الدين القيم - الحلقة 23
الناقل :
mahmoud
| الكاتب الأصلى :
الدكتور محمد هداية
| المصدر :
www.islamiyyat.com
الحلقة 23:
ما زلنا نواصل الكلام عن هذا المنهج الواضح لله تبارك وتعالى الذي نتعلم منه كيف يكون الطريق لإقامة الوجه لله تبارك وتعالى. والله تعالى ساعة رسم لنا المنهج أخذ يوصف لنا بعض الأدواء وبعض الأمراض عسى أن نجتنبها وأن نفيق وأن نكون صادقين مع أنفسنا ونحن نشخص هذا الذاء. وهذا الداء يحدث بيننا كثيراً (وَإِذَا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْا رَبَّهُم مُّنِيبِينَ إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا أَذَاقَهُم مِّنْهُ رَحْمَةً إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُم بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ) الإنسان في أزمة يرفع يديه إلى السماء يا رب وهو قبل هذه الأزمة كان يشرك بالله لكنه ساعة أصابته الأزمة علِم بصدق أنه لا مفرّج لهذا الكرب إلا الله. نضرب مثالاً بسيطاً واحد في أزمة يقول لو خرجت منها سأذبح عشرة عجول وبعد أن تنتهي الأزمة بدأ يقول ليس عندي لأذبح عشرة عجول فماذا أفعل، هل ساعة قلت سأذبح عشرة كان معك أم أنك تتعامل مع الله كما تتعامل مع الناس؟ هل تتصور أنك لما تقول هذا الكلام سيفرج الله تعالى عنك لأجل العشرة عجول؟ كل هذا شرك وكله خلط نوقع أنفسنا فيه لأننا لم نقم الوجه لله ولم نكن من المتقين ولم نكن نقيم الصلاة على مراد الله فيها لذا أرجو أن نفيق. إذا كان ساعة قلت عشرة عجول كان معك والآن لم يعد معك فهذا أمر أما لو لم يكن معك منذ البداية فلماذا قلت؟ هل تتعامل مع الله كما تتعامل مع البشر؟ والله تعالى علمك أنه ليس كمثله شيء ويجب أن تكون صادقاً مع الله تعالى. (وَإِذَا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْا رَبَّهُم مُّنِيبِينَ إِلَيْهِ) سنأخذ مثالاً في القرآن في منتهى الإبداع: فرعون ساعة أدركه الغرق ماذا قال وماذا فعل؟ هو كان يدعي أنه الإله وأنه لا يستطيع الله تبارك وتعالى أن يقدر عليه بل إنه هو القادر حاشا لله فلما أدركه الغرق لن يضحك على نفسه ويريد أن ينجو، لكن انظروا كيف آمن فرعون أي كيف ادّعى الإيمان؟ هو قال (آمنت بالذي آمنت به بنو إسرائيل) هل هذا الكلام صدق أم كذب؟ (قال آمنت بالذي آمنت به بنو إسرائيل) قلبه مليء بالكفر لكنه أعلن إيمانه في مرحلة الغرق فرد الله تعالى عليه (آلآن ) وساعة قالها لو قالها خالصة من قلبه لما ردّه الله تعالى، وهو يدركه الغرق كان يقول أغثني يا موسى لأنه لا يعرف الإله الحق وقلبه مليء بالكفر والشرك ولم يعرف أن يصل إلى الإله الحق فنادى موسى ونافق قوم موسى لكنه لم يرجع إلى الله وساعة قالها "أغثني يا موسى" فنادى تعالى موسى يا موسى استغاث بك فرعون سبعين مرة فلم تغثه وعزتي وجلالي لو استغاث بي مرة واحدة لوجدني سميعاً قريباً (وإذا سألك عبادي عني فإني قريب) هذه ليست فقط لأمة محمد وإنما لكل الناس. أنت ساعة تصاب بأزمة تلجأ إلى الله وتصلي وتصوم تطوعاً وعندما تنحل الأزمة كأنك لم تقل يا رب (وَإِذَا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْا رَبَّهُم مُّنِيبِينَ إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا أَذَاقَهُم مِّنْهُ رَحْمَةً إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُم بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ) فوراً شرك فوري بعد جاء الأمر وانكشاف الضر وبعد ما فعل الله تعالى ما قد تظن أنت أنك قد أخذته بذكاء (قلت أذبح عشرة عجول أو ذهبت للصلاة في المسجد أو صمت). لا بد أن نوصف الداء لنعرف الدواء. (إذا فريق منهم بربهم يشركون) هنا صيانة احتمال من الله تعالى