من أحكام الأضحية
كتبه/ فوزي عبد الله
أولا: تعريف الأضحية:
هي ما يذبح من بهيمة الأنعام أيام الأضحى بسبب العيد تقربا إلى الله تعالى.
ثانيا: حكم الأضحية:
الأضحية من العبادات المشروعة بالكتاب والسنة وإجماع المسلمين. قال تعالى: (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ)(الكوثر: 2)، قال بعض المفسرين "المراد به الأضحية بعد صلاة العيد".
وفي الصحيحين عن أنس –رضي الله عنه- قال (ضحى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بكبشين أملحين أقرنين ذبحهما بيده وسمى وكبر قال رأيته واضعا قدمه على صفاحهما ويقول بسم الله والله أكبر (متفق عليه.
وقد ثبتت مشروعية الأضحية في السنة بقوله صلى الله عليه وسلم وفعله وتقريره فاجتمعت فيها أنواع السنة الثلاثة القولية، والفعلية، والتقريرية.
يقول ابن قدامة في المغني: "أجمع المسلمون على مشروعية الأضحية"، وقال الحافظ في الفتح (10/5): "ولا خلاف في كونها من شرائع الدين".
ومع إجماع العلماء على مشروعية الأضحية اختلفوا فيها أواجبة هي أم سنة على قولين:
القول الأول: "أن الأضحية واجبة" وهو قول الأوزاعي والليث وأبي حنيفة ورواية عن أحمد وقول في مذهب مالك واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية واستدلوا بما يلي:
1- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- (من كان له سعة ولم يضح فلا يقربن مصلانا)(رواه ابن ماجة وأحمد وحسنه الألباني).
2- قوله صلى الله عليه وسلم (من كان ذبح قبل أن يصلي فليذبح أخرى مكانها ومن لم يذبح فليذبح باسم الله) متفق عليه.
القول الثاني: "أن الأضحية سنة مؤكدة" وهو قول الجمهور فذهب إليه الشافعية ومالك وأحمد في المشهور عنهما وهو قول إسحاق والمزني وابن المنذر وداود وابن حزم وغيرهم واستدلوا بما يلي:
1- قوله صلى الله عليه وسلم (إذا رأيتم هلال ذي الحجة وأراد أحدكم أن يضحي فليمسك عن شعره وأظفاره( رواه الجماعة إلا البخاري، ووجه الدلالة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- فوض الأضحية إلى الإرادة وتفويضها إلى الإرادة ينافي وجوبها إذ الوجوب لزوم لا يفوض للإرادة.
2- صح عن جمع من الصحابة أن الأضحية ليست بواجبة ولم يصح عن أحد منهم أنها واجبة. قال الماوردي "وروي عن الصحابة رضي الله عنهم ما ينعقد به الإجماع على سقوط الوجوب"، وقال ابن حزم –رحمه الله- "ولا يصح عن أحد من الصحابة أن الأضحية واجبة" ومن ذلك ما يلي:
أ- عن أبي سريحة قال: "رأيت أبا بكر وعمر وما يضحيان" رواه البيهقي وصححه الألباني.
ب- عن أبي مسعود الأنصاري –رضي الله عنه- "إني لأدع الأضحى واني لموسر مخافة أن يرى جيراني أنه حتم علي" رواه البهيقي وصححه الألباني.
ج- روى البخاري معلقا عن ابن -عمر رضي الله عنه- قال "هي سنة ومعروف"، قال الحافظ: وصله حماد بن سلمة في مصنفه بسند جيد إلى ابن عمر، وروى عنه أيضا أنه قال "لعلك تحسب حتماً قلت: لا ولكنه أجر وخير سنة،قال: نعم". وقال الترمذي "العمل على هذا عند أهل العلم أن الأضحية ليست بواجبة".
- لكن صرح كثير من أرباب هذا القول بأن تركها يكره للقادر، حتى إن كثيرا من القائلين بالوجوب علقوا الوجوب على المقدرة، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: "وجوبها مشروط بأن يقدر عليها فاضلا عن حوائجه كصدقة الفطر".
والراجح: القول الثاني القائل بأن الأضحية سنة مؤكدة غير واجبة، لأن أدلة القائلين ليست قوية في الدلالة على الوجوب، وعليه فالقول قول الصحابة -رضي الله عنهم- وجمهور أهل العلم، ولكن سلوك سبيل الاحتياط أن لا يدعها مع القدرة عليها لما فيها من تعظيم الله وذكره وبراءة الذمة بيقين والله تعالى أعلم.
