الادارة . . مبادىء ومفاهيم ورؤية

الناقل : elmasry | المصدر : www.ecoworld-mag.com

الادارة . . مبادىء ومفاهيم ورؤية
أ.د. إميل قسطندي خوري
أ.د.إميل قسطندى خوري
أ.د.إميل قسطندى خوري

كان تطوير نظرية الادارة واختلاق مبادىء راسخة تضبطها في قوالب وأطر سليمة مبنية على أسس علمية ومعايير عالمية، مجالاً للبحث المتواصل والدراسة المستفيضة على مدار السنين. ومن الباحثين والصناعيين المعروفين والمدراء المخضرمين الذين كانت لهم الخبرة الواسعة والباع الطويل في مجالات الادارة الانتاجية والتجارية والصناعية وغيرها، نذكر على سبيل المثال هنري فايول، شيستر بارنارد، ال?ين براون، فريدريك تايلور، بيتر دراكر، أولي?ر شيلدون، وهنري دنيسون.
وتعرف الادارة بأنها المهمة التي تعنى بتحقيق أهداف معينة ومحددة للمؤسسة/ للشركة من خلال أشخاص (أي الموظفين) يعملون ويتعاونون ويتواصلون ويتفاعلون بعضهم مع بعض في مجموعات منظمة من أجل الوصول إلى هذه الأهداف. وقد تأخذ هذه الأهداف أشكالاً متعددة حسب رؤية المؤسسة/الشركة أو رسالتها التي قامت من أجلها أو الاتجاه الاستراتيچي الذي رسمته لها في مجتمع الأعمال كتحقيق الربح أو تعظيم إيراداتها أو رفع نسبة حصتها السوقية أو زيادة حجم مبيعاتها أو تحسين مستوى خدماتها أو توسيع رقعة مشاريعها الاستثمارية (إذا كانت الشركة ذات توجه ربحي) أو خدمة شرائح معينة من المجتمع (إذا كانت المؤسسة ذات توجه غير ربحي) مثل المؤسسات غير الحكومية (NGOs) والتي تعنى مثلاً بتقديم خدمات خيرية جليلة ذات طابع إنساني أو اجتماعي أو مجتمعي تهدف إلى تحسين تركيبة النسيج المجتمعي.

المزايا الشخصية للمسؤول


وفيما يتعلق بالمزايا الشخصية للمسؤولين الاداريين، يقول هنري فايول في كتابه المعروف الادارة الصناعية والعامة General and Industrial Administration الذي نشر عام 1949م، إنه يجب أن تتوفر في هؤلاء الأشخاص صفات مميزة وفريدة تتلخص في القدرات الجسدية مثل الصحة الجيدة والقوة البدنية، والقدرات الذهنية مثل القدرة على الاستيعاب والتعلم والتكيف والحكم الحصيف على الأمور، والقدرات الأخلاقية مثل الرغبة في تحمل المسؤولية، إلى غيرها من ميزات وقدرات أخرى كالتحصيل العلمي والمهارات التقنية والخبرات المهنية. ومن خلال خبرته الادارية في مجال الأعمال، يضيف فايول أن هناك خمس وظائف إدارية أساسية، وهي ما يسميها فايول عناصر الادارة وهي التخطيط والتنظيم وإصدار الأوامر والتنسيق والتحكم/السيطرة. فالمدير مثلاً هو الشخص المسؤول في المقام الأول عن تخطيط عمل ومهمات وواجبات الموظفين والمرؤوسين، وهو الذي يقوم بدور التنسيق بينهم، وهو الذي يقوم باختيارهم وتوظيفهم وتعيينهم في الموقع الشاغر المناسب، وهو الذي يقوم بتأهيلهم وتدريبهم مهنياً وتقنياً، وهو الذي يقوم بتوجيه التعليمات وإصدار الأوامر لهم، وهو الذي يقوم بمراقبة عملهم ومتابعة إنجازاتهم، وهو الذي يقوم بتقييم أدائهم الوظيفي وقياس النتائج الفعلية لمجمل أنشطتهم العملية ومن ثم مقارنتها بالأهداف المنشودة حسب الخطط المرسومة والمعايير المحددة من قبل المؤسسة/الشركة، وهو الذي يقوم أيضاً بتصحيح أية انحرافات سلوكية مهنية كانت أم شخصية تكون خارجة عن المسار الصحيح لحيثيات أو متطلبات العمل، أو قد تكون غير ملتزمة كلياً بالميثاق المؤسسي لأخلاقيات العمل وذلك من خلال إعطاء الإرشادات والتعليمات اللازمة لهم لكي يتمكنوا من تنفيذ ما هو مطلوب منهم تنفيذاً دقيقاً وسليماً ضمن استراتيچيات وبرامج وأهداف العمل الموضوعة.

