كيف نفهم القرآن (2)؟
الناقل :
mahmoud
| المصدر :
www.islamiyyat.com
تحدثنا فى الحلقة الماضية عن كيف نفهم القرآن ، وقلنا
أن أول خطوة من الخطوات العديدة لفهم القرآن الكريم هو اعتبار عربية هذا الكتاب العزيز وعربية هذا الكتاب العزيز ثلاثة مراحل على التوالى : الأولى قرآنا عربيا ، والثانية لسانا عربيا ، والثالثة حكما عربيا.
قرآنا عربيا
: الكلمة القرآنية عربية الأصل والجذر فلابد من الأنتباه الى دقة ذلك .
لسانا عربيا
: عربية الجملة القرآنية من حيث بلاغاتها وآدابها ومفاهيمها .
حكما عربيا
: من حيث الفقه القرآنى الحلال والحرام من حيث كونه يتناغم مع ما خص الله به العرب من سجايا ، من أجل تلك السجايا اختارهم لحمل هذه الرسالة العظيمة .
ولعربية الكلمة القرآنية عدة امثلة من ضمنها كلمة الأسوة (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا (21) الأحزاب) حيث قال معظم المفسرين ان لم يكن كلهم الأسوة هى القدوة وهذا تنكب عن عربية القرآن وعدم اعتبار عربية الكلمة القرآنية جذرا وأصلا ، وقد أثبتنا بما لايدع مجالا للريب أو الشك أنه ما من كلمتين مترادفتين فى القرآن الكريم ،اذن الأسوة غير القدوة وشرحنا هذا فى الحلقة الماضية ، وضربنا لذلك مثلا من حيث كونه صلى الله عليه وسلم أسوة للضعفاء وقدوة للأغنياء ، والقدوة هو الايجابى الذى يقتدى به الناس فى أفعالهم وأعمالهم أقوياء متقدمين الى الأمام ، والأسوة الذى يتأسى به الضعفاء الذين يعجزون عن التقدم الى الأمام .
من أجل هذا قلنا بأن سيدنا عمر رضى الله عنه هاجر شاهرا سيفه بقوة متحديا كل الكفر ولم يجرؤ واحد على أن يتبعه أو يؤذيه بينما النبى صلى الله عليه وسلم سافر متخفيا متسللا ليكون أسوة لضعفاء ولهذا كون النبى صلى الله عليه وسلم سافر بهذا الشكل السرى ترك لنا دروسا وعبر يجب أن نتناولها بالبحث والتقصى فى كل عام ولقد فعل الله تعالى هذا بداية لعل جميع المسلمين أو نقول أغلبهم يعتقدون بأن قوله تعالى (إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (40) التوية) نزل بعد الهجرة مباشرة وهذا ليس صحيح فهذه الآية نزلت بعد الهجرة بتسع سنين عندما تباطأ المسلمون أو بعض المسلمين وتثاقلوا عن غزوة تبوك ، وغزوة تبوك اول احتكاك بالدولة العظمى التى هى كأمريكا اليوم فى العالم ، تلك الغزوة الرهيبة التى سميت بغزوة العسرة عندما تباطأ وتثاقل بعض المسلمين فى ذلك باللحاق بالنبى صلى الله عليه وسلم فنزل قول الله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآَخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآَخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ (38) التوبة)
وربى عز وجل اتخذ من اعادة ذكرى الهجرة بعد تسع سنةات وأحداثها وعبرها وقدرة الله المطلقة فيها وأسلوب النبى صلى الله عليه وسلم فى أحداثها وما جرى من مفرداتها أعاده الله على أذهان المسلمين عبرة وعظة وتثبيتا لأفئدتهم (وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (120) هود) فذكرى وتذكر أحداث الرسل من ولادتهم الى موتهم ما يثبت به الفؤاد ، وقد ثبت الله تعالى فؤاد النبى صلى الله عليه وسلم بقصص الأنبياء منذ ولادتهم اللى موتهم واحتفى بولادتهم وكيف ولدوا وكيف هى مجريات ولادتهم كما فى سيدنا عيسى و سيدنا موسى ويحى واسماعيل واسحق ويعقوب وهكذا الى موتهم أو قتلهم ، وما بين ذلك أحداث كثيرة وقوله تعالى (نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ) قال من أى أن الله اختار هذه الأحداث الدقيقة التى بها يثبت الفؤاد .
