ستظل الأزمة المالية العالمية التي انطلقت شرارتها الأولى من الولايات المتحدة الأمريكية تنتشر في أرجاء المعمورة ولا تكاد تستثني أي اقتصاد في العالم، سواء الصناعي المتقدم أو الثالث النامي، ستظل محط الأنظار ومحور الاهتمام الأول للناس. ومن الطبيعي أن تتباين الآراء وتختلف حول أسباب الأزمة وتداعياتها وآثارها الآنية والمستقبلية. ومن المتوقع أن يستغل من تبقى من أنصار المعسكر الاشتراكي هذه الأزمة لنقد النظام الاقتصادي الرأسمالي والتنبؤ بانهياره. وهذا ما حصل فعلاً حتى في الدول الصناعية المتقدمة، إذ شعر الناس بالخذلان وانعدام الثقة دون أن يتدبروا أسباب الأزمة. وهذا أمر طبيعي عند السواد الأعظم من الناس في العالم بأسره، إذ أن القلة منهم يدركون أسباب الأزمة ويمتلكون القدرة على فهمها وبالتالي التعامل معها بموضوعية ومهنية ودراية ووعي. ولعل الحال في دول العالم الثالث أكثر سوءاً، إذ كانت ردة فعل الناس أكثر حدة، وهو ما انعكس بالضرورة على أسواق المال، فسجلت أسواق المال في بعض الدول النامية تراجعاً أكثر من الذي سجل في الدول الصناعية المتقدمة، التي بدأت منها الأزمة وأصابتها بشكل أكبر. ونعود ونقول إن هذا الأمر متوقع، ويجب تفهمه والتعامل معه بهدوء. وفي مثل هذه الأزمات، يسير كثير من الناس على طريقة «مع الخيل يا شقرا». وإذا كنا نعذر عامة الناس ونتفهم ردة فعلهم، فإنه قد يصعب تجاوز هفوات النخبة في المجتمع، وبشكل خاص أولئك الذين ينزلون إلى ساحات الإعلام ويبدون الآراء ويقدمون التحليلات ويطرحون التنبؤات ويقدمون حلولاً غير مكتملة ولا تعكس فكراً اقتصادياً متخصصاً، وهم بذلك يسيئون إلى أنفسهم ويعرُّونها أمام المجتمع، وهم أيضاً كمن يصب الزيت على النار فيزيدون من حالة الذعر وانعدام الثقة في الأسواق والاقتصاد. وقد يتحمس بعضهم لطرح بديل الاقتصاد الإسلامي، إن كان هناك بديل حقاً، وهم لا يفقهون ما يقولون، فهم بذلك يروجون بضاعة لا يعرفونها.
ولعل ما جاء في حوار أجرته جريدة «المدينة المنورة» في عددها رقم 16629 الصادر في 2 نو?مبر 2008م الجاري مع صالح عبدالله كامل، رئيس الغرفة الإسلامية للتجارة والصناعة والزراعة ورئيس المجلس العام للمؤسسات والبنوك الإسلامية، هو ما نحتاجه في هذه الأزمة، إذ يقدم رؤية موضوعية لأسباب الأزمة المالية العالمية وما يمكن أن نقدمه من حلول. وقد أكد كامل في حواره أن أسباب الأزمة ترتبط بالربا والبيوع المؤجلة ومشتقات الاقتصاد غير الحقيقي. ولم يتسرع كامل أو يتطرف في طرح فكرة بديل الاقتصاد الإسلامي، إذ قال؛ إن الاقتصاد الإسلامي غير جاهز حالياً لقيادة الاقتصادات العالمية بعيداً عن الرأسمالية، ولكنه في الوقت نفسه طالب بإيجاد نظام مالي واقتصادي يجمع بين مزايا الرأسمالية والمفاهيم الاقتصادية الإسلامية، وهي المدرسة الوسطية. نحن في هذه الأوقات العصيبة، نحتاج إلى مثل هذه الآراء المتخصصة التي تقدم فكراً متزناً، فالأزمة الحقيقية التي يعيشها العالم في هذا العصر هي أزمة فكر، وهي تداعيات ممارسات تجاهلت أخلاقيات العمل.