نظرية الادارة لدى فايول


أورد فايول مجموعة من المباديء الأساسية لنظرية الادارة، نذكر منها على سبيل المثال، أن الوظائف يجب أن يتم تقسيمها حسب التخصص العملي مما يؤدي إلى تحقيق كفاءة أكبر في استخدام العمالة، وأن السلطة الادارية للمدير هي مزيج من مكونين رئيسيين: الأول يتمثل في مركز المدير الوظيفي الرسمي، والثاني يتعلق بالوضع الشخصي للمدير كخبرته العملية مثلاً، وأن على المدير أن يحصل على الولاء المؤسسي للموظفين وحبهم للعمل والتزامهم به من خلال التعامل معهم بلطف وعدالة. ومن أكثر المباديء الرئيسية التي شدد على أهميتها فايول هي الحاجة الماسة إلى العمل الجماعي ومدى أهمية التواصل الفاعل في الحصول على أقصى درجات التعاون بين أفراد المجموعة.
كذلك ركز فايول على نقطة عظيمة الأهمية وهي أن المباديء الأساسية للادارة يمكن استخدامها وتطبيقها في جميع النشاطات الاجتماعية ابتداءً من أبسط الأعمال الفردية وانتهاءً بعمل أكبر المؤسسات أو الشركات، إذ أنها تدعو جميعها إلى أفضل سبل التعاون المشترك.

شيلدون ومبادىء الادارة


أما شيلدون فهو يعتقد أن الادارة تشمل مبادىء مهمة مثل تحديد سياسات المؤسسة/الشركة، وتنفيذ هذه السياسات، وتنسيق الوظائف. أما دنيسون فقد قام بتطوير مبادىء ومفاهيم ذات قيمة عالية في النظام المؤسسي للشركات، نذكر منها مثلاً؛ تحفيز الموظف والعمل الجماعي. أما موني ورايلي فقد قاما بإضافة مبادئ ومفاهيم أخرى إلى المنظومة الادارية، نذكر منها على سبيل المثال، مبدأ التنسيق ومفهوم الوظائفية ومفهوم الصلاحيات الادارية والتي يصفها موني بأنها قدرة الشخص أو المسؤول الاداري على التنسيق. أما شيستر بارنارد فقد جاء هو أيضاً بمبادىء ومفاهيم شديدة الحساسية كانت لها مساهمات كبيرة في تطوير نظرية الادارة. ففي كتابه الشهير وظائف المسؤول التنفيذي الذي نشر عام 1938م، ركز بارنارد على ثلاثة مفاهيم إدارية رفيعة المستوى وهي القيادة والتواصل مع الآخرين وتعاون المجموعة.

اللامركزية


وفيما يخص اللامركزية في الادارة وعملية صنع القرار، يقول بيتر دراكر إن اللامركزية تتحلى بحسنات عديدة، نذكر منها مثلاً السرعة في صنع القرار وغياب النزاعات أو الخلافات بين الادارة المركزية العليا ورؤساء الأقسام.
وهناك أمور حساسة ومهمة جداً يتوجب على المسؤول التنفيذي إما أن يتجنبها أو أن يحرص على الاهتمام بها. فمن الأمور التي يجب على المدير أن يتجنبها مثلاً التصلب في الرأي لا سيما إذا كان يعلم أنه فعلاً على خطأ، وأن لا يتناسى أبداً حقيقة بديهية وأساسية وهي أن نجاحه في موقعه المؤسسي يعتمد بالدرجة الأولى على موظفيه ومرؤوسيه الذين يشكلون بالنسبة إليه مصدر ونبع المعلومات التي يحتاجها باستمرار لإنجاح مهامه التنفيذية وعمله الاداري. كذلك يجب على المدير أن يقف على مسافة شاسعة عما يسميه بيتر دراكر الغرور الاداري، إذ أن التعنت الأصم والتشبث الأعمى بهذا المفهوم السلبي ممكن أن يؤدي بالمؤسسة/الشركة إلى الفشل الذريع في تحقيق مصالحها وأهدافها الاستراتيچية مما قد يلحق بها أضراراً فادحة هي في غنى عنها، كأن يصل بها الحال مثلاً إلى إعلان إفلاسها أو الخروج من سوق الأعمال بشكل قسري وبصورة نهائية.

التغييرات المؤسسية


ومن الأمور شديدة الحساسية التي يجب على المدير أن يبتعد كل البعد عن القيام بها، إجراء أية تغييرات أو تعديلات مؤسسية دون المراعاة التامة لمصالح الموظفين الذين قد يتأثرون سلباً بمثل هذه الاجراءات، وأن لا يقوم بتكليف الموظفين بأية مهام بعيدة عن أو خارج دائرة اهتماماتهم الوظيفية، وأن لا يوكل إلى مرؤوسيه أية صلاحيات إدارية قد تكون خارج مدى قدراتهم الإشرافية أو نطاق إمكانياتهم التنفيذية أو أكبر من حجم معرفتهم التقنية. ومن بوتقة الأمور المهمة التي يتوجب على المسؤول الاداري أن يعمل على تعزيزها والحرص على الاهتمام بها، نذكر مثلاً أنه يجب على المدير أن يبني ويقوي علاقاته العامة داخل وخارج مكان العمل، وأن يقدم كل مساعدة ممكنة مهنية كانت أم عملية لموظفيه ومرؤوسيه حتى يتسنى لهم تأدية عملهم على أكمل وجه، وأن يولي اهتماماً خاصاً بالمميزين والبارزين منهم كل في مجال عمله أو تخصصه المهني، وأن يحاول أن يتفهم مشاكلهم الشخصية والعائلية، إذ أن الروابط الأسرية لها النصيب الأكبر في التأثير المباشر على حالتهم النفسية، الأمر الذي من شأنه أن يؤثر سلباً على كفاءتهم المهنية أو نوعية أدائهم الوظيفي أو مستوى عطائهم في مكان العمل.

