إننا إذا فحصنا سيرة الذين فشلوا في حياتهم، وسبرنا حياتهم، وغصنا في أعماق إخفاقهم في برامجهم، فقعدت بهم هممهم عن مواصلة مسيرتهم، ولم يصلوا إلى عـُشر ما كانوا يطلبون، ونسبوا الفشل الذي طغى على تصرفاتهم إلى أسباب خارجة عن إرادتهم، فبعضهم أصيب بأمراض نفسية؛ فانعزلوا على المجتمع، وصاروا عالة عليه وعلى ذويهم، وآخرون تحولوا إلى مردة فجرة يخربون ولا يبنون، يسيئون ولا يحسنون، وفريق لا تستطيع أن تصنفه من الطامحين ولا من القاعدين، منهم يتأرجحون، فلا يعزمون المسألة، ولا يبرمون الأمور، لذلك هم في غيهم يترددون، وهم في شكلهم يتقلبون، يقدمون رجلاً ويؤخرون أخرى.
لا ريب أن أعراض الفشل البادية عليهم تجعلنا نحزن عليهم؛ لأنهم بدلاً من أن يكونوا بناة في نسيج أمتهم، إذا هم بغاة على غيرهم وعلى أنفسهم، وبما أن الإخفاق له هذا الرصيد الكبير المختزن في أدمغة الفاشلين والذي يعطل حياتهم ويضفي على من حولهم جواً من البؤس والسآمة، والحزن والملامة، لذلك أحببت أن أصور للقراء أسباب الفشل وانعكاساته على الفرد والمجتمع.
أعتقد أن الفاشل لم يغرق في فشله دون أن يكون له نصيب كبير في خلق أجواء الإخفاق، فمن أين يدخل علينا الفشل وكيف نبحر في بحره ثم نقنع أنفسنا بأنّ مياهه لن تصل إلينا؟!
إن الفاشل في حياته لم يصب بهذا المرض (مرض الفشل) من غير ما سبب، وأجزم أن أهم أسباب الفشل هو:
1ـ فقدان التخطيط في حياة الفاشل.
2 ـ البعد عن التنظيم والوقوع في الفوضى.
3ـ عدم ترتيب الأولويات.
4ـ غياب فقه الموازنات في حياته.
5ـ سوء تقدير القـٌدرات.
6ـ الاهتمام بالقشور وترك اللباب.
7ـ غياب فقه المراجعات لحياته.
8ـ عدم الاستفادة من الآخرين.
9ـ التسويف.
10ـ عدم الأخذ بالأسباب.
11ـ الأثرة والأنانية.
12ـ لا يحب التعاون ولا يقبل مساعدة الآخر.
التخطيط وأهميته في إنجاح حياتك:
أو غياب التخطيط من حياتك سبب في فشلها
لماذا نفشل في حياتنا؟ لماذا يفشل الطالب؟ والأب؟ والأم؟ والمدير؟ والعامل؟ والمدرس؟ و....
أعتقد أن من أهم أسباب الفشل في الحياة هو غياب التخطيط من مشروع حياتنا.
فما التخطيط؟ هو ـ ببساطة ـ : توازن العلاقة بين الأهداف والوسائل، أو أن نجعل الموارد على قدر المصارف، أو بتعبير آخر: تنظيم الأعمال على قدر الأزمان. وهناك تعاريف كثيرة لمفهوم التخطيط كلها تدور حول تلك المعاني، تزيد أو تنقص.
والإنسان الذي لا يخطط لحياته إن لم يفشل فشلاً كاملاً، فلا بد أن يتعرض لبعض مسوغات الفشل.
وأراني أجزم بأن هناك علاقة حركية ( طردية) بين التخطيط والتنظيم، فكل مخطط منظم والعكس غير صحيح، لكنني أؤكد أن بين الاثنين تداخلاً وتخارجاً، فقد يخطط الإنسان لحياته، فإذا جاء التنفيذ تراه يتخبط في تنفيذ مشروعه الذي خطط له، وكذلك المنظم، فبعض الناس يعتقد أنه يسير وفق نظام معين، لكنه يفتقر إلى التخطيط الدقيق.
فالطالب الذي يود النجاح يعمد منذ بداية العام إلى رسم خطط دراسية، فهو يحصي مواده، وكم تحتاج إلى ساعات ودراسة، ثم يميز بين مواد أخرى بحسب الأهمية.. ويبدأ برسم جدول زمني يوزع عليه المواد، إضافة إلى أنه يسبر غور المواد ليعرف عدد الحصص التي تحتاج إليها المادة. ويوزع كل ذلك على الأسبوع أو الشهر أو الفصل، وما المواد التي تحتاج إلى مدرس، والأخرى التي يعتمد فيها على الله ثم على نفسه، أو يستعين بزملائه وذويه، وفي أثناء التخطيط يضع استراحات يروّح فيها عن نفسه أو يخصص أوقاتاً للزيارات، أو قضاء حاجات المنزل أو غير ذلك من الأعمال.
ويشمل التخطيط كذلك المواد التي لا تفهم إلا بمراجع أو زيارة المكتبة.