فقال (فريق منهم) ولم يقل كلهم لأن بعض الناس عندما يقعون في أزمة فعلاً يعودون إلى الله لأن الأزمة هي التي عرفتهم الإله الحق ونشهد في مجتمعاتنا بأناس على هذه الشاكلة نفرح بهؤلاء وندعو لهم بالتثبيت على الإيمان، أزمة أخرجتهم على الإيمان والإنابة أصابهم الضرفدعا الله فكشف الضر فبقي مع الله. والفريق الآخر يشركون بعد أن تنجلي الأزمة. يقول تعالى لهؤلاء (وَإِذَا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْا رَبَّهُم مُّنِيبِينَ إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا أَذَاقَهُم مِّنْهُ رَحْمَةً إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُم بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ) هذه الإنابة قد تكون صادقة وقد تكون مدّعاة، بعد الأزمة سيكون هناك فريقان فريق سيبقى مع الله لأنه جرّب ولأنه ذاق ولذلك انظر التعبير الإلهي (أذقناه منا رحمة) من ذاق لذة الطاعة والعبادة ما تركها أبداً ولذلك للطاعة لذة لا يعرفها الآخرون أولئك الذين لا ينعمون بالطاعة يظنون أن كل من يطيع الله تعالى يعيش في مشقة لا يعرف لذة الطاعة إلا من أدّاها. (وَإِذَا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْا رَبَّهُم مُّنِيبِينَ إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا أَذَاقَهُم مِّنْهُ رَحْمَةً إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُم بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ) هؤلاء الناس ثم (إذا أذاقهم) الرحمة التي فيها ملجأ لهم ومنجى إذا فعل الله لهم ذلك سينقسمون فريقان فريق سيبقى على الطاعة والعبادة والاخلاص وفريق يعود للشرك فيقول لهم تعالى (لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (34)) هذه المتعة التي أنت تلهث وراءها في الدنيا من شهوات ومطامع ومال ومغانم تمتع فإنها فانية زائلة وهي أقصر مما تظن وقتاً وإذاقة وعملاً بل سيكون للذي يفعل ذلك الخلود في نار جهنم ولذلك نسمع التوقيع القرآني (فتمتعوا ) (ليكفروا بما آتيناهم) أي ليفعلوا هذا فكفرهم لن ينقص الإسلام ولن يزيد المشركين. (إذا فريق منهم بربكم يشركون) سواء يشركون ليكفروا أو ليكفروا (فليكفروا) فالنتيجة واحدة وسوف تعلمون في يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.
(وَإِذَا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْا رَبَّهُم مُّنِيبِينَ إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا أَذَاقَهُم مِّنْهُ رَحْمَةً إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُم بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ (33) (34) ) سواء كانت العملية التي وصفها الله تبارك وتعالى يقوم فيها الإنسان بالشرك ليكفر بما آتاهم الله أو قوله تعالى ليفعلوا هذا الشرك ويتمتعوا فسيأتي اليوم الذي يحاسبهم الله تبارك وتعالى فيه ذلك اليوم الذي لا يفر منه صغير ولا كبير والكل فيه سواء وعلينا أن نذكر أنفسنا بهذا اليوم. مهما كانت المتعة في الدنيا ومهما كانت الشهوات ستنتهي وعندما يقول تعالى (فتمتعوا فسوف تعلمون) إذن هناك تحذير من الله تعالى من هذا اليوم. سوف تعلمون الحقائق ساعة ينكشف الغطاء ساعة دخول ملك الموت والملائكة يقول الحق تعالى (وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد). الرسول r يعلمنا أن نتذكر الموت حتى نفيق إلى الإنابة والتقوى ولذلك قهر الله تبارك وتعالى بهذا الموت رؤوس الأكابر ورؤوس المعاندين الذين عاندوا الله تعالى وإذا مضت الآيات بنا نصل إلى قول الحق (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ هَلْ مِن شُرَكَائِكُم مَّن يَفْعَلُ مِن ذَلِكُم مِّن شَيْءٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (40)) إذا وقفنا عند هذه الآية بعد هذه الآيات التي وصف الله تعالى فيها الداء ووصف الدواء ووضع المنهج الذي يجب أن نكون عليه آناء الليل وأطراف النهار ممكنين القلب من عقيدتنا السليمة في الله وأن كل أمر مردّه إلى الله تبارك وتعالى وأنه هو وحده الإله الحق الذي يجب أن نخلص له العبادة وأن تكون عبادتنا له على مراده هو لا على هوانا. سبق أن عملنا مع الآية (وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده) (الله يبدأ الخلق ثم يعيده) من أخص صفات الله تعالى عندك أنت يا من خلقك الله بيديه ولم يدع أحد من هؤلاء الذين اشرك بهم الله تبارك تعالى ولم يدع أحد الخلق لذلك نقف على هذه الآية (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ) والسؤال (هَلْ مِن شُرَكَائِكُم مَّن يَفْعَلُ مِن ذَلِكُم مِّن شَيْءٍ) هل ادعى أحد الخلق؟ إذا تكلمنا عن الخلق يجب أن نأتي به من بدايته (كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتاً فأحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم) قبل الحياة الموت وهذا الموت الذي يتجاهله البعض يسدون الآذان حتى لا يسمعون وقع الكلمة (كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتاً فأحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم) القضية من أبدع قضايا القرآن الموت مخلوق قبل الحياة (الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم) فالموت مخلوق قبل الحياة لذلك علينا أن نتدبر هذا المخلوق الذي يلتقط كل حيّ لا يفر منه أي حي بوقت حدده الله تعالى قبل ميلادك وحديث الرسول r يعلمنا أنه بعد 120 يوم يرسل الملك ويؤمر بأربع كلمات: رزقه، أجله، عمله، شقي أو سعيد. وأنت في بطن أمك يكتب رزقك والرزق ليس مالاً فقط وإنما العمل والصحة والاخلاص والصبر كل هذا رزق. الموت يكتب عليك قبل الحياة ويكتب الأجل قبل أن تولد فصدق الله إذ قال (الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم) أجلك كتب قبل ميلادك فساعة تموت يجب أن تكون من الذين سلّموا لهذا الموت ذلك أن الله تبارك وتعالى قهر به رؤوس العباد ولو استطعت أن تدفع عنك المرض فستدفع عنك الموت فالله تعالى قهر به رؤوس العباد فسلِّم لله وارجع لله فارجع لله خالق كل شيء (ليبلوكم) الله تبارك وتعالى بهذا المخلوق العجيب ابتلانا ولنا في موسى u الأسوة وعلينا أن نفهم الحديث على مراد الله فينا. الرسول r يعلمنا لما جاء ملك الموت إلى موسى رفض موسى الموت وفقأ عينه فرجع ملك الموت إلى الله فيقول أرسلتني إلى عبد لا يريد الموت، رواية الحديث أوضح من الشمس في كبد السماء قال الله لملك الموت قل له يضع يده على متن ثور كل شعرة يلمسها بكف يده يأخذ سنة حياة فسأل موسى قال ثم ماذا؟ قال ثم الموت، قال إذن الآن، التسليم لله تبارك وتعالى وهذا الحديث ما رواه r لنا إلا ليعلمنا أن الإنسان بطبيعته لا يريد الموت وهذا هو السر في أن الله تعالى جعل الأجل مستوراً عنك وجعل الأجل مستوراً عنك ولو كنا في أي مكان قلنا أن ملك الموت ينتظر خارجاً فلن يخرج له أحد، لهذا قهر رؤوس العباد وجعله مكتوماً وقت لا تعلمه وهذا الوقت دائماً يأتي بغتة وفجأة ودون تدبير منك اللهم إلا إن كنت تدبرت هذه الأوامر فأنبت إلى الله واتقيت وعملت صالحاً فأنت مستعد في كل وقت وفي كل حين وإياك والمعصية فإذا جاءك الموت على المعصية بعثك الله عليها وأكثر من الطاعات فإن جاءك الموت على الطاعة فسيبعثك عليها. أسأل الله أن ينجينا من هذا اللقاء وأن يجعلنا من خير من يلتقي بهم سبحانه وتعالى ومن أحب لقاء الله أحب الله لقاءه نسأل الله التثبيت والموقف الحسن يوم القيامة