منهج الوحدة والتوحيد

الناقل : elmasry | الكاتب الأصلى : الشيخ سعيد عبد العظيم | المصدر : www.alsalafway.com

منهج الوحدة والتوحيد

 

كتبه/ الشيخ سعيد عبد العظيم.

 

بسم الله و الحمد لله و الصلاة و السلام على رسول الله و على آله و صحبه ومن والاه . أما بعد

 

فيمر المسلمون بمرحلة تستوجب من كل من كان له قلب أو ألقي السمع وهو شهيد ، أن يسعي جاهدا ً لتحقيق الأخوة الإيمانية والوحدة الإسلامية ، سواءً كان حاكما ً أو محكوما ً ، رجلاً أو إمرأة ، كبيراً أو صغيرا ً ، حتي نرضي ربنا ونؤدي واجبنا ورسالتنا ، ونكون يداً واحدة على عدو الله وعدونا ، المعرفة بالشرع والواقع ، تدعو كل مسلم أن يقوم لله بحقه نصحا ً وبيانا ً وحرصاً على سلامة هذه الأمة من التفكك وعوامل الأنهيار ، فهي الأمة الخاتمة ، والمرحومة ، وهي خير أمة أخرجت للناس ، إن اعتصمت بالوحي الصادق واستقامت على كتاب ربها وسنة نبيها صلي الله عليه وسلم وكانت على مثل ما كان عليه رسول الله صلي الله عليه وسلم وصحابته الكرام ، وتابعت خير القرون فيما كانوا عليه من علم نافع وعلم صالح ، وحرص على تحقيق الأخوة الإيمانية و الوحدة الإسلامية ، قال تعالي ﴿ وَإِلَـهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ ﴾ البقرة : 163 ، وقال سبحانه ﴿ إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ ﴾ الأنبياء : 92

عندما يرتفع الإنسان بإسلامه عن حضيض الحزبية و العصبية وسائر النعرات القبلية ، وتتسع نظرته بإتساع دعوة الإسلام ، وتكون دوافعه وبواعثه إيمانية ، لا بد أن يقدر معني التضامن الإسلامي حق قدره ، ويسعي فى سبيل تحقيقه باذلاً الغالي والرخيص ومحتسباً ذلك عند من لا تخفي عليه خافية لعلمه أن ذلك من أهم الواجبات والفرائض اللازمة . فلا يتم أمر العباد فيما بينهم . ولا تنتظم مصالحهم ولا تجتمع كلمتهم ولا يهابهم عدوهم إلا بالتضامن الإسلامي الذي حقيقته التعاون على البر والتقوي والتكامل والتناصر ، والتعاطف والتناصح ، والتواصي بالحق والصبر عليه ،.

نمر بوقت تتربص بنا فيه قوي الشر والكفر ، قد أعلنوها حرباً على الإسلام و أهله ، وكما اجتمعو قديما ً وقالوا : ﴿ فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا وَقَدْ أَفْلَحَ الْيَوْمَ مَنِ اسْتَعْلَى﴾ طه : 64 ، ﴿ وَانطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ ﴾ ص : 6 وكذلك صنعوا اليوم فأقاموا النظم و الهيئات العالمية ، التي راح المسلمون يدورون فى فلكها نتيجة تفرقهم وضعفهم بدلا من أن يسعوا لإقامة نظامهم العالمي الذي إرتضاه لهم ربهم وخالقهم ﴿ قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا ﴾ الأعراف : 158﴿ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ ﴾ ص : 87- 88 فلسنا جزءاً من النظام العالمي الجديد لكي نوافقه ، بل نحن أصحاب رسالة ودين ، لا بد من إبلاغه الى الخلق كافة ﴿ لأُنذِرَكُم بِهِ وَمَن بَلَغَ ﴾ الأنعام : 19

 

ولا ننكر أن أسباب ضعفنا – التي مكنت الأعداء من رقابنا – كثيرة ، ودواعي فرقتنا الحاضرة عديدة ، ولكن هذا كله ، لا يمنعنا من الأخذ بالأسباب ، والإهتمام بالبدايات فلا نجعل الخلاف بيننا فى الأقوال والمذاهب وفى الملك والسياسات والأغراض الشخصية حائلاً يحول بيننا وبين تحقبق الأخوة الدينية والرابطة الإيمانية .

 

بل نجعل الخلافات كلها لهذا الأصل الكبير ، فمصلحة الإجتماع ، مصلحة كلية وطلب الدين بالوحدة والألفة ومنعه لنا من التفكك يأتي على ذلك أجمع ويقدم على كل شئ ، وكما هو معلوم فالمصالح العامة تتبعها المصالح الخاصة ، ولا بد من نكران الذات ، وإحلال العقلية الجماعية مكانها اللائق بها ، فالإخاء الخاص لا يعني نسيان الإخاء العام ، والإهتمام بالمسجد لا ينبغي أن يشغلنا عن الإهتمام بأمور المسلمين فى شتي بقاع الأرض ، والمحلية فى حساباتنا لا تتعارض مع عالمية الدعوة ، و أن نكون على مستوي إسلامنا وديننا فى كل آن وحين ، حتي و إن عذب الأول وسجن الثاني ، وكان الثالث مستضعفا ً ، فهذا لا يغير من الحقائق شيئا ً ، فالمستقبل لدين الله تعالي بغلبته وظهوره على الأديان كلها ، وهذا يستلزم أن يعود المسلمون أقوياء فى معنوياتهم ومادياتهم وسلاحهم ، وعلينا من الآن أن نسعي فى إزالة الضغائن والعدوات الواقعة بينهم ، وأن يكون صوت المسلمين واحداً يتكلم به ويدعو إليه العلماء والكبراء.

 

ومما يسهل هذا الأمر أن نعلم أن هذا السعي ، هو من افضل الأعمال ، انه افضل من استغراق الزمان بالصوم والصلاة ، فأصل الجهاد اتفاق الكلمة وإرتباط المسلمين بالأخوة الدينية ارتباطاً وثيقا ﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ ﴾ الحجرات : 10 وهذا الأرتباط من اعظم أسباب النصر : ﴿ وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مَّا أَلَّفَتْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَـكِنَّ اللّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌأَ﴾ الأنفال : 62- 63 ، فالتأييد هنا حدث بأمر سماوى وأمر معنوى , وهو اجتماع المسلمين و تآلف قلوبهم و حصول التحاب الذى يوجب لكل منهم أن يرى مصلحته و مصلحة إخوانه واحدة و الغاية واحدة , فالواجب على رؤساء الدين و الدنيا العمل لتحقيق الإرتباط , لأنه من مقتضيات الإيمان , وكلما قوى إيمان العبد عرف مقدار نفع هذا الأمر , بل التفكك و التحزب و التعصب المقيت دليل ضعف العقل أيضاً , قال تعالى: ﴿ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَعْقِلُونَ ﴾ " الحشر : 14 " . وهذه هى حالة المجتمع الإسلامى اليوم فى أقطار الدنيا , يضمر بعضهم لبعض العداوة , وإن جامل بعضهم بعضا فإنه لا يخفى على أحد أنها مجاملة , والسبب ضعف العقل , فالناس إن لم يجمعهم الحق شعبهم الباطل , وإذا لم توحدهم عبادة الرحمن , مزقتهم عبادة الشيطان , وإذا لم يستهويهم نعيهم الأخرة تخاصموا على متاع الدنيا , يا قوم : إن الرابطة هى الإسلام , نصير به كالجسد الواحد, وبدونه ترتكس لمثل حالة الجاهلية الأولى أو أشد تفرقا و ضياعا , وفى الحديث : " لا ترجعوا بعدى كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض " ( متفق عليه من حديث ابن عباس و غيره ).

 

إن رابطة الدين تتلاشى أمامها رابطة النسب و العصبية , والتفرق من خصائص أهل الجاهلية , فأين يعقل قوله سبحانه : ﴿وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ﴾ " آل عمران : 103 " . نؤتى من قلة عدد , لكن سنؤتى بسبب الذنوب و المعاصى ومن أعظمها التفرق و الاختلاف ﴿ أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ الأنفال : 64

وإذا افترقن تكسرت آحادا ً تأبي الرماح إذا اجتمعن تكسرا ً

 

لقد كان درس الوحدة من أعظم الدروس التي خرج بها المسلمون من يوم بدر وأحد ، قال تعالي ﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنفَالِ قُلِ الأَنفَالُ لِلّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُواْ اللّهَ وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بِيْنِكُمْ وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ﴾ الأنفال : 1 ولما قال البعض يوم أحد ﴿ أَنَّى هَـذَا﴾ " آل عمران : 165 " كانت الإجابة : ﴿ قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ ﴾ " آل عمران : 165 " , ثم شرعت الأيات توضح الأسباب : ﴿ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الأَمْرِ وَعَصَيْتُم مِّن بَعْدِ مَا أَرَاكُم مَّا تُحِبُّونَ مِنكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنكُم مَّن يُرِيدُ الآخِرَة ﴾ " آل عمران : 152 ".

 

ويوم بنى قريظة , صف النبى صلى الله عليه و سلم من صلى فى الطريق ومن لم يصلى العصر إلا فى بنى قريظة – صفا واحدا ثم قاتل بهم الأعداء : ﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُم بُنيَانٌ مَّرْصُوصٌ ﴾ " الصف : 4 " , فأين من يخرج هوى النفس و يقول : والله أنا كنت أظلم , أو يقول : حقى لأخى , و يمتثل قول النبى صلى الله عليه و سلم فى المتخاصمين : " خيرهما من يبدأ بالسلام " , وأين أولى الأحلام و النهى على مستوى الفرد و الجماعة و الدولة , الذين يعظمون حرمات الله , ويسعون لسد الثغرات وإقامة الواجبات , ويصلون الدنيا بالأخرة و الأرض بالسماء , لا نشك أنهم كثير بإذن الله , سيبدأون مستعينين بالله , ورعاية الله و توفيقه تحوطهم و تبارك سعيهم , حتى وإن كان الطريق محفوفا بالمخاطر و العقبات , فمسيرة آلاف الأميال تبدأ بخطوة واحدة , وبداية السيل قطرة , ولا يحقرن أحدكم من المعروف شيئاً , وابدأوا بأنفسكم- رحمكم الله- إصلاحا ً و تهذيبا ً وسيراً فى طريق الوحدة والأتحاد ، وليكن الحق رائدكم والحكمة ضالة المؤمن أينما وجدها التقطها , و شيخ الإسلام حبيب إلى أنفسنا و الحق أحب إلينا منه , ولا تكتفوا بالحماسات و الشعارات , فلابد من إعمال القواعد الشرعية لتحقيق الأخوة الإيمانية و الوحدة الإسلامية حتى تؤتى دعوتكم المباركة ثمارها بإذن الله و كلنا على ثغرة من ثغور الإسلام , فليحذر أن يؤتى الإسلام من قبله و لنحسن التوكل على خالق الأرض و السموات , فقلوب العباد بيده سبحانه دون أحد سواه , وندعوه جل فى علاه أن يجعل صمتنا فكراً , و نطقنا ذكراً , ونظرنا عبراً .

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .