محطات على مسيرة السوق العربية المشتركة
الناقل :
elmasry
| المصدر :
www.ecoworld-mag.com
محطات على مسيرة السوق العربية المشتركة
عُرف التكامل الاقتصادي الدولي بأنه عملية اعتماد متبادل بين اقتصاديات مجموعة من الدول، بينها عامل جغرافي أو سياسي أو اجتماعي مشترك، بدرجات متفاوتة وعلى أسس معينة، تهدف من خلاله هذه الدول إلى زيادة ودعم قدراتها الاقتصادية والاجتماعية، وتسهيل عملية التنمية والاستفادة من الميزة النسبية التي تتمتع بها الدول الأخرى. وتتعدد أشكال هذا التكامل ما بين نظام تفضيلي إلى مشروعات مشتركة واتحاد جمركي ومنطقة تجارة حرة إلى سوق موحدة.
وقد ظهر هذا الاتجاه بشكل متزايد عقب نهاية الحرب العالمية الثانية، حين أصبحت دول العالم على قناعة تامة أنه من أجل تحسين اقتصادياتها والتغلب على الأزمات الاقتصادية والسياسية القائمة لابد من تحقيق تكامل اقتصادي وتكتلات قوية فيما بينها، وأشهر وأهم تجربة ناجحة تمت في هذا السياق هي تجربة الاتحاد الأوروبي الذي وصل الاندماج والتكامل بين دوله إلى مراحل متقدمة جداً وصلت إلى توحيد للعملة (اليورو)، وفتح الحدود، وسوق موحدة، وسياسات اقتصادية مشتركة.
ولم تكن الدول العربية، بعيدة عن هذا التوجه، على الأقل على المستوى التنظيري، من حيث عقد الاتفاقيات وإنشاء المؤسسات، رغم الإخفاق الذي ساد معظم محاولاتها للتكامل الاقتصادي منذ أكثر من نصف قرن من الزمان.
فالمتتبع لمحاولات التكامل الاقتصادي العربي، يُلاحظ أنها تعددت وتنوعت بدرجة كبيرة بحيث يمكن إرجاعها إلى تاريخ نشأة جامعة الدول العربية في عام 1945م. فبعد حصول العديد من الدول العربية على استقلالها، حاولت هذه الدول اكتشاف مقوماتها الاقتصادية والبحث في إمكانية استغلالها على أساس إقليمي، خاصة أنها تمتلك العديد من الخصائص والروابط الاقتصادية المشتركة.
واجتهدت الدول العربية في إقامة صيغ متعددة للروابط فيما بينها، لبناء منظومة جديدة للتعاون الاقتصادي الإقليمي داخل نطاق جامعة الدول العربية أو خارجها، من خلال محاولات التكامل الاقتصادي العربي داخل نطاق جامعة الدول العربية التي أطلق عليها «محاولات أو مناهج التكامل الاقتصادي العربي الجماعي أو المشترك». وكان هناك العديد من الاتفاقيات والآليات الجماعية في مقدمتها اتفاقية الوحدة الاقتصادية ومجلس الوحدة الاقتصادية العربية، وكلها انبثقت عن «معاهدة الدفاع المشترك والتعاون الاقتصادي» المبرمة عام 1950م. ففي سبتمبر عام 1953م قام مجلس جامعة الدول العربية بعقد اتفاقية لتسهيل التبادل التجاري وتنظيم تجارة الترانزيت، وقع عليها 7 دول، هي (مصر، الكويت، المملكة العربية السعودية، سورية، لبنان، الأردن، العراق)، وركزت بشكل أساسي على التفضيلات الجمركية في شكل إعفاءات من الرسوم الجمركية للسلع الوطنية العربية المتبادلة، لكن هذه الاتفاقية تعثرت نتيجة تخوف الدول الأعضاء من بعض المسائل الخاصة بالإغراق والأثر في التنمية، علماً بأنها لم تكن تتضمن جدولاً واضحاً لتخفيض التعريفة الجمركية وتحرير التجارة العربية البينية بالرغم من تعديلها 4 مرات.
اتفاقية الوحدة الاقتصادية العربية
وفي 3 يونية عام 1957م وافق المجلس الاقتصادي والاجتماعي العربي التابع لجامعة الدول العربية على اتفاقية الوحدة الاقتصادية العربية ودخلت حيز التنفيذ في 30 أبريل عام 1964م، وتعد من أبرز محاولات التكامل الاقتصادي العربي، حيث هدفت تلك الاتفاقية بالأساس إلى تحرير كامل لتجارة المنتجات الزراعية بحلول عام 1969م والمنتجات الصناعية بحلول عام 1974م عن طريق إقامة منطقة تجارة عربية حرة.
