تقييم حالة الأمن الغذائي والتغذية في العالم

الناقل : elmasry | المصدر : www.ecoworld-mag.com

في وثيقة أصدرتها منظمة الأغذية والزراعة
تقييم حالة الأمن الغذائي والتغذية في العالم
 

أعدت هذه الوثيقة للدورة الرابعة والثلاثين للجنة الأمن الغذائي التابعة لمنظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة والتي عقدت خلال الفترة من 14 إلى 17 أكتوبر 2008م الماضي. وتسترعي هذه الوثيقة اهتمام اللجنة إلى أن عدد الجوعى آخذ في الازدياد. فالاتجاهات طويلة الأجل في الجوع العالمي تبين أنه في الفترة 2003-2005م، وحتى قبل أن تتسبب آثار ارتفاع أسعار الأغذية في المزيد من النكسات، كان هناك ستة ملايين من السكان في العالم الذين يعانون من الجوع بصورة مزمنة أكثر مما كان خلال الفترة 1990-1992م (842 مليوناً في الفترة 990-1992م مقابل 848 مليوناً في الفترة 2003-2005م)، وهي فترة الأساس لمؤتمر القمة العالمي للأغذية وللأهداف الإنمائية للألفية.
ولقد تفاقمت حالة انعدام الأمن الغذائي بدرجة أكبر نتيجة ارتفاع أسعار الأغذية، خاصة منذ عام 2006م. وتبين التقديرات الأولية للمنظمة أن عدد السكان الذين يعانون من نقص التغذية في العالم عام 2007م الماضي ارتفع بمقدار 75 مليون شخص على مدى الفترة 2003-2005م وهذا يعزى أساساً إلى الزيادات في أسعار الأغذية.
ونتيجة لذلك، قدر عدد السكان الذين يعانون من نقص التغذية على نطاق العالم بنحو 923 مليوناً في عام 2007م الماضي.
وقد تسبب القلق العالمي من تأثير الارتفاع الحاد في أسعار الأغذية والوقود على الفقراء والجوعى في إنهاء حالة الشعور بالرضا التي نشأت نتيجة سنوات من انخفاض أسعار السلع الغذائية الأساسية.
ففي الفترة 3-5 يونية من عام 2008م اجتمع في العاصمة الإيطالية روما رؤساء دول وحكومات ووزراء وممثلو 180 بلداً إضافة إلى الاتحاد الأوروبي لإعادة تأكيد التزامهم بتخفيض الجوع.
وفي مؤتمر قمة مجموعة الثمانية المعقود في اليابان في يولية 2008م الماضي أعرب رؤساء دول صناعية بارزة، انضم إليهم عدة زعماء آخرين في العالم، عن تصميمهم على اتخاذ كافة التدابير الممكنة لحسر الإتجاه المقلق في الجوع العالمي بطريقة منسقة، وألزموا حكوماتهم بزيادة المعونة والاستثمار في القطاع الزراعي، وتحقيق زيادات كبيرة في دعم المبادرات الخاصة بالبلدان النامية.
وتؤكد هذه الوثيقة أنه على الرغم من أن العالم يواجه حالة من انعدام الأمن الغذائي تبعث على القلق، فإن الإلتزام المتجدد بخفض الجوع يمكن أن يؤدي إلى انحسار في الحالة. وقبل الارتفاع الحاد في أسعار الأغذية والوقود، أحرزت بعض الأقاليم الفرعية وعدد من البلدان تقدماً لا بأس به في تخفيض الجوع. وهذا يبين أن السياسات الجديدة يمكن أن تحقق النتائج اللازمة لمواجهة تحديات الجوع المستمرة.
وهناك توافق في الآراء بدأ يظهر في ما بين أصحاب المصلحة حول إطار استراتيچي مشترك يقوم على أساس استراتيچية ذات اتجاهين لتخفيض الفقر والجوع. وتشمل هذه الاستراتيچية شبكات أمن وبرامج حماية اجتماعية موجهة بعناية من أجل حماية مجموعات السكان الأكثر تعرضاً من الأخطار المحدقة، عن طريق اتخاذ تدابير تهدف إلى تمكين أعداد كبيرة من صغار المزارعين من زيادة إنتاجهم على المدى الطويل.
وهذا سيتطلب استثمارات موجهة بصورة جيدة وتدابير سياسية لزيادة المنح الخاصة بصغار المزارعين، وتيسير وصولهم إلى الأسواق، وتحسين قدراتهم على مواجهة المخاطر.