ثالثا: وقت الأضحية:
الأضحية عبادة مؤقتة لا تجزئ قبل وقتها على كل حال، ولا تجزئ بعده إلا على سبيل القضاء إذا أخرها لعذر.
يقول النووي –رحمه الله- "إذا فاتت أيام التضحية ولم يضح التضحية المنذورة لزمه ذبحها قضاء، هذا مذهبنا وبه قال مالك وأحمد، وقال أبو حنيفة: لا تقضى بل تفوت وتسقط".
أول وقت الذبح:
يدخل وقت التضحية بطلوع الشمس يوم النحر ثم ارتفاعها قدر رمح ومضي قدر ركعتين وخطبة. قال صلى الله عليه وسلم (من كان ذبح قبل الصلاة فليعد) وفي رواية (من ذبح قبل الصلاة فإنما يذبح لنفسه ومن ذبح بعد الصلاة فقد أتم نسكه وأصاب سنة المسلمين) رواه البخاري ومسلم عن أنس.
- فهذا الحديث يدل على أن أول وقت ذبح الأضحية يكون بعد صلاة العيد، وأما من ذبح قبل الصلاة فلم يصب الأضحية وتكون ذبيحة للأكل وليس له فيها ثواب القربة وعليه إعادة الذبح بأضحية أخرى لحديث (من كان ذبح قبل أن يصلي فليذبح أخرى مكانها ومن لم يذبح فليذبح باسم الله) متفق عليه.
- فهذا هو الصحيح إن شاء الله تعالى من كلام أهل العلم "أن وقتها في الموضع الذي يُصلَّى فيه بعد الصلاة لظاهر الخبر والعمل بظاهره أولى، فأما غير أهل الأمصار والقرى فأول وقتها في حقهم قدر الصلاة والخطبة بعد الصلاة لأنه لا صلاة في حقهم تعتبر فوجب الاعتبار بقدرها" انظر الجامع لأحكام الحج ص523.
آخر وقت ذبح الأضحية:
الصحيح أن وقت الأضحية يخرج بغروب شمس اليوم الثالث من أيام التشريق فيكون الذبح في أربعة أيام، يوم العيد وثلاثة أيام بعده، ويجوز ذبحها ليلا ونهارا ولم يصح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- نهي عن الذبح ليلا، ولكن إن قصد به الاستخفاء عن الفقراء كره له ذلك.
والذبح يوم العيد وأيام التشريق مذهب الشافعي والأوزاعي وابن المنذر واختيار شيخ الإسلام ابن تيمية، وذهب مالك وأبو حنيفة وأحمد إلى أن الذبح آخره اليوم الثالث من أيام النحر فيكون الذبح عندهم في ثلاثة أيام، يوم العيد ويومان بعده، والصحيح ما ذهب إليه الشافعي والله أعلم لحديث (كل أيام التشريق ذبح)(رواه البيهقي وصححه الألباني).
رابعا: شروط ما يضحى به من بهيمة الأنعام
- الأضحية عبادة وقربة إلى الله تعالى فلا تصح إلا بما يرضاه الله سبحانه ولا يرضى الله من العبادات إلا ما جمع شرطين:
1- الإخلاص لله تعالى.
2- المتابعة لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
ولا تكون الأضحية على هدي النبي -صلى الله عليه وسلم- إلا باجتماع شروطها وانتفاء موانعها، وشروطها منها ما يعود للوقت "ومضى الكلام عليه"، ومنها ما يعود للمُضّحى به وهي أنواع:
الأول: أن يكون ملكا للمضحي غير متعلق به حق الغير، فلا تصح الأضحية بما لا يملكه كالمغصوب والمسروق ونحوه.
الثاني: أن يكون من الجنس الذي عينه الشارع وهو بهيمة الأنعام "الإبل، البقر، الغنم".
يقول الصنعاني في السبل: "أجمع العلماء على جواز التضحية من جميع بهيمة الأنعام وإنما اختلفوا في الأفضل"، وقال -رحمه الله- أيضا "تم الإجماع على أنه لا يجوز التضحية بغير بهيمة الأنعام".
يقول النووي في شرح صحيح مسلم "3/124": "أجمع العلماء على أنه لا تجزئ الضحية بغير الإبل والبقر والغنم إلا ما حكاه ابن المنذر عن الحسن بن صالح أنه قال: "تجوز التضحية ببقرة الوحش عن سبعة، وبالظبي عن واحد وبه قال داود في بقرة الوحش ...، والله أعلم"، والدليل قوله تعالى: (وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ)(الحج: 34).
ولكن بعد الإجماع على أنه لا تجزئ إلا بهيمة الأنعام في الأضحية اختلفوا في الأفضل من بهيمة الأنعام. فالصحيح ما ذهب إليه الجمهور من أن الأفضل الإبل ثم البقر ثم الضأن ثم المعز على هذا الترتيب.
- وذهب مالك -رحمه الله- إلى أن أفضل الأضحية الضأن ثم البقر ثم الإبل.
الثالث: بلوغ السن المعتبرة شرعا، وذلك بأن يكون ثنِيِّا إن كان من الإبل أو البقر أو المعز، وجذعا إن كان من الضأن لقول النبي –صلى الله عليه وسلم- (لا تذبحوا إلا مسنة إلا أن يعسر عليكم فتذبحوا جذعة من الضأن) رواه مسلم، وظاهر الحديث أنه لا تجزئ الجذعة من الضأن إلا عند تعسر المسنة، ولكن حمله الجمهور على أن هذا على سبيل الأفضلية وقالوا: تجزئ الجذعة من الضأن ولو مع وجود الثنية وتيسرها وذلك لقوله صلى الله عليه وسلم (إن الجذع يوفي مما يوفي منه الثني)(رواه أبو داود وابن ماجة وصححه الألباني). والمسنة: هي الثنية، والثني من الإبل: ما تم له خمس سنين، والثني من البقر: ما تم له سنتان، والثني من الغنم ضأنها ومعزها: ما تم له سنة، والجذع من الضأن: ما تم له ستة أشهر على الصحيح.
الرابع: السلامة من العيوب المانعة من الإجزاء، وفي الحقيقة أن العيوب تنقسم إلى قسمين:
القسم الأول: عيوب متفق على أنها مانعة من الإجزاء.
القسم الثاني: عيوب مختلف فيها هل هي مانعة من الإجزاء أم لا، وإليك بيان كلا القسمين:
أولا: العيوب المتفق عليها بين العلماء أنها مانعة من الإجزاء
- وهذه العيوب وردت في حديث البراء بن عازب –رضي الله عنه- قال: قام فينا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- (أربع لا تجوز في الأضاحي) وفي رواية: (لا تجزئ العوراء البين عورها، والمريضة البين مرضها، والعرجاء البين ظلعها، والكسيرة التي لا تُنقي) رواه الخمسة وصححه الألباني، ورواه مالك بلفظ (سئل رسول الله –صلى الله عليه وسلم- ماذا يتقى من الضحايا؟ فأشار بيده وقال أربعا: وذكرها) ولكن قال "العجفاء" بدل "الكسيرة". فهذه العيوب الأربع لا تجزئ بالإجماع وإليك بيانها:
1- العوراء البين عورها: وهي التي انخسفت عينها أو برزت، فإن كانت عوراء لا تبصر بعينها ولكن العور غير بين أجزأته، ولكن السليمة أولى من ذلك، لأن الرسول -صلى الله عليه وسلم- قال (البين عورها)، فإن كان غير بين أجزأت، وهذا في كل العيوب الواردة في حديث البراء -رضي الله عنه-.
- يقول الخطابي في معالم السنن: "2/199" "فيه دليل على أن العيب الخفيف في الضحايا معفو عنه، ألا تراه صلى الله عليه وسلم يقول (بين عورها وبين مرضها وبين ظلعها)، فالقليل منه غير بين فكان معفو عنه".
2- المريضة البين مرضها: وهي التي ظهرت عليها أثار المرض مثل الحمى والجرب الظاهر المفسد للحمها ونحوه.
3- العرجاء البين ظلعها: وهي التي لا تستطيع معانقة السليمة في الممشى فإن كان فيها عرج يسير لا يمنعها من معانقة السليمة أجزأت وغيرها أولى منها.
4- الكسيرة "العجفاء" هي الهزيلة التي لا تنقي: أي ليس فيها مخ في عظامها.
فهذه العيوب الأربع المنصوص عليها، وعليها كافة أهل العلم، قال في المغني "9/349" "لا نعلم خلافا في أنها تمنع الإجزاء".
- وهل يقاس على هذه العيوب غيرها مما هو مثله أو أشد أم لا؟.
ذهب الظاهرية إلى أنه لا عيب غير هذه الأربعة، وما عداها لا يمنع من صحة الأضحية، وذهب الجمهور إلى أنه يقاس عليها ما كان أشد منها أو مساو لها. يقول النووي في المجموع: "وأجمعوا على أن العيوب الأربعة المذكورة في حديث البراء لا تجزئ التضحية بها، وكذا ما كان في معناها أو أقبح منها كالعمى وقطع الرجل وشبهه".
ويقول ابن عبد البر في التمهيد "أما العيوب الأربعة المذكورة في هذا الحديث فمجتمع عليها، لا أعلم خلافا بين العلماء فيها ومعلوم أن ما كان في معناها داخل فيها، ولاسيما إذا كانت العلة أبين، ألا ترى أن العوراء إذا لم تجز فالعمياء أحرى ألا تجوز".
والصحيح ما ذهب إليه الجمهور من أنه يقاس على هذه الأربعة غيرها مما هو أشد منها أو مساو لها ولذلك قاسوا عليها ما يلي:
1- العمياء: التي لا تبصر بعينيها لأنها أولى بعدم الإجزاء من العوراء فأما إن كانت تبصر نهارا ولا تبصر ليلا وهي المسماة بالعشواء فالصحيح أنها تجزئ خلافا للبعض.
2- المبشومة حتى تثلط: لأن البشم عارض خطير كالمرض البين فإذا ثلطت زال خطرها وأجزأت.
3- ما أخذتها الولادة حتى تنجو: لأن ذلك خطر قد يؤدي بحياتها فأشبه المرض البين.
4- ما أصابها سبب الموت كالمنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وأكيلة السبع، لأن هذه أولى بعدم الإجزاء من المريضة.
5- العاجزة عن المشي لعاهة: فهذه لا تجزئ بخلاف العاجزة عن المشي لسمنها فإنها تجزئ لأنها لا عاهة فيها ولا نقص في لحمها.
6- مقطوعة إحدى اليدين أو الرجلين: لأنها أولى بعدم الإجزاء من العرجاء ولأنها ناقصة بعضو مقصود.
فهذه هي العيوب المانعة من الإجزاء وهي عشرة، أربعة منها بالنص وستة بالقياس، قال بها الجمهور خلافا للظاهرية، فمتى وجد واحدا منها في بهيمة الأنعام لم تجز التضحية بها لفقد أحد الشروط وهو السلامة من العيوب المانعة.
ثانيا: العيوب المختلف فيها هل هي مانعة من الإجزاء أم لا؟
- وهذه العيوب التي سأذكرها اختلف العلماء فيها هل إذا وجد واحد منها في الأضحية تجزئ أم لا؟ وإن كان خلاف العلماء يختلف من عيب لآخر، فقد يشتد في عيب دون الآخر- فالأحوط أن يتجنبها المضحي حتى تصح أضحيته باتفاق العلماء- وإليك بيانها:
1- عضباء الأذن" أي مقطوعة الأذن كلها أو أكثرها" فالجمهور على أنها لا تجزئ، قال على -رضي الله عنه- (أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نستشرف العين والأذن)(رواه الترمذي وقال الألباني حسن صحيح)، فدل على أنه يجتنب ما فيه ثقب أو شق أو قطع. ويلحق بها -أي عضباء الأذن - "المقابلة" وهي التي شقت أذنها من الأمام عرضا، و"المدابرة" وهي التي شقت أذنها من الخلف عرضا، و"الشرفاء" وهي التي شقت أذنها طولا، و"الخرقاء" وهي التي خرقت أذنها: أي "ثقبت".
2- السَّكّاء: وهي التي خلقت بلا أذنين، ذهب مالك والشافعي أنها إذا لم تكن لها أذن خلقة لم تجز، وإن كانت صغيرة الأذنين جازت، والصحيح أنها تجزئ ولا تكره، لكن غيرها أولى منها.
3- عضباء القرن: وهي مكسورة القرن أو أكثره وجمهور العلماء على جواز الأضحية بمكسورة القرن إن كان لا يدمي، فإن كان يدمي فقد كرهه مالك وكأنه جعله مرضا بينا، وقال أحمد: إن ذهب أكثر من نصف قرنها لم تجزه سواء دميت أم لا، وإن كان دون النصف أجزأه.
