الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد،
فيعجز الكلام والبيان عن إيضاح ما يمكن أن يعبر المرء عنه في ظل هذه الساعات المؤلمة التي تمر الآن بإخواننا في غزة الجريحة، غزة الرباط، غزة الشموخ, نعم.. إنها غزة أرض الجهاد والفداء، إنها غزة الشهداء, لا أدري أي شيء أقول لهم، هل أقول لهم: هنيئا ما أنتم فيه؛ فقد اختاركم الله لتكونوا رمز العزة والإباء لهذه الأمة (وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ)(آل عمران:140)، (وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ)(آل عمران:139).
هنيئا لتلك الدماء الزكية التي دفعت ثمن الصبر على الرباط في سبيل الله، هنيئا لكم على صبركم على الجوع والحاجة، هنيئا لكم على الانتصار الحقيقي، وهو أنكم قدمتم أنفسكم رخيصة لله (ألا إن سلعة الله غالية ألا إن سلعة الله الجنة) رواه الترمذي، وصححه الألباني.
لقد فزعت مكة، واهتز الحرم، وتألم المسلمون في كل بقعة؛ لما وقع لأبناء غزة من تدمير وتقتيل وتمزيق لشعب بكامله، ولماذا يا ترى؟
إنها السنن التي ينبغي لكل عبد أن يدركها؛ إن هذه الأمة لابد لها من عودة رشيدة لدينها ولفهم لغة الخطاب، وهي لغة الولاء والبراء (قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَاء مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاء أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لأَبِيهِ لأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِن شَيْءٍ رَّبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ)(الممتحنة:4).
فالبراءة من المشركين والكفرة الملاحدة من اليهود وغيرهم دين واعتقاد نلقى الله به؛ بأنهم كفرة من أصحاب النار.
إن يهود يعلمون جيدا لغة الخطاب التي يتعاملون بها اليوم مع أهل غزة.
إن لغة الولاء والبراء هي أساس اعتقادي قامت عليه دعوة الرسل, ولتعلم جيدا أخي المسلم في كل مكان أن المعركة أصبحت واضحة وضوح الشمس في رابعة النهار. لماذا غزة؟ ولماذا هذا العنت كله عليها وعلى شعبها؟
والجواب: لأن غزة أصبحت رمزا راهنت عليه كل تحالفات الكفر والشر؛ راهنت على تدميره أو تركيعه كما ركع من باع قضية الأمة في "أسلو" و"مدريد" و"البيت الأبيض الأمريكي".
استخدموا كل الكروت البيضاء، والصفراء، والسوداء، حتى آخر كرت؛ الكرت الأحمر الذي هو رمز الدماء لديهم... نعم استخدموا سلاح التشويه والتشويش على المقاومة, واستخدموا سلاح الطابور الخامس -وهم منافقو هذه الأمة-.
واستخدموا سلاح التجويع والتعطيش، وحاجة الأطفال والعجزة والشيوخ للدواء؛ كل هذه الأمور كانت مقدمات للكرت الأخير الذي لا تملك بعده إسرائيل شيئا (لا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعاً إِلا فِي قُرًى مُّحَصَّنَةٍ أَوْ مِن وَرَاء جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ)(الحشر:14).
اليهود لا يعرفون شيئا سوى لغة السلاح والتدمير والتمزيق, وهل هذا دليل على قوتهم؟؟
كلا والله؛ فأديم الأرض يشهد أنهم أخس الناس وأجبنهم، وما أمْر بني قينقاع وبني النضير وبني قريظة ببعيد...
إنها رسالة السنن يا أولي الألباب..
رسالة لابد لشبابنا أن يدركوها جيدا, إن معركة الحق مع الباطل قائمة إلى يوم الدين، لن تتوقف أبدا حتى يفصل الله بينهم, فمتى كانت هذه الأمة تنعم بظل الله وفق أمر الله صابرة عليه آخذة بأمره ونهيه؛ فهي في ذمة الله وعنايته، والنصر حليفها بإذن الله.
أمة الإسلام: إن رسالة غزة لنا اليوم علامة على الطريق؛ طريق محمد -صلى الله عليه وسلم-، طريق التضحية والفداء, طريق البذل والعطاء, طريق المحن والإحن, فطريق الجنة لابد له أن يمر بأمثال يوم حنين، ويوم الأحزاب، يمر بأحلك الظروف والساعات؛ لنتعلم... فهذه الآيات نتعلم منها, نقف عندها ونستمد درسا لابد يوما أن نعيشه عمليا؛ لكي نستشعر معانيه.