احترام الموظفين


كذلك على المدير أن يحترم الموظفين ويعترف بأهميتهم ويثمن جهودهم لما لهذا الادراك الحسي من أهمية كبرى ليس فقط في تحسين الأداء المهني ورفع معدلات الانتاجية بل أيضاً في الحصول على ولاء وظيفي أعظم للمؤسسة/الشركة، وأن يعمل على تحسين مهاراتهم المهنية والتقنية من خلال إتاحة كل الفرص الممكنة لتعليمهم وتدريبهم مما يسهم في تحقيق مستويات إنتاجية أعلى، وأن يعمل على تنشيط الموظفين وشحن طاقاتهم ورفع معنوياتهم حرصاً على أن لا يصابوا بحالة من الكسل أو الجمود أو القصور الذاتي وذلك منعاً للترهل الوظيفي، وأن يستخدم أسلوب الاقناع بدلاً من إصدار الأوامر لهم من خلال التواصل الفاعل معهم سواء في إرسال الارشادات أو إعطاء التعليمات أو مناقشة أفكار جديدة أو إبداء مقترحات مفيدة قد تسهم في تحسين مستوى عملهم أو رفع مستوى أدائهم الوظيفي.
كذلك على المدير أن يعمل على إشراك الموظفين في المناقشات والتحليلات الادارية للمؤسسة/الشركة كيفما أمكن، الأمر الذي من شأنه أن يساعدهم على فهم أكبر لمجريات أمورها وتقدير أوفى لمجمل أحوالها وأوضاعها وشؤونها.
فعلى سبيل المثال، عندما يتمكن الموظفون والمرؤوسون من فهم كيفية سير المؤسسة/الشركة أو إلى أين تتجه في بيئة الأعمال أو ماهية الحقيقة الفعلية لوضعها المالي أو السوقي أو التنافسي، فإن هذا بلا شك سيساعدهم على إدراك أعمق لحجم مسؤولياتهم المؤسسية وحساسية دورهم الوظيفي في تحديد مستقبلها وتوجهها الاستراتيجي وأهمية مشاركتهم الفاعلة في ترسيم حدودها على خريطة بيئة الأعمال، ناهيك عن تحمسهم واندفاعهم الشديدين لأداء عملهم على نحو أفضل، خصوصاً إذا كانت معطيات المؤسسة/الشركة توحي بأنها في طور نمو وازدهار أو ترتقي من نجاح إلى نجاح أكبر أو تتقدم إلى الأمام بوتيرة أسرع. كذلك على المدير أن يستخدم معياراً أو نظاماً معيناً لقياس أداء الموظفين، ومن ثم القيام بضبط نظام المكافآت على أساس التفريق بين مستويات الأداء المميز من العادي أو الضعيف أو الواعد، فإن وجود مثل هذه المعايير أو الأنظمة له دور مهم وحيوي في متابعة وتصنيف نوعية أداء الموظفين، وبالتالي العمل على تحسينه أينما لزم الأمر.

الإدارة والاقتصاد


ومن خلال خبراتي الشخصية في مجالات الادارة العليا والتسويق الاستراتيچي والمبيعات الاقليمية وتدريب الموارد البشرية، فإنني أرى أن الادارة هي عملية شبيهة وقريبة من علم الاقتصاد، ولا عجب في ذلك، إذ أن الاثنين يعتبران من فصيلة العلوم الاجتماعية. فكما أن الاقتصاد يقوم على خلق التوازنات المطلوبة بين الأطراف ذات العلاقة (كرفع نسبة الفائدة مثلا لاحتواء التضخم وذلك من خلال العمل على تخفيض معدلات الطلب على القروض/التسهيلات المصرفية، وبالتالي تقليص نسب الانفاق الاستهلاكي والاستثماري مما قد يساعد على تراجع المستوى العام للأسعار)، هكذا هي الادارة.
فالادارة في نظري عبارة عن موقف محدد يستطيع أن يقف من خلاله المسؤول التنفيذي الأعلى على مسافة متوازنة من كيان المثلث المؤسسي، بحيث يكون بإمكانه:
تحقيق الأهداف الكلية للمؤسسة/الشركة (كتحقيق مستوى أعلى من الأرباح أو المبيعات مثلاً) بالشكل الذي يرضى عنه المالك الفردي أو الشركاء أو المستثمرون فيها.
المضي قدماً بالمؤسسة / الشركة إلى المزيد من التقدم والنجاح والاستمرارية مما يجعل أعضاء مجلس الادارة راضين عن الأداء الاجمالي لعملياتها المؤسسية.
إنجاح عمل ومهمات الموظفين على النحو الذي يجعلهم يشعرون بالفخر والرضى عما قدموه من إنجازات لصاحب العمل. وبهذا تكون قوى أو عناصر الادارة التنفيذية العليا قد قامت فعلاً بتحقيق المصلحة العامة لجميع الأطراف المعنية، بحيث تكون كلها قد خرجت من دائرة صراع الأعمال ومعضلة التوازنات المؤسسية الشائكة وحلقات شد الحبل اللامنتهية راضية كل الرضى عن مجمل الأداء العام للمؤسسة/الشركة والنتائج التي استطاعت أن تحققها خلال مسيرتها المهنية والعملية.
خبير اقتصادي - عمَّان - المملكة الأردنية الهاشمية.
بريد إلكتروني dekh@myway.com.