كيف نكسب المستقبل؟

الناقل : elmasry | المصدر : www.ecoworld-mag.com

كيف نكسب المستقبل؟
 

قد يدفع العرب، والمسلمون بالضرورة، ثمناً باهظاً فى المستقبل إن لم يكن لهم دور جدّى وفاعل فى التأثير علي نتائج المعالجة الغربية، والأمريكية بشكل خاص، غير الموضوعية لتداعيات أحداث نيويورك وواشنطن. وهذا يعنى أن نفتش عن اليهود وراء كل الحلول والإجراءات السياسية والعسكرية والاقتصادية والمعلوماتية التى تقودها الولايات المتحدة الأمريكية فيما تسمه بمعركتها غير المحددة ضد الإرهاب الدولى وتنضم إليها بقية دول الغرب طوعاً أو كرهاً. والساحة الإعلامية هى الساحة الحقيقية للصراع التى تتستر عليها كل التحركات الغربية الراهنة، وإن كانت مؤشراتها بإلصاق تهمة الإرهاب بالشخصية العربية وتشويه سمعتها وإفرازاتها السيئة المستقبلية لا تخفى علي من حباهم الله نعمة التبصر والوعى. وهى مؤشرات لا تحترم الأنظمة الداخلية للدول العربية أو الإسلامية أو الأنظمة الدولية. وتدين المتهم قبل أن يثبت الادعاء عليه، فضلاً عن كون الادعاء المعلن شعاراً برَّاقاً لأهداف استراتيجية مشبوهة.
وهذا التصرف الممجوج يتطلب أن يكن لنا موقف حازم فى عدم خلط الأوراق. نحن، كعرب ومسلمين، ندين الإرهب ونرفض إزهاق الأرواح الآمنة إيماناً منا برسالة الإسلام فى واقعها المبدئى الذى تمرغ برؤي سطحية أتاحت لغير المسلمين ممارسة إهانتنا بالدفاع المسموم عنها، فأضافت المهانة إلي الجرح. إدانة الإرهاب ورفضة لا تعنى أننا لا نمتلك الحق فى تفسير أسبابه واستحقاقاته وطرح رؤية موضوعية للأسلوب الأمثل للقضاء عليه تحول دون تمكين الغرب من استغلاله غطاءً للقفز علي أهداف أخري تخدم مصالح غربية استراتيجية مستترة، وأن نصدع بكلمة الحق فى التفريق بينه وبين حق الدفاع عن الأرض والعرض. وهذه إشارة واضحة لا تحتمل الخجل أو المواربة والتسويف إلي الصراع الفلسطينى الإسرائيلى الذى يمثل إرهاباً حقيقياً تمارسه دولة إسرائيل علي شعب فلسطين الأعزل بمباركة ودعم الولايات المتحدة الأمريكية، التى يُتخذ فيها قرار المباركة والدعم لإسرائيل بتأثير مباشر من اللوبى اليهودى فيها. خمسة ملايين يهودى فى الولايات المتحدة الأمريكية يمسك زعماؤهم بزمام القرار الاقتصادى والسياسى والعسكرى والمعلوماتى فيها، ويفرضون رأيهم علي بقية سكانها البالغ عددهم أكثر من 260 مليون شخص عن طريق سيطرتهم علي مواقع القرار السياسى والإعلام الأمريكى بشكل خاص.
أى معادلة تعيشها الولايات المتحدة الأمريكية وتغفل عنها؟ إنها قسمة ضيزي تقوم بها حفنة من اليهود وتقبل بها الولايات المتحدة الأمريكية دون أن يخرج منها رأى عاقل يحدد هذا الخلل ويفكر فى تصحيحه. هل هذه هى قوة يهودية أم ضعف أمريكى تمكن منها وجعلها آلة صماء طوعها اليهود لإدارة أموالهم التى تدير اقتصاد العالم وتتحكم فى استثماراته؟ فى المقابل، لم يتمكن اليهود فى العالم كله، وعددهم 5،13 مليون شخص، طوال عهود الزمن كلها من السيطرة علي رأى وقرار العرب والمسلمين، علي الرغعم من ضعفهم وتشتتهم. أليس هذا دليلاً كافياً غُيِّب العقل الأمريكى عنه ولم يدرك أن تفوق اليهود لم يتحقق إلا بسبب ضعف الولايات المتحدة الأمريكية واستسلامها لضغط اللوبى اليهودى؟ أليست هذه محنة حقيقة أن يستلهم اليهود قوتهم من الضعف الأمريكى؟ ألم يدفع الأمريكيون ثمن هذا الضعف وهم يباركون ويدعمون إرهاب معقل اليهود فى إسرائيل؟ كيف يخلط الأمريكيون أوراق الإرهاب وتغيب الحكمة عن ردع إسرائيل؟
اللوبى اليهودى لا ينظر إلي المصلحة الوطنية للولايات المتحدة الأمريكية، بل يرسم ويخطط لسيطرة يهودية علي اقتصاديات العالم تبدأ من الولايات المتحدة الأمريكية ولا تنتهى إلي حدود. وهذا التفكير المادى لليهود هو ما جبلوا عليه علي مر الزمن وأفصحت عنه قصصهم وتصرفاتهم. قد لا يهمنا، كعرب ومسلمين، ماذا يرضي الأمريكيون لأنفسهم إلا بالقدر الذى نتأثر به من قراراتهم الدولية التى يحيكها اليهود لهم وهم فى غفلة من أمرهم. وهى قرارات قد تأخذ صوراً سياسية أو عسكرية أو معلوماتية ظاهرة، إلا أنها تحمل فى بعدها الاستراتيجى طويل الأجل خطة لسيطرة اقتصادية علي العالم يعمل اليهود علي أن تكون مفاتيحها بيدهم.
الضعف الأمريكى الواضح أمام اللوبى اليهودى يمكن أن يكون مدخلاً عملياً لبناء استراتيجية عربية إسلامية طويلة الأجل تهدف إلي خلق قوي ضغط "لوبى" عربية إسلامية للتأثير علي والمشاركة فى القرار الأمريكى استثماراً للتجربة اليهودية واستغلالاًً لقدرات وإمكانات العالم العربى والإسلامى التى لا يمكن مقارنتها بمثيلاتها اليهودية. لم يصل اللوبى اليهودى لهذه القوة الضاغطة علي القرار الأمريكى بين عشية وضحاها، بل تمكنوا من توجيهه بعد جهد منظم استغرق عقوداً من الزمن. لنبدأ من الآن إدراكاً للمثل الأمريكى بأنه لن يكون متأخراً جداً، إنه من السذاجة أن ننتظر حتي يكون القرار الأمريكى الموجَّه لصالحنا، وإنه لمن المؤسف أن نجعل من الولايات المتحدة الأمريكية ملاذاً نقف علي أعتابه نسترحمها لترحم ضعفنا وتعيد حق أهل فلسطين. لابد وأن نعى الواقع ونتعامل معه بموضوعية وعقلانية ومنهج علمى وندرك آلية اتخاذ القرار الأمريكى وندرس الشخصية الأمريكية ونفك شفرتها الإعلامية بكفاءة مهنية، ونبدأ خطوة الألف ميل من قبل أن يفقدنا التخاذل القدرة علي الثبات، ناهيك عن الانطلاق، فى زمن لم تعد فيه فسحة للانتظار.