لو تعلمين يا أختاه

الناقل : mahmoud | الكاتب الأصلى : م.كاميليا حلمي | المصدر : www.islamlight.net

الحمد لله الذي بلغنا هذا الشهر العظيم، وأدعوه عز وجل كما بلغنا إياه أن يُعيننا على حُسن صيامه وقيامه، فها نحن قد أظلنا شهر فضيل لطالما انتظرناه، شهر الرحمة والغفران والعتق من النار،شهر فيه ليلة خير من ألف شهر ..
 أختاه : إن شهر رمضان هو أفضل الشهور التي يمكن لكل منا أن يبدأ فيها حياته من جديد على نحو مختلف، ويفتح صفحة جديدة مع المولى عز وجل، ومع نفسه، ومع المجتمع من حوله فهو شهر التأمل والتدبر ومحاسبة النفس .. وعليك أختاه التفكر في عظيم فضل الله عليكِ.
{وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها}(إبراهيم) .. وأجَّل تلك النعم وأعظمها نعمة الإسلام، فكم يعيش على هذه الأرض من أمم حُرمت شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ... ولو تعلمين يا أختاه : إنك أنت .. ولا سواك .. يسهر لأجلك المئات ممن أقضضت مضاجعهم، وأفسدتِ أحلامهم.. يسهرون،ويفكرون، ويدبرون .. لايكلون ولا يملون، يجتهدون ويبدعون .. ولأجلك أنت يعقدون الندوات .. ويضعون الخطط والاستراتيجيات، ويصيغون المطالبات والاتفاقيات، لماذ؟
 لكي تتخللي شيئا فشيئا عن مهمتك السماوية الربانية، التي كلفت بها من فوق سبع سماوات ..
والتي لأجلها وضعت الجنة تحت قدميك. فأنت التي تربين ابنك على التمسك بقيم ومبادئ الإسلام وعلى العزة والكرامة .. على حب الله وعشق تراب وطنه وأمته الإسلامية والعربية.
خط الدفاع:
وإذا كانت الأسرة هي خط الدفاع الأول لبناء وتنمية الجوانب التربوية في شخصية الفرد وبخاصة الجانب الإيماني والجانب الأخلاقي، فقد أدركت الثقافة الغالبة اليوم أن ميدانها في المواجهة مع ثقافتنا هو الجانب الأخلاقي بالدرجة الأولى.
فاتخذوا لتحقيق أهدافهم هذه المؤسسات الدولية وما يصدر عنها من مواثيق ومعاهدات ووثائق تتمخض عنها مؤتمرات تعقدها تلك المؤسسات، وتجد الدول الأعضاء في تلك الهيئات الدولية نفسها مرغمة على التوقيع على تلك الاتفاقات، بسلاح المساعدات تارة، وسلاح التخويف من العقوبات تارة أخرى، ثم كنتيجة حتمية للتوقيع على تلك الاتفاقيات، يتم تحويلها إلى قوانين ملزمة.. وثابت بالبحث العلمي أثر القوانين على تغيير ثقافات الشعوب على المدى الطويل.
ورقة ضغط:
وبذلك يتخذ المشروع الغربي من المسألة الثقافية ورقة ضغط يلوح بها في وجه الحكومات، ويراهن عليها في خطاب الشعوب!!
 وتأتي الأسرة ودورها التربوي على قائمة المستهدفين من تلك الهجمة الغربية لما تمثله مؤسسة الأسرة من قوة ومنعة وفاعلية في تحصين الأطفال من الذوبان، والحفاظ على الهوية، ووسائل تلك الهجمة هي الإعلام ومناهج التعليم ووسائط الثقافة المتنوعة... كما أن لها وكلاءها المحليين من مؤسسات المجتمع المدني ووسائل الإعلام والأجهزة التشريعية في البلدان المستهدفة، والتي تعمل جاهدة لاختراق مؤسسة الأسرة عن طريق تصدير تلك المفاهيم والمصطلحات الفاسدة!
 فما هي أهم وأخطر معالم تلك المواثيق والمعاهدات والتي يتم من خلالها عمل التحول التدريجي في الثقافة المجتمعية لشعوب العالم؟
القوامة:
 أولها: إلغاء قوامة الرجل في الأسرة، فالقوامة هي صمام الأمان الذي يحمي الأسرة من التفسخ والانهيار، وقد ارتضى المولى عز وجل أن تكون القوامة في الأسرة للرجل، وذلك بنص الآية {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ}(النساء ـ  34)، حيث اختص ـ سبحانه وتعالى ـ الرجال بخصائص معينة تعينه على القيام بمسؤولية القوامة من إنفاق وحماية ورعاية وشورى، على الوجه الأمثل.
ومن هنا، فقوامة الرجل حق للمرأة، لابد لها أن تتمسك به، ولا تفرط فيه أو تتنازل عنه تحت أي دعاوى أو مسميات، كالاستقلالية، أو التمكين، أو التحرير، أو غيرها من الشعارات البراقة، التي تخفي وراءها فكرا هداما من شأنه القضاء على الأسرة وخلخلة بنيانها.
ثانيا: دفع المرأة دفعا للعمل خارج البيت، بحجة تحقيق الذات، وتأمين المستقبل، وتنمية المجتمع، حتى إن بعض الدول الإسلامية ألزمت المرأة بالإنفاق داخل الأسرة أسوة بالرجل، وذلك تطبيقا لتلك الاتفاقيات والمواثيق، وبالتالي سارت المرأة في طريق اللاعودة.. خسرت إلى الأبد حقها في العيش بكرامة داخل منزلها، حيث الرجل ملزم شرعا وعرفا بالإنفاق عليها وأولاده، وصارت ملزمة أن تخرج للعمل وتحملت فوق ما تطيق، فكان عبئا ثقيلا عليها، وخسرانا مبينا لها.
دور القوامة :
ثالثا: احتقار دور الأمومة، والتقليل من شأنه، واعتباره وظيفة اجتماعية يمكن لأي فرد أن يؤديها، ليس بالضرورة أن يكون الأم، والمدخل لذلك أن إنجاب الأطفال ورعايتهم دور يستغرق وقت المرأة وجهدها، وهو دور (غير مدفوع الأجر)، بينما ينشغل الرجل في العمل ويتقاضى في المقابل الكثير من المال، ومن ثم ـ  وفقا لتلك الاتفاقيات ـ  فالمرأة فقيرة والرجل غني، والسبب «الأمومة»..
ومن هنا بدأ تحقير هذا الدور الجليل، ومن المؤسف جداً ما تعيشه أغلب المجتمعات في هذا العصر وتشجعه وسائل الإعلام، من إعلاء شأن الاهتمامات المادية على حساب النوازع الإنسانية النبيلة، حيث ترّوج بعض الأفكار والتصورات التي تقلّل من قيمة دور الأمومة وتستخف به، في مقابل الإشادة بالأعمال الوظيفية الأخرى، التي تدفع المرأة للقيام بها، وأصبح بعض النساء يشعرن بالهامشية والتخلف والخجل، إذا كان دورهن متركزاً على القيام بمهمة الأمومة، بينما الوظيفة الأخرى مدعاة للفخر والاعتزاز.
التمرد على القيم :
رابعا: التمرد على كل القيم، وذلك حين نصت تلك الاتفاقيات على حرية التحكم في الجسد، وإباحة العلاقات غير المشروعة حتى وإن كانت في سن الطفولة، بل وصلت تلك الاتفاقيات الى حد من الوقاحة أن فرضت على الحكومات أن تحدد كل منها سنا أدنى تمارس فيه الفتاة العلاقة الجنسية، بدون أن يكون عليها أي مؤاخذة، وفي نفس الوقت، تجريم الزواج تحت سن الثامنة عشر، واعتباره قمة العنف ضد المرأة، حتى بدأت الدول بالفعل تغير قوانينها الخاصة بالمرأة والأسرة والطفل، لتجرم الزواج تحت الثامنة عشر، ولتؤكد في نفس الوقت على نسب الأطفال غير الشرعيين لآبائهم في حال إثبات البنوة باستخدام الوسائل العلمية الحديثة.
خامسا: اعتبار أن تعليم الأطفال منذ الصغر كيفية استخدام وسائل منع الحمل حتى يتمكنوا من إقامة العلاقات غير الشرعية بمنتهى الحرية، ودون خوف من حدوث الحمل، من حقوق الإنسان لأولئك الأطفال، بل ومن حقهم كذلك ـ  وفقا لتلك الاتفاقيات ـ في حال حدوث حمل (غير مرغوب فيه) الحصول على خدمة الإجهاض في العيادات والمستشفيات، لتجرى تحت مرأى ومسمع القانون.
الوهن الحضاري
وقد تزامن هذا مع ما تشهده الأمة الإسلامية من الوهن الثقافي والحضاري، أو ربما هو ما تسبب فيه، مما أغرى الثقافات الغالبة اليوم بممارسة فعل (الاستقواء) والاستعلاء ومن ثم (الإملاء)، بحيث تكون مقدرات وثروات الأمة، تحت السيطرة والهيمنة.
وسبيلها في تلك السيطرة والهيمنة، التغيير الثقافي والأخلاقي وبخاصة فيما يتعلق بتربية الأبناء وتنشئتهم على القيم والسلوكيات الوافدة والمختلفة على حد كبير عما ألفناه وعرفناه في ثقافتنا الإسلامية ولم تكن هذه التحديات والضغوط الخارجية لتتمدد وتتجذر، بل وتصل للشرعية، إلا لأنها صادفت ضعفاً في مجتمعاتنا، ووهناً صرف أبناءها عن التصدي لتلك التحديات وإنقاذ أمتهم من الضياع والذوبان.
وإذا كان من أعراض الوهن الذي تعاني منه أمتنا، أن تتعطل الحواس أو تضعف، فهذا ليس معناه أن الطريق غير واضح أو محدد..
المنهج الرباني
إن لدينا منهجاً ربانياً فريداً لم يدع شاردة ولا واردة في حياة الإنسان والكون والحياة ذاتها إلا ووضحها وأبان عن حقائقها وآليات الوصول إليها {وأن هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه}(الأنعام ـ 153) ولعل من حسنات التحديات الخارجية أن نفيق من غفلتنا ونتلمس طوق النجاة في ديننا {وما لنا ألا نتوكل على الله وقد هدانا سبلنا}(إبراهيم ـ 12) ومما لاشك فيه أن الجو الإيماني الرمضاني سوف يساعدك في استثمار الفرصة في الارتقاء بنفسك.. في آفاق الروحانيات.. وسماء الطاعات..
والبعد عما يريد أعداء الإسلام جذبك إليه.
فشهر رمضان فرصة حقيقية لشد النفس من المتاهات المختلفة التي تقع فيها النفس، والعودة بها لطريق الحق.. كما سوف يساعدك على تقديم الجرعات الإيمانية والأمصال اللازمة لكل أفراد أسرتك المسلمة والتي تحميهم من المخاطر المحيطة بهم والثقافات الفاسدة التي تصدر الينا، فاحرصي على ان تكوني القدوة الصالحة النموذج الحي لما يجب ان يكون عليه المسلم الحق، اجعل سنة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) حاضرة في بيتك وفى تعاملك مع زوجك ومع أبنائك، اجعلي القرآن الكريم في شهر القرآن ربيعا لقلوبهم، شجعيهم على العطاء والإيثار وتقديم الخير ويد العون لكل محتاج.
الفئات الضعيفة:
ويجب أن تعي أمتنا أيضا أن تلك الاتفاقيات التي يتم التوقيع عليها، تحت شعار الحفاظ على حقوق الفئات الضعيفة والمهمشة كالمرأة والطفل، ماهي إلا فخاخ تنصب لنا، ما أن يتم التوقيع، حتى تجد الحكومات نفسها ملزمة بتعديل القوانين الوطنية لتتماشى وتتوافق مع الاتفاقيات الدولية، فتلغى القوامة بنص القانون، وتلغى ولاية الأب من على ابنته في الزواج، وتجبر المرأة على الإنفاق في الأسرة، ويجرم زواج الفتاة تحت الثامنة عشر، بينما الطريق ممهد ومفتوح أمام العلاقات غير الشرعية قبل وبعد الثامنة عشر، ونتاج هذه العلاقات لم يعد مشكلة تعاني منها الفتاة، بل لها عدة حلول، إما الإجهاض، وإما تعديل قوانين المواليد بحيث يتم الاعتراف بتلك الثمرة، ونسبها للأب والأم، مع تجاهل قاعدة (ابن الزنا ماؤه هدر)، وإما الإيداع في دور رعاية اللقطاء.. وفي النهاية.. انهيار كامل، وفناء للمجتمعات..
والنتيجة.. أن تصبح الأرض ممهدة تماما لقدوم المستعمر الذي تمكن (بالقانون) من القضاء على أية مقاومة يمكن أن يواجهها، مثل تلك التي كان يواجهها في السابق، بل على العكس..
إذا قرر أن يكتسح البلاد، فلن يجد إلا كل الترحيب، فقد ضمن ولاء القوم واستحسانهم لما قدمه لهم من حريات وشهوات أخبرنا عنها المصطفى (صلى الله عليه وسلم): «حفَّت الجنة بالمكاره، وحفت النار بالشهوات» وروا مسلم (2822) عن أنس.
الخنساء الحقيقية :
لَكَمْ نفتقد في زماننا هذا إلى خنساء تعي دورها الحقيقي في هذه الحياة.. فالخنساء رضي الله عنها، والتي عرف عنها البكاء والنواح، لحد العمى حين مات أخوها إبان جاهليتها، ما إن لامس الإيمان قلبها، وعرفت مقام الأمومة ودور الأم في التضحية والجهاد في إعلاء البيت المسلم ورفعة مقامه عند الله، وعظت أبناءها الأربعة عندما حضرت معركة القادسية تقول لهم: إنكم أسلمتم طائعين، وهاجرتم مختارين، وإنكم لأب واحد وأم واحدة، ما خبث آباؤكم، ولا فُضحت أخوالكم. فلما أصبحوا باشروا القتال واحداً بعد واحد حتى قُتلوا، ولما بلغها خبرهم ما زادت على أن قالت: الحمد لله الذي شرفني بقتلهم، وأرجو ربي أن يجمعني بهم في مستقر رحمته. يا أختاه أنت مطالبة باليقظة والحذر لكل ما يحاك لك ولدينك ولأسرتك ولأمتك المسلمة