4- البتراء: وهي مقطوعة الذنب من بهيمة الأنعام، يكره التضحية بها قياسا على العضباء، فأما البتراء بأصل الخلقة فلا تكره، لكن غيرها أولى منها. وأما البتراء من الضأن وهي التي قطعت أليتها أو أكثرها فلا تجزئ، فإن كان قطع من أليتها النصف فأقل فإنها تجزئ مع الكراهة قياسا على العضباء، وما لا ألية له بأصل الخلقة يجزئ بلا كراهة.
5- مقطوعة الذكر: ما قطع ذكره تكره التضحية به قياسا على العضباء، فأما ما قطعت خصيتاه فلا تكره التضحية به.
6- الهتماء: هي التي سقط بعض أسنانها فتكره التضحية بها قياسا على عضباء القرن فإن كان بأصل الخلقة فلا تكره.
- مسائل وفوائد "تنبيهات هامة":
1- لا تجب الأضحية إلا بالنذر أو بالتلفظ أنها أضحية فتتعين بذلك دون مجرد النية، فإن نذرها أو جعلها بلفظه أضحية لزمته كسائر الطاعات، وهذا مذهب الشافعي وأحمد وداود، وقال مالك وأبو حنيفة: تتعين بالنية، وبالتالي يترتب على تعيينها أحكام منها:
- لا يجوز بيعها ولا هبتها، ولا إبدالها إلا بخير منها، أو ليشتري خيرا منها، ومنها أنه إن مات من عيَّنها لم يملك الورثة إبطالها بل يلزمهم ذبحها كما لو كان حيا، ومنها لا يجوز أن يجِّز صوفها إلا أن يكون أنفع لها ولا يجوز أخذ لبنها إلا إذا كان زائدا عن ولدها.
2- يجوز التضحية عن الميت إما تبعا أو استقلالا أو تنفيذا لوصيته على الأرجح من كلام الفقهاء، فإذا أوصى فقد نقل بعضهم الاتفاق على جوازها كالنووي -رحمه الله-، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى "26/226": "وتجوز الأضحية عن الميت كما يجوز الحج والصدقة".
3- قال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى "26/225": "والأضحية والعقيقة والهدي أفضل من الصدقة بثمن ذلك".
4- وقال أيضا في مجموع الفتاوى "26/225": "إن كان نذر أضحية في ذمته فاشتراها في الذمة وبيعت قبل الذبح كان عليه إبدالها شاة، وأما إذا اشترى أضحية فتعيبت قبل الذبح، ذبحها في أحد قولي العلماء وإن تعيبت عند الذبح أجزأ في الموضعين".
5- قال النووي في المجموع"8/425": "أجمعت الأمة على جواز إطعام فقراء المسلمين من الأضحية، واختُلف في طعام أهل الذمة فرخص فيه الحسن البصري وأبو حنيفة وأبو ثور وقال مالك: غيرهم أحب إلينا، وكره مالك إعطاء النصراني جلد الأضحية أو شيئا من لحمها وكرهه الليث، قال "فإن طبخ لحمها فلا بأس بأكل الذمي مع المسلمين منه، هذا كلا م ابن المنذر"
6- قال النووي في المجموع"8/407": "أجمعوا على أنه يجوز أن يستنيب في ذبح أضحيته مسلما، أما الكتابي فمذهبنا ومذهب جماهير أهل العلم صحة استنابته وتقع ذبيحته ضحية عن الموكل مع أنه مكروه كراهة تنزيه، وقال مالك: لا تصح وتكون شاة لحم، ودليلنا أنه من أهل الذكاة كالمسلم".
7- يقول شيخ الإسلام ابن تيمية"29/307": "والأضحية بالحامل جائزة فإن خرج ولدها ميتا فذكاته ذكاة أمه عند الشافعي وأحمد وغيرهما سواء أشعر أو لم يشعر، وإن خرج حيا ذبح، ومذهب مالك أنه إن شعر حل وإلا فلا، وعند أبي حنيفة لا يحل حتى يذكى بعد خروجه والله أعلم".
