حديث القرآن بالقرآن 9
الناقل :
mahmoud
| المصدر :
www.islamiyyat.com
ومن حديث القرآن عن القرآن ما جاء في قوله تعالى في سورة البقرة من دعاء إبراهيم عليه السلام : ﴿ رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾ ( سورة البقرة : 129 )
وقد استجاب الله دعاء إبراهيم عليه السلام فبعث فيهم رسولاً منهم . بعثه برسالة عامة إلى العرب والناس أجمعين، وجعل معجزته هذا القرآن الذي تتلى آياته ولا تنقضي عجائبه، ولا يَخْلَق من كثرة الرد . وقد حفظه الله ليتلى على الناس في كل زمان ومكان؛ تُبلّغ به رسالته ويعرف هديه .
﴿ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ ﴾
والمراد القرآن، فهو آيات الله المنزلة على نبيه صلى الله عليه وسلم المتعبد بتلاوته المتحدى بأقصر سورة منه .
لقد استجاب الله دعاءَ إبراهيم وكانت الاستجابة هي بعثة هذا الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، بعثة رسول من ذرية إبراهيم وإسماعيل يتلو عليهم آياته، ويعلمهم الكتاب والحكمة، ويطهرهم من الأرجاس والأدناس، فكانت الأمة الإسلامية بهذه الاستجابة هي الوارثة لإمامة إبراهيم الداعية إلى ما دعا إليه جميع المرسلين، وهم جميعا دعاة إلى دين واحد هو الإسلام الذي فطر الخلق عليه، وأرسل جميع الرسل دعاة إليه ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ ﴾ ( سورة الأنبياء : 25 )
وهذا الكتاب الذي يتلى على الناس شاهد حق بما بعثوا به، وما دعوا إليه، وهو محفوظ بحفظ الله، عزيز بعزته، لا تهزم حجته، ولا يطفأ نوره، ولا تخفى دلالته، به أخرج الله الناس من الظلمات إلى النور، وعلّم الناس ما لم يكونوا يعلمون، وبه قد حفظت كلمة الحق، وعُرف ميزان العدل، وتحددت قيم الأشياء، وعلت قيمة الإنسان حين انتسب إليه وشرف به واستجاب لندائه, علت قيمة الإنسان وتعلو كلما أخذ نفسه بكلمة الحق التي جاء بها القرآن، فلم يخضع لنزعة جنس أو لون، ولم يستجب لدافع هوى أو إغراء منفعة . نعم .. تعلو قيمة الإنسان حين ينصر الحق ـ والحق من ربك ـ وبه يرفع الله أقواما ويضع آخرين . تعلو قيمة الإنسان حين ينصر الحق دون نظر لقريب أو بعيد أو عدو أو صديق، فيغدو بالحق صاحب رسالة، وإنسان مبدأ وعقيدة، ينصر المظلوم ولو كان من غير جنسه، ويأخذ على يد الظالم ولو كان من أهله وذوي قرابته، يقوم بالقسط ويأمر بالعدل ولو على نفسه .
وهذا ما تنطق به الآيات التي تتلى، والتي أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بتلاوتها ﴿ يتلو عليهم آياتك ﴾. ﴿ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (91) وَأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْآنَ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَقُلْ إِنَّمَا أَنَا مِنَ الْمُنْذِرِينَ (92) ﴾ ( سورة النمل : 91 ، 92 )
وسيظل القرآن الكريم يتلى وينذر، ويهدي للتي هى أقوم إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، وستكون العزة لمن آمن وعمل بمقتضاه، ولن يضل من استمسك به واهتدى بهداه . ومن رحمة الله بالخلق أن جعل لهم أسوة في رسول منهم يرون فيه القرآن قولا وعملا، ويشاهدونه في حياتهم بيانا وخلقا . ولا فصل بين بيان ومبين ، لا فصل بين قرآن وسنة ، فالأخذ بالسنة الصحيحة عمل بالقرآن، والعمل بالقرآن يقتضي حسن الاتباع لرسول الله صلى الله عليه وسلم الذي بين بقوله وفعله وإقراره ما نزل إليه من ربه .
وقد كان دعاء إبراهيم جامعاً إذ دعا ربّه فاستجاب له ﴿ رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾ فتلا الرسول الآيات، وعلّم الكتاب وبيّن وبصّر وربّى وطهّر . وقد كان خلقه القرآن يرضى برضاه ويسخط بسخطه .