ثم يبدأ يومه الدراسي المنظم من قبل المدرسة والبيت، فلا يسوّف ولا يؤخر عمل اليوم إلى الغد، حتى لا تتراكم عليه الأعمال فيمل، ويكسل.
والطالب المنظم يبدأ بالأهم فالمهم، وهكذا.
ومن دواعي التخطيط ألا يضيع جهداً ووقتاً في أمور مستغلقة (صعبة) عليه، فهو يدعها إلى ما يفهم حتى إذا فرغ منها عاد إلى الأصعب، فاستعان بأهل الخبرة، وينبغي أن يهتم أثناء التخطيط بالمواد التي تحتاج إلى حوار مع الآخر أو نقاش؛ لأن ذلك يعزز الفهم.
والتنظيم في الحياة يساعد على تنفيذ المخطط، ومهما كان هذا التخطيط دقيقاً؛ فإن لم ينظم الطالب حياته على أساسه فلن يفلح.
والخطأ في تقدير الأشياء والمواد من أهم أسباب الفشل الدراسي، وكذلك الخطأ في تقدير الإمكانات العقلية والمالية مدعاة للفشل الذريع.
إذن التخطيط والتنظيم عمليتان متلازمتان معقدتان إذا أسيء استخدامها، أو طغى على آخر، أو حل عامل مكان غيره أدى ذلك إلى الإخفاق.
كيف نتجنب الإخفاق؟
قد يخطط طالب لأن يكون طبيباً، لكن قدراته المالية والذهنية لا تسمح له بذلك، فيقوى على نفسه، ويجهدها، فيصاب بالإحباط.. إذن يجب أن يبحث عما يناسب.
قد يطلب من ذويه دروساً في الرياضيات ـ أسوة بغيره ـ وهو ضعيف في اللغة مثلاً، أو يعطي الجغرافياً زمناً أكثر من التاريخ، وهكذا.
ومن الطلبة من يصرف وقتاً طويلاً في مواد لا تستلزم ذلك، ويمنح مواد أخرى زمناً قليلاً، وهي تتطلب منه وقتاً أكبر.
ومن الآباء من يلزم ابنه بدراسة ما، دون أن يدري طاقات ولده تجاه تلك الدراسة، فيستجيب ابنه له، لكنه يفشل، إذ أنه غير مهيأ لمثل هذه الدراسة.
التخطيط والتنظيم، ثم التنفيذ عناصر ثلاثة في الحياة، فهي كالماء والهواء والغذاء بالنسبة لدوام الحياة، ومن المعلوم أن تلك المواد الضرورية لبقاء الحياة تؤخذ بقدر على هيئة معينة في زمن مخصوص، ولكل منها نسب محددة.
ويجدر به إذا انتهى من تخطيط جزئي، وفرغ من تنفيذه؛ ينتقل إلى مخطط آخر، فإذا فشل في تحقيق أهداف معينة، فينبغي أن يراجع المخطط، ثم يدرس العوامل التي عاقت تنفيذه، ويحاول أن يجد لها حلاً، أو يغير في خططه وبرامجه.
ففي الميدان قد تطرأ أمور، وقد تقع مشكلات لم تخطر على بال المخطط والمنفذ والمنظم، ففي هذه الحالات يسارع إلى إعادة النظر ببعض خطوات المخطط، آخذاً بعين الاعتبار تلك الظروف، والمشكلات التي أحاطت به، وعرقلت التنفيذ، سواء كانت ظروف داخلية أم خارجية.
تحدثت في هذا المقال عن الطالب وعلاقة نجاحه أو فشله بالتخطيط والتنظيم، وسوف أتطرق إلى أهمية التخطيط في مناحي الحياة، وإن اهتمامي بالطالب أكثر من غيره هنا، عائد إلى أن هذه الشريحة الاجتماعية تعاني من صعوبات جمة أثناء العام الدراسي، وتقع في انتكاسات شتى من فقدان التخطيط في حياتها، وسوء التنظيم وتعثر التنفيذ.
ويلي الطالب في الأهمية ـ رب الأسرة ـ والأم وبقية الأولاد، فالأسرة هي اللبنة الأولى في المجتمع، إذا صلحت صلح، وإذا فشلت هوى، فهي بالنسبة إلى المجتمع كالقلب في جسد الإنسان، ولست مقللاً من أهمية الأعمال الأخرى ـ كما أشرت في المقدمة ـ فالمدير، والمدرس، والتاجر، والعامل وغيرهم من أحوج فئات المجتمع إلى التخطيط.
وخلاصة القول في هذا الموضوع: إنّ الطالب المخطط الناجح قدوة لغيره، فيا أيها التلميذ ويا أيها الطالب، واصل جهدك وأنت تسير على خطط مدروسة، فهي ـ إن شاء الله ـ تحقق لك نجاحاً، فإن فعلت ولم تظفر، فاعلم أن هذا امتحان لك من ربك، فاصبر، وأعد حساباتك، واختبر نواياك، فعسى الله أن يأتي بالفرج من عنده، وفقك الله إلى كل خير.