الاتجاهات الطويلة الأجل


تبين أحدث تقديرات منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة أنه حتى قبل الطفرة الأخيرة في أسعار الأغذية، ظهرت بالفعل اتجاهات مزعجة طويلة الأجل نحو تزايد الجوع. وتقدر المنظمة أن 848 مليون شخص كانوا يعانون من الجوع المزمن على نطاق العالم في الفترة 2003-2005م، وهذا يمثل زيادة قدرها ستة ملايين من عدد الجوعى الذي بلغ ما يقرب من 842 مليوناً في الفترة 1990-1992م، وهي فترة الأساس التي حددها مؤتمر القمة العالمي للأغذية، والتي يقاس التقدم على أساسها.
ومع ارتفاع عدد السكان الذين يعانون من الجوع بصورة مزمنة في العالم الآن عنه خلال فترة الأساس، فإن هدف مؤتمر القمة العالمي للأغذية بتخفيض هذا العدد إلى النصف بحلول عام 2015م قد يصبح بعيد المنال.
وقد حدث معظم الزيادة في نقص التغذية منذ فترة الأساس التي حددها مؤتمر القمة العالمي للأغذية 1990-1992م في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، حيث ارتفع العدد المطلق (مؤشر مؤتمر القمة العالمي للأغذية) للسكان الجائعين بمقدار 43 مليوناً، أي من 169 مليوناً إلى 212 مليوناً. غير أن ثلاثة أرباع هذه الزيادة تقريباً حدثت في جمهورية الكونغو الديمقراطية، حيث ارتفع عدد السكان الجائعين من 11 مليوناً في الفترة 1990-1992م إلى 43 مليون شخص في الفترة 2003-2005م، بسبب النزاعات الواسعة النطاق والمستمرة.
وتحقق تقدم مختلط في تخفيض انتشار الجوع (مؤشر الأهداف الإنمائية للألفية)، فابتداءً من الفترة 1990-1992م إلى الفترة 2003-2005م، انخفضت نسبة نقص التغذية في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى من 34?، وهو ما يمثل انخفاضاً عاماً بنسبة 12? في الانتشار مقابل انخفاض بنسبة 19? على نطاق العالم. وتحققت تخفيضات ملحوظة في انتشار الجوع في كل من الكونغو وإثيوبيا وغانا (التي حققت بالفعل هدفي مؤتمر القمة العالمي للأغذية والأهداف الإنمائية للألفية على حدٍ سواء) وموزمبيق ونيجيريا. وقد انحسر الاتجاه التنازلي في انتشار الجوع، وهو ما يعزى أساساً إلى أثر ارتفاع أسعار الأغذية.وسجل إقليم آسيا والمحيط الهادي تقدماً متواضعاً في تخفيض انتشار الجوع من 20? إلى 16?، كما حقق انخفاضاً معتدلاً في عدد السكان الجائعين من 582 مليوناً إلى 542 مليوناً. ويعد إقليم آسيا والمحيط الهادي موطناً لأكثر من نصف سكان العالم وما يقرب من ثلثي الجوعى في العالم. وفي حين واصل جنوب شرق آسيا تخفيض انتشار الجوع وعدد السكان الذين يعانون من نقص التغذية على حدٍ سواء، فإن هذه المكاسب قضت عليها وتجاوزتها نكسات في أماكن أخرى، لا سيما في الهند.
وتستأثر الصين والهند، نظراً لحجميهما، بنسبة 42? من السكان الجائعين في بلدن العالم النامي. ففي الهند، على الرغم من النمو الاقتصادي السريع، زاد عدد السكان الجائعين بأكثر من 20 مليوناً مقارنة بفترة الأساس. ويمكن أن يعزى هذا جزئياً إلى أن العمر المتوقع في الهند زاد من 59 عاماً إلى 63 عاماً منذ فترة 1990-1992م، وكان لذلك تأثير هائل على مجمل التغير في التركيبة السكانية، ونتج عن ذلك أنه في الفترة 2003-2005م تجاوز الحد الأدنى من متطلبات الطاقة الغذائية إمدادات الطاقة الغذائية. وظلت الصين تسجل انخفاضاً في نقص التغذية، وسجلت انخفاضاً بنسبة 31? في عدد السكان الذين يعانون من نقص التغذية من 178 مليوناً في الفترة 1990-1992م إلى 123 مليوناً في الفترة 2003-2005م.
