الدين القيم - الحلقة 20
الناقل :
mahmoud
| الكاتب الأصلى :
الدكتور محمد هداية
| المصدر :
www.islamiyyat.com
الحلقة 20:
نعيش اليوم مع آية من آيات سورة الروم التي تعلمنا كيف نهتدي إلى الإله الحق وعلامَ تقوم معرفتنا بالله تبارك وتعالى؟ (بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْوَاءهُم بِغَيْرِ عِلْمٍ فَمَن يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَمَا لَهُم مِّن نَّاصِرِينَ) لكني أريد أن أقف علامَ قال الله تبارك وتعالى (بل) وعلام هذا التوصيف المبدع (بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْوَاءهُم بِغَيْرِ عِلْمٍ)؟ المفروض أن يكون الاتباع لآيات الله تبارك وتعالى لأن في الآية السابقة ضرب الله تعالى لنا مثلاً من أنفسنا وشرح أننا لا نقبل أن يشاركنا غيرنا فيما رزقنا الله فلماذا نقبله على الله تعالى؟ ثم قال (كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) ذكرنا أن معرفتنا بالله تعالى تقوم على نوعين من المعارف المعرفة العقلية والمعرفة الدينية، المعرفة العقلية بهداية الله تبارك وتعالى وهي أن العقل يمنعك من أن تخطئ لأن كلمة العقل تأتي من العقال كأن العقل يربطك على المفهوم الصحيح ولهذا قال تعالى (كذلك نفصل الآيات لقوم يعقلون) لقوم يعقلون أي يعقلهم عقلهم عن أن يشتوا وعن أن يضلوا وعن أن يخضعوا لأهوائهم. بدل أن يتحكم فيهم العقل (بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْوَاءهُم بِغَيْرِ عِلْمٍ) والسؤال (فَمَن يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وما لهم من ناصرين). الذسؤال الذي معنا: إذا كان الله تعالى لم يهدي هؤلاء الذين أشركوا بالله وضلوا فكفروا وقلنا أن قد تكون مسلماً وتشكر بالله للأسف الشديد فابحث في نفسك هل تتبع المنهج الذي أنزله الله تعالى أم تتبع هواك؟ أم تتبع ما يهديك إليه هواك؟ (فمن يهدي من أضل الله وما لهم من ناصرين). (بل اتبع الذين ظلموا أهواءهم بغير علم) هذه الآية قد لا تبدو أمامنا من حيث الناحية التوصيفية القرآنية لذا سننتقل إلى آية أخرى هي أوضح من الشمس في كبد السماء. الله تبارك وتعالى يسوق سؤالاً أرجو أن نفهمه (أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (23) الجاثية) مصيبة أن يضِل ذلك الذي علِم، أن يضل رجل لا يعلم قد يكون هذا مقبولاً بمنطق البشر مع أنه ليس عذراً له (بل الإنسان على نفسه بصيرة ولو ألقى معاذيره) إنما أن يضل العالِم؟! قال الحكيم: إذا زلّ عالِم زلّ بزلته عالَم. وهذا الذي يضِّل نسي ما قاله رسول الله r "من سنّ في الاسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها من بعده إلى يوم القيامة لا ينقص من أجورهم شيء ومن سنّ في الاسلام سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده إلى يوم القيامة دون أن ينقص من أوزارهم شيء". السؤال من الله تبارك وتعالى (أفرأيت من اتخذ إلهه هواه) أصبح الإله عنده ليس الله إنما هواه يحركه الهوى كيف يشاء الهوى. (أفرأيت الذي اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم) وفي سورة الروم قال (مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ) جماعات وفرق وطرق ومذاهب، الموت لم يمهل من كان قبلنا فلن يمهلنا فبادروا بالرجوع إلى الله وأسرعوا بالتوبة إلى الله وأسرعوا بتوحيد الإله الحق. السؤال أفرأيت من اتخذ إلهه هواه؟ فساعة إتخذ إلهه هواه أضله الله تبارك وتعالى على علم. (أضله الله) أضله الله بعد أن اتخذ إلهه هواه كما في قوله تعالى (في قلوبهم مرض فزادهم مرضا) (إنهم فتية آمنوا بربهم وزدناهم هدى) الله تعالى يفعل لك ما تريد إن أردت الهداية هداك الله وإن أردت الضلال أضلك الله تبارك وتعالى. (أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً) أضله الله أولاً ثم ختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة. السؤال المبدع (فمن يهديه من بعد الله). الذي أضله هو الله فمن يهديه من بعد الله؟ سؤال يتسق في سورة الجاثية مع سورة الروم (فَمَن يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ) هذه في سورة الروم وفي الجاثية (فمن يهديه من بعد الله) الجواب هو الله. اللهم إنا نسألك الهداية لكل من أشرك من المسلمين بك غيرك ونسألك أن تهدينا وإياهم سوءا السبيل. القضية في منتهى الخطورة والسؤال من الله تعالى يحتاج إلى إجابة منا (أفرأيت من اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم وختم على سمعه وقلبه) ختم أي أغلق السمع لا يعني أنه لا يسمع هو يسمع وإنما لا يسمع ما يهديه بفعل من الله، وختم على سمعه وقلبه. نحن نعلم أن معرفة الله تقوم على نوعين من المعرفة العقل الذي محله القلب ومعرفة دينية بالمنهج فإذا ختم الله على قلبه فلا تعقل ولا تدبر ويسير في طريق (فمن يهديه من بعد الله) فارجع لأنه ما زال هناك أمل وما زالت هناك فرصة، ختم على سمعه وقلبه وهذان من أدوات التدبر فإذا أغلق الله أدوات التدبر فلا وجود للهداية العقلية وبالتالي لن يلجأ إلى الهداية الدينية، فما السبيل وما الحل؟
ما السبيل العودة إلى منهج الله تبارك وتعالى ليفتح الله تعالى مدارك كل من أشرك به؟ السبيل إن صح التعبير هو الله والعودة إلى الله والرجوع إلى الله والتقوى هي السلاح الأقوى ولذلك علينا أن نتدبر الأمر وما زال في العمر بقية لأنه إذا جاءت ساعة الإنسان انتهى الأمر (حَتَّى إِذَا جَاء أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (99) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (100) المؤمنون) هذا سؤال من الذي أضل السبيل (قال رب ارجعون لعلي أعمل صالحاً فيما تركت) الإجابة من الله (كلا إنها كلمة هو قائلها) لم يقل (إنها كلمة أنت قائلها) لم يوجه الله تعالى له الحديث لأنه لم يوجه مداركه إلى الله تعالى ليدرك ويتدبر وإنما اتبع هواه. السؤال من الله (أفرأيت من اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة) الغشاور أنه هو يرى أن ما يفعله صح، المفروض أن ما تفعله خطأ فإرجع إلى كتاب الله وسنة الرسول r وانظروا إلى الصحابة والتابعين. إن البدع التي شاعت الآن ما أنزل الله بها من سلطان!. السؤال الذي يُتعب المشركين هو: هل فعل رسول الله هذا؟ هل ذكر الرسول r ربه بهذه الطريقة التي يذكرونه بها؟ هل قرأ الرسول r القرآن ووهب ثوابه للميّت؟. الله تبارك وتعالى يعلمنا (فمن يهديه من بعد الله) هذا سؤال والإجابة: الله تعالى يهديه. (أفلا تذكرون) هذا سؤال آخر. نعود إلى سورة الروم (بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْوَاءهُم بِغَيْرِ عِلْمٍ فمن يهدي من أضل الله) وحتى تلحق نفسك (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ) حنيفاً مائلاً عن كل معوجّ حتى تستقيم، لكن المشكلة أن (ولكن أكثر الناس لا يعلمون). هل تعلم أن الله تبارك وتعالى الذي أرسل رسوله بالهدى والدين الحق ليظهره على الدين كله قال له في محكم التنزيل (وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ (103) يوسف) لو ناقشنا هذه الآية وأخذنا مثالاً أن رسول الله r أرسله الله تعالى إلى ألف شخص فلما يقول تعالى (وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ) يعني 600 منهم على الضلال ويبقى 400، لأن رسالة محمد من عهد بعثته إلى يوم الدين، يقول له (وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين) فوق الخمسين بالمائة على الشرك والكفر. 400 مؤمنين، وفي الآية 106 في سورة يوسف يقول تعالى للرسول r (وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللّهِ إِلاَّ وَهُم مُّشْرِكُونَ) إذن الـ 400 منهم مثلاً 250 شرك مع أنه مؤمن، الشيخ الفلاني وحلقة فلان، والرسول r علمنا "إذا سألت فاسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله" هؤلاء المؤمنين الذين أشركوا به غيره مثل الذين قالوا إنما نعبدهم ليقربونا إلى الله زلفى لكن الله تعالى قريب (وإذا سألك عبادي عني فإني قريب) توجه إلى الله تعالى بالدعاء فيتوجه إليك بالإستجابة. (وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ (103) يوسف) (وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللّهِ إِلاَّ وَهُم مُّشْرِكُونَ (106) يوسف) هؤلاء مؤمنون في الظاهر يقال عنهم أها إيمان ولكن في الحقيقة هم يشركون بالله. الألف انتهوا لأن يكونوا 150 أو أقل (). فالحل إذن (فأقم وجهك للدين حنيفاً) لأنك لن تعرف أن تعمل منهجاً لنفسك أنت الآن تمشي على هواك وقلنا أن العبودية توقيع للعبادة وهي علاقة بين المعبود والعابِد. هذه العلاقة تمشي على مراد المعبود لا على هوى العابد كما يحصل الآن في غالبية ما نفعل حتى الصلاة التي هي عماد الدين فالناس تصلي الظهر الساعة 2 مع أن وقت الصلاة الساعة 12 ونسينا قوله تعالى (إن الصلاة كانت على المؤمنين كتاباً موقوتاً) عندما يقول المؤذن الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر هذا يعني أن الله أكبر من كل ما تفعله حتى لو كنت تفسر القرآن فهذا عمل كبير ولكن الله أكبر، ويذكرك بالتوحيد (أشهد أن لا إله الله) مرتين ثم (حي على الصلاة حي على الفلاح) مرتين ومع هذا نجد من يسمع المؤذن ويستمر في عمله ولا يقوم للصلاة إلا بعد ساعات, وقس على هذا ما يحصل في الصيام والحج والحل (فأقم وجهك للدين حنيفاً) خذ منهج الله واترك ما تفعله وامش على مراد المعبود لا على هواك فإن فعلت فقد أصبت فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم. نسألك اللهم أن نحيا على دينك اللهم إنا نسألك بكل إسم هو لك أن نحيا على دينك وأن نكون والمسلمين في كل مكان على الدين القيم، إنك ولي ذلك والقادر عليه