كتبه/ مصطفى دياب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد،
يمر الإنسان في حياته بامتحانات كثيرة، ولكنه إلى حد كبير يكون هو صاحب القرار، إما أن يخوض الامتحان أو لا يخوض الامتحان، ولكن هناك امتحان آخر هو في الحقيقة امتحان إجباري.
ولا ينجح في هذا الامتحان إلا من تزود له وأعد العدة له، ولكن ما هذا الامتحان؟ أهو امتحان الثانوية العامة؟ هل هو امتحان ليسانس أو ماجستير أو دكتوراه؟ هل .... هل ........؟
إنه امتحان يدخله كل قارئ وغير قارئ، امتحان لا يرتبط بسن دون سن، فكل من يخوضه من سن البلوغ إلي سن الوفاة، إن هذا الامتحان مقره ليس هنا في الدنيا، ولكنه هناك في الآخرة، قال تعالى: (فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ)(لأعراف: 6)، ستسأل الأمم عما أجابوا به رسلهم، ويسأل المرسلون عن تبليغهم لرسالات ربهم وعما أجابتهم به أممهم، وقال تعالي: (فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِين عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ)(الحجر: 93).
فكل من حارب الدين وصد عنه وانحرف عنه ولم يلتزم به، يسأله ربه -عز وجل- عما عمل ويجازيه ويحاسبه (وَلَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ)(النحل: 93)، من خير وشر فيجازيكم عليه أتم الجزاء وأعدله، كيف لا وقد قال الله تعالى: (وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً)(الإسراء: 36).
وقال تعالى: (فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلونَ)(الزخرف: 44).
أما أنت أخي الشاب فتى الإسلام فلك شأن آخر، قال صلى الله عليه وسلم: (لا تزول قدما ابن آدم يوم القيامة حتى يسأل عن خمس عن عمره فيما أفناه وعن شبابه فيما أبلاه وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه وماذا عمل فيما علم)(رواه الترمذي وصححه الألباني).
سمعت أخي الحبيب؟ عن عمره....عن شبابه؟ فأجب إذاً، ماذا أنت قائل لربك -عز وجل- يوم القيامة في ذلك اليوم الرهيب المهيب قال صلى الله عليه وسلم: (يقوم الناس لرب العالمين حتى يغيب أحدهم في رشحه إلي أنصاف أذنيه) متفق عليه، وقال صلى الله عليه وسلم: (يعرق الناس يوم القيامة حتى يذهب عرقهم في الأرض سبعين ذراعا ويلجمهم حتى يبلغ آذانهم) متفق عليه، سبحان الله، العرق يذهب في الأرض، ويغوص في الأرض سبعين ذراعاً، إنه امتحان صعب حقاً، نسال الله أن يرحم ضعفنا، ويجبر كسرنا، يوم نعرض عليه تبارك وتعالى.
أخي الشاب: هل تخيلت نفسك وأنت تُسأل أمام الله -عز وجل- (ما منكم أحد إلا سيكلمه ربه ليس بينه وبينه ترجمان ولا حجاب يحجبه فينظر أيمن منه فلا يرى إلا ما قدم من عمله وينظر أشأم منه فلا يرى إلا ما قدم وينظر بين يديه فلا يرى إلا النار تلقاء وجهه فاتقوا النار ولو بشق تمرة) متفق عليه.
أخي الحبيب يا فتى الإسلام:
ماذا قدمت....؟ ماذا قدمت لهذا اليوم العظيم؟ هل قدمت صلاة وعبادة والتزام بأمر الله وعلى شرع الله -عز وجل-؟ هل قدمت خوفاً من الله -عز وجل- ومن عقابه ومن غضبه؟ هل قدمت استقامة في اللسان والعين والجوارح؟ هل أصلحت قلبك وفرغته لله -عز وجل- وطهرته؟ هل عاهدت ربك أن لا تعصي؟ هل التزمت سنه نبيك -صلي الله عليه وسلم- وكان هو قدوتك ومعلمك ومرشدك؟
هل أطعت والديك والتزمت البرّ بهما وخاصة حال كبرهما؟ هل حافظت علي صلاتك وصيامك وقيامك وتلاوة القرآن؟ هل حافظت علي مجالس العلم الشرعي لتتعلم و تتربى علي أمر الله وأمر رسوله -صلي الله عليه وسلم-؟ هل دعوت إلي الله -عز وجل-؟ هل أنت حريص علي مرضاة الله -سبحانه وتعالى-؟ و أكرر.... ماذا قدمت لغد؟! لذلك اليوم؟!
قال النبي -صلي الله عليه وسلم-: (من خاف أدلج ومن أدلج بلغ المنزل ألا إن سلعة الله غالية ألا إن سلعة الله الجنة)(رواه الترمذي وصححه الألباني)، نعم أخي الحبيب من خاف أدلج ـ سار من أول الليل ـ وشمر في الطاعة لله عز وجل، وخلَّف خلفه عملاً صالحاً يقربه إلي الله.
ماذا قدمت لهذا اليوم؟ (يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ)(عبس: 34- 36).
أم سودت صحيفتك بسيئ الأعمال.