ويوجد لدى البلدان في إقليم الشرق الأدنى وشمال أفريقيا بعض من أدنى مستويات نقص التغذية في العالم النامي، مع أن عدد السكان الذين يعانون من نقص التغذية في الإقليم ارتفع منذ الفترة 1990-1992م. ففي الشرق الأدنى تضاعف العدد الإجمالي تقريباً للسكان الذين يعانون من نقص التغذية ليرتفع من 15 مليوناً في الفترة 1990-1992م إلى 28 مليون شخص في الفترة 2003-2005م، وهذا يعزى بدرجة كبيرة إلى الحرب والنزاع في أفغانستان والعراق، حيث زادت أعداد السكان الذين يعانون من نقص التغذية بمقدار 4.9 مليون و4.1 مليون على الترتيب.
وزادت الأعداد أيضاً في اليمن، حيث يعاني 1 من بين كل ثلاثة أشخاص، أو 6.5 مليون شخص من الجوع المزمن. وفي شمال أفريقيا، تقدر المنظمة أن انتشار نقص التغذية ظل ثابتاً بصورة أو بأخرى عند حوالي 3?، مع أن الأعداد تزايدت بصورة طفيفة. وبالرغم من انخفاض انتشار نقص التغذية نسبياً في إقليم الشرق الأدنى وشمال أفريقيا، فإنه يتعين حسر الاتجاه السلبي نحو تزايد الجوع. ويقتضي تحقيق هدف مؤتمر القمة العالمي للأغذية تخفيض عدد الجوعى بمقدار 23 مليون شخص.
وفي إقليم أمريكا اللاتينية والبحر الكاريبي، كانت أمريكا الجنوبية أكثر نجاحاً في تخفيض الجوع، حيث يوجد 10 بلدان من بين 12 بلداً في طريقها نحو تحقيق الهدف الأول من الأهداف الإنمائية للألفية. وقد حققت الأرجنتين وشيلي وجيانا وبيرو وأوروجواي بالفعل أهداف مؤتمر القمة العالمي للأغذية والأهداف الإنمائية للألفية بفضل رفع المستويات العالية للدخل الوطني، ونمو الإنتاجية القوي في قطاعاتها الزراعية، وكذلك الحال بالنسبة لكوستاريكا وكوبا وجامايكا والمكسيك. وعلى العكس من ذلك ظلت السل?ادور وجواتيمالا وهايتي وبنما تواجه صعوبات في تخفيض عدد الذين يعانون من نقص التغذية.
وعلى الرغم من حدوث انخفاض طفيف في نقص التغذية منذ فترة 1990-1992م، تواجه هايتي واحداً من أعلى مستويات نقص التغذية في العالم، حيث يعاني 58? من السكان من الجوع المزمن.
وثمة مؤشر آخر للأهداف الإنمائية للألفية يتعلق بالجوع، وهو انتشار حالة نقص الوزن لدى الأطفال دون سن الخامسة. ففي الأقاليم النامية بشكل عام انخفضت نسبة الأطفال ذوي الوزن المنخفض خلال الفترة 1990-2005م، من 33? إلى 27?. وحقق شرق آسيا أكبر تحسن. وحدث تقدم كبير أيضاً في غرب آسيا وأمريكا اللاتينية والبحر الكاريبي، حيث انخفضت حالات نقص الوزن لدى الأطفال بأكثر من الثلث. ولا تزال توجد أكبر نسبة من انخفاض الوزن لدى الأطفال في جنوب آسيا وأفريقيا جنوب الصحراء وجنوب شرق آسيا. وبرغم الانخفاض العام في حالات نقص الوزن لدى الأطفال في جميع الأقاليم، فإن تحقيق الهدف الخاص بالجوع سيتطلب تقدماً سريعاً في تحسين تغذية الأطفال.