وبلغ عدد الدول المنضم لهذه الاتفاقية 13 فقط من أصل 22 دولة، هي؛ (مصر، الكويت، العراق، سورية، الأردن، اليمن، السودان، الإمارات، سلطنة عمان، الصومال، ليبيا، موريتانيا، وفلسطين) لتشكل ما يزيد قليلاً عن نصف حجم سكان العالم العربي، أي أنها سوق كبرى إذا أحسن استغلالها، غير أن دولة الإمارات العربية المتحدة وسلطنة عُمان انسحبتا بحجة تعارض هذه العضوية مع اتفاقيات منظمة التجارة العالمية ومجلس التعاون لدول الخليج العربية.
سوق عربية مشتركة
ونتج عن تلك الاتفاقية إنشاء «سوق عربية مشتركة» تبنى إقامتها في البداية أربع دول (مصر، سورية، العراق، الأردن) في 23 أغسطس 1964م، كمجرد رد فعل لقيام السوق الأوروبية المشتركة في إطار معاهدة روما في 25 مارس 1957م.
وقد اختارت الاتفاقية مجموعة من الوسائل تعينها على تحقيق أهدافها، حيث نصت على جعل بلادها منطقة جمركية تخضع لإدارة موحدة، وتوحيد التعريفة والتشريع والأنظمة الجمركية، وتوحيد سياسة الاستيراد والتصدير، وأنظمة النقل، بيد أن هذه الأهداف وتلك الوسائل لم تنص على ربط تحقيق هذه الأهداف بنقاط زمنية معينة وتركت الوصول إليها لمجلس الوحدة الاقتصادية والذي يتخذ قرارات غير ملزمة، ولذلك فإن إنجازات السوق العربية المشتركة حتى الآن في مجال تحقيق أهدافها يعد ضئيلاً جداً خاصة فيما يتعلق بتحرير انتقال عناصر الإنتاج بين الدول الأعضاء. وفي شهر يونية 1996م جاء قرار القمة العربية التي عقدت في القاهرة بتكليف المجلس الاقتصادي والاجتماعي باتخاذ ما يلزم لإقامة منطقة تجارة حرة تضم كافة الدول الأعضاء في جامعة الدول العربية، فكان إعلان «منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى» هو خطوة أخرى في محاولات التكامل الاقتصادي العربي المشترك، وإن اعتبرها البعض خطوة إلى الوراء وانتكاسة لجهود التكامل، باعتبار أنه بعد مضي نصف قرن على قيام جامعة الدول العربية والإعلان عن اتفاقية الوحدة الاقتصادية العربية وقيام السوق العربية المشتركة في عقد الستينات من القرن العشرين الميلادي المنصرم، وقد اعتبر هذا القرار اعترافاً ضمنياً بفشل كافة جهود التكامل الاقتصادي العربي خلال النصف الثاني من القرن العشرين، والعودة مرة أخرى إلى نقطة الصفر، خاصة أن إنشاء منطقة تجارة حرة عربية هو أولى درجات سلم التكامل الاقتصادي.
تحرير التجارة العربية البينية
وهكذا جاء قرار المجلس الاقتصادي والاجتماعي أثناء انعقاد دورته رقم (59) عام 1997م بمثابة البرنامج التنفيذي لقرار القمة العربية، ويتضمن هذا البرنامج تحرير التجارة العربية البينية خلال عشر سنوات تبدأ في يناير عام 1998م بحيث تتم إزالة كافة القيود المفروض عليها بواقع 10? سنوياً، وبحيث تصل هذه الرسوم والضرائب إلى مستوى الصفر عام 2007م ليتحقق معها التحرير الكامل للسلع ذات المنشأ العربي من أية رسوم وضرائب عند دخولها الأسواق العربية، غير أن هذا التاريخ تم تعديله إلى عام 2005م حتى يتماشى مع قرارات منظمة التجارة العالمية (WTO).
