الواجب على من استطاع السبيل المبادرة بالحج والعمرة
سماحة الشيخ العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين وبعد : فإني أوصي إخواني المسلمين الذين لم يؤدوا فريضة الحج أن يبادروا بحجة الإسلام ، فهذا هو الواجب على كل من استطاع السبيل إلى ذلك ؛ لأن الله سبحانه وتعالى يقول ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا[1] ، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم : ((بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ، وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة ، وصوم رمضان ، وحج البيت))[2] ، ويقول عليه الصلاة والسلام : ((إن الله قد فرض عليكم الحج فحجوا))[3] ، فالواجب على كل مسلم ومسلمة يستطيع مؤونة الحج إذا كان مكلفاً أن يبادر بذلك وألا يؤخره ؛ لأن الله جل وعلا أوجب ذلك على الفور ، ولا يجوز لأي مسلم مكلف مستطيع الحج أن يتأخر عن ذلك ، بل يبادر ويسارع إلى هذا الخير العظيم ، يقول الرسول عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح : ((من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه))[4] ، ويقول عليه الصلاة والسلام في الحديث الآخر : ((العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما ، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة))[5] . فهذه نعمة عظيمة وخير عظيم ينبغي للمسلم أن يحرص عليه ، ويشرع له مع ذلك أن يتحرى الأعمال الخيرية في طريقه وفي مكة ، من صدقة على الفقراء والمساكين ، والإكثار من قراءة القرآن الكريم وذكر الله تعالى ، والإكثار من التسبيح والتهليل والتحميد والتكبير ، والإكثار من الصلاة في المسجد الحرام والطواف إن تيسر ذلك اغتناماً للزمان والمكان ؛ فإن الصلاة في المسجد الحرام بمائة ألف صلاة ، وفريضة فيه خير من مائة ألف فيما سواه ، والصدقات فيه مضاعفة ، وهكذا مثلها التسبيح والتحميد والتهليل والتكبير وقراءة القرآن والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إلى الله ، وتعليم الحاج ما قد يجهل ، كل هذا مما يشرع للمسلم ، ومن ذلك أن يجتهد في تعليم إخوانه الحجاج – إن كان يوجد عنده علم- بالحلم والرفق والأسلوب الحسن ، مع اغتنام الفرصة في وجوده بمكة بعمل أنواع الخير كما تقدم من صلاة وطواف ودعوة إلى الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالأسلوب الحسن والرفق والكلام الطيب . وأنصح ولاة الأمور المسلمين في كل مكان بأن يسهلوا أمر الحج لرعاياهم وأن يعينوهم عليه ؛ لأن ذلك من باب التعاون على البر والتقوى ، والله عز وجل يقول : وتعاونوا على البر والتقوى [6] فإعانتهم وتسهيل أمرهم هذا من باب الإعانة على الخير ، ومن باب التواصي بالحق والصبر عليه ، وفيه الأجر العظيم ، كما أوصيهم بأن يحكموا شرع الله في جميع الشئون ، وأن ينصروا دين الله في كل الأمور ، نسأل الله أن يوفق ولاة المسلمين لكل خير ، وأن يصلح أحوالهم وأن يمنحهم التوفيق ، وأن يعينهم على كل خير ، كما أوصي كل من يتولى أمور الحجيج بتقوى الله تعالى ، وأن يرفقوا بالحجيج وأن يعينوهم على كل خير ، وأن يحتسبوا الأجر والمثوبة عند الله ، فلهم بهذا الأجر العظيم إذا أعانوا الحجاج وسهلوا أمورهم ، لهم في هذا الفضل الكبير ، نسأل الله عز وجل أن يتقبل من الجميع ، وأن يوفق المسلمين في كل مكان إلى ما يرضيه ، وأن يمنحهم الفقه في دينه وأن يجعلنا وإياهم من الهداة المهتدين ، وأن يعين إخواننا الحجاج على أداء مناسكهم على الوجه الذي يرضيه ، وأن يصلح أحوال المسلمين في كل مكان ، إنه سميع قريب ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
[1]سورة آل عمران ، الآية 97 .
[2]رواه البخاري في (الإيمان) باب بني الإسلام على خمس برقم 8 ، ومسلم في (الإيمان) باب بيان أركان الإسلام ودعائمه العظام برقم 16
[3]رواه مسلم في (الحج) باب فرض الحج مرة في العمر برقم 1337
[4]رواه البخاري في (الحج) باب فضل الحج المبرور ، برقم 1521 ، ومسلم في (الحج) باب فضل الحج والعمرة ويوم عرفة برقم 1350
[5]رواه البخاري في (الحج) باب وجوب العمرة وفضلها برقم 1773 ، ومسلم في (الحج) باب في فضل الحج والعمرة ويوم عرفة برقم 1349
[6]سورة المائدة ، الآية 2