والنبى صلى الله عليه وسلم من الرسل فان أحداثه منذ ولادته الى موته مما يثبت فؤاد المسلمين كما قال الله تعالى
(وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (120) هود)
فالمؤمنين لابد أن يتذكروا هذه الأحداث منذ ولادة النبى صلى الله عليه وسلم الى ساعة وفاته بحذافيرها لكى يتخذوا ذلك منطلقا هائلا وتجديدا للهمم وشحذا للعزائم من جراء هذا كما فعل الله تعالى عندما شحذ عزائم أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم عندما تثاقل بعضهم فأعاد عليهم قصة الهجرة لكى يثبت أفئدتهم ويشحذ هممهم ويستنهض عزائمهم بهذه الذكرى وهذا الذى جرى، ذهبوا وقاتلوا حتى قال الله عز وجل (لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (117) التوبة) ، كان ذلك بفعل تأثير اعادة أحداث الهجرة بعد تسع سنوات ، وان الله لما قص علينا كيف ولد سيدنا موسى وعيسى وما جرى ليحي وما الى ذلك ، ما كان هذا من باب العبث قال
(وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (120) هود)
وبالتالى نحن اليوم أحوج من المسلمين يومها الى قوله تعالى (إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا) فمن الدروس المستقاة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال ان الله معنا عندما كان فى الفعل مباشرة كان فى قمة الجهاد ، النبى صلى الله عليه وسلم عندما يجاهد وعندما يقول هذا لصاحبه وهما فى أخطر حدث فى حياتهما يعلّمنا ويعلمنا أن الله مع المجاهدين أن الله مع المتحركين ، أما القاعدون والخالفون والمتقاعدون والمتخاذلون والمرجفون فلا يغنى عنهم أن يقولوا ان الله معنا ، ولهذا فان الفلسطينيين اليوم من حقهم أن يقولوا ان الله معنا والله معهم فعلا لأنهم فى قمة المعركة وفى غمرتها،هذا درس عظيم من دروس الهجرة وما قصّه الله بعد تسع سنوات الا فى مثل ذلك التخاذل الذى ثبته الله فى كتابه العزيز.بل فى احتفال المسلمين اليوم بصيام عاشوراء التاسع والعاشر احتفاء بحدث من أحداث موسى وهكذا احتفاؤنا بمولد موسى ومولد عيسى والقرآن الكريم يقص علينا هذه الأحداث منذ أن نزل الى يوم القيامة،والمسلمون لا يفتأون يحتفون ويذكرون كل قصص القرآن الكريم الى يوم القيامة ،فلماذا لا نذكر الى يوم القيامة احداث النبى صلى الله عليه وسلم منذ ولادته الى موته ونحن مأمورون بها لتثبيت الفؤاد ولذلك رب العالمين عندما اذن ان يهاجر النبى صلى الله عليه وسلم هكذا هذا كان أسوة ولم يكن قدوة، من أجل هذا نتسلسل مع أحداث الهجرة التى كانت أسوة كان أسلوبها أو كان أسلوب النبى صلى الله عليه وسلم فى فعلها أسوة للضعفاء ،نتسلسل مع الأحداث لكى نعرف أى الدروس نستقيها من ذلك وفى هذا تثبيت للفؤاد وموعظة للمؤمنين وذكرى للمؤمنين .
أولا نعرف ان هناك هجر وهناك هاجر فما هاجر النبى صلى الله عليه وسلم الا بعدأن هجره أو هاجره قومه ولذلك الدرس الأول أنك لاتهاجر من المكان الذى أنت فيه الا اذا هجرك وهاجرك أهلك ولم يسمحوا لك بأن تعلن اسلامك بل لم يسمحوا لك بأن تسلم أصلا كما قال الله تعالى (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا (97) النساء) وقلنا فى الحلقة الماضية كان المفروض ان أهل مكة هم الذين ينصرونه ولكن الله ادخر هذا الفضل والمجد لأهل المدينة وذكرنا أسباب ذلك .
