التجارة النقالة.. ثورة تكنولوجية جديدة

فى ظل التقدم المذهل الذى تحقق خلال السنوات القليلة الماضية علي صعيد التقانة الرقمية، والتى أحدثت ثورة حقيقية فى عالم الاتصالات والمعلوماتية.. إنتعشت أسواق التجارة الإلكترونية (E.Commerce) عبر الشبكة الدولية، إنترنت.. ولم يعد الولوج إلي هذه الأسواق وممارسة أعمال البيع والشراء، قاصراً علي أصحاب شبكات الإنترانت أو من لديهم حواسيب شخصية متصلة بالإنترنت، بل صار بالإمكان إنجاز جل الأعمال التجارية من خلال أجهزة الهواتف الخلوية، المجهزة للعمل علي بروتوكول التطبيق اللاسلكى WAP وهو الأوسع انتشاراً؛ أو غيره من البروتوكولات المنافسة مثل البروتوكول GPRS. فماذا عن التجارة النقالة (M. Commerce)؟
إن تطور الاتصال بالإنترنت لاسلكياً، وظهور ما يعرف بالتجارة النقالة.. مر بثلاث مراحل، أو بالأحري أجيال متعاقبة، فى فترة زمنية قصيرة لا تتعدي النصف عقد الأخير. وقد تمثل الجيل الأول بشبكات معطيات تعمل بتقنية التبديل الداراتى بسرعة 9.6 bit/s، وهى تقدم خدمات محدودة واقتصر استخدامها علي مستثمرى الأعمال فقط. أما الجيل الثانى، فهو يعتمد بالأساس علي تقنية تبديل الرزم الأولي، وتقنية (2G)، وهى تسمح بمعدل سرعات تناسب زيادة خدمات المعطيات. وفى هذا الجيل ظهرت بوادر خدمات ال(WAP).
والجيل الثالث، وهو الأكثر حداثة وتطوراً، وانتشاراً أيضاً.. ويقدم مجالاً أوسع من خدمات المعطيات، بما فيها الإنترنت النقالة. ويرجع الفضل فى ظهور هذا الجيل إلي ابتكار ما يعرف بتقنية (3G)، التى تعمل بسرعات تصل إلي 144 k bit/s.

وفى معرض تليكوم للاتصالات الدولية بجنيف، احتل بروتوكول الاتصالات اللاسلكية الصدارة بين التقنيات التى روج لها المعرض. وهذا البروتوكول، الذى يمثل فى الوقت الحاضر العصب الأكبر فى عالم التجارة النقالة فيما يعرف بثورة الواب، له كثير من المزايا؛ نذكر من أهمها:
\ أنه يحول الهاتف النقال إلي طرفية الإنترنت، بحيث يصبح من اليسير النفاذ إلي الشبكة أو التجول فى فضائها الرحب، وتصفح واستعراض صفحاتها، والولوج إلي المواقع المختلفة بها. ويتيح لصاحبه استقبال الإعلانات تلقائياً، وكذا الأخبار وحالة الجو وحالة سوق الأوراق المالية والتسوق والدفع علي الخط.
\ حل مشكلة عرض الصور والبيانات علي الشاشة الصغيرة للهاتف النقال.
\ يتمتع بدرجة عالية من الأمن، فنحن إلي اليوم لا نعرف فيروسات تعمل معه. إضافة إلي احتوائه علي وظائف آمنة، مثل التأكد من هوية المستثمر، وتطبيقات حماية المعطيات.
ونظراً لأهميته، اتجهت الكثير من الشركات والمؤسسات العاملة فى مجال تقنية الاتصالات، إلي الاعتماد عليه ضمن أجهزتها، وإجراء المزيد من التطوير عليه. كما هو الحال فى الميكروسوفت، التى انضمت إلي "ثورة الواب" رغبة فى تطويره نحو http-html. وكذا نوكيا، التى أدخلت هذا البروتوكول ضمن هواتفها النقالة، وتليكوم التى عقدت مؤخراً اتفاقية مع وكالة فرانس برس للأنباء، يتم بموجبها توظيف هذا البروتوكول لخدمة الأنباء التى تبثها الوكالة بستة لغات.
وكان قد ظهر تجمعاً عالمياً، يطلق عليه اسم "منتدي الWAP الدولى"، أسسته شركة phone.com، بمشاركة شركات إريكسون ونوكيا وموتورولا. ويضم هذا المنتدي حتي الآن أكثر من 250 شركة اتصالات من مختلف بلدان العالم.

