كتبه/ محمود عبد الحميد
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد،
فالسلفيون شامة في أمة الإسلام هم أهل الحق لا الضلال،وأرباب العدل لا الجور، وأتباع الشرع لا الهوى، وأصحاب العلم لا الجهل،وهم وسط بين المنحرفين، وثبات بين المضطربين، وأصالة بين المتميعين.
منهجهمكتاب الله وسنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وقدوتهم رسول الله -صلىالله عليه وسلم-، وأسلافهم الصحابة الكرام والتابعون لهم بإحسان، وأعلامهمأئمة الإسلام، وحياتهم نشر للحق ودفاع عن السنة، ومعاملتهم دعوة بحكمة،وإرشاد بعلم، ومقابلة بإحسان، ومواجهة بعدل.
- سمتهم الإنصاف والعدل، والتزام الحق والصواب مع الموافق والمخالف:
عاملين بقول الله -تعالى-: (وَأُمِرْتُ لأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ)(الشورى:15)، وقوله -تعالى-: (إِنَّاللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىوَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ...)(النحل:90)، وقوله -تعالى-: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَبِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ عَلَى أَلا تَعْدِلُوااعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى)(المائدة:8).
وقال ابن عبد الهادي: "وما تحلى طالب العلم بشيء أحسن من الإنصاف وترك التعصب".
وقال -تعالى-: (وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ)(النساء:58).
- وكذلك من سمتهم عدم الظلم:
عاملين بقول الله -تعالى- في الحديث القدسي: (يَا عِبَادِى إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا فَلاَ تَظَالَمُوا...) رواه مسلم.
وقوله -صلى الله عليه وسلم-: (اتَّقُوا الظُّلْمَ فَإِنَّ الظُّلْمَ ظُلُمَاتٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ...) رواه مسلم.
وفيذلك يقول شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: "ولما كان أتباع الأنبياء همأهل العلم والعدل كان كلام أهل الإسلام والسنة مع الكفار وأهل البدعبالعلم والعدل لا بالظن وما تهوى النفس، ولهذا قال النبي -صلى الله عليهوسلم-: (الْقُضَاةُ ثَلاَثَةٌ قَاضِيَانِ فِيالنَّارِ وَقَاضٍ في الْجَنَّةِ رَجُلٌ قَضَى بِغَيْرِ الْحَقِّ فَعَلِمَذَاكَ فَذَاكَ فِي النَّارِ وَقَاضٍ لاَ يَعْلَمُ فَأَهْلَكَ حُقُوقَالنَّاسِ فَهُوَ فِى النَّارِ وَقَاضٍ قَضَى بِالْحَقِّ فَذَلِكَ فِيالْجَنَّةِ)(1) فإذا كان من يقضي بين الناس في الأموالوالدماء والأعراض إذا لم يكن عالماً عادلاً كان في النار، فكيف بمن يحكمفي الملل والأديان وأصول الإيمان والمعارف الإلهية والمعالم العلية بلاعلم ولا عدل". الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح 1/22.
- ومن سمتهم الإنصاف حتى مع الكفار، وعدم بخسهم حقوقهم، وذلك مع البراءة منهم ومن كفرهم:
قال -تعالى-: (وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ عَلَى أَلا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى)(المائدة:8).
وروى البخاري عن عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (مَنْ قَتَلَ مُعَاهَدًا لَمْ يَرَحْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ، وَإِنَّ رِيحَهَا تُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ أَرْبَعِينَ عَامًا) رواه البخاري.
وعنجابر بن عبد الله أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعث عبد الله بنرواحة إلى خيبر ليخرص لهم الثمار، فأرادوا أن يرشوه، فقال عبد الله: (يَامَعْشَرَ الْيَهُودِ أَنْتُمْ أَبْغَضُ الْخَلْقِ إِلَىَّ قَتَلْتُمْأَنْبِيَاءَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَكَذَبْتُمْ عَلَى اللَّهِ وَلَيْسَيَحْمِلُنِي بُغْضِي إِيَّاكُمْ عَلَى أَنْ أَحِيفَ عَلَيْكُمْ.فَقَالُوا: بِهَذَا قَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ) رواه أحمد، وصححه الألباني.
- ومن سمتهم العدل والإنصاف مع أهل البدع والفساق:
قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- في تفسيره لقوله -تعالى-: (وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ عَلَى أَلا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى)،قال: "فنهى أن يحمل المؤمنين بغضهم للكفار على ألا يعدلوا، فكيف إذا كانالبغض لفاسق أو مبتدع متأول من أهل الإيمان فهو أولى أن يجب عليه أن لايحمله ذلك على أن لا يعدل مع مؤمن وإن كان ظالماً له".
قالشيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- في مجموع الفتاوى (ج3/245): "هذا وأنافي سعة صدر لمن يخالفني فإنه وإن تعدى حدود الله في بتكفير أو تفسيق أوافتراء أو عصبية جاهلية فأنا لا أتعدى حدود الله فيه، بل أضبط ما أقولهوأفعله وأزنه بميزان العدل وأجعله مؤتما بالكتاب الذي أنزله الله وجعلههدى للناس حاكما فيما اختلفوا فيه...".
وقالالشيخ عبد الرحمن السعدي -رحمه الله- في تفسير هذه الآية: "بل كما تشهدونلوليكم، فاشهدوا عليه، وكما تشهدون على عدوكم فاشهدوا له، ولو كان كافراأو مبتدعا، فإنه يجب العدل فيه، وقبول ما يأتي به من الحق؛ لأنه حق لالأنه قاله، ولا يرد الحق لأجل قوله، فإن هذا ظلم للحق".
وقالشيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- في مجموع الفتاوى (ج28/209): "وإذااجتمع في الرجل الواحد خير وشر وفجور وطاعة ومعصية وسنة وبدعة استحق منالموالاة والثواب بقدر ما فيه من الخير واستحق من المعادات والعقاب بحسبما فيه من الشر فيجتمع في الشخص الواحد موجبات الإكرام والإهانة فيجتمع لهمن هذا وهذا".
-ومن سمتهم أنهم يعذرون العلماء فيما أخطأوا فيه، ولا يتبعونهم فيما أخطأوافيه، ولا يسكتون عن خطأ، لكنهم لا يجرحون في أهل العلم والفضل:
قالالذهبي -رحمه الله-: "ثم إن الكبير من أئمة العلم إذا كثر صوابه، وعلمتحريه للحق، واتسع علمه، وظهر ذكاؤه، وعرف صلاحه وورعه واتباعه، يغفر لهزللـه، ولا نضلله ونطرحه، وننسى محاسنه. نعم ولا نقتدي به في بدعته وخطئه،ونرجو له التوبة من ذلك". سير أعلام النبلاء ج5/269.
وقال-رحمه الله-: " ولو أنا كلما أخطأ إمام في اجتهاده في آحاد المسائل خطأمغفورا له، قمنا عليه، وبدعناه، وهجرناه، لما سلم معنا لا ابن نصر، ولاابن منده، ولا من هو أكبر منهما". سير أعلام النبلاء ج5.
وقالشيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- في الفتاوى ج11/15: "ومن جعل كل مجتهدفي طاعة أخطأ في بعض الأمور مذموماً معيباً ممقوتاً فهو مخطئ ضال مبتدع".
- ومن سمتهم قبول الحق ممن جاء به، ولو كان كافراً مقتدين في ذلك بالكتاب والسنة:
فإن بلقيس ملكة سبأ لما قالت: (إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً) صدق الله على كلامها فقال: (وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ)(النمل:34).
وكذلك ما رواه البخاري عن أبي هريرة أن الشيطان لما كان يسرق من الصدقة فامسك به قال له: (دَعْنِيأُعَلِّمْكَ كَلِمَاتٍ يَنْفَعُكَ اللَّهُ بِهَا. قُلْتُ مَا هُوَ؟ قَالَ:إِذَا أَوَيْتَ إِلَى فِرَاشِكَ فَاقْرَأْ آيَةَ الْكُرْسِي (اللَّهُ لاَإِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَىُّ الْقَيُّومُ) حَتَّى تَخْتِمَ الآيَةَ،فَإِنَّكَ لَنْ يَزَالَ عَلَيْكَ مِنَ اللَّهِ حَافِظٌ وَلاَيَقْرَبَنَّكَ شَيْطَانٌ حَتَّى تُصْبِحَ. فَخَلَّيْتُ سَبِيلَهُفَأَصْبَحْتُ، فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: مَافَعَلَ أَسِيرُكَ الْبَارِحَةَ. قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ زَعَمَأَنَّهُ يُعَلِّمُنِي كَلِمَاتٍ، يَنْفَعُنِي اللَّهُ بِهَا، فَخَلَّيْتُسَبِيلَهُ. قَالَ: مَا هِيَ؟. قُلْتُ: قَالَ لِي إِذَا أَوَيْتَ إِلَىفِرَاشِكَ فَاقْرَأْ آيَةَ الْكُرْسِي مِنْ أَوَّلِهَا حَتَّى تَخْتِمَ(اللَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَىُّ الْقَيُّومُ) وَقَالَ لِي: لَنْيَزَالَ عَلَيْكَ مِنَ اللَّهِ حَافِظٌ وَلاَ يَقْرَبَكَ شَيْطَانٌ حَتَّىتُصْبِحَ، وَكَانُوا أَحْرَصَ شَيء عَلَى الْخَيْرِ. فَقَالَ النَّبِي-صلى الله عليه وسلم-: أَمَا إِنَّهُ قَدْ صَدَقَكَ وَهُوَ كَذُوبٌ،تَعْلَمُ مَنْ تُخَاطِبُ مُنْذُ ثَلاَثِ لَيَالٍ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ.قَالَ: لاَ. قَالَ: ذَاكَ شَيْطَانٌ).