لاحظ أن الهجرة على هذا الأسلوب الذى كان أسوة ،نحن قلنا الآسى هو الطبيب الجراح الذى يأسو الجراح ويشفيها فالنبى صلى الله عليه وسلم كان بهذا الأسلوب يأسوجراح أصحابه الضعفاء ومنهم من لم يستطع أن يهاجر كما هاجر سيدنا عمر فيقول النبى صلى الله عليه وسلم هاجر متخفيا فماذا علّى لو فعلت مثل ذلك هذا معنى قوله تعالى كما قلنا فى الحلقة الماضية
(لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (128) التوبة)
النبى صلى الله عليه وسلم اصطحب أبا بكر الصديق وفى ذلك مثال لنا جميعا ما من مسلم يستغنى عن الصحبة سواء كان هذا الصاحب صديقا عزيزا يأمرك بالمعروف ينهاك عن المنكر،تتعلم أن المرء بخليله أو كان هذا الصاحب شيخا يعلمك العلم أو حكيما يعلمك الحكمة أو مجاهدا يقودك للجهاد و المؤمن بطبيعته مجتمعى واجتماعى لا يعيش منعزلا، ولو كان أحد يستغنى عن الصحبة لكان أكثر الناس استغناء النبى صلى الله عليه وسلم، وما من نبىالا وقد صحب ولا يلزم أن يكون الصاحب أعلى منك وقد تتعلم ممن هو أدنى منك وقد ينصحك هذا الذى هو أدنى منك ، فالعبد الصالح مع سيدنا موسى قصته معروفة وحينئذ المرء بخليله
من أجل هذا الاسلام جعل المودة والمحبة بين المسلمين وجعل الأخوة بينهم عقائدية (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (10) الحجرات) ، متفرع من هذا الكثير من الأحكام السلام والتحية والحقوق والجوار والتناصح وعدم الغيبة وعدم الحقد وعدم البغضاء مما لاحصرله كل ذلك تفريع على هذا المبدأ العظيم من حيث أن المسلم أثنوى فى تعامله مع الآخر.
سيدنا أبو بكر وسيدنا على قاما بدور مفترق ، نحن قلنا أن النبى صلى الله عليه وسلم كان أسوة ولكن سيدنا على كان قدوة وقلنا بأن القدوة للأقوياء والأسوة للضعفاء ، النبى صلى الله عليه وسلم عندما أراد أن يهاجر وضع عليا مكانه فى الفراش والدار محاصرة بأربعين فارسا من فرسان العرب وبأيديهم السيوف الماضية فمن هذا الذى يجرؤ على أن ينام فى فراش النبى صلى الله عليه وسلم والموت أقرب اليه من لباسه الا على من أجل ذلك سيدنا على كان قدوة لكل قوى ولكل مجاهد، كل المجاهدين الأقوياء أصحاب البأس والمنعة والنخوة والشهامة عليهم أن يقتدوا بعلى وكل الضعفاء البسطاء عليهم أن يتأسوا برسول الله صلى الله عليه وسلم فالنبى صلى الله عليه وسلم ملجأ الضعفاء والمساكين والمذنبين وكل من فيه ضعف وتاريخه ملىء بهذا
جاء مذنب قد زنا فشفى جراحه وجاءته امرأة زانية فشفى جراحها،المخلفون شفى جراحهم،الذين لايجدون الا جهدهم فى الأنفاق شفى جراحهم، وسيرته كانت بالمؤمنين رؤوف رحيم، هؤلاء ضعفاء.
أما علىكان قدوة لأصحاب الجلد والنخوة والشجاعة فالفداء اذن للأقوياء،لاينبغى أن يتصدى للفداء الا الأقوياء لماذا ؟اياك أن ترقى مرقى لا تستطيع الوفاء بشروطه.
قال يا رسول الله انى جبان لاأستطيع أن أجاهد وقد علمت ما أعد الله للمجاهدين فماذا أفعل ؟ قال أين أنت من الحج فانه جهاد بلا شوكة ما قال له اقتحم،فالفداء اذن للأقوياء.
نأخذ عبرة أخرى: النبى صلى الله عليه وسلم كلما حزب المسلمين أمر وكلما ادلهمّ عليهم الليل وكلما حمى الوطيس قدم أهل بيته الى تلك الساعة. هذه رسالة أن الأزمات والمحن على الملوك والرؤساء ومن يحكمون شعوبهم عليهم أن يقدموا أنفسهم وأهليهم وأخوانهم وأولادهم أن يقدموا هؤلاء أمام شعوبهم قدوة وأسوة ونموذجا وأن يحتملوا الأذى حماية لشعوبهم.
