طريق الهداية - التوبة والاستغفار 99
الناقل :
mahmoud
| الكاتب الأصلى :
الدكتور محمد هداية
| المصدر :
www.islamiyyat.com
التوبة والاستغفار 99
تقديم علاء بسيوني
المقدم:
بسم الله الرحمن الرحيم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. موعد ولقاء جديد نخطو فيه خطوات على طريق الهداية. القرآن الكريم والآيات التي فيه دائماً ونحن نحاول أن نربط العلاقات ببعض والمفاهيم ببعض التي فيه الصورة تتضح أكثر وعقيدة المسلم بمعدنها النفيس تكون واضحة أكثر عندما يكون فاهماً لآيات القرآن الكريم. كنا وقفنا عند رحلة سنخوص فيها في سورة العنكبوت وفي أولها الله تعالى يسأل الناس هل سيتركون دون أن يُبتلوا ويُمتحنوا؟ ونحن نسأل من داخل الآية عدداً من الأسئلة: ما الفرق بين الفتنة والامتحان ووالابتلاء والبلاء لأن كل لفظ له مدلوله وإلا لكان الله سبحانه وتعالى استخدم كلمة مكان كلمة وحاشاه، هذا يستحيل لأن كل حرف في القرآن الكريم أنزله تعالى بعلمه وبخبرته العليم الخبير. هذه الارتحالات مع سور القرآن وآياته توضح فعلاً وجاءتنا أسئلة من المشاهدين. قبل أن نبدأ بآية سورة العنكبوت سألنا بعض المشاهدين عن الآية في سورة الحديد (اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآَخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ (20)) ما معنى أعجب الكفار؟ وما هو النبات؟ وماذا أعجب الكفار بهذه القصة؟ ولما شُبهت الدنيا بهذا؟ وما الدلالة البليغة في هذا التصوير القرآني؟
د. هداية:
سبق وتحدثنا في هذه الآية وقلنا أن الكفار في هذه الآية ليس كفر العقيدة وإنما الكفار هنا إشارة إلى أصل الكلمة في اللغة. القرآن الكريم يستخدم الكلمة، يعني كلمة الكفار لما تسمعها تعني من كفر بالله تعالى أو كفر بالقرآن أو كفر بالرسول أو إلى آخر هذا الكلام، لكن كلمة كافر لها أصل لغوي فيستخدم القرآن في آية من الآيات أصل الكلمة لغوياً، فالكفار هنا هم الحُرّاث وألفت نظر المشاهدين أن بعض السادة المفسرين حتى في العصر الحديث والقديم يكتبون أن الكفار هم الزُرّاع والقرآن الكريم نهانا عن أن نقول على من يفلح الأرض أنه زارع وقال الحق تبارك وتعالى في آية في سورة الواقعة أوضح من الشمس في كبد السماء (أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ (63) أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ (64)) لم يقل ما تزرعون يعني كلمة زارع لا تأتي لبشر ومن الخطأ اللغوي أن يقال مزارع نسأل الله أن تؤثر على العقيدة، الناس ليست فاهمة وكلمة زارع لا تُطلق إلا على الخالق سبحانه وتعالى بدليل ما جاء في سورة الواقعة (أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ (63) أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ (64)) فليفت الله تبارك وتعالى نظر الناس أن كلمة زارع لا تكون إلا لله تبارك وتعالى، الفلاح أو الذي يفلح الأرض يسمى حارثاً من حرث.
المقدم:
لماذا لم يقال أن عملية الإنبات هي التي تخص المولى سبحانه وتعالى باعتبار أنني أنا وضعت البذرة في الأرض لكن مسألة تكبر النبتة وتتغذى وتمتد
المقدم:
الإنبات مرحلة في الزرع لكن الزرع كعملية متكاملة لله تبارك وتعالى بدليل (أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ (63) أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ (64)) فالكفار في سورة الحديد كلمة معناه الحُرّاث
المقدم:
الكفر هنا ليس كفر العقيدة
د. هداية:
لا ليس كفر العقيدة وإنما استخدم أصل الكلمة وضرب المثال بالنبات الذي يفهم هذا المثال الحُرّاث لأن هذا عملهم فلما يعجبهم يكون زرعاً على أعلى مستوى فالكفار هنا كلمة لتوضح مدلول الكلمة المأخوذة من اصطلاح لغوي.
