كيف تحب الله

الناقل : elmasry | الكاتب الأصلى : ياسر برهامى. | المصدر : www.alsalafway.com

كيف تحب الله

 

 كتبه/ ياسر برهامى.

 

قال تعالى:(يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلةٍ على المؤمنين أعزةٍ على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم ) المائدة:54.

وقال عز وجل: (قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ) آل عمران :31.

وقال : (والذين آمنوا أشد حباً لله ) البقره :165.

وفى حديث أنس رضي الله عنه مرفوعاً :" ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان : أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما" رواه البخاري ( 16 ،21 ,6041،6941) ومسلم(43).

 

وحب الله تعالى هو حياة القلوب ، ونعيم الأرواح، وبهجة النفوس، وقرة العيون، وأعلى نعيم الدنيا والآخرة. قال ابن القيم رحمه الله في المد ارج(3/6):" المحبة وهي المنزلة التي فيها تنافس المتنافسون، وإليها شخص العاملون، وإلى علمها شمر السابقون، وعليها تفانى المحبون، وبروح نسيمها تروح العابدون، فهي قوت القلوب وغذاء الأرواح،وقرة العيون،وهي الحياة التي من حرمها فهو من جملة الأموات،والنور الذي من فقده فهو في بحار الظلمات،والشفاء الذي من عدمه حلت بقلبه جميع الأسقام، واللذة التي من لم يظفر بها فعيشه كله هموم وألام، وهي روح الإيمان والأعمال والمقامات، والأحوال التي متى خلت منها فهي كالجسد الذي لا روح فيه، تحمل أثقال السائرين إلى بلاد لم يكونوا- إلا بشق الأنفس- بالغيها، وتوصلهم إلى منازل لم يكونوا- بدونها أبدا- واصليها ، وتبوئهم من مقاعد الصدق مقامات لم يكونوا- لولاها- داخليها، وهي مطايا القوم التي سراهم على ظهورها دائما إلى الحبيب ، وطريقهم الأقوم الذي يبلغهم إلى منازلهم الأولى من قريب ، تالله ، لقد ذهب أهلها بشرف الدنيا والآخرة، إذ لهم من محبة محبوبهم أوفر نصيب،وقد قضى الله يوم قدر مقادير الخلائق بمشيئته،وحكمته البالغة- أن المرء مع من أحب ، فيا لها من نعمه على المحبين سابغه" اهـ.

 

والمحبة لا توصف ، ولا تعرف، إنما يعرفها من وجدها ، وذاقها ، وإنما البحث في أسبابها وموجباتها،وعلامتها،وشواهدها.

 

وقال أيضا رحمه الله في المد ارج (3/17):

الأسباب الجالبه للمحبة والموجبة لها،وهي عشر:

أحدها:قراءة القرآن بالتدبر،والتفهم لمعانيه،وما أريد به، كتدبر الكتاب الذي يحفظه العبد، ويشرحه،ليتفهم مراد صاحبه منه.

الثاني:التقرب إلى الله بالنوافل بعد الفرائض،فإنها توصله إلى درجة المحبوبية بعد المحبة.

الثالث:دوام ذكره على كل حال باللسان،والقلب،والعمل،والحال،فنصيبه من المحبة على قدر نصيبه من الذكر. الرابع: إيثار محابه على محابك عند غلبة الهوى،والتسنم إلى محابه،وإن صعب المرتقى.

الخامس: مطالعة القلب لأسمائه ،وصفاته،ومشاهدتها،ومعرفتها،وتقلبها في رياض هذة المعرفة، وميادينها،فمن عرف الله بأسمائة وصفاتة وأفعالة ، أحبه لا محالة، ولهذا كانت المعطلة،والفرعونية، والجهمية قطاع الطريق على القلوب بينها وبين الوصول إلى المحبوب.

السادس: مشاهدة بره،وإحسانه، وآلائه،ونعمه الظاهرة والباطنه، فإنها داعية إلى محبته.

السابع: وهو من أعجبها:انكسار القلب بكليته بين يدي الله تعالى.

الثامن: الخلوة به وقت النزول الإلهي،لمناجاته,وتلاوة كلامه،والوقوف بالقلب،والتأدب لأدب العبودية بين يديه،ثم ختم ذلك بالاستغفار ، والتوبة .

التاسع: مجالسة المحبين الصادقين، والتقاط أطايب ثمرات كلامهم، كما ينتقى أطايب الثمر، ولا تتكلم إلا إذا ترجحت مصلحة الكلام،وعلمت أن فيه مزيدا لحالك،ومنفعة لغيرك.

العاشر: مباعدة كل سبب يحول بين القلب وبين الله عز وجل. فمن هذة الأسباب العشرة : وصل المحبوب إلى منازل المحبة ، ودخلوا على الحبيب. وملاك ذلك كله أمران: 1-استعداد الروح لهذا الشأن 2-انفتاح عين البصيرة وبالله التوفيق.اهـ .

 

وقال أيضا في المد ارج(3/8)-في علامات المحبة-:"تالله، ماهزلت فيستامها المفلسون، ولا كسدت فيبيعها بالنسيئة المعسرون، لقد أقيمت للعرض في سوق من يزيد،فلم يرض لها بثمن دون بذل النفوس، فتأخر البطالون،وقام المحبون ينظرون أيهم يصلح أن يكون ثمنا،فدارت السلعة بينهم ووقعت في يد(أذلة على المؤمنين على الكافرين) المائدة :54 لما كثر المدعون للمحبة طولبوا بإقامة البينة على صحة الدعوة،فتنوع المدعون في الشهود،فقيل : لا تقبل إلا ببينة(قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله) آل عمران: 31 فتأخر الخلق كلهم،وثبت أتباع الحبيب صلى الله عليه وسلم في أفعاله،وأقواله،وأخلاقه،فطولبوا بعدالة البينة بتزكية(يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم) المائدة : 54 فتأخر أكثر المحبين،وقام المجاهدين،فقيل لهم: إن نفوس المحبين،وأموالهم ليست لهم فهلموا إلى بيعة: (إن الله إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة) التوبة :111 فلما عرفوا عظمة المشتري ،وفصل الثمن، وجلالة من جرى على يدية عقد التبايع ، عرفوا قدر السلعة،وأن لها شأنا،فرأوا من أعظم الغبن أن يبيعوها لغيره بثمن بخس،فعقدوا معه بيعة الرضوان بالتراضي ،من غير ثبوت خيار،وقالوا :"والله لا نقيلك ولا نستقيلك"،فلما تم العقد وسلموا المبيع قيل لهم: مذ صارت نفوسكم وأموالكم لنا رددناها عليكم أوفر ما كانت ،وأضعافها معاًً (ولا تحسبن اللذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياءٌ عند ربهم يرزقون * فرحين بما أتاهم الله من فضله ) آل عمران: 169-170 إذا غرست شجرة المحبة في القلب،وسقيت بماء الإخلاص،ومتابعة الحبيب ،أثمرت أنواع الثمار،واتت أكلها كل حين بإذن ربها،أصلها ثابت في قرار القلب،وفرعها متصل بسدرة المنتهى" اهـ فالمحبة حقيقة العبودية ، وإنما تمكن الأعمال الأخرى-من الحمد،والشكر،والخوف ،والرجاء، والصبر، والزهد، والحياء، والفقر، والشوق، والإنابة- باستمرار المحبة في القلوب، وهي حقيقة الإخلاص ، بل حقيقة شهادة أن لا إله إلا الله .