وقد بلغ عدد الدول العربية التي انضمت حتى الآن للمنظمة 17 دولة هي: (الأردن، الإمارات، البحرين، تونس، السودان، المملكة العربية السعودية، سورية، العراق، سلطنة عمان، فلسطين، قطر، الكويت، لبنان، ليبيا، مصر، المغرب، واليمن). وبالفعل في إطار تنفيذ هذه الاتفاقية قامت العديد من الدول العربية بتحرير التجارة البينية وتخفيض التعريفة الجمركية على الواردات العربية مما ساهم في ارتفاع قيمة التجارة العربية البينية وإن كان بشكل ضئيل.
ولا يفوتنا أن نذكر أن مجلس الوحدة الاقتصادية العربية اهتم في مجال تطبيقه بأسلوب التنسيق القطاعي بإقامة مشروعات عربية مشتركة في مجالات الأنشطة الإنتاجية والخدمية، ومنها: الشركة العربية للتعدين في عمان، الشركة العربية لتنمية الثروة الحيوانية في دمشق، والشركة العربية للاستثمارات الصناعية في بغداد، كما وافق المجلس في عام 2001م على تأسيس الشركة العربية للتجارة والتسويق والشركة العربية للتجارة الإلكترونية.
كما صدر عن مجلس الوحدة عدة اتفاقيات عربية جماعية، منها اتفاقية تجنب الازدواج الضريبي، واتفاقية استثمار رؤوس الأموال العربية، واتفاقية تسوية منازعات الاستثمار بين الدول المضيفة للاستثمارات العربية وبين مواطني الدول العربية الأخرى. لكن هذه الاتفاقيات لم يكتب لها النجاح رغم مرور عقود على إبرامها لأسباب عديدة في مقدمتها غياب الإرادة السياسية. ولم تقتصر محاولات التكامل الاقتصادي العربي على تلك الجهود فقط، إذ جاءت تجمعات اقتصادية عربية أقيمت خارج نطاق جامعة الدول العربية خلال النصف الثاني من القرن الميلادي العشرين، ويمكن القول إنها جاءت نتيجة تضاؤل نتائج محاولات التكامل التي أشرفت عليها الجامعة.
ثلاثة تجمعات
وفي هذا السياق تم تقسيم الوطن العربي إلى ثلاثة أقاليم فرعية قامت على أراضيها ثلاثة تجمعات، كان العامل الاقتصادي هو أبرز محاورها، وهي: منطقة الخليج العربي وأقامت «مجلس التعاون لدول الخليج العربية» عام 1981م وضم 6 دول (المملكة العربية السعودية، الإمارات العربية المتحدة، دولة الكويت، سلطنة عُمان، مملكة البحرين، ودولة قطر).
والثاني وهو إقليم المشرق العربي وأقيم على أرضه ما عرف بـ«مجلس التعاون العربي»، وذلك في قمة بغداد في 16 فبراير عام 1989م بين أربع دول هي مصر والعراق والأردن واليمن، غير أن هذا التجمع لم يكتب له النجاح وانتهى سريعاً بسبب الغزو العراقي للكويت في 2 أغسطس عام 1990م.
أما الثالث فهو تكون من مجموعة الدول العربية الواقعة في شمال أفريقيا حيث أقامت فيما بينها تجمعاً أطلقت عليه «اتحاد المغرب العربي» في فبراير عام 1989م ضم كلا من المغرب والجزائر وتونس وليبيا وموريتانيا، وهو لا يزال حتى الآن حبراً على ورق بسبب الخلافات الجزائرية المغربية على قضية الصحراء الغربية.
وقد لعبت العوامل السياسية دوراً أساسياً في مسيرة مثل هذه التكتلات، إذ نجم عن الأحداث التي مرت بها المنطقة إنهاء مجلس التعاون العربي في مهده، وتجميد الاتحاد المغاربي، بينما حقق مجلس التعاون لدول الخليج العربية نجاحاً لا يُستهان به في التكامل الاقتصادي، أبرزه على الإطلاق الإعلان عن قيام «السوق الخليجية المشتركة» في الرابع من ديسمبر عام 2007م (إعلان الدوحة)، لتحقيق التكامل الاقتصادي بين دول المجلس وفق خطوات متدرجة، بعد أن تمت إقامة منطقة التجارة الحرة عام 1983م، ثم الاتحاد الجمركي في الأول من يناير 2003م، وهو في طريقه لتحقيق الوحدة النقدية مع حلول عام 2010م.
ونتيجة لهذه الاتفاقيات غير المفعلة على أرض الواقع والمحاولات المتعددة، التي اتسم معظمها بعدم الدراسة والتخبط، فإن واقع التكامل الاقتصادي العربي، لتحقيق تنمية حقيقية، لوطن تبلغ مساحته الكلية 14.2 مليون كم2، 10.2? من مساحة العالم، ويسكنه 326.1 مليون نسمة (4.9? من عدد سكان العالم)، ما زال أمامه الكثير، وهذا ما يبينه التعاون التجاري على أرض الواقع.
أرقام متدنية
فوفقاً للتقرير الاقتصادي العربي الموحد لعام 2008م، والذي أعدته الأمانة العامة لجامعة الدول العربية وصندوق النقد العربي والصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي ومنظمة الأقطار العربية المصدرة للبترول (أوابك)، فإن نسبة التجارة البينية العربية إلى إجمالي التجارة الخارجية 10.2? فقط.
وبلغ متوسط التجارة البينية العربية 63.1 مليار دولار أمريكي، أي أن قيمة التجارة البينية العربية نمت بنسبة 16.7% فقط عام 2007م متراجعة عن نسب النمو المسجلة في الأعوام الأربعة السابقة لها، حيث نمت قيمة الصادرات البينية العربية بنسبة 12.7 % لتبلغ 64.8 مليار دولار أمريكي، وارتفعت قيمة الواردات البينية العربية بنسبة 20.6% لتصل إلى نحو 61.5 مليار دولار أمريكي.
وفيما يتعلق بمساهمة التجارة البينية العربية في التجارة العربية الإجمالية، فقد أدى تراجع معدل نمو الصادرات البينية العربية عن معدل نمو الصادرات الإجمالية إلى انخفاض حصة الصادرات العربية من 8.5% في عام 2006م إلى 8.3% عام 2007م. وحصل الأمر نفسه فيما يتعلق بالواردات البينية العربية، فقد تراجع معدل نموها في عام 2007م عن معدل نمو إجمالي الواردات العربية، مما أدى لانخفاض حصة الواردات البينية في الواردات العربية الإجمالية من 13.3% في عام 2006م إلى 12.1% في عام 2007م. وبذلك انخفضت حصة التجارة البينية العربية في التجارة العربية الإجمالية، محتسبة سواء من جانب الصادرات أو الواردات البينية، من 10.9% في عام 2006م إلى 10.2% في عام 2007م.
الملاحظ أيضاً أن معظم عمليات التبادل التجاري بين الدول العربية تتركز بشكل عام في دول عربية متجاورة، فصادرات قطر تركزت في دولة مجاورة واحدة هي الإمارات بنسبة بلغت 62% من صادراتها البينية، وصادرات تونس وليبيا بنسبة 51%، أما صادرات الأردن البينية فقد تركزت في دولتين هما العراق بنسبة 27% وفي المملكة العربية السعودية بنسبة 19%، وتركزت الصادرات السعودية البينية في الإمارات بنسبة 25% وفي البحرين بنسبة 22% ، ولا يختلف الأمر كثيراً بالنسبة إلى الواردات.
العقبات والتحديات
وفي ضوء ما تقدم، فإنه يتبين أن حجم التعاون الاقتصادي البيني لا يرقى لجهد جماعي منظم، فالجهود الإنمائية العربية مازالت قاصرة إلى حد بعيد، ولم تتمكن من إحداث تطوير عميق في البنية الإنتاجية العربية، وذلك لعدد من الأسباب والعقبات التي يجب التخلص منها، ومن أهمها؛ غياب الشفافية والمعلومات، تعدد القيود «غير الجمركية» والتي ما تزال تشكل عقبة رئيسية أمام تفعيل منطقة التجارة الحرة، اعتماد أغلب اقتصاديات البلدان العربية على إيرادات الجمارك والضرائب لسد احتياجاتها المالية والتنموية، وغياب الإرادة السياسية بشكل أساسي لدى معظم الدول العربية، وأخيراً عدم تحييد العمل العربي المشترك عن الخلافات السياسية العربية، بالرغم من امتلاكها في الوقت نفسه لمقومات نجاح معادلة تجربة التكامل والاندماج.
الجدير بالذكر أن القمة العربية الاقتصادية والتنموية والاجتماعية التي عقدت بالكويت يومي 19 و20 يناير 2009م الماضي أقرت التوجيه بالعمل الفوري على إزالة العقبات التي لا زالت تعترض منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى قبل نهاية عام 2010م القادم تمهيداً لإقامة الاتحاد الجمركي العربي في موعد مستهدف عام 2015م كخطوة أساسية للوصول إلى تحقيق السوق العربية المشتركة بحلول عام 2020م.