إستضافت مدينة ريو دى جانيرو البرازيلية عام 1992م مؤتمر "يوم الأرض". ودق المؤتمرون ناقوس الخطر من تزايد المخاطر التى تحـدق بكوكب الأرض نتيجة لارتفاع نسب التلوث لدرجات غير مسبوقة أدت، من بين آثارها الضارة، إلي إحـداث ثقب كبير فى طبقة الأوزون، الأمر الذى يؤدى إلي الإضرار بكافة جوانب الحـياة علي كوكب الأرض. ورغم مرور هذه السنوات وجهود التوعية بضرورة حـماية البيئة، ما زال التلوث يهدد الصحـة العامة والبيئة. فقد أظهرت المصادر الجديدة وغير الظاهرة للتلوث مثل الهطول الحـمضى، والطرق الأفضل للكشف؛ أن التلوث أصبح أكثر انتشاراً مما نعتقد. فضلاً عن أن الاهتمام بالمشكلات البيئية الكونية الجديدة وتأثيراتها الممكنة، مثل استنزاف أوزون طبقة الاستراتوسفير والتدفئة الكونية، آخذ فى الازدياد والانتشار. والمشكلة، أن أياً من هذه الأنواع من التلوث لا يخضع لبرامج الرقابة التقليدية علي التلوث. يقول ترافس واجنر فى كتابة "دليل لفهم التلوث وآثاره"؛ ينبغى تطوير استراتيجية رشيدة لمجابهة مشكلات التلوث الاستراتيجية تركز علي منع التلوث قبل تولده. بيد أن التلوث ينشأ فى أغلب الأحـيان من جراء أن شركة ما لم تستثمر ما يكفى من جهد فى تطوير برنامج يقضى علي أو يقلل من هذه المشكلات. وعلي الرغم من أن القضاء التام علي التلوث كما نعلم مستحـيل واقعياً، فإنه يمكن تحـقيق تخفيضات، فضلاً عن الحـفاظ علي الموارد. ويمكن لمنع التلوث أن يقلل من تكاليف المعالجة والنقل وإدارة التلوث، ويخفض الحـاجة إلي مواد خام وكيماويات، ويزيد من فاعلية الطاقة، وتحـسين كفاءة الإنتاج. ومن ثم، فينبغى أن يعى الجمهور أن التلوث لا يرتبط فقط بالصناعة. فالمستويات المادية المتعاظمة للمعيشة التى تتطلب موارد وطاقة تعتبر مصدراً ملوثاً للبيئة، من الأفضل أن يتحـاشاه الناس أو يقللوا من مستوياته. فإذا كان من المهام الرئيسية للصناعة أن تلبى احـتياجات المستهلك، فإنها مطالبة بأقل استهلاك ممكن للموارد وبأقل تهديد للبيئة. كما تقع المسؤولية الحـقيقية لحـماية البيئة علي عاتق كل مستهلك. والسؤال المهم؛ هل هناك نظام اقتصادى يتضمن الحـفاظ علي نوعية البيئة ويسمح فى الوقت نفسه باقتصاد سوق عادل؟ لقد تزايد عبر العقدين الماضيين الاهتمام بمفهوم حـالة الاقتصاد المستقر؛ ويقصد به اقتصاد يحـتفظ فيه بعدد سكان وكمية بضائع عند مستوي ثابت ويكون مستداماً بيئياً عبر الزمن. وفى الواقع، تهيئ حـالة الاقتصاد المستقر نوعية جيدة للحـياة، حـياة لا تستند بالضرورة إلي السلع المادية فقط. وللأسف، فإن البناء الحـالى لاقتصادنا يعتبر بمثابة اقتصاد باهظ الإهدار، نتيجة الاعتماد علي الاستهلاك، ذلك لأننا نستهلك ونهدر ونفعل ذلك دون أن نلقى بالاً بالقيود المفروضة علي بيئتنا ومواردها. ومن ثم، فإن التحـكم فى التلوث من خلال القوة الاقتصادية مثل منع التلوث هو الخطوة الأولي المهمة لتحـقيق حـالة الاقتصاد المستقر. ونظراً لأن الكثير من الصناعات تؤمن بمنع التلوث فلم يعد التقدم نحـو حـالة الاقتصاد المستقر حـلماً صعب المنال. بيد أن النجاح والتحـكم فى التلوث بفعالية يقع علي عاتق جمهور الناس أولاً، ثم الدولة وأنظمتها وإداراتها. ويمكن فقط عن طريق تغيير عادات الاستهلاك أن نضع أساساً للعمل للوصول إلي الاقتصاد المستقر، دون إهمال الإصلاحـات الاقتصادية الحـكومية. ومما يبشر بمستقبل زاهر أن بعض المستهلكين بدأ فى الاقتناع بأن منع التلوث يكون بشراء مطهرات مركزة، ومنتجات خالية من الصبغات، ومصابيح إضاءة ذات طاقة فعالة، وبطاريات خالية من الزئبق. وإذا لم يكن هذا الاتجاه مجرد تقليعة وبدعة بل تغير حـقيقى فى سلوكيات المستهلك، فسيكون من الممكن إحـداث تحـسينات حـقيقية فى البيئة.