اهتمامكما بالأيتام ، وحب رعايتهم والعناية بهم ، ونحن ندعو من يقرأ جوابنا هذا أن يخصكما بدعوة في ظهر الغيب ، لعلَّ الله أن ينفعكما بها في الدنيا والآخرة . ثانياً : بخصوص تناول الحبوب التي تدر الحليب : فبالإضافة إلى تأكدكما من وجودها : نرجو التأكد من عدم ظهور أثرها في الحليب ، حتى لا يكون له تأثير سيئ على من يتناوله من أولئك الأيتام . وأما من حيث الحكم الشرعي : فقد اختلف العلماء في حكم الحليب الذي يدر من امرأة غير متزوجة ، أو من غير جماع وحمل ، فذهب بعض العلماء إلى أنه لا ينشر المحرمية ، وقال آخرون إن العبرة بوجوده ، لا بوجوده من زوج ، فقالوا بأنه ينشر المحرمية ، وهذا هو الراجح ، وهو قول الجمهور ، ويكاد يتفق عليه الأئمة الأربعة . قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله - : " ولو قدر أن هذا اللبن ثاب لامرأة لم تتزوج قط : فهذا ينشر الحرمة في مذهب أبى حنيفة ، ومالك ، والشافعي ، وهي رواية عن أحمد ، وظاهر مذهبه : أنه لا ينشر الحرمة " انتهى . "مجموع الفتاوى" (34 /51) . وقال ابن قدامة – رحمه الله - : " وإن ثاب لامرأة لبن من غير وطء ، فأرضعت به طفلاً : نشر الحرمة في أظهر الروايتين ، وهو قول ابن حامد ، ومذهب مالك ، والثوري ، والشافعي ، وأبي ثور ، وأصحاب الرأي ، وكل من يحفظ عنه ابنُ المنذر ؛ لقول الله تعالى : ( وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم ) ؛ ولأنه لبن امرأة فتعلق به التحريم ، كما لو ثاب بوطء ؛ ولأن ألبان النساء خلقت لغذاء الأطفال ، فإن كان هذا نادراً : فجنسه معتاد . والرواية الثانية : لا تنشر الحرمة ؛ لأنه نادر ، لم تجر العادة به لتغذية الأطفال فأشبه لبن الرجال . والأول : أصح " انتهى . "المغني" (9 /207) . وقال الماوردي الشافعي – رحمه الله - : " لبن النساء مخلوق للاغتذاء ، وليس جماع الرجل شرطاً فيه ، وإن كان سبباً لنزوله في الأغلب ، فصار كالبكر إذا نزل لها لبن فأرضعت به طفلاً : انتشرت به حرمة الرضاع ، وإن كان من غير جماع " انتهى . "الحاوي في فقه الشافعي" (11/413) . وينبغي التنبيه على أمرين مهمين في هذا الباب : الأول : أن يكون الطفل الرضيع دون السنتين ، فإن كان عمره أكثر من ذلك : لم ينشر لبن المرأة التحريم . الثاني : أن يرتضع خمس رضعات مشبعات ، فإن ارتضع أقل من ذلك : لم يصر ولداً في الرضاع لمن أرضعته . عن عائشة أنها قالت : ( كان فيما أُنزل من القرآن عشر رضعات معلومات يحرِّمن ، ثم نُسخن بخمس معلومات ، فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهنَّ فيما يُقرأ من القرآن ) رواه مسلم ( 1452 ) . وانظر أدلة هذين الأمرين ، وبعض تفاصيل مهمة في جوابي السؤالين : (804) و (40226) . ثالثاً : أما لفظ " العرق دسَّاس " : فقد جاء في روايات ، لكنها بين ضعيف جدّاً ، وموضوع ، ومنها : 1. ( أقلَّ من الدَّيْن تعش حرّاً ، وأقلَّ من الذنوب يهن عليك الموت ، وانظر في أي نصاب تضع ولدك ؛ فإن العِرق دسَّاس ) . وهو حديث ضعيف جدّاً ، انظر "السلسلة الضعيفة" للألباني ( 2023 ) . 2. ( تزوجوا في الحجر الصالح ؛ فإن العرق دساس ) . وهو حديث موضوع ، انظر "السلسلة الضعيفة" ( 3401 ) . وأما معنى الحديث : فباطل كذلك ، وهو أنه إن كان ثمة خبث وسوء في أصول الزوجة فإنه قد يسري ذلك في الفروع ! ، وهذا ليس على إطلاقه ، والحديث ليس صحيحاً أصلاً . رابعاً : تربية الأيتام والقيام على العناية بهم من أجلّ الأعمال ، ونحن نعلم حاجة الطفل اللقيط ليكون جزءاً من المجتمع بعد أن يكبر ، ولا يتأثر سلباً بسبب حاله ، لكن هذا لا يجيز أن يُنسب لشخص بعينه ، ويدخل في أسرة حاملاً اسمها ؛ لأن في هذا اختلاطاً في الأنساب ، وتحريم ما أحل الله ، وإباحة ما حرَّم الله ، ويمكن أن تعطيه الدولة اسماً عامّاً لا يرجع لشخص بعينه ، ويتربى عندكم على أنه ابنكم في الرضاعة ، ويمكن التورية عليه بأن أهله حصل لهم " حادث " – مثلاً – وبقي وحيداً ، أو ما يشبه ذلك من الأسباب والتي تختلف من بلد لآخر ، ومن بيئة لأخرى . وتجدون تفصيل هذه المسألة في أجوبة الأسئلة : (100147) و (10010) و (4696) و (5201) و (95216) . والله أعلم