وقالمعاذ بن جبل -رضي الله عنه-: "اقبلوا الحق من كل من جاء به، وإن كانكافراً أو فاجراً، واحذروا زلة الحكيم!. قال: كيف نعلم أن الكافر يقولالحق؟ قال: إن على الحق نوراً" رواه أبو داود، وقال الألباني صحيح موقوف.
- ومن سمتهم التحري في نقل الأخبار وقبولها، ولو كانت عن الخصوم:
مقتدين في ذلك بكتاب الله وسنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-. قال -تعالى-: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍفَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَافَعَلْتُمْ نَادِمِينَ)(الحجرات:6).
ولقوله -تعالى-: (لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ)(النور:12).
وقوله -تعالى-: (إِذْتَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَلَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِعَظِيمٌ)(النور:15).
وقوله -تعالى-: (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آَمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآَخِرَةِ)(النور:19).
وروى مسلم في صحيحه عن حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: (كَفَى بِالْمَرْءِ كَذِبًا أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ).
وقالالإمام مسلم في مقدمة صحيحه: باب وُجُوبِ الرِّوَايَةِ عَنِ الثِّقَاتِوَتَرْكِ الْكَذَّابِينَ والتحذير من الكذب على رسول الله -صلى الله عليهوسلم-:
"وَاعْلَمْ-وَفَّقَكَ اللَّهُ تَعَالَى- أَنَّ الْوَاجِبَ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ عَرَفَالتَّمْيِيزَ بَيْنَ صَحِيحِ الرِّوَايَاتِ وَسَقِيمِهَا وَثِقَاتِالنَّاقِلِينَ لَهَا مِنَ الْمُتَّهَمِينَ أَنْ لاَ يَرْوِىَ مِنْهَاإِلاَّ مَا عَرَفَ صِحَّةَ مَخَارِجِهِ. وَالسِّتَارَةَ فِي نَاقِلِيهِ.وَأَنْ يَتَّقِي مِنْهَا مَا كَانَ مِنْهَا عَنْ أَهْلِ التُّهَمِوَالْمُعَانِدِينَ مِنْ أَهْلِ الْبِدَعِ وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّالَّذِي قُلْنَا مِنْ هَذَا هُوَ اللاَّزِمُ دُونَ مَا خَالَفَهُ قَوْلُاللَّهِ -جَلَّ ذِكْرُهُ-: (يَا أَيُّهَاالَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْتُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْنَادِمِينَ) وَقَالَ -جَلَّ ثَنَاؤُهُ-: (مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الْشُّهَدَاءِ) وَقَالَ -عَزَّ وَجَلَّ-: (وَأَشْهِدُوا ذَوَىْ عَدْلٍ مِنْكُمْ)فَدَلَّ بِمَا ذَكَرْنَا مِنْ هَذِهِ الآي أَنَّ خَبَرَ الْفَاسِقِسَاقِطٌ غَيْرُ مَقْبُولٍ، وَأَنَّ شَهَادَةَ غَيْرِ الْعَدْلِمَرْدُودَةٌ، وَالْخَبَرُ وَإِنْ فَارَقَ مَعْنَاهُ مَعْنَى الشَّهَادَةِفِي بَعْضِ الْوُجُوهِ فَقَدْ يَجْتَمِعَانِ فِي أَعْظَمِ مَعَانِيهِمَا؛إِذْ كَانَ خَبَرُ الْفَاسِقِ غَيْرَ مَقْبُولٍ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِكَمَا أَنَّ شَهَادَتَهُ مَرْدُودَةٌ عِنْدَ جَمِيعِهِمْ، وَدَلَّتِالسُّنَّةُ عَلَى نَفْي رِوَايَةِ الْمُنْكَرِ مِنَ الأَخْبَارِ كَنَحْوِدَلاَلَةِ الْقُرْآنِ عَلَى نَفْيِ خَبَرِ الْفَاسِقِ".
- ومن سمتهم تحريهم في الحكم بالكفر على المسلمين:
وذلك لقوله -عليه الصلاة والسلام-: (إِذَا قَالَ الرَّجُلُ لأَخِيهِ يَا كَافِرُ فَقَدْ بَاءَ بِهِ أَحَدُهُمَا) رواه البخاري. وقوله -صلى الله عليه وسلم-: (مَنْ دَعَا رَجُلاً بِالْكُفْرِ أَوْ قَالَ عَدُوَّ اللَّهِ. وَلَيْسَ كَذَلِكَ إِلاَّ حَارَ عَلَيْهِ) رواه مسلم، وقال -صلى الله عليه وسلم-: (وَمَنْ رَمَى مُؤْمِنًا بِكُفْرٍ فَهْوَ كَقَتْلِهِ) رواه البخاري.
