الدعوة الوهابية في نجد وما حولها (3)

الناقل : elmasry | الكاتب الأصلى : د / علاء بـكـر | المصدر : www.anasalafy.com

كتبه/ د.علاء بكر

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد،

بعد رحلة الشيخ محمد بن عبد الوهاب في طلب العلم، وإلمامه بالتوحيد، وما كان عليه السلف الصالح، عزم الشيخ على دعوة قومه إلى ما عرفه من الحق، وبدأ بحيث يقيم مع أسرته، في بلدة (حريملاء) فأخذ يبين للناس أن التوحيد هو إفراد الله بالعبادة وحده لا شريك له، فلا يدعى غير الله، ولا يذبح ولا ينذر إلا له، ووضح لهم أن عقيدتهم في القبور والأشجار والأحجار من التعلق بها، ودعاءها والتبرك بها جلباً للنفع ودفعاً للضر هو شرك وضلال، ودارت بينه وبين من يدعوه نزاعات وخصومات، وثار أناس عليه، حتى إن والده منعه من دعوته، خاصة لما زادت ثورة الناس عليه، ولما توفي والده في عام 1153هـ - 1740م رأى الشيخ معاودة الجهر بدعوته، والإنكار على قومه ما هم فيه من مظاهر الشرك، وما عليه بعضهم من المنكرات، فلما اشتدت عداوتهم وخشي على نفسه منهم، غادر البلدة، وعاد إلى مسقط رأسه في (العيينة)، فرحب به حاكمها، ووجد عنده القبول والمساندة، فاستبشر بذلك، واجتهد في نشر دعوته فيها.

الدعوة في العيينة:

لما استتب الأمر للشيخ، قام عملياً بتطبيق مبادئ دعوته، فهدم القباب المبنية على القبور، كقبة القبر المنسوب لزيد بن الخطاب -رضي الله عنه-، وقطع الأشجار التي يتبرك بها العوام، كشجرة (قريوه) بالعيينة، وأقام حد الرجم على امرأة جاءت مقرة بالزنا طالبة إقامة الحد عليها، وتوفرت شروط الرجم عليها، ذلك كله بتأييد من حاكم العيينة ومساندة.

وانتشرت أخبار الشيخ، ولغرابتها على الأسماع، استنكرها البعض وعارضها، وعادى الشيخ بسببها، وممن استنكرها حاكم الإحساء، والذي كان له نفوذ على حاكم العيينة، فأجبر حاكمُ الإحساء حاكمَ العيينة على إخراج الشيخ من بلدته والتخلي عنه.

الانتقال إلى الدرعية:

اختار الشيخ محمد بن عبد الوهاب الرحيل إلى الدرعية، التي تبعد قرابة 30 كيلو متر من الناحية الجنوبية للعيينة، لما يعرفه من سيرة حاكمها، وأنه لا يخضع لنفوذ أحد، فنزلها، فلما سمع حاكم الدرعية بمقدمه آتاه، وسمع منه، فانشرح صدره لدعوة الشيخ، فعزم على نصرة دعوة الشيخ.

اتفاق الدرعية:

تُوِّج اللقاء بين الأمير محمد بن سعود حاكم الدرعية، والشيخ محمد عبد الوهاب باتفاق وتعاهد بينهما، على أن يستقر الشيخ بالدرعية ينشر فيها دعوته، وأن يقوم الأمير بتوفير الحماية له ولدعوته، وسمي الاتفاق بينهما بـ (اتفاق الدرعية)، وذلك في سنة(1157هـ) (الموافق1744م) تقريباً.

انطلاق الدعوة من الدرعية:

بدأ الشيخ دعوته بالحكمة والموعظة الحسنة، داعياً إلى إزالة ومنع مظاهر الشرك المنتشرة، وأخذ يطبق دعوته عملياً، وأرسل الرسائل إلى أهل البلدان المختلفة حول نجد مخاطباً حكامها وعلمائها، مبيناً مبادئ دعوته، للعودة إلى الإسلام نقياً كما كان في عهد السلف الصالح، مستدلاً على ما يقول بالكتاب والسنة وأقوال الأئمة من سلف الأمة، وناظر من أراد مناظرته، فتوافدت عليه الوفود، لما علموا أنه في دار منعة وعزة.

ندم حاكم العيينة على إخراجه للشيخ:

لما رأى حاكم العيينة اجتماع أهل الدرعية على الشيخ، شعر بالندم على إخراجه من بلده العيينة، فطلب من الشيخ العودة، فلما رفض الأمير محمد بن سعود عودته للعيينة، بقي الشيخ في الدرعية بحسب اتفاقه مع أميرها.

تشويه خصوم الدعوة لدعوة الشيخ:

واصل الشيخ دعوته، وكما لاقى من يستجيب لدعوته فقد ظهر من يعارضها.

وكلما اشتدت الدعوة في الدرعية وحولها اشتدت خصومة أعداء الدعوة حولها، ولم يجد خصوم الشيخ إلا سلاح الأكاذيب والافتراءات يواجهون بها ظهور الدعوة وانتشارها، حتى تمادوا في الخصومة، فمنهم من يتهم الشيخ بأنه وأتباعه من الخوارج المارقين من الدين، ومنهم من اتهمه بالكفر والضلال، واجتمعوا على تشويه دعوته في البلاد، لصرف الناس عنها، وتحذيرهم من التعرف عليهم والاستماع لها.

العزم على الدفاع عن الدعوة بالقوة:

ظلت دعوة الشيخ مسالمة متأنية، تلتمس الرفق وتدعو بالحكمة، وتمادى الخصوم في الكيد لها، فلما رأى الشيخ أن اللين يقابل بالشدة، والصدق يقابل بالكذب، والموعظة الحسنة يرد عليها بالمؤامرات، مما يضر بانتشار الدعوة، عزم على الدفاع بالقوة عن دعوته، والقتال لدفع من جعلوا أنفسهم عقبات في طريقها، فبدأت مرحلة جديدة للدعوة.