8- قال ابن قدامة في المغني "9/36": "وإن عين أضحية فذبحها غيره بغير إذنه أجزأت عن صاحبها ولا ضمان على ذابحها وبهذا قال أبو حنيفة، وقال مالك: هي شاة لحم لصاحبها أرشها، وعليه بدلها...وقال الشافعي تجزئ عن صاحبها وله على ذابحها أرش ما بين قيمتها صحيحة ومذبوحة".
9- يجوز ادخار لحوم الأضاحي فوق ثلاث لأن النهي الوارد عن الادخار فوق ثلاث منسوخ على قول الجمهور، وقال الشافعي وأحمد ابن تيمية: بل حكمه باق عند وجود سببه وهو المجاعة، فإذا كان في الناس مجاعة زمن الأضحى حرم الادخار فوق ثلاث، وإلا فلا بأس. انظر فتح الباري"10/30-31".
10- يحرم أن يبيع شيئا منها من لحم، أو شحم، أو جلد، أو غيره لأنها مال أخرجه لله فلا يجوز الرجوع فيه كالصدقة ولا يعطي الجازر منها شيئا في مقابلة أجرته أو بعضها لأن ذلك بمعنى البيع، إلا إذا كان الجازر فقيرا فيجوز له أن يتصدق عليه بأي شيء من الأضحية شريطة ألا يكون مقابل أجرة جزارته.
- فأما الفقير الذي تصدق عليه من الأضحية فيجوز له أن يبيعه، لأنه ملكه ملكا تاما فجاز له التصرف فيه، لكن لا يشتريه من أهداه أو تصدق به، لأنه نوع من الرجوع في الصدقة والهبة، والدليل على تحريم بيع شيء من الأضحية ما رواه أبو هريرة -رضي الله عنه- قال قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- (من باع جلد أضحية فلا أضحية له)(رواه البيهقي وحسنه الألباني). ويجوز أن ينتفع بجلد الأضحية فيصنع منه النعال، والخفاف، والفراء، ونحوه.
11- محل التضحية موضع المُضَحِّي سواء كان بلده أو موضعه من السفر، بخلاف الهدي فإنه يختص بالحرم، فالأصل في الأضحية بلد المضحي، لأن أطماع الفقراء فيه تمتد إليها، ومع هذا فلا مانع من نقلها إلى بلد آخر إذا دعت الحاجة والمصلحة كما أفتى بذلك بعض المعاصرين.
12- ذهب جمهور العلماء على أنه يجوز أن يشترك سبعة في بقرة أو بُدنة وأنها تجزئ عنهم لحديث جابر(نحرنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عام الحديبية البدنة عن سبعة والبقرة عن سبعة) رواه مسلم وأبو داود والترمذي.
وذهب إسحاق وابن خزيمة وغيرهم إلى أن البدنة تجزئ عن عشرة لحديث ابن عباس قال (كنا مع رسول الله –صلى الله عليه وسلم- عي سفر فحضر الأضحى فاشتركنا في البقرة سبعة وفي البعير عشرة)(رواه الترمذي والنسائي وصححه الألباني)
13- وينبغي لمن أراد أن يضحي فدخل عليه عشر ذي الحجة أن يمسك عن أظفاره وشعره حتى يضحي لحديث أم سلمة –رضي الله عنها- قالت قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم- (إذا دخلت العشر وأراد أحدكم أن يضحي فلا يمس من شعره وبشره شيئا) رواه مسلم، وفي رواية (فلا يأخذن شعرا ولا يقلمن ظفرا).
- وقد اختلف العلماء في هذا النهي هل هو للتحريم أم للكراهة؟
فذهب ربيعة وأحمد وإسحاق وداود إلى أنه يحرم عليه أخذ شيء من شعره وأظفاره حتى يضحي لظاهر الحديث السابق، وهو الراجح إن شاء الله تعالى.
وقد ذهب مالك والشافعي إلى أن هذا مكروه –كراهة تنزيه- وليس محرما لحديث عائشة -رضي الله عنها- (كُنْتُ أَفْتِلُ قلائِدَ هَدْيِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدَيَّ ثُمَّ يَبْعَثُ بِهَا وَمَا يُمْسِكُ عَنْ شَيْءٍ مِمَّا يُمْسِكُ عَنْهُ الْمُحْرِمُ حَتَّى يُنْحَرَ هَدْيُهُ) رواه البخاري ومسلم.
تم بحمد الله تعالى وصلى الله وسلم وبارك على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.