المقدم:
كوصف وتشبيه هلى يمكن أن تكون كلمة الكفار هنا بمعنيين الزارع والناس الذين كفروا باعتبار أن الذي سيعجب بالحياة الدنيا واللعب واللهو والزينة وتدخل قلبه وينسى الآخرة سيكون كالذي كفر؟
د. هداية:
هذا تأويل لكن أصل المسألة كما يقول المثل عندنا "أعطي الخبز لخبازه" لأن الخباز سيفهم فيه، أنت ترى رغيف الخبز فيه نقاط صفراء أو بنية اللون الخباز يعرف سبب هذه النقط هذه قصة يفهمها أهل الصنعة. فالله سبحانه وتعالى يضرب مثلاً بغيث سيُنبت والذي يفهم قضية الإنبات تأخر أو لم يتأخر أو الزهرة تأخرت وعندما كنا ندرس العلوم كان المسؤول عن المعمل أشطر منا وكان يعرفها بمجرد أن يمسكها قبل أن يراها ونحن كنا لا زلنا نتعلم. هنا يضرب المثال (كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ) لماذا جاءت كلمة الكفار هنا؟ حتى يلفت نظرنا إلى أصل الكلمة فالكافر عقائدياً يستر وجود الله تبارك وتعالى كما يستر الحارث أو الحراث البذرة تحت الأرض. أصل كلمة الكفر العقائدي جاءت من كلمة كفر البذرة تحت الأرض ونسميه الحرث لذلك قال القرآن (أفرأيتم ما تحرثون) من ضمن عملية الحرث أن تقلب الأرض لتدخل البذور ومن زمان كان الناس يسمون الفلاح يا كافر ليعاكسوه والولد يذهب لأبيه يخبره أن الأستاذ ناداه يا ابن الكافر فيقول الأب هذا صحيح أنا كافر لأنهم كانوا يفهمون هذه المسألة ومعنى الكلمة. وهنا يضرب القرآن المثال في ألص الكلمة في اللغة التي أصبح لها فيما بعد معنى اصطلاحي السائد الآن.
المقدم:
نعود للتشبيه نفسه خصوصاً أن الآية تتكلم على الحياة التي نعيشها لعب ولهو وزينة وتفاخر وتكاثر في الأموال والأولاد هذه الأمور كلها تكلمنا عن مسألة الفتنة مسألة أنها فتنة والناس ستقول أليست هذه الأمور حلالاً ومتع حلال، مسألة الأولاد أم أن المنهي عنه هو التفاخر وأن تملأ هذه الأمور قلبي فتنسيني الآخرة؟، هل هو بهذا المعنى؟
د. هداية:
نحن قلنا هذا، قلنا أنك لما تتباهي بأمر أنت عملتها تكون مقبولة لكن أن تتباهى بأمر لم تعمله أنت فليس له معنى! الثقة بالنفس والغرور بينهما خيط رفيع جداً، الإنسان الواثق بنفسه يظهر في كلامه أما المغرور فيظهر في كلامه ويكون ممقوتاً لكن لا بأس أن تكون واثقاً في نفسك لكن لا تكن مغروراً. يوم القيامة الذي أخذ كتابه بيمينه سيقول (هاؤم اقرأوا كتابيه) هذا نوع من أنواع الثقة والفرحة بالذي عمله والآخر سيقول (يا ليتني لم أوت كتابيه) وسبق أن ضربنا مثالاً أن الذي يذهب لصلاة الفجر يصدر صوتاً وهو نازل على السِلِّم ويسعل ويفتح الباب وينادي على البواب لكن الحرامي الذي يخرج في نفس التوقيت ليسرق يطلع على المواسير ويلبس حذاء مطاطياً يلبس قفازات ويعمل كل الاحتياطات للستر عكس الأول. فقول (هاؤم اقرأوا كتابيه) يدل على أنه عمل شيئاً طيباً بينما (يا ليتني لو أوت كتابيه) هذا عمل سيئاً، كل هذا عطاء الله سبحانه وتعالى فالتباهي لا يكون بشيء لم تعمله أنتوقلنا سابقاً أن أهل الجنة فهموا هذه المسألة وهم في الجنة لم ينسبوا الفضل لذاتهم وإنما نسبوه لله تبارك وتعالى (الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله) أثبتوا لله تبارك وتعالى هداية الدلالة والمعونة وحتى توفيقهم نسبوه إلى الله تبارك وتعالى.
المقدم:
بعض الناس سألت عن (سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (21) الحديد) وفي آية أخرى (وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133) آل عمران) ما الفرق بين سابقوا وسارعوا؟
د. هداية:
هنا الفرق في الفاعل، المسارعة والمسابقة فيها فاعلين، سارعوا هنا ستكون مسألة بفاعل واحد أنت تسرع حتى لا يفوتك الوقت لكن أصل المسارعة يأتي من المسابقة. لماذا قال سارعوا؟ لأنه لو بقيت جالساً يدركك الموت، هنا سابقوا من؟ الموت لأن الإنسان يولَد وقد كُتب الأجل لذلك قال بعض الحكماء أن سهم الموت ينطلق خلف الإنسان ساعة الولادة للأجل الذي كتبه الله تعالى. (سابقوا) كأنها تعني سابقوا الموت وأدركوا المغفرة والجنة، سبق وقلناها أن مهمة إبليس بينه وبين نفسه وأمام الله أ، يوقعني في عمل أبقى عليه عساني أموت على هذا الفعل فلا يكون هناك توبة، وهنا سندخل في متاهات الميزان وهل هي كبيرة أو غير كبيرة وهل هناك توبة من الكبيرة أم توزن على علاّتها مناقشة كبيرة جداً فلما يقول تعالى (سابقوا إلى مغفرة) اي سابقوا الموت الذي قدّره عليكم وأنتم في بطون أمهاتكم وسبق أن ذكرنا أن الجنين وهو عمره 120 يوم يؤمر الملك بأربع كلمات رزقه وأجله وعمله وشقي أو سعيد وذكرنا أن شقي أو سعيد ليست في الدنيا وإنما في الآخرة ولذلك قال (سابقوا إلى مغفرة من ربكم) وبالتالي لو سابقت ووصلت إلى المغفرة سيكون لي الجنة وهذه الجنة عرضها كعرض السموات والأرض إذن هي تستحق المسابقة إنما لما يقول سارعوا هو يخاف عليك من الوقت الذي هو عنوان المسابقة أو مناط المسابقة التي بيني وبين الموت.
المقدم:
نعود إلى موضوع في سورة الشورى الآية 20 (مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآَخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآَخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ (20)) تتكلم في نفس الموضوع وهناك رابطين الرابط الأول موضوع الحرث والزرع والموضوع الثاني الذي نتكلم فيه، بدأ بالكلام عن حرث الآخرة وهناك مسائل أخرى في الآية بدأ بالآخرة واستخدم الفعل المضارع (يريد) واستخدم نفس الأدوات (من كان يريد حرث الآخرة نزد له في حرثه) كأن المولى تبارك وتعالى يطبق مسألة الحسنة بعشرة أمثالها والله يضاعف لمن يشاء ومن كان يريد حرث الدنيا نؤته منها كقوله تعالى (من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد) في سورة الإسراء، الآيات مترابطة، أسأل ما دلالة استخدام كلمة الحرث في الآخرة؟ وفي الدنيا رغم أنه من المفروض في الدنيا كل شيء سينتهي ويكون كالهشيم تذروه الرايح وانطبقت السموات على الأرض والواعي والفاهم عليه أن يستعجل ليحرث في الدنيا حتى يحصد في الآخرة، ما هذه الصورة البلاغية القرآنية؟
المقدم:
التشبيه والتصوير في مسألة الحرث, ان هناك حرث دنيا وحرث آخرة صورة سهلة حتى يستوعبها الناس السؤال ماذا ستختار أنت؟ هل ستختار الذي تستعجل عليه في الدنيا أو تختار الذي تتعب فيه فعلاً وأنت ببصرك وبصييرتك ترى نتيجة الحصاد في الآخرة، رب العالمين يضرب أمثالاً كثيرة في مسألة الدنيا والآخرة لستخدم الحرث فما تعليقك على هذه المسألة هل استخدام الحرث لسهولة الفعل للتصور؟
د. هداية:
لأن كثيرين يرون بأعينهم أن فلان يزرع جيداً، فلان لا يزرع جيداً، فلان يحرث جيداً وآخرون لا يحرثون جيداً هذه مسألة واضحة أمامنا والناس تراها وتسمع عنها، لكن الجديد فيها أن الله تبارك وتعالى استخدام كلمة الحرث للإثنين فأشعر من الآية أن المولى سبحانه وتعالى يريد أن يلفت نظرنا إلى أن حتى الذي يطلب الدنيا سيتعب لكن ليس نتيجة تعبه في الآخرة يساوي صفر (وما له في الآخرة من نصيب) هذا حرث وهذا حرث لكن هذا حرث في أمر يستاهل وآخر حرث في أمر لا يستاهل وأتعب نفسه على الفاضي وضيّع عمره سدى. وهنا مسألة الدعاء بزيادة العمر ليس هناك ما يسمى زيادة العمر لأن العمر مكتوب فكيف يزيد العمر؟ هذا عاش أربعين سنة وهذا عاش أربعين سنة لكن الأول عاش الأربعين كأنهم مائة سنة والآخر عاشهم كأنهم عشرة هذا نتيجة العمل في الفترة الزمنية التي كتبها الله تعالى
المقدم:
وتوفيق ربنا
د. هداية:
هنا توفيق وإخلاص. الفعلين في سورة الشورى مختلفين عن سورة الإسراء.