فعودة الأمة لمجدها ولريادتها الطبيعية للأمم بأن نعود للنهج الأول الصحيح، والنبع الصافي لفهم ما يدور حولنا من معالم وظواهر كونية.
إننا نقف بين يدي الآيات الكريمات؛ لكي نستوضح صورة غزة، وكل صورة لأخواتها.
إن دماء المسلمين التي تنزف في كل قارة من قارات الدنيا في الحقيقة دماء من أجل الولاء والبراء؛ فالدماء التي نزفت في الشيشان، وكوسوفا، والبوسنة، والتي ما زالت تنزف في العراق، وأفغانستان، والصومال، وتركستان الشرقية، وبورما، هي في الحقيقة مقدمة حقيقية للمعركة الكبرى التي أخبرنا بها نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- مع الروم وأحلافهم.
ثم ماذا يعني سكوت العالم كله على كل هذه الدماء ماذا يعني في حقيقة الأمر؟
لا يعني إلا حقيقة واحدة؛ أن الجميع بما فيهم منافقو هذه الأمة مع قوة الكفرة من يهود ونصارى وملاحدة، راضون كل الرضا بمزيد من التضليل والتنكيل على هذه الصورة، بل زيادة في التعذيب النفسي للأمة بالتصريحات التي تدل على أنه لا أحد يبكي علينا، ولا تزيدنا إلا حنقا عليهم جميعا، كقولهم: "إن من حق إسرائيل الدفاع عن نفسها"!
فلا ينتظر من هؤلاء المجرمين من سفكة دماء الأنبياء فضلا عن البشر من أمة محمد -صلى الله عليه وسلم- إلا هذا النوع من الإجرام والفساد في الأرض.
إننا بلا شك ونحن نشاهد ما يبث إلينا عبر شاشات التليفزيون من صور للقتلى والأشلاء، واختلاط الدماء بالدموع، وصور هدم المساجد والجامعات ودور الأمن؛ نجد أن هذا لا يدل إلا على تصميم اليهود ومَن وراءهم من المنافقين على حرب إبادة جديدة، فما أشبه الليلة بالبارحة، وما مذبحة "بحر البقر", و"دير ياسين"، و"صبرا وشتيلا"، منا ببعيد.
ونقول لأهل غزة: إن الله اختاركم لكي تكونوا رمزا للعزة والفداء
يا أهل الرباط هنيئا لكم الجنة.. هنيئا لكم، فقد فزتم ورب الكعبة, وها هي عجلة الجهاد في سبيل الله تدور من جديد من أرض العزة والكرامة والفداء والرباط.
وصورة أخرى تدل على مدلول وان كان لا يغير من طبيعة أرض المعركة -والتي تدور رحاها إلى وقتنا هذا- وهي خروج الآلاف من شباب الأمة ورجالها في كل ميادين وعواصم الدول العربية والإسلامية، حتى العواصم الغربية، وهي تعلن بأعلى صوتها البراءة من اليهود والأمريكان، وصب ألوان اللعنات والسخط عليهم، وعلى منافقي هذه الأمة.
فخروج المسيرات، وهذه الجموع الغفيرة له مدلولات كثيرة، فمنها مثلا أنها تحمل رسالة إلى العالم كله أن وحدة هذه الأمة ما زالت قوية، وما زال المسلمون يستشعرون أنهم جسد واحد؛ كما قال لهم نبيهم -صلى الله عليه وسلم-: (مثل المؤمنين في توادهم وتعاطفهم وتراحمهم مثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالحمى والسهر) متفق عليه.
والمدلول الثاني: هو هدم دعاوى تجمعات السلام المزعومة الفاشلة التي تدعي السلام الأبدي, فكم أنفقت الملايين على هذه المؤتمرات لكي يذوب المسلمون وينصهروا في بوتقة الدين العولمي الجديد الذي تنادي به الولايات المتحدة منذ أمسكت بزمام السيطرة على العالم!!، وها هي تنهار انهياراً ليس له مثيل -إن شاء الله-.
وصلى الله وبارك على نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم-.