قالالحافظ ابن حجر -رحمه الله-: "وأرجح من الجميع أن من قال ذلك لمن يعرف منهالإسلام ولم يقم له شبهة في زعمه أنه كافر، فإنه يكفر بذلك، فمعنى الحديث:فقد رجع عليه تكفيره".
وقالابن دقيق العيد: "وهذا وعيد عظيم لمن كفر أحداً من المسلمين وليس هو كذلك،وهي ورطة عظيمة وقع فيها خلق من العلماء اختلفوا في العقائد، وحكموا بكفربعضهم بعضاً".
وقالشيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: "وليس لأحد أن يكفر أحداً من المسلمينوإن أخطأ وغلط حتى تقام عليه الحجة وتبين له المحجة، ومن ثبت إسلامه بيقينلم يزل ذلك عنه بالشك".
وقدسئل علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- عن الخوارج من أهل النهروان: أمشركونهم؟ قال: من الشرك فروا. قيل منافقون؟ قال: إن المنافقين لا يذكرون اللهإلا قليلاً. قيل: فما هم؟ قال: إخواننا بغوا علينا فقاتلناهم.
- وإذا كان هذا في تكفير المسلم العادي، فكيف بتكفير العلماء.
قال شيخ الإسلام: "فإن تسليط الجهال على تكفير علماء المسلمين من أعظم المنكرات".
وقالالشوكاني -رحمه الله-: "ها هنا تسكب العبرات، ويناح على الإسلام وأهله بماجناه التعصب في الدين على غالب المسلمين من الترامي بالكفر، لا لسنة ولاقرآن ولا لبيان من الله وبرهان، بل لما غلت مراجل العصبية في الدين، وتمكنالشيطان الرجيم من تفريق كلمة المسلمين لقنهم إلزامات بعضهم ببعض بما هوشبيه الهباء في الهواء والسراب بالقيعة، فيا لله وللمسلمين من هذهالمغامزة التي هي أعظم فواقر الدين".
- ومن سمتهم أيضاً توقير العلماء وأهل الفضل، ومعرفة قدرهم وتقديرهم:
وذلك لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إِنَّمِنْ إِجْلاَلِ اللَّهِ إِكْرَامَ ذِي الشَّيْبَةِ الْمُسْلِمِ وَحَامِلِالْقُرْآنِ غَيْرِ الْغَالِي فِيهِ وَالْجَافِي عَنْهُ وَإِكْرَامَ ذِيالسُّلْطَانِ الْمُقْسِطِ) رواه أبو داود، وحسنه الألباني.
وقال -تعالى-: (يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ)(المجادلة:11)، وقال -تعالى-: (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ)(الزمر:9).
وقال -صلى الله عليه وسلم-: (إِنَّاللَّهَ وَمَلاَئِكَتَهُ وَأَهْلَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ حَتَّىالنَّمْلَةَ فِي جُحْرِهَا وَحَتَّى الْحُوتَ لَيُصَلُّونَ عَلَىمُعَلِّمِ النَّاسِ الْخَيْرَ) رواه الترمذي، وصححه الألباني.
والعلماءهم الذين يجب توقيرهم هم حملة الشريعة الذين عرفوا بحسن القصد، وصالحالعمل، وصحة المعتقد، واتباع منهج السلف الصالح، الذين بذلوا أعمارهم فيطلب العلم ونشره، وأوتوا حظاً من الورع، الذين شهدت لهم بالإمامة والتبحرفي الشريعة، وصدر الناس عن رأيهم، فهم الأئمة الكبار حقاً، وهم المعنيونبالإجلال؛ إذا أطلق الكلام، وكل من لديه علم ممن دونهم وقر بحسب علمهوسيره على الجادة دون هضم لحق من حقوقهم.
قال الأوزاعي: "الناس هم العلماء، وما سواهم فليس بشيء".
وقال الثوري: "لو أن فقيهاً على رأس جبل لكان هو الجماعة".
وقال أبو الدرداء -رضي الله عنه-: "الناس صنفان: عالم ومتعلم، وسائر الناس لا خير منهم".
وقال علي -رضي الله عنه-: "الناس ثلاثة: عالم رباني، ومتعلم على سبيل نجاة، وهمج رعاع، أتباع كل ناعق، لم يستضيئوا بنور العلم".
وللحديث بقية.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) رواه الترمذي، وصححه الألباني.