وإلي جانب الWAP، من المنتظر أن ينطلق قريباً بروتوكولاً منافساً يعتمد بالأساس علي تقنية الخدمة العامة للتواصل الراديوى، ويطلق عليه إسم General Packet Radio Service، والذى يشتهر اختصاراً ب(GPRS)، ويتميز هذا البروتوكول بتقديم سرعات وصل أعلي، وهو ينقل المعلومات علي شكل رزم مشابهة قليلاً لتقنية ATM وبسرعات ستتجاوز ال 100 k bit/s. والميزة الخاصة لهذا البروتوكول هى أن المشتركين سييقون علي اتصال دائم مع المخدم من أجل تلقى المعلومات.
وهناك أيضاً البروتوكول High Speed Circuit Switched Data والذى يعرف اختصاراً بHSCSD. وتسمح تقنيته برفع معدل المعطيات، حتي 4،57 كيلوبت-ثانية، وذلك بتجميع أربعة مجالات زمنية ينقل كل منها 4،14 كيلوبت-ثا، داخل الخلية GSM. ويسمي هذا بالولوج المتعدد بالقسم الزمنى TDMA. وكذا البروتوكول Enhanced Data Rates for Global Evolution، والذى يعرف اختصاراً ب(EDGE). وهو يعتمد طريقة جديدة فى تضمين المعلومات 8psk عوضاً عن طريقة GSMK المتبعة فى نظام GSM. وهذا سيسمح باستخدام قنوات اتصال تصل سعتها إلي 384 k bit/s. وإلي جانب هذه البروتوكولات هناك أخري ما زالت فى طور التجارب والاختبارات.

وقد دخلت بالفعل بعض البلدان العربية عالم التجارة النقالة، وإن كان عدد المستخدمين لها حتي الآن ما زال محدوداً، قياساً بعدد المستخدمين لها فى اليابان والولايات المتحدة الأمريكية ودول أوروبا الغربية. ومن أكثر البلدان العربية التى يتصاعد اتجاهها نحو عالم التجارة النقالة، المملكة الأردنية الهاشمية، دولة الكويت، المملكة العربية السعودية، جمهورية مصر العربية، ودولة الإمارات العربية المتحدة. وفى لبنان يطبق حالياً مشروعاً تجريبياً يرمى إلي معرفة تأثير التجارة النقالة وتقويم سلوك المستهلك.
وهناك عدة شركات ومؤسسات عالمية تقدم مستلزمات الربط، وفى مقدمتها الWAP، بين الهواتف النقالة والإنترنت فى المنطقة العربية، وذلك تبعاً للمتطلبات القانونية واللوجستية الموافقة، والتى يتم التحكم فيها من خلال ما يسمي بمنصة العمل Twister، وهى تشغل بواسطة محطات يطلق عليها إسم Solaris. وإلي جانب أهمية هذه المنصة كونها تتعامل وفقاً للمتطلبات القانونية واللوجستية، فإنها تتميز بقابليتها للتوسع. ومن الشركات والمؤسسات الرائدة فى تطوير السوق العربية نحو التجارة النقالة نذكر Fastlink، Mobinil، Click GSM، Turkcell، Telsim.

إن ما يحدث الآن يعد بمثابة وضع اللبنات الأولي فى صرح عالم التجارة النقالة، التى تشير التقارير إلي أن نمواً مذهلاً لها سوف نشهده خلال السنوات القليلة القادمة.
وفى تقريرها السنوى الذى صدر مؤخراً تحت عنوان "الإنترنت اللاسلكية - تطبيقاتها - تقنياتها - واستراتيجيات السوق"، أشارت مجموعة Arc Group إلي أن مستثمرى معطيات التجارة النقالة، فى الوقت الحاضر، وصل إلي 184 مليون مستثمر، جلهم فى اليابان وأوروبا الغربية والولايات المتحدة الأمريكية. ويضيف التقرير إلي أنه من المتوقع حتي عام 2005م، زيادة عدد مستثمرى المعطيات النقالة عن المليار مستثمر، أى ما يفوق عدد مستخدمى الإنترنت الثابتة، المتوقع أن يصل خلال نفس الفترة إلي 750 مليوناً.
وفى تقرير آخر بعنوان "استراتيجيات سوق الWAP"، ورد أن حصة العالم العربى من أنشطة التجارة النقالة، علي المستوي العالمى، لا تتجاوز فى الوقت الحاضر نسبة 2%. وهى مرشحة للزيادة لتصل إلي 6% بحلول العام 2006م.
$ متخصص فى المعلوماتية - جمهورية مصر العربية.