تتجه قلوب الملايين من المسلمين سنوياً نحو المشاعر المقدسة، مكملين آخر ركن من أركان الإسلام الخمس ليعودوا إلي أهليهم وذويهم كيوم ولدتهم أمهاتهم. إن أى حاج فى حاجة إلي وسيلة نقل توصله إلي الأراضى المقدسة، ثم إلي مكان يسكن فيه خلال هذه الفترة، ثم إلي وجبات يعيش عليها.. وهكذا فكل حركة يتحركها غالباً ما تحتاج إلي مال منذ خروجه من دياره وحتي عودته إليها، وجميعنا هذا الرجل. المال ضرورى لتنفيذ ما نريد، ولكن المختلف هنا هو أن هذا الرجل يماثله قرابة مليونى شخص كلهم تجمعوا من جميع أصقاع الأرض فى هذه البقعة المباركة فى أيام معينة لتنفيذ شعيرة من شعائر الله. فلو افترضنا أن مليونى حاج صرف كل منهم فقط ألف ريال داخل الأراضى المقدسة؛ فهذا يعنى دخلاً قدره مليارى ريال خلال أقل من 10 أيام. هذا بافتراض ألف ريال فقط، هل تصورتم كم هو مبلغ كبير، رزق من عند الله حلال فى أيام عظيمة مباركة. لقد كان سكان الحجاز قديماً ينتظرون هذه الأيام بفارغ الصبر، فلئن ضاعت علي أى منهم فرصة العمل خلال هذه الأيام فقد لا يجد لعائلته قوت باقى السنة بل والسنة التى تليها إلي الموسم القادم. وقد تضيع علي كبار التجار فرص عظيمة لتجارة رابحة. ولكن شكل هذه التجارة وهذا الاستعداد اليوم اختلف عن الأمس كثيراً. لقد كان الحجاج يصلون ضمن القوافل، إن كانوا قادرين علي ذلك، أو علي أرجلهم؛ ثم أصبحوا يصلون بسياراتهم وبالسفن ولا يزالون ثم أصبحوا يصلون بالطائرات إلي مطار الملك عبدالعزيز بجدة أو مطار الأمير محمد بن عبدالعزيز بالمدينة المنورة. وهذا يعنى أن شركات الطيران ومن ضمنها الخطوط الجوية العربية السعودية لابد أن تزيد عدد رحلاتها القادمة من شتي أنحاء العالم لتواجه تزايد الطلب علي الرحلات إلي أرض الحرمين الشريفين، وهذا يعنى زيادة فى الدخل القومى وزيادة فى سرعة الحركة التجارية. ثم يصل الحاج إلي أرض المطار، وهنا يبدأ دور الحركة الاقتصادية فى الداخل. فوكالات الحج تتعاقد مع وكالات مماثلة لها فى أكثر من بلد إسلامى معين علي أن تقوم برعاية القادمين منها من حجيج خلال فترة معينة وتكون تكلفة الشخص الواحد تساوى كذا، والسعر يشمل التكلفة والربح.. وهكذا. هذا الأسلوب يساعد وبشكل كبير علي عملية التنظيم الداخلى للتحرك من منطقة إلي منطقة حتي يغادر الحاج أو المعتمر الأراضى المقدسة إلي بلاده. كما أن شركات النقل، التى تشرف عليها نقابة السيارات ومن بينها الشركة السعودية للنقل الجماعى، تقوم بنقل الكثير من الحجاج فيما بين المشاعر المقدسة وما بينها وبين المدينة المنورة، ولابد أن تكون علي أعلي المستويات من الخدمة لراحة الحجيج لتضمن استمرار عملها ورضي المستفيد منها وبالتالى تضمن دخلاً مجزياً مقابل ذلك. قد نجد الكثير من العمائر بمكة المكرمة والمدينة المنورة مهجورة خاوية علي عروشها خلال العام، فنتساءل لماذا؟ ذلك لأنها لا تعمل إلا أيام الحج وربما خلال شهر رمضان الكريم، فدخل هذه الأيام قد لا يشجع صاحبها علي تأجيرها طوال السنة فهو فى غني عن هذا، إذا ضمن تأجيرها طوال أشهر الحج وشهر رمضان بثمن يضمن له العائد المجزى وعدم استعمال المبني معظم أشهر السنة وبالتالى عدم الإنفاق علي صيانتها. أما المطاعم والفنادق وما أشبهها، فهى أيضاً حركة دائبة ترتفع هذه الحركة خلال موسم الحج والعمرة لدرجة تشجع الآخرين علي الدخول فى هذا المضمار رغم منافسة مطاعم الوجبات السريعة للمطاعم التقليدية. وتزداد الحركة التجارية فى موسم الحج وأهم مظهر لها حركة البيع والشراء، حيث تمتلئ الأسواق علي آخرها ويسعد أهل المتاجر بذلك. ورغم كل ما يدخل إلي اقتصاد البلاد فى أيام الحج، فإن هناك أمراً لا يمكن أن نغفله أبداً، وهو الأمن والسلام الذى يعيشه الحاج. لقد صرفت المملكة العربية السعودية علي الأمن والطرق والمياه والصحة وتوفر المعايش ومختلف الخدمات الشيء الكثير ليعود كل حاج إلي أهله سالماً، فقد بنت الجسور وشقت الأنفاق فى الجبال، وأطلقت الرذاذ الذى ينزل علي رؤوس الحجيج ليبرد عليهم حر الشمس، والماء البارد الذى يوزع بالمجان ليروى العطشي. كل هذه تكاليف تتكبدها الدولة لراحة الحجيج وسلامتهم، فنجد أنها معادلة قد تبدو متوازنة بين ما تنفقه الدولة وبين ما يدخل إلي مواطنيها عن طريق أبناء البلد. ولكن الحقيقة أن ما ينفق علي راحة الحجيج أعلي بكثير مما ينفقه الحجاج لتسيير أمورهم. وفى كل ذلك تحقيق لقول الله تعالي فى فوائد الحج ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله فى أيام معلومات. لبيك اللهم لبيك.