النبى صلى الله عليه وسلم فى بدر قدم ثلاثة من أهل بيته على وحمزة والحارث بن عبد المطلب كلهم عمه وأولاد عمه،فى أحد قدم حمزة،فى حنين قدم على وعباس وأبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب أبوه قتل فى بدر وهو كان بطلا من أبطال حنين حين انهزم المسلمون (لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ (25) التوبة) فما صمد مع النبى صلى الله عليه وسلم حين انهزم الجيش بعذر أو بخطة من المشركين وما بقى معه الا قلة ولكن كان على رأسهم على وعباس وأبوسفيان بن الحارث بن عبد المطلب.وكذا فى حصار الخندق عندما اقتحم عمرو بن ود هذا الفاتك الذى كان يقدر بعشرة آلاف لم يخرج لمبارزته الا على،فىخيبرالنبى صلى الله عليه وسلم قدم على وهكذا،وفى الهجرة أى مسلم لو أمره النبى صلى الله عليه وسلم بالنوم فى فراشه لفعل لكن النبى صلى الله عليه وسلم قدم أهل بيته هكذا هم القادة القادة العظام الكرام لايستأثرون فقط بالغنائم وانما الغرم بالغنم،لذلك كانت هناك مخاطر وشدائد وأخطار ولذلك أول من يتصدى لها القادة الأشاوس الكرام،حينئذ هذا درس من دروس نوم على فى فراش النبى صلى الله عليه وسلم .
نقول بأن أحداث الأنبياء جميعا والرسل من آدم الى وفاة النبى صلى الله عليه وسلم،كل حدث فيها له عبرته ودلالته وفيه تثبيت لأفئدة المؤمنين ولهذا لاينبغى أن نقف بسذاجة متناهية بالقول بأن الأحتفال أو الأحتفاء بموت النبى صلى الله عليه وسلم أو بولادته أو بالهجرة أو در أو بأحد انما منها بأس ان هذا من سذاجة القول،القرآن قول هذا والا لكان القرآن مجموعة بدع.ان القرآن الكريم احتفى واحتفل بكل أحداث الأنبياء وأثبت نصا صريحا أن فى تكرارها والأحتفاء بها والأحتفال بها وفهمها واعادتها وتكرارها الذكرى للمؤمنين باستمرار وقال بأن هذا تثبيتا للأفئدة.
نرجع الى أسرار الهجرة على هذا النحو الذىهاجر فيه النبى صلى الله عليه وسلم،كلنا يعلم أن النبى عندما خرج من بيته وترك عليا فيه اخترق هذا الحصار الهائل بعد أن قال (وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ (9) يس) ثم عمى هؤلاء القوم ولم يكتف النبى صلى الله عليه وسلم بهذا بل انحنى الى الأرض وأخذ حفنة من التراب وألقاها على وجوههم فما بقى واحد منهم الا وقد أصابه الغبارعلى رأسه،
السؤال لوأنى أنا قرأت هذه الآية فى حصار حولى لاأعتقد أن هذه الآية سوف تنتج نفس الأثر هذا يعنى أن على من يريد أن يكون القرآن منتجا هذه الآيات القرآنية المحددة التى تنتج آثارها وقد أثبتت آثارها على مدى التاريخ.
سيدنا موسى عليه السلام عندما أحيط به وأحاط به القوم قال (فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ (44) غافر)،خرج هاربا تعبا محاصرا مطاردا وقال هذا المقطع من الآية قالها بطريقة تتناسب مع قوة روح هذه الجملة مع قوة روحه هذا فقال الله تعالى بعد هذا (فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا وَحَاقَ بِآَلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ (45) غافر) ، ولو أن انسانا يشكو عدوا قاهرا وكانت له روحا قوية متعلقة بالقرآن الكريم وقرأ هذه الآية لأنتجت نفس الأثر وقد حدث هذا على مدار التاريخ الأسلامى أن بعض الصالحين قرأها فى حالة مشابهة لحالة موسى بشكل أو بآخر فأثمرت نفس النتيجة ووقاه الله سيئات من مكر به بل مزق الماكرين مزاقا وهكذا فى كل مرحلة من مراحل اليأس اذا قرأت الآيات المطلوبة بروح قوية متجددة مخلصة وكما أن للقرآن ظاهر وباطن وكما أن للقرآن روحا وجسما فان الذى يقرأ القرآن بهذه الأهداف من حيث الشفاء المعنوى أو المادى ينبغى ان تكون روحه قوية والا فان الرقية التى يرقى بها الناس لاتثمر آثارها من كتاب الله تعالى الا تبعا لروح الراقى لذا ينبغى أن نعلم أن قراة القرآن وتلاوته وفهمه مربوط ومرتبط بمدى قوة روح الأنسان المسلم الذى يفغل ذلك ويتناسب الأثر قوة وضعفا مع قوة وضعف هذا الذى يقرأ.
