بعض الناس، كما يقول المثل المكى، لا يعجبهم العجب ولا الصيام فى رجب. فعندما أعلنت الهيئة العامة للاستثمار عن الترخيص لتجمع شركات أمريكية للاستثمار فى بناء المدارس بالمملكة العربية السعودية استنكروا هذه الخطوة وحمَّلوها ما لا تحتمل من تأويلات تجاوزت البُعد الاقتصادى فخلطوا الأوراق بعاطفة غير موضوعية. لقد جاء إنشاء الهيئة العامة للاستثمار لتفعيل نظام استثمار رأس المال الأجنبى الجديد الذى يهدف إلي فتح آفاق الاستثمار الأجنبى فى الاقتصاد السعودى والتأكيد علي انفتاح الاقتصاد فى حقبة العولمة واستحقاقات الانضمام لمنظمة التجارة العالمية، وهو هدف استراتيجى يتطلب رؤية جديدة تكسر الانغلاق والمفهوم الضيق للتنمية الاقتصادية. وكان علي الهيئة العامة للاستثمار أن تتحرك بمسؤولية وشفافية لتفعيل نظام الاستثمار الأجنبى الجديد وإشعار المستثمرين الأجانب بجدية الحكومة ورغبتها فى اجتذاب رؤوس الأموال الأجنبية ورفع مستويات الاستثمار وتوظيف الموارد الاقتصاية المتاحة ومساندة القطاع الخاص فى المساهمة الفاعلة فى النشاط الاقتصادى. وأصدرت الهيئة العامة للاستثمار القائمة السلبية التى يحظر علي المستثمر الأجنبى الاستثمار فى أنشطتها بهدف قصرها علي المستثمر الوطنى لاعتبارات مختلفة، وإن كانت الهيئة قد أكدت أن هذه القائمة ستخضع للمراجعة والتقويم حتي لا يصاب نظام الاستثمار الأجنبى الجديد بالجمود وليكون الاقتصاد السعودى متفاعلاً مع التغيرات الاقتصادية العالمية ومرناً فى التعامل معها. وقد يصعب تصور رؤية "بعض الناس" أن جذب الاستثمارات الأجنبية أمر سهل فى ظل الفرص الاستثمارية المتاحة فى كثير من دول العالم، ودول الجوار تحديداً، والتى تسعي إلي استقطاب رؤوس الأموال الأجنبية إليها دون أن تضع أمامها قيوداً تذكر. ولهذا فإن مهمة الهيئة العامة للاستثمار ليست سهلة إذ عليها أن تنافس فى سوق تنافسية شرسة ومتنامية حيث تسعي كل الدول إلي نصيب أكبر من رؤوس الأموال التى تبحث عن فرص استثمار مجدية فى كل أصقاع الأرض وأطرافها. وعلي الرغم من استنكار "بعض الناس" لخطوة الهيئة العامة للاستثمار، فقد سارعت الهيئة إلي إيضاح أن هذه الفرصة الاستثمارية ستتيح للمقاول السعودى فرصة المشاركة فى المشروع وسيكون للمنتج السعودى (بفتح التاء) الأولوية فى الاستخدام. فما هو وجه العيب فى المسألة إذاً؟! إن الأمر محير فعلاً. إذا كنا نريد أن نجتذب رؤوس الأموال الأجنبية فعلينا أن نتقبل هذه المتغيرات الدولية وأن نتعامل معها بموضوعية وأن ندرك أن أبواب المناقشة فى هذه الحقبة الاقتصادية الجديدة تتطلب وعياً اقتصادياً جديداً ورؤية استراتيجية جديدة وتفاعلاً اقتصادياً جديداً. ونقول بكل بساطة. إذا كنا نريد أن نتعامل مع هذه المتغيرات الاقتصادية الدولية بجدية ومسؤولية، وإذا كنا نحترم النظام الذى نصدره، ونلتزم بالقائمة السلبية المعلنة؛ فإن علينا أن نرحب بأى مستثمر أجنبى وفق هذا الإطار وضمن هذه الحدود حتي تكون لنا مصداقية وحتي نتمكن فعلاً من اجتذاب رؤوس الأموال الأجنبية وتفعيل النشاط الاقتصادى والتعامل مع الواقع بموضوعية بعيداً عن العاطفة التى ليس لها فى عالم الاقتصاد مكان.