المقدم:
في الإسراء كان هناك فعل أراد ويريد
د. هداية:
في الإسراء قال (من كان يريد العاجلة) لم يقل حرث العاجلة وقال (ومن أراد الآخرة) وليس حرث الآخرة. كأن المولى سبحانه وتعالى يريد أن يلفت نظرنا إلى مسألة الإرادة السابقة بالنسبة للعاجلة أنت ساعة أعلنت إيمانك عقدت العزم على أنه سينطلق في العمل للآخرة وهو منطلق يكون في الحياة الدنيا لكنه يفهمها صح وهناك من يعيش في الدنيا ولا يفهم الحقيقة والذي لم يفهم ينقسم إلى اثنين واحد عنده استعداد يفهم وآخر لا يريد أن يفهم معتقداً أنه سيدخل النار قليلاً ثم يخرج وهو سعيد بهذه المسألة جداً مع أنه ليس لها أساس لا في القرآن ولا في المنطق ولا في العقل اللهم إلا في بعض الأحاديث التي لا نأخذ نحن بها. خطورة القضية أنه في سورة الشورى قال (من كان يريد حرث الدنيا – من كان يريد حرث الآخرة) وضع الدنيا والآخرة بنفس التوصيف، أما في سورة الإسراء فكانت مختلفة (يريد – أراد). في سورة الشورى يريد أن يقول أنه من أراد العاجلة عليه أن يجدد الإرادة في مسألة الحرث لأن بالمنطق أنت أخذت قطعة أرض فلن تصحو من النوم يوماً وتجدها مزروعة! قال تعالى في سورة الواقعة (أم نحن الزارعون) بعد أن أسند الحرث لك أنت (أفرأيتم ما تحرثون) والحرث كلمة كلها مشقة وأؤكد على أنها استخدمت للدنيا ربما الذي اختار الدنيا يمكن أن يؤنب نفسه ويعود وهذا سر بقاء الفعل المضارع مع الدنيا أنه ما زال عنده فرصة التوبة التي هي موضوعنا (من كان يريد حرث الدنيا) يمكن أن يلفت أحد نظره فيعود فيكون هناك تجدد في الإرادة، في الآخرة أنت أردت العاجلة ليس حرث العاجلة أنت أردت العاجلة (ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن) السعي يحتاج إلى (يريد) وله شروط وهذا منهج ثابت ليس من عندنا نحن وليس من قبيل الصدفة أن تكون الآية التي بعد الآية في سورة الشورى التي نحن بصددها (أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ وَلَوْلَا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (21)) رغم أن هذا تأليف لكن كلمة (الدين) مفردة ليست أديان مع أن المنطق الباطل الذي يلعبون عليه في منطق الأديان السماوية كان يفترض أن يقول شرعوا لهم من الأديان حتى لا ينسبها إلى الدين لأن (إن الدين عند الله الإسلام) قال وإن اختلف المنهج يجب أن تكون الكلمة مفردة ولذلك يقول (أم لهم شركاء شرعوا لهم) نذكر الآية التي عملنا عليه سابقاً (شرع لكم من الدين)
المقدم:
إذن هنا كأن الذي يفعل هذا كأنه ينازع المولى عز وجل في التنظير والنظرية
د. هداية:
هذه المسألة التي عقيدتنا ترفضها تماماً
المقدم:
أنا عندي نظرية من عند الإله فكيف أعمل أنها منهج بشر؟!
د. هداية:
شطارتي أن أفتح عقلي لأستوعب هذا المنهج أما الآخر فيقول نحن سندخل النار قليلاً ثم نخرج فلماذا أنت غاضب؟ نقول له إذهب أنت النار وابتعد عني! (شرعوا لهم من الدين) وبعدها قال (ما لم يأذن به الله) لأن (إن الدين عند الله الإسلام) فإذا عملت شيئاً بإدّعاء مثل البِدع، تعريف البدعة أنها الزيادة في الدين على سبيل التعبّد لكن الرسول صلى الله عليه وسلم قال (وكل بدعة ضلالة) كل بدعة ضلالة هذه البدع التي تعيش فيها الناس هي في الدين، الآية تتكلم في هذه النقاط أن يأتي الذي أراد أن ينازع الله – إن صح التعبير – أو يوقع هذا في الغلط إذا كان شيطان إنس أم شيطان جن فيُلبِّس على أحدهم تلبيس إبليس يلبس الباطل ثوب الحق والرجل المنطقي يقول (قولة حق يراد بها باطل) وابن الجوزية في كتابه المهم "تلبيس إبليس" ذكر كيف أن ابليس لعنة الله عليه يدخل إلى كل إنسان من مدخله، هذا من الغناء، وآخر من الأفلام، آخر من السلسلات، آخر من الدين، هذه (أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله) فالسؤال هنا هي أيّ أرادة؟ والشطارة أن يجدد الإنسان الإرادة في حرث الآخرة على منهج الله حتى نخرج من تحت وطأة في سورة الروم لما قال (بل اتبع الذين ظلموا أهواءهم) هنا دخل الهوى لكنه قال بغير علم
المقدم:
وبغير علم يعني تركتم المنهج.