ارتفاع أسعار الأغذية


ارتفعت أسعار السلع الزراعية بصورة حادة قرب نهاية عام 2006م وفي عام 2007م، مع حدوث زيادات أكثر حدة في أوائل عام 2008م. وتشير التوقعات المتوسطة الأجل لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية في الميدان الاقتصادي/ منظمة الأغذية والزراعة، إلى أنه بينما ستستقر أسعار الأغذية خلال الفترة 2008-2009م لتنخفض بعد ذلك، فإنها ستظل فوق مستوى ما قبل عام 2004م بالنسبة للمستقبل المنظور.
والقوى المحركة وراء ارتفاع أسعار الأغذية كثيرة ومعقدة يقوم فيها جانب العرض وجانب الطلب بالإضافة إلى تغير المناخ بدور ما. وقد اقترنت الإتجاهات الهيكلية الطويلة الأجل والنمو في الطلب على الأغذية بعوامل دورية أو وقتية قصيرة الأجل أثرت على إمدادات الأغذية، وأدى ذلك إلى حالة ظل فيها النمو في الطلب على السلع الغذائية يتجاوز النمو في العرض.
وعلى جانب العرض، أصبحت المخزونات العالمية من الحبوب عند أدنى مستوياتها في ثلاثة عقود. ويسهم انخفاض مستويات المخزون في زيادة تقلب الأسعار في الأسواق العالمية بسبب عدم التأكد من كفاية الإمدادات في أوقات نقص الإنتاج. ونتيجة للطقس غير المواتي، انخفض الإنتاج العالمي من الحبوب بنسبة 3.6? في عام 2005م و6.9? في عام 2006م قبل أن ينتعش بصورة طفيفة في عام 2007م.
وبالإضافة إلى ذلك هناك ارتباط كبير بين أسعار البترول وأسعار الأغذية. فالارتفاع السريع في أسعار البترول يشكِّل ضغطاً تصاعدياً على أسعار الأغذية حيث ارتفعت أسعار الأسمدة ثلاثة أمثال تقريباً وتضاعفت تكاليف النقل خلال الفترة 2006-2008م.
وعلى جانب الطلب، أصبحت صناعة الوقود الحيوي الناشئة مستخدماً جديداً وهاماً للسلع الزراعية مثل السكر والذرة والكسافا والبذور الزيتية وزيت النخيل. وكانت الزيادة في الطلب على هذه السلع أحد العوامل الرئيسية وراء ارتفاع أسعارها في الأسواق العالمية، وهو ما أدى بدوره إلى ارتفاع أسعار الأغذية. ويقدر أن نحو 100 مليون طن من الحبوب (حوالي 4.7? من الإنتاج العالمي من الحبوب) تستخدم في إنتاج الوقود الحيوي في الفترة 2007-2008م.
ومن بين العوامل الأخرى التي أسهمت في ارتفاع أسعار الأغذية اعتماد بعض البلدان لقيود وإجراءات حظر خاصة بالصادرات مما أدى إلى تقييد المعروض العالمي، وتفاقم حالات النقص، وتضاؤل الثقة بين الشركاء التجاريين. وفي بعض البلدان، أدت مثل هذه الإجراءات أيضاً إلى خفض الحوافز الخاصة بالمزارعين للاستجابة للأسعار الدولية المرتفعة.
كما أن المضاربات عن طريق إعادة التخزين أو التخزين المسبق من جانب كبار المستوردين الذين يتمتعون بوضع نقدي قوي نسبياً فرضت مزيداً من الضغط على أسعار الأغذية.
وكان للاضطراب الأخير في أسواق الأصول التقليدية بعض الأثر أيضاً على أسعار الأغذية. وأصبحت فئات جديدة من المستثمرين أكثر اهتماماً بأسواق الاستثمار القائمة على السلع الزراعية. وزادت التجارة العالمية في الأسهم الآجلة والخيارات مجتمعة لأكثر من الضعف في السنوات الخمس الماضية، مما يشير إلى أن زيادة المضاربة قد تكون أحد العوامل في الارتفاع الحاد في أسعار الأغذية.
ولكن ليس من الواضح مدى تأثير هذا العامل. ويلزم إجراء المزيد من البحوث حول هذا الموضوع، في حين أن إنتاج الحبوب قد انتعش في الفترة الأخيرة، وقد تنخفض أسعار الأغذية بالنسبة لمستوياتها الحالية المرتفعة مع تراجع بعض العوامل القصيرة الأجل التي تكمن وراء ارتفاع الأسعار.

استمرار ارتفاع الأسعار


ومن المحتمل أن تظل أسعار السلع الغذائية فوق المستويات التي كانت عليها في السنوات العشر السابقة بالنسبة للمستقبل المنظور. وهناك ثلاثة عوامل رئيسية وراء هذا التوقع.