من الدروس المستقاة من الهجرة على هذا النحو أن الله تعالى أطلق للنبى صلى الله عليه وسلم مطلق قدرته ففى غار حراء اذا صحت الأخبار قضية الحمامة والعنكبوت معروفة وعلى فرض صحتها أو عدم صحتها فان النبى صلى الله عليه وسلم فى غنى عن ذلك من حيث أن حياته بريئة من الخوارق والمعجزات وما معجزة الأسراء والمعراج الا كافية ومغنية عن كل المعجزات ولأن القرآن الكريم وحده أعظم المعجزات ولكن نرجح والله أعلم صحة ما حدث من حيث الحمامة والعنكبوت.
النبى صلى الله عليه وسلم
كان فى الغار مطمئنا بخلاف أبو بكر كان قلقا والنبى طمأنه وقال له ياأبابكر ما تقول فى اثنين الله ثالثهما بينما كان فى بدر على العكس كان النبى صلى الله عليه وسلم
قلقا وكان أبوبكر مطمئنا والأثر واضح من حيث أن النبى فى الهجرة كان ذهب أصحابه أمامه لم يكن خائف على أصحابه فالخوف على شخصه،وأبوبكر كان خائفا على شخص
النبى صلى الله عليه وسلم والنبى كان مطمئنا لحماية الله له أما
فى بدر كان
النبى صلى الله عليه وسلم
خائفا على أمته.من أجل هذا ان شفقة الأمير أو الملك أو الحاكم أو القائد على شعبه وخوفه عليهم وحمايته لهم أمر ينبغى اعتباره من حيث كونه شرطا لصلاح هذا الملك أو لا.
قضية سراقة قضية عجيبة،سراقة خرج لكى يأسر
النبى صلى الله عليه وسلم
ويعود به كى ينال الجائزة ثم ساخت أقدام فرسه فى الأرض فأدرك أن محمد نبى فآمن به وتأمل ان رجلا خرج مجرما وعاد مؤمنا والعكس صحيح رب رجل يخرج مؤمنا ويعود كافرا من هنا لا ينبغى ان يامن احد مكر الله تعالى لهذا علينا أننفهم بدقة متناهية قوله تعالى
(
يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (17) الحجرات)
، ربما يكون العمل من فعلك العبادات من فعلك ولكن الايمان قطعا من فعل الله ولو كان من فعل البشر لآمن أبو لهب وما آمن بلال ولا صهيب ولكن الله غالب على أمره. من اجل هذا علينا أن نسأل الله حسن الخاتمة وألا نغترّ فرُبّ رجل كما فى الحديث يعمل عمل أهل النار حتى لا يكون بينه وبينها الا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة والعكس صحيح،وهذا فى التاريخ القديم والمعاصرالحديث والسالف وفى كل الأديان ومع كل الأنبياء ولهذا لايأمن مكر الله الا القوم الخاسرون.
قضية أم معبد معروفة وكيف ساق الله لها هذا الرزق. خلاصة القول أن حادثة الهجرة حادثة وظّفها الله توظيفا عجيبا حيث كانت سببا فى شحذ همم المسلمين وذهابهم الى تلك المعركة المخيفة بين قلة من الناس وبين امبراطورية تحكم الأرض فى أقصى الظروف ومع هذا الله جعل حادثة الهجرة واعادة سردها عليهم سببا فى ذلك وهذه اشارة الى أن أحداث التاريخ الأسلامى وأحداث
النبى صلى الله عليه وسلم
منذ ولادته الى موته أمورينبغى توظيفها لمثل هذا وما من امة أحوج الى أن تستعيد ذكرياتها وذكراها وما يذكرها وأحداثها وأمجادها ومواطن قوتها ومواطن عظتها مثل ما نحن اليوم فى هذا الوضع الذى نحن فيه ولذلك فان من مصادر القوة أن نستعيد احداث النبى صلى الله عليه وسلم
(وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (120) هود)
الحق الذى لم يكن مزيفا الذى كان منحرفا وصححه القرآن الكريم وموعظة وذكرى للمؤمنين فعلى المؤمنين أن يتذكروا هذا دائما.
منذ الولادة الى الموت وما جرى له من أحداث يمكن أن تشكل عندنا قوة هائلة فى سبيل النهوض.هكذا هى أحداث الهجرة باختصار وطبعا دروسها لا تنتهى فكما قلت فالأحتفال برموز هذا الدين وأحداثه امر حثنا الله عليه فى كتابه
هذا نموذج لوجوب الأنتباه الى عربية الكلمة القرآنية والأمثلة على هذا كثيرة.