المقدم:
(وَلَوْلَا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (21) الشورى) كلمة الفصل تجيب على بعض الناس الذي عندهم إيمان وقلب طيب جداً ويتساءلون كيف يترك الله تعالى القتلة يعملون هكاذا في فلسطين والعراق ويترك الشر ونحن مغلوبون؟
د. هداية:
هذه هي الفتنة وهذا هو الابتلاء وأهم من هذا وذاك القضاء الذي لن يتغير (ولولا كلمة الفصل ) لو أن الله شاءت إرادته الأزلية أن ينتقم لانتقم لكن له إرادة متبوعة بالحكمة وإرادته لا تنفصل عن حكمته أبداً
المقدم:
ولهذا ختم تعالى الآية (بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)
د. هداية:
هذا الذي لم ينظر إلا إلى الدنيا وعذابهم مؤجل وهذه حكمة وقبلها الإرادة والمسلم الواعي إذا لم يسلِّم بما أراد الله تبارك وتعالى فيما قيمة إسلامه؟ هل سيكون إسلام على هواي أنا؟ لا ينفع. كلمة أسلمت يعني سلمت لهذا الإله الحق كل شيء ولذلك أذكر بدعاء افتتاح الصلاة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم "قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين" لا للهوى ولا للنفس ولا للشيطان، أنا أرى أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يفتتح بهذا الدعاء في كل صلاة لتؤثر الصلاة وتكون كل صلاة إلى الصلاة التالية مكفرات لما بينها وعلينا أن نعي هذه المسألة وللأسف البعض يسألون هل يجب أن اقول هذا الدعاء في كل صلاة؟ نقول لهم هو لا يأخذ من وقتك دقيقة
المقدم:
حتى لو نسيت أن تقولها وقّعها في قلبك واجعل نيتك هكذا أن حياتك لله ومماتك لله.
د. هداية:
أنت لو توقّع من غير كلام وهذا حرص الرسول صلى الله عليه وسلم عندنا مثل شعبي يقول "الدوي على الودان أمرّ من السحر" التكرار هذا أحدهم يقول لك أني لم أنتبه إلى هذا المعنى مع أني أقولها منذ سبع سنين مثلاً. نذكر عمر بن الخطاب لما تكلم أبو بكر في وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم وقال من كان يعبد محمداً فإن محمداً قد مات ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت هذا قول أبو بكر ثم قرأ الآية (وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل) مثله كمثل باقي الرسل يجب أن يموت (أفئن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم) قال عمر كأني لو مرة أسمعها هذا لا يعني أنه لم يسمعها من قبل لكنه أول مرة ينفعل لها. ونحن نقرأ القرآن يجب أن نأخذ لازم معنى قول عمر أن نصحو ونحن نصلي ونحن نقرأ القرآن ونحن نتكلم لأنه في بعض الأحيان المصورون معنا ونحن نصور ست حلقات مثلاً يأتي أحدهم ويقول هذه الحلقة جميلة جداً أجمل من الحلقات الباقية والمخرج يقول لك هذه الحلقات الأخرى أعلى من هذه الحلقة لكن هذا المصور أفاق في هذه الحلقة وانفعل فيها. إذن التلقي هنا الآيات هذه تتكلم فيها أنه لما تتلقى وتنفعل وهذا الرد على السؤال عن سبب تكرار الأحداث والقصة ليعمل لك إنفعال وأنت تقرأ في سورة الشورى تقول لنفسك أليس هذا المعنى كان في سورة الإسراء لكن هنا الفعل ماضي وهناك مضارع، هذا قمة التفسير أن تلفت نظرك آية في سورة ما إلى سورة أخرى، أنت تقول في سورة الشورى جاء الفعل مضارعاً اقول لك جاء الفعل مضارعاً مع كلمة الحرث لأن الحرث يريد استمرار عمل أما في الإسراء فهناك أراد العاجلة وليس حرث العاجلة وعندها ستتوقف عند الفرق في بين العاجلة وحرث العاجلة وبين الآخرة وحرث الآخرة ويبدأ يسأل كيف يكون الحرث؟ هذا مراد الله سبحانه وتعالى من تكرار الآيات باختلاف الأفعال والأحداث والإشارات لدرجة أنك تجد آيتين مثل بعضهما بالضبط لكنهما يختلفان فيما قبلهما وبعدهما من الآيات.
المقدم:
قد يكون مكانها هنا في توسطها آيتين في مكان غير الآيتين في مكان آخر هو الذي يظهر الفرق
د. هداية:
بالضبط مثل الكفار وردت في آيات بمعنى كفار العقيدة ووردت كلمة كفار بمعنى أصل الكلمة التي هي الحرث لأنك قد تسأل نفسك لماذا سمي الكافر كافراً ولماذا سمي المنافق منافقاً؟ ما هو أصل الكلمة في النفاق وما هو أصل الكلمة في الكفر؟ وما هو أصل الكلمة في الإيمان؟ يكون هناك هدف لأن كلمة الكفار اليوم تستخدم في المعنى الإصطلاحي والناس تستغرب معناها في الأصل اللغوي
المقدم:
الناس عرفتها على أنها كفار عقيدة
د. هداية:
فاستخدمها القرآن مرة بمعنى أصلها اللغوي.
المقدم:
نحن نتكلم على طريقة التلقي وهذا أمر مهم الآيات موجودة والقرآن موجود وإذاعات تفسر القرآن لكن مسألة التلقي مهمة جداً، عمر من الصحابة وفي واقعة وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم اهتزّّ وفي موقف آخر (واتقوا يوماً ترجعون فيه إلى الله) هل هو عمر أو غريه من الصحابة الذي فهم من الآية أنها تنعي رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ استقرأ فيها نعي الرسول؟
د. هداية:
أبو بكر الصديق
المقدم:
ما الذي كان عند أبي بكر زيادة عن عمر بن الخطاب؟ كان هناك سباق بين أبو بكر وعمر؟
د. هداية:
هذا شيء محمود، والقرآن الكريم قال (وفي ذلك فليتنافس المتنافسون) في النتائج فحتى تصل إلى نتيجة عالية يجب أن يتسابقوا وهذه الغبطة التي تحدثنا عنها. المسألة تحتاج أن أفتح المجارك وأدخل بقلب مفتوح لا أدخل لأؤدي واحباً فقط مثل الذي يصلي وهو يؤدي واجب، ذكرنا سابقاً أنك تخرج من مكتبك إلى بيتك ولم تشعر إلا وأنت تركن السيارة بجانب البيت لم تنتبه في أي شوارع مشيت؟ المصيبة أن تجد نفسك وأنت في الصلاة تُسلِّم لم تنتبه للأربع ركعات هذه ليست صلاة والله أعلم إذا كانت تُكتب، والرسول صلى الله عليه وسلم كل كلامه "صلّوا كما رأيتموني أصلي" وحديث المشيء صلاته يجب أن ننتبه إلى كل هذه الأمور فالصلاة ليست مسألة أداء واجب فقط.
المقدم:
وعمر بن الخطاب كان له قصة في مسألة العباءة
د. هداية:
لا، هذا كان علي بن أبي طالب إن صحّت القصة أنه انشغل بالعباءة. نسأل الله السلامة
المقدم:
هي مسألة جهاد مع النفس ومع مسألة الحرث حتى نجد في النهاية الحصاد في الجنة إن شاء الله
د. هداية:
(والذين جاهدوا فينا) (فينا) يجعلنا نقف أمام إبداع البيان لم يقل في الله وإنما قال (فينا).
المقدم:
(والذين جاهدوا فينا) وفي سورة العنكبوت (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ (69)) مسألة (في الله) و(فينا) لأول وهلة قد نظن أنهما نفس المعنى لكن الصياغة مختلفة لماذا؟
د. هداية:
لأن (في الله) تعطي التوحيد المطلق و(فينا) تعطي التعظيم وتخيفك قليلاً وهذا له أجر (لنهيدتهم سبلنا) ويجب أن نقف عند سبلنا.
المقدم:
(سبلنا) بعض الناس تفهم أن هناك أكثر من طريقة بينما القرآن يقول للرسول صلى الله عليه وسلم (قل هذه سيبلي أدعو إلى الله على بصيرة) هذه الآية تعطي معنى أنه ليس هناك إلا سبيل واحد وأن الرسول صلى الله عليه وسلم وكل الرسل والأنبياء يتبعون منهجاً ليس من تأليفهم هم وإنما وحي وأمر من الله لكن (سبلنا) هل تعطي فكرة التفرق وأن كل واحد يجتهد ويؤلف كل واحد على ذوقه أو أن كل واحد رغم التوحيد في العبودية والتوحيد في الهدف أني ذاهب إلى الجنة على منهج الله لكن قد يسلك دروباً وسبلاً مختلفة في الدنيا؟
د. هداية:
كلمة السبيل ومشتقاتها وردت في القرآن 166 مرة مثل سبيل الله، أما سبلنا بالجمع فوردت عشر مرات بمشتقاتها لكن لما تفحص 166 كلمة السبيل تجد أنها بمعنى الصراط والشرع ولما تفحص كلمة سبلنا بالجمع تجد أنها لا تنفع إلا في الدنيا لا تنفع إلا في العمل ليست منهجاً، لو أراد معنى منهج يأتي بكلمة سبيل (ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله) كلمة سبيل مفردة هنا إنما في الآية (لنهدينهم سبلنا) هنا هداية دلالة ومعونة حتى يتحركوا، هداية الدلالة قد تُكر لوحدها أما هداية المعونة فيجب أن تكون معها هداية الدلالة التي بدونها لا يمكن أن أفعل شيئاً. (فلنهدينهم سبلنا) ماذا تريد أنت في الجنة؟ تريد أن تدخل من أبواب الجنة الثمانية كما كان أبو بكر حريصاً على هذه المسألة، الرسول صلى الله عليه وسلم قال كل واحد يدخل من باب عمله فسأل أبو بكر – لم ينتبه أحد للمسألة والقِلّة حتى في التلقي- فسأله هل يمكن أن يدخل أحدهم من الأبواب الثمانية كلها؟ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: نعم وأنت كذلك، هذه السبل، هي الجنة.
المقدم:
واحد قد يكون حصاده في الجنة من باب الصيام وآخر قُتل في سبيل الله وواحد الصلاة وآخر إتقان العمل وآخر ترك علماً نفع به الإسلام والمسلمين فهل يمكن أن يكون هذا تطبيق لكل هذه السبل؟
د. هداية:
نعم، هم كلهم في الجنة، السبيل هنا واحد والوصول له يحتاج إلى سُبل، أنت تصلي الليل قيام وتهجد وتصوم وتزكي هذه سبل ولهذا جاء معها كلمة الهداية (لنهيدنهم سبلنا). الذي ذكرته مهم جداً أننا نطبقه بشرط (على سبيل الله) على منهج واحد ولا نعدد المناهج فيكون الهدف واحد والمنهج واحد والطريق له من مليون سبيل (سبلنا) وكلها نافعة بشرط أن ابتعد عن الهوى أو أؤلف من عندي أو أقول لم يهدني الله بعد عندها أكون خرجت خارج السبيل. السبيل له سُبل، سبيل بغاية له سبل لكن كلها على منهج الله تبارك وتعالى ونعيد الآية في سورة الروم (بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْوَاءَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ فَمَنْ يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ (29)) ثم قال الحل (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (30)) الدين مفرد.
المقدم:
(الم (1) أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آَمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ (2) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ (3) العنكبوت)
د. هداية:
الآية الثالثة جملة اعتراضية لأن النص أحسب أم حسب الآية 2 (أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آَمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ (2)) والآية 4 (أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ أَنْ يَسْبِقُونَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ (4)) الآية 3 اعتراضية توضح حقيقة الفتنة. (ألم) الأحرف المقطعة تكلمنا فيها وبالمناسبة أريد أن أقول لما نزل القرآن بالحروف المقطعة على رأس عدد من السور هناك من ينتظر غلطة واحدة في القرآن لتعمل منها مشكلة وتخطيء الرسول صلى الله عليه وسلم وتعيب على القرآن لكنهم لم يفعلوها ولم يتكلموا في الحروف المقطعة.
المقدم:
إذن ما هو السر طالما أنهم كانوا ينتظرون غلطة واحدة؟
د. هداية:
لو كان فيها إشكالية من كان أولى بالاعتراض وهم أقدر الناس عليها من ناحية اللغة كلهم كانوا فحول في اللغة والوليد بن المغيرة قال كلاماً في القرآن لم يقله أحد. إذن ليس فيها إشكالية وسكوتهم عنها إما علامة الفهم أو علامة الرضا فلن يسكت المعترض أبداً. أدركوا حقيقة الحروف.
المقدم:
الرجل الأمي لا يمكن أن يفسر الحرف
د. هداية:
عندما يقولون عن الرسول صلى الله عليه وسلم أمي والقرآن يصفه بهذا هناك مناط لهذه الكلمة فمقلوب الأمية ماذا؟ نذكر مثالاً الرجل الأمي (أمية اللغة أو القراءة) لو كلمك في السياسة أو الاقتصاد تجده موسوعة لكن قل له استهجى كلمة اقتصاد لا يعرف، إذن الرجل يتكلم معك فيها هذا الرجل يدخل الحروف في بعضها فيعمل كلاماً يعني يعرف أن الألف مع القاف مع التاء مع الصاد مع الألف مع الدال تعمل كلمة اقتصاد لكنه لا يعرف أن يجزيء الكلام إلى حروف ولا سأل ماذا يعني حرف ألف؟ قد يقول لك ما معنى اقتصاد؟ لمن لا يقول لك ما معنى ألف؟ لأنها ليس لها معنى وإنما يكون لها معنى عندما تدخل في الكلام. أنت وصفت الرسول صلى الله عليه وسلم بأنه أمي وهو يقول (ألم، كهيعص) ويقولها بطريقة أنت ملزم أن تقولها مثله. سأل طفل الشيخ مرة عن معنى (كهيعص) وكان قد نطقها كأنها كلمة لكن الشيخ صححها له كما أخذها هو سماعاً فالقرآن يؤخذ سماعاً والأمي - الذي لم يفهم الناس معنى توصيفه أنه أمي- تهجى الأحرف. (ألم) ألفت النظر أنه لم يسأل عنها أحد ولم يسأل عن معناها الحرف ليس له معنى في حد ذاته وإنما له معنى مع غيره من الحروف.
المقدم:
البعض عمل دراسات عن الأحرف وقال أن معظمها موجود في السورة
د. هداية:
المسألة ليست في ألم فقد ودر في القرآن ن و ق وص لماذا لم يقل ض مثلاً؟ لماذا وردت السين ولم ترد الشين. الرازي وصل لستة عشر رأياً لكنها تبقى آراء لكن أذكر أنهم في السابق لم يعترضوا عليها ولم يسالوا عن معناها. (أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آَمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ (2)) (أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ أَنْ يَسْبِقُونَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ (4)) الآية 3 اعتراضية كأنه يريد أن يقول لك أنت لست بدعاً في الفتنة كل الناس مبتلاة وهذا ما قضى به الله. قضى بماذا؟ المسألة ليست قولاً، الإيمان ليس كلمة الإيمان عمل وهذه الآيات تؤكد هذا والآيات تسأل وتترك الإجابة لك (أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آَمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ (2) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ (3)) ما هو اعتراضك؟ ثم قال (أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ) هل تكلم عن سيئات؟ نعم تكلم، مجرد وهمك - ألفت النظر إلى كلام بعض المفسرين عن معنى كلمة حسب وذكرنا نحن سابقاً درجات الإدراك الأربعة العلم إدراك اليقين والظن إدراك الطرف الراجح والشك تساوي الطرفين والوهم إدراك الطرف المرجوح وأقرب نسبة للعلم الظن وهي التي استخدمها القرآن كثيراً بمعنى علمت (إني ظننت) ظننت هنا بمعنى علمت لكن لا يمكن أن اقول علمت، هذه نقطة. نحن تحركنا من 51% وعملت ولم أنتظر لتكون النسبة 70 أو 80% هذا الرجل الشاطر والمرأة الشاطرة، لما يقول (أحسب) الفعل (حسَب) يأتي بمعنى عدّ أو (حسِب) بمعنى الوهم وليس الظنّ إدراك الطرف المرجوح الذي حيب هذا خطأ لأنه لم يدرك الطرف الراجح وإنما الطرف المرجوح إذن حسِب بمعنى توهّم وفهم خطأ ليس ظناً لأن الظن أفضل واستخدمه القرآن بدل العلم. لو كنت تعلم أمراً ما مائة في المائة وأستاذك هو الذي يسألك فلأنك تلميذ مؤدب لن تقول له علمت ومتأكد وإنما تقول أنا شاكك أو أظن، هذا مؤدب. لما يقول المولى تبارك وتعالى (أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آَمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ (2)) هل هي بمعنى علمت أو ظنت أو شكّت أوتوهمت؟ توهمت أن يتركوا سدى على القول يعني تسأل أحدهم عن حاله فيقول أنا مؤمن لكن يؤذن للصلاة فلا يقوم يصلي، يأتي رمضان ولا يصوم إذن أين الإيمان؟ آيات سورة العنكبوت تؤكد فكرة أن الإيمان قولٌ يلزمه وتبعه العمل يصدقه (ما وقر في القلب وصدّقه العمل) صدّقه يعني صادق عليه بالعمل وليس كلاماً فقط. (أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آَمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ (2)) ما هي الفتنة؟ الفتنة والابتلاء والبلاء والامتحان ليست مترادفات، الابتلاء عنوان مضمونه وموضوعه الفتنة. الرجل الذي يعمل بالذهب يُدخل السبيكة النار يفتنها فتنصهر المواد الشائبة مثل النحاس وغيره ويبقى الذهب خالصاً نقياً. هذا تشبيه من المولى عز وجل للمؤمن الذي يستحق الجنة بالذهب الخالص أنفس المعادن أما المنافقين والعصاة والفاسقين كالشوائب التي انصهرت في النار ومصيرهم في الآخرة النار ولذلك هناك تعبير نقول عنه (منه وله) الفتنة فيها نار وهذه الآية فيها جنة ونار جنة للذهب وما شابهه ونار للخبث وما شابهه.
المقدم:
جزاكم الله كل خير، الأسئلة كثيرة جداً وسنتكلم عن معنى الابتلاء والفتنة والبلاء نفسرها للناس ونتكلم عن تطبيق العمل الذي يصادق على القول وهناك سؤال منطقي جداً الناس قالت آمنا فسنبتليهم ونفتنهم والذين لم يقولوا فهل هم خارج الآية؟ أو أن الآية تكلمت عنهم ونحن لم ننتبه، أسئلة كثيرة كلها تصب في سلامة العقيدة، نكمل المسيرة ونراكم بألف خير، سلام الله عليكم ورحمته وبركاته.