وصّانا الله بالوالدين مرة بالبر بهما ومرة بالاحسان اليهما ومرة بالحسن لهما ولكننا لا نسمع الا كلمة البربالوالدين وكأنها شىء واحد وكانما القرآن عندما جاء مرة بالاحسان ومرة بالبر ومرة بالحسن كأنه لايعنى شيئا وهذا ليس صحيحا الحقيقة البر شئ والاحسان شئ آخر والحسن شئ ثالث.
(وَبَرًّا بِوَالِدَتِي )
البر هو العدل فقط أى عليك ان تقدم لوالديك لأبويك ما هو عدل فقط والعدل هو ان تعطى ما عليك وأن تأخذ ما لك بالظبط لا زيادة ولا نقصان هذا عدل وبالتالى هذا ينطبق فقط على البر وهو أن الوالدين من حيث العدل يستحقان من أولادهما الاطعام عند الجوع والرى عند الظمأ والكسوة عند العرى والعلاج عند المرض وهكذا وهى الحقوق الرئيسية والاحتياجات التى لا يستغنى الانسان عنها ومعنى هذا ان الهلاك فى عدم البروليس الهلاك فى الاحسان أو الحسن،فاذا لم يبر المسلم بوالديه معنى ذلك انه لم يقدم لهما الاحتياجات الضررية التى تمسك عليهما الحياة هذا هلاك وبالتالى هذا عقوق: ثلاثة لا ينفع معها عمل الشرك بالله والعقوق بالوالدين والتولى يوم الزحف.
أما الاحسان
(وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا )
الاحسان هو ما زاد على العدل
(إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ (النحل))
وكما قلنا ان العدل هو ان تعطى ما عليك وأن تأخذ ما لك بالضبط لا زيادة ولا نقصان أما الاحسان أن تأخذ أقل من حقك وان تعطى أكثر مما عليك، من اجل هذا اذا كان الله امرك بالاحسان للابوين فعليك ألا تكتفى بمجرد الاطعام والكسوة وما الى ذلك من الحاجات فالاحسان اذن ألا تكتفى بمجرد العدل مع الوالدين ولكنك لو اكتفيت بالعدل معهما فأنت ناج من النار فالاحسان فى كل شئ مكملاته متمماته نوافله
(وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا (125) النساء)
محسن يعنى لا يكتفى بالغرض وانما الله أمر بالعدل وهو الفرض وهذا الفرض أداؤه ينقذك من النار ولكنه لا يوصلك لأعلى الدرجات أين النوافل وأين المكملات والاحسان هو أن تصل من قطعك وان تعطى من حرمك وأن تعفو عمن ظلمك،الاحسان الى الأبوين ان تغدق عليهما العطاء اغداقا، انت ومالك لأبيك هذا احسان هذا ليس فرضا، النبى صلى الله عليه وسلم لم يفل ليس كل من لا يعطى كل أمواله لأبيه آثم ولكنه لو فعل هذا فانه يتقدم درجات عظيمة لأنه أحسن والترقى فى الجنة بالاحسان، الأحسان برفاهية المسكن ورفاهية المطعم والزيادة على ما يريد.
الحسن فى القول والأشارة
(وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا (البقرة))
فالحسن هو كل ما يستحسن يعنى قولك ألفاظك نظراتك اذا نظرت الى أبيك أو امك فغض الطرف اذا تكلمت لا تؤشر وانت تخاطب كما لو كنت مع الملوك، من يتحدث لا يؤشر ويغض الطرف، فالحسن اذا الخطوات الشمائل نظرتك جلستك امامهما لا تكن متبسطا احترام شديد.
كذلك الحديث الذى بقى يحمل الحليب. الحسن شئ والاحسان شئ والبر شئ ولذلك انتبه الى عربية القرآن الكريم فى الكلمة فى البلاغة والبيان والأدلةلسانا عربيا ومن حيث الأحكام الربا وغض البصر وانسب وحقوق الجار وحقوق الضيافة، كل هذه احكام عربية قبل الاسلام وثبتها الاسلام ورب العالمين قدم هذا الدين علىطبق عربى من حيث ان العربية اللسان ولم تكن العربية القرآنية عرقا فى يوم من الأيام اما العرق فلا فضل لعربى على اعجمى الا بالتقوى